اطبع هذه الصفحة


الديمقراطية...بريقٌ يزيف الحقيقة

ماجد بن محمد الجهني
الظهران

 
الحديث عن الديمقراطية يحلو كثيراً لبعض مثقفينا العرب الذين يرون فيها حلماً طالما عاشوا منافحين عنه ، وهم يرون فيها نموذجاً للحكم الحلم الذي يجب أن يحتذيه العرب خصوصاً والمسلمون عموماً إذا ما أرادوا التطور واللحاق بركب الغرب.
المولعون بالحديث عن الديمقراطية في نمطها الغربي لا يخفون أبداً إعجابهم التام بذلك النموذج بل يتجاوزون ذلك إلى أن بعضهم يرى أنها هي المخلص لنا من كثير من مشاكلنا وعقدنا التي جعلتنا في الصفوف الخلفية في هذا العالم المليء بالتحديات.
نسمعُ كثيراً بمصطلحات الحرية والعدل والمساواة والإخاء والوفاق الإنساني التي تقترن بالديمقراطية ، ولكن هل هذه المصطلحات البراقة والجميلة تم تحقيقها على أرض الواقع الغربي أصلاً قبل أن يطالب بتطبيقه في عالمنا المنهزمون من أبناء هذه الأمة؟.

إنه في الوقت الذي يروج الغربيون ممثلون في الولايات المتحدة الأمريكية للديمقراطية في عالمنا العربي نجد أن هناك صيحات نابعة من الغرب نفسه تقول لنا وبصوت عال: (إن الديمقراطية أكذوبةٌ من الأكاذيب التي انطلت عليهم) فكيف تستغفلنا الولايات المتحدة وأتباعها بمثل تلك المصطلحات؟.
هذا الكلام ليس رجماً بالغيب ولا منطقاً يخلو من القرائن بل هو حقيقةٌ تتضح يوماً بعد يوم ، وهذا مع العلم بأن الانتقاد للديمقراطية في الغرب قد بدأ منذ مرحلة مبكرة فهذا أرسطو في كتابه"السياسة" قدَّمَ تصنيفاً سداسياً لأشكال الحكم وضع من خلاله الديمقراطية ضمن أشكال الحكم المنحرفة والفاسدة ، وكذلك أفلاطون في كتابه الجمهورية صنف الديمقراطية ضمن نظم الحكم الفاسدة ، ويرى أرسطو أيضاً أن النظام الديمقراطي ما هو إلا عبارة عن حكم طغياني مُقسَّم على عدة أفراد.
الديمقراطية حالة من الحكم الطغياني القائم على مجموعة من المصطلحات والشعارات الزائفة والدليل على ذلك هو الغرب نفسه ففي الوقت الذي تتحدث الديمقراطية فيه عن الحريات وحقوق الأقليات نجدها هي بنفسها تحارب هذه المبادئ ففي إسبانيا مثلاً يعلن الدستور بكل صراحة أن إسبانيا دولة كاثوليكية ، وأن حق الانتخاب محصورٌ في الأسبان الكاثوليك..فأين الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات من هذا؟.

هذا الأمر سائدٌ في كثير من نظم الغرب الديمقراطية التي بُنيت على مبادئ واهية ففي إيطاليا أيضاً لا صوت يعلو فوق صوت الكاثوليك لأن الكاثوليكية قبل الديمقراطية حيث يقول الدكتور عبدالعزيز صقر:( في إيطاليا فإن الكثلكة تأتي دائماً قبل الديمقراطية ولا موضع للديمقراطية إذا تعلق الأمر بإقصاء الوصاية الكنسية عن الحياة السياسية حتى لو أدى ذلك إلى مصادرة ملايين الأصوات التي يدلي بها الناخبون لصالح حزب يعارض القيم الكاثوليكية).
وهكذا الحال في أكثر من دولة غربية وديمقراطية حيث النظرية تخالف التطبيق ، وأما مسألة النزاهة والشفافية التي يتحدث البعض بها مثنياً من خلالها على النظم الديمقراطية فهي أمرٌ نسبي وتحكمه المصالح والتجاذبات والتقاطعات والدليل على ذلك ما ذكره جريج بالاست المحقق الصحفي الأمريكي بعنوان:( أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها) حيث ذكر فضائح الديمقراطية الغربية ممثلةً في النموذج الأمريكي الذي يهيم به بعض مثقفي العربان وكشف بالحقائق والأرقام جملةً من الخروقات الكارثية للنظام الديمقراطي ومن ذلك ما قام به جيب بوش حاكم فلوريدا وهو الأخ الشقيق للرئيس الأمريكي في عام 2000م إبان الانتخابات الأمريكية عندما قام بإلغاء سبعة وخمسين ألفاً وسبعمائة صوت باعتبار أن أصحابها مجرمون ، وهو أمرٌ غير صحيح ومخالف للحقيقة فهؤلاء جميعهم أبرياء ، وبذلك خسر المرشح آل جور حوالي اثنين وعشرين ألف صوت.

هذه هي الديمقراطية بصورتها الكالحة الحقيقية التي هي عبارة عن كذب وشعارات براقة ، وشراء للذمم بالمال وعنصرية واضحة وتعصبٌ للعرق واللون والجنس والديانة بل والمذهب أيضاً ، وبذلك استحقت أن تكون وبكل جدارة نموذجاً سيئاً وفاشلاً للحكم الطغياني الاستبدادي المليء بالفساد حتى الثمالة.
إن الكثيرين من محرري كبريات الصحف الغربية يتجنبون الحديث عن الديمقراطية حيث يقول الدكتور عبدالعزيز صقر:(لقد أثبتت الدراسات أن ثلث المحررين الغربيين تقريباً لا يقبلون الفكرة الديمقراطية أو الترويج لها في كتاباتهم).

في الغرب اليوم أصوات تجاهر بمناهضة الديمقراطية وتقول إنها تمخضت عن استبداد الأغلبية ، وانتشار الجهل ، ولأنها أيضاً أصبحت واجهةً مزيفة لحكم القلة.
ومع هذا الانتقاد الغربي للديمقراطية هناك من يروج لها كفكرة وكنظام للحكم في العالم العربي والإسلامي في مقابل التزهيد في حكم الشريعة والاستهزاء بحملتها والمنادين بتطبيقها في الواقع بدعوى عدم صلاحها لزماننا ، وهم يريدون منا أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
إنه لا يصلح للبشرية ولن يصلحها إلا حكم الله تعالى الذي أنزله الله عزوجل على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأن أعلم الخلق بالخلق هوالخالق جل وعلا.

ماجد بن محمد الجهني-الظهران
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية