اطبع هذه الصفحة


طرقتْ بابيَ مساءً

ماجد بن محمد الجهني
الظهران

 
(1/2)

قبل أيامٍ وفي مساء ليلةٍ عائلية رائعة وأنا جالسٌ مع أبنائي طرقَ بابَ البيت طارقٌ ، فقمتُ لتلبية طرقه على عجل ، وقد كان ظني أنه أحد الزملاء أو الأقارب أو أحد جماعة جامعنا وله حاجةٌ يريدها أن تُقضى.

تقدمتُ إلى الباب وفتحته وإذا بي أمام امرأةٍ تقفُ وقد كساها حجابُها حلةً من الوقار والمهابة.عندها تراجعت للخلف متفاجئاً من الطارق ولحظة طروقه لباب منزلي ، فنحن الآن قرابة الساعة التاسعة والربع مساءً فما الذي أخرج هذه الوقورة من بيتها في هذه الساعة؟،وقبل أن أواصل التحليق مع خيالات الأسئلة قالت لي وبصوت منخفض: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ ماجد ، فأجبتها:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لم أكد أنتهي من ردي على تحيتها حتى انهمرت في موجة بكاءٍ وهي تقول:إنني أعتذرُ عن قدومي في مثل هذا الوقت ولكنني جئت أشكو إلى الله ثم إليك زوجاً أهملني ، وأهمل أولاده من ورائه بعد أن تركني وإياهم لمجاهل الأيام ومطارق الزمن مع أنه وللأسف رجل يصلي خلفك معظم الفروض وتعرفه جيداً...إنه أبو(...)وذكرت رجلاً أعرفه جيداً ، وأعلمُ أنه مع صلاته حبيس عادات ظالمة حاربها الإسلام وشنع عليها لأنها تحط من قدر من رفع الله قدرهن من شقائق الرجال ، وعزيزات البيوت ، وكريمات المسلمين.

واصلت حديثها بصوتها المليء بالأسى والخجل : إن زوجي كريمٌ مع البعيدين ، وشحيحٌ معي ومع أبنائه ومنزله الذي أكل الدهرُ وشرب على أثاثه المتهالك.
يخرجُ من بيته طوال النهار حتى وقت متأخر من الليل دون أن يوفر ما أقوتُ به عياله مما اضطر معه للخروج لشراء ما ينقصنا من حاجيات المنزل لأمارس دوراً ليس لي وكان الأولى به زوجي الذي أهملني وأهمل بيته وأبنائه.
وتواصل زائرتي حديثها: زوجي أهمل أولاده فلا متابعة ولا تربية حتى كبروا على ما رأوا والدهم عليه من الخروج من المنزل إلى ساعةٍ متأخرة من الليل لأعيش لحظاتٍ رهيبةٍ في غيابهم ، وهو ما يحملني على الخروج إلى الشوارع بحثاً عنهم حتى أعيدهم للمنزل لخوفي من أن تتخطفهم أيدي الفساد إلى انحراف وضياع في المخدرات أو أي موبقٍ من الموبقات.

زوجي وللأسف لا يجيدُ شيئاً كما يجيد فن توبيخي ونهري وتهديدي بالطلاق والفراق بعد هذا العمر وأمام أولادي ، بل إنه ويا لحسرة فؤادي يهزأ من والدي المريض مما جعل أبناءه يقومون بالاستهزاء بنفس الطريقة.
زوجي وشريك حياتي عشت معه على الحلوة والمرة فكان جزائي التهميش والتوبيخ والإهانة والضرب والتطاول علي وعلى أسرتي ، واليوم أشكو همي إلى الله عزوجل ثم إليك لتعظه في نفسه ولتقول له قولاً بليغاً فقد بلغ بي الضر مبلغه وأنا اليوم امرأةٌ كبيرةٌ ومريضةٌ أطمحُ إلى راحة البال وهدوء النفس وليس لي حلم سوى حفظ كرامتي وأبنائي من المستقبل الغامض.

أرجوك أن تحاول التدخل لدى زوجي بطريقة غير مباشرة وبإمكانك طلب زيارته إلى بيته لتطلع على حالنا في البيت بنفسك مع ما يملكه من مال ولكنه يبخل به على أقرب الناس إليه وينفقه على جماعته وجلسائه في الاستراحات والمخيمات تباهياً وتفاخراً في الوقت الذي أكل الدود عتبات منزله.

كل ذلك قالته وأنا مطرقٌ قد تحجر الدمع في مقلتي على حال بعض نسائنا ، وظلم بعض رجالنا....وعند هذه اللحظة توقف القلم ليعاود النزف مع تداعيات هذه القصة الواقعية في المقال القادم بإذن الله...ودمتم بخير.
 



(2/2)


لقد بثت تلك المرأة هماً ثقيلاً تقول عنه إنه أتعبها كثيراً ، وللحق فإنني لا ألومها على تلك المشاعر الخانقة التي ذهبت بأنفاسها مع كل كلمة تخرج من فمها وكأني بها تستحضر مشهد السنوات التي قالت عنها بأنها سنوات صبر مرير على واقعٍ رضيت بها حفاظاً على الزوج والأبناء وكيان الأسرة المهددة بالإحباط من كل جانب.
لقد جاءت هذه المرأة بنفسية محطمة ، ومع ذلك كان لابد من فتح نافذة لها إلى عالم الأمل المشرق لأن الحياة تصبح قاتمة اللون إذا لم نفتح فيها بوابة أمل بغدٍ أكثر نصاعةً ووضاءة.
إنني مع إكباري لصبرها إلا أنني أودُّ أن أهتف في أذنها وأذن كل زوجة مبتلاة بأن تصبر وتصابر وتحتسب وتعلم بأن الله عزوجل لن يضيع أجر الصابرين.

البلاء قد ينزل على أي مسلمٍ ذكراً كان أو أنثى ، وإذا حل بساحة مسلم أو مسلمة فليس له علاج إلا الدعاء والابتهال إلى الله تبارك وتعالى ، وكم من مكروب ومكروبةٍ لاذوا بحمى الله تعالى وألحوا عليه بالدعاء والرجاء قبل أن يلحوا على الخلق فانفرجت همومهم من بعد شدة ، وتيسرت أمورهم من بعد عسر(فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا).

ولا يفوتني أن أدعو كل زوجٍ بأن يتقيَ الله تعالى في زوجته وأولاده ، وأن يعلم أن المرأة التي أخذها بكلمة الله تعالى إنما هي أمانة عظيمة سيسأله الله تبارك وتعالى عنها وعن فعله معها إن خيراً فبها ونعمت وإن شراً فلا يلومنَّ إلا نفسه.

إنها دعوةٌ للأزواج المشاكسين بأن يتذكروا أن الأصل في العلاقة بين الزوجين هي علاقة المودة والمحبة والتآلف والتراحم ، وهذه العلاقة هي السر في السعادة التي تظلل بيوت المسلمين الذين يفقهون المقاصد الشرعية للزواج حيث يقول جل جلاله:(( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)).
المودة والرحمة تعني أن الزوجة ليست شيئاً ثانوياً في هذه الحياة ، بل هي والله أصلٌ لكل شيءٍ جميل يظلل الحياة العائلية ، والنساء رياحين خلقهنَّ الله عزوجل ليملئن حياة الأزواج بهجة وسعادة ، ولو أن الأزواج ذكوراً وإناثاً استحضروا قاعدة الشراكة ووحدة المصير والهدف الذي يظلل حياتهم لتغلبوا على الكثير والكثير من الصعوبات والمنغصات التي تأتي بها ضغوط الحياة من هنا أو من هناك.

البيوت لا تخلو من المشاكل ، وهي كالملح على الطعام ، ولكن تلك المشاكل بحاجة إلى مبضع الجراح الماهر ، وحذاقة الربان الذكي الذي يجيد قيادة سفينة أسرته وسط عواصف الحياة.
وكم يكون الأمر مؤلماً للمرأة حين يتحول الزوج وهو ملاذ الحماية بعد الله عزوجل إلى عاملٍ من عوامل الهدم لا البناء ، والخوف لا الأمن ، والحاجة لا الاكتفاء ، والفساد لا الإصلاح.

الزوج مطالبٌ بشدة بأن يوفر أسباب العيش الكريم الآمن لزوجته وأولاده قدر استطاعته ، وهو مسؤول أمام الله تبارك وتعالى عن تربية الأبناء لأن تضييعهم وعدم متابعتهم من الجرائم التي تهز كيان المجتمع بأسره....فيا أيها الأزواج التفتوا إلى زوجاتكم وأولادكم ، واتقوا الله فيما استرعاكم عليه من رعية وتذكروا هتاف نبيكم في أذن الزمان حين قال:"ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته"....ودمتم بخير.
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية