اطبع هذه الصفحة


صحة حديث فضل صيام يوم عرفة والرد على من ضعفه

خالد الردادي


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان.

وبعد:
فقد عرض علي بعض الإخوة ـ وفقه الله ـ بحثاً لبعض الناس زعم فيه ضعف حديث أبي قنادة في فضيلة صيام يوم عرفة لمن يكن بعرفة :

‏عن ‏ ‏أبي قتادة ‏ ‏قال :‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏‏ ((صيام يوم ‏‏ عرفة ‏ ‏إني ‏ ‏أحتسب ‏ ‏على الله أن يكفر السنة التي قبوالذي خرّجه الإمام مسلم

في "صحيحه" وغيره ،وقد استدل الكاتب على ماذهب إليه بما يلي:

1) أن إسناد الحديث مداره على :عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني عن أبي قَتَادَة به ، و لا يصح له سماع من أبي قَتَادَة .
2) إيراد بعض أئمة الحديث في عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني في كتب الضعفاء لعدم سماعه من أبي قَتَادَة ،جعله يدعي أنهم حكموا بضعف الحديث وإعلاله من أجل هذا !
3) تضعيفه لشواهد الحديث رغم صحة بعضها.
4) أن يوم عرفة يوم أكل وشرب لأنه يعتبر عيداً للمسلمين فلا يصومه المسلم!

هذه مجمل أدلة الكاتب ،ولاريب أن هذا الصنيع جرأة وتعدي من الكاتب ـ هداه الله ـ على مكانة الصحيح بدون حجة ولابرهان ،لم أر من سبقه لمثله!

وقبل مناقشته في شبهه التي زعم أنها حجج ، أذكر تخريج الحديث وطرقه إن شاء الله ثم أعود لمناقشته فيما ادعاه !

قال الإمام مسلم في "صحيحه"(1162):
حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، واللفظ لابن المثنى قالا :حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن غيلان بن جرير سمع عبد الله بن معبد الزماني ،عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه به مرفوعا.

وأخرجه عبد الرزاق (7826)و(7831)و(7865)،وابن أبي شيبة (3/78)،وأحمد(303،5/ 297،308،310_311)،وأبوداد(2425)و(2426)،والترمذي(752) ،النسائي في "الكبرى"(2318)،وابن ماجه(1730)و(1738)،وابن خزيمة(2087)و(1713) و(1730)و(1738)،وابن حبان(3631)و(3632)،والطحاوي في"شرح معاني الآثار"(2/77)،وفي"مشكل الآثار"((2967)و(2968)،وأبوعوانة(2545)،والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/286و300)،وفي "شعب الإيمان"(3761)،وفي"فضائل الأوقات"(184)،وابن عبد البر في "التمهيد"(21/162)،والبغوي(1789)و(1790)،والقاضي أبويعلى في"طبقات الحنابلة"(1/326)،وابن حزم في "المحلى"(7/17) من طرق عن غيلان بن جرير ،عن عبد الله بن معبد به.

درجة الحديث :


والحديث كما تقدم خرّجه الإمام مسلم في "صحيحه" .

قال الترمذي:"حديثُ أبي قَتَادَةَ حديثٌ (( حسنٌ.)) وقد اسْتَحَبَّ أهلُ العلمِ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلاَّ بِعَرَفَة"َ.

وقال النسائي في "الكبرى"(2/153):
((هذا أجود حديث في هذا الباب عندي)).

وصححه ابن خزيمة ،وابن حبان ،وابن ناصر الدمشقي في "مجلس في فضل يوم عرفة"(ص41)،وابن القيم في "حاشية سنن أبي داود"(7/76).

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(21/162):
((...ولكنه صحيح عن أبي قتادة من وجوه روى شعبة عن غيلان بن جرير المعولي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة قال سئل رسول الله ص عن صوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية ذكره أبو بكر بن أبي شيبة،عن شبابة عن شعبة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن غيلان بن جرير سمع عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: يكفر السنة الماضية والباقية ،وسئل عن صوم يوم عاشوراء ؟فقال: يكفر السنة الماضية .وهذا إسناد حسن صحيح)).

وقال البغوي في "شرح السنة"(6/243):
((..هذا حديث صحيح أخرجه مسلم..)).

وقال ابن قدامة في"المغني":"وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه ـ يعني يوم عرفة ـ يكفر سنتين" .

وقال ابن حجر في"الفتح"(4/237):
((..وله باب صوم يوم عرفة أي ما حكمه وكأنه لم تثبت الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه واصحها حديث أبي قتادة أنه يكفر سنة آتية وسنة ماضية أخرجه مسلم وغيره)).

والحديث أورده عامة أهل العلم في كتب الأحكام والفضائل مقرين بصحته ،ولم يتعرض له أحد منهم بالإعلال خاصة الذين تعقبوا الشيخين أو أحدهما كالدارقطني وابن عمار وابن العطار . وقد ذكر جماعة من أهل العلم الإجماع على تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول ما لم يكن منتقداً عليهما أو على أحدهما ، وحديثنا هذا من الأحاديث التي لم ينتقدها ويعلّها أحد منهم كما تقدم .

ونعود الآن لمناقشة الكاتب فيما ادعاه :


أولاـ
عدم سماع عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني من أبي قَتَادَة.فالإسناد منقطع!

وحجته في هذا قول الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ :
"لانعرف سماعه ـ يعني عبد الله بن مَعْبَد ـ من أبي قَتَادَة".
[التاريخ الكبير3/67و5/198 التاريخ الصغير 1/266].

وكلام الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ يمكن أن يجاب عنه بما يلي:


أـ قوله:( لانعرف سماعه من أبي قتادة) يعني به :
أنه لم يقف على التصريح بالسماع لا أنه حكم على عدم السماع ، وإلا لقال: لم يسمع منه ،أوقال: مرسل ،كما هي عادته ـ رحمه الله ـ.

ب ـ أن جماعة من الأئمة أثبتوا سماعه ولم يروا قول البخاري شيئاً، كما دل عليه صنيع من صحح حديثه: مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم ،والمثبت مقدم على النافي كما يعلم.

جـ ـ أن ابن أبي حاتم(1/260) والدارقطني ذكروا هذا الحديث في "العلل" مرجحين بين أوجه الاختلاف في أسانيده على غيلان بن جرير ولم يعلّوه بالانقطاع وعدم سماع عبد الله بن مَعْبَد من أبي قَتَادَة مطلقاً ،ولوكانت هذه علّة لديهم لصاحوا بها.

فقد سئل الدارقطني كما في "العلل"(6/152):
(( عن حديث عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة :أن رسول الله سئل عن رجل صام الدهر ؟فقال: لا صام ولا أفطر، وسئل عمن يصوم يومين ويفطر يوما ؟قال: وأيكم يطيق ذلك الحديث بطوله .

فقال: يرويه غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني .

واختلف عنه فرواه واختلف عنه فقال سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة .

وقيل :عن شعبة عن قتادة عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة ورواه منصور بن زاذان والحكم بن هشام عن قتادة عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة ،لم يذكر بينهما غيلان، وقيل: عن الحكم عن أيوب عن عبد الله بن معبد ولا يصح ذكر أيوب فيه .

ورواه شعبة بن الحجاج ومهدي بن ميمون وأبان العطار وأبو هلال الراسبي وحماد بن زيد :عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة .

إلا أن أبا هلال من بينهم جعله عن أبي قتادة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،والصحيح عن أبي قتادة أنه سمع رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله كيف من يصوم الدهر؟

ورواه حجاج بن الحجاج عن غيلان .

واختلف عنه فرواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة.

وخالفه هارون بن مسلم العجلي وكان ضعيفا رواه عن حجاج عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن عبد الله بن أبي قتادة ،ووهم في ذكر عبد الله بن أبي قتادة .
والصواب قول قتادة وشعبة ومن وافقهما )).

دـ قال ابن حزم في "المحلى"(7/18) : "وقد تكلم في سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة".

ثم أجاب عن هذا فقال (7/19) : "وأما سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة فعبد الله ثقة والثقات مقبولون لا يحل رد رواياتهم بالظنون ".

هـ ـ الذي اعتمده ورجحه المزي في "التهذيب"(16/168)،والذهبي وابن حجر صحة سماعه من أبي قتادة .

قال ابن حجر في "التهذيب"(6/36):
"عبد الله بن معبد الزماني البصري روى عن أبي قتادة وأبي هريرة وعبد الله بن عتبة بن مسعود وأرسل عن عمر وعنه قتادة وغيلان بن جرير وثابت البناني والحجاج بن عتاب العبدي .

قال النسائي: ثقة ،وقال أبو زرعة: لم يدرك عمر ،قلت: وقال البخاري لا يعرف سماعه من أبي قتادة ..".

وقال الذهبي في"ديوان الضعفاء"(ص229):
"قال البخاري:لايعرف له سماع من أبي قتادة،قلت ـ الذهبي ـ:لايضره ذلك ".

ثانياً ـ
أما عن إيراد بعض أئمة الحديث في عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني في كتب الضعفاء لعدم سماعه من أبي قَتَادَة.

فإن من المعلوم أن أئمة الجرح والتعديل يذكرون ويوردون في مصنفاتهم في "الضعفاء" كل من تكلم فيه سواء كان الكلام قادحا في عدالته أو غير قادح ،والشواهد على هذا كثيرة ،فهاهو الإمام العقيلي يورد الإمام الكبير علي بن المديني في كتابه في الضعفاء ، حتى قال الذهبي مستنكرا عليه صنيعه هذا : أما لك عقل يا عقيلي!.

وبالجملة فالأمر كما قال ابن حجر في"التهذيب"(6/36):
"وذكره بن عدي من أجل قول البخاري "!

وقد تقدم مناقشة كلام الإمام البخاري قريبا .

ثالثاً ـ
وأما عن شواهد الحديث والتي زعم الكاتب أنها ضعيفة واهية لاتصلح لتقويته ! فإليك بيانها :
1) أخرج عبد بن حميد (194_منتخبه)،والحميدي (429)،وأحمد(5/296و304و307)،والنسائي في "الكبرى"(2/10،151)،والبيهقي(4/283)،وفي"الشعب"(3762)و(3781)،وابن عبدالبرفي "التمهيد"(21/162)من طرق عن إياس بن حرملة عن أبي قتادةعن النبي صلى الله عليه وسلم:" صوم عاشوراء يكفر السنة الماضية وصوم عرفة يكفر السنتين الماضية والمستقبلة".
قال البخاري في"التاريخ الكبير"(3/67):" ..ولم يصح إسناده".
وقال ابن عبد البر:
"وهذا الحديث اختلف في إسناده اختلافا يطول ذكره، وأبو الخليل وأبو حرملة لا يحتج بهما وطائفة تقول :أبو حرملة؛ وطائفة تقول : حرملة بن إياس الشيباني، ولكنه صحيح عن أبي قتادة من وجوه .. " .

وقال الألباني في "الإرواء"(4/109):"وإسناده جيد في المتابعات ،وفي تسمية راويه عن أبي قتادة اختلاف ذكره الحافظ في ترجمة حرملة هذا من "التهذيب"،والصواب كما قال أبو بكر بن زياد النيسابوري أنه حرملة المذكور،ورواه ابن أبي شيبة (2/165/2)فأسقطه من الإسناد ،أو هكذا وقعت الرواية له".

2) وأخرج عبد بن حميد(464_منتخبه)،وابن أبي شيبة(3/97)،وأبويعلى في"مسنده"(7510)،والطبراني في"الكبير"(6/220)عن سهل بن سعد قال
:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من صام يوم عرفة غفر له سنتين متتابعين".

قال المنذري في"الترغيب"(2/68)،والهيثمي في"مجمع الزوائد"(3/189):
" ورجال أبي يعلى رجال الصحيح".

3) وأخرج ابن ماجه(1731)،وعبد بن حميد(967_منتخبه)من طريق إسحاق بن عبد الله عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده ".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/75):
"هذا إسناد ضعيف لضعف إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ،لكن لم ينفرد به إسحاق بن عبد الله عن عياض بن عبد الله فقد تابعه على ذلك زيد بن أسلم كما رواه البزار في "مسنده" (1053_كشف الأستار)عن محمد بن عمر بن هياج عن عبيد الله بن موسى عن عمر بن صهبان عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بلفظ :"من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه "الحديث ،إلا أنه لم يذكر قتادة، وكذلك رواه الطبراني في "الأوسط"(1574_مجمع البحرين) عن أحمد بن زاهر عن يوسف بن موسى القطان عن سلمة بن الفضل عن حجاج بن أرطأة عن عطية عن أبي سعيد به .
وله شاهد في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي قتادة "اهـ.

وانظر:"مجمع الزوائد"(3/189)،و"إرواء الغليل"(4/109_110).

4) وأخرج الطبراني في"الأوسط"(1573_مجمع البحرين)عن سعيد بن جبير قال سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة فقال:" كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدله بصوم سنتين"

قال الطبراني:له عند النسائي (2828_الكبرى):"نعدله بصوم سنة" .

وقال المنذري في"الترغيب"(2/43):"رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن".

والهيثمي في"المجمع"(3/190):"وهو حديث حسن".

5) وأخرج الطبراني في"الكبير"(،5/202ح:5089) عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:أنه سئل عن صيام عرفة قال :
" يكفر السنة التي أنت فيها ،والسنة التي بعدها".
قال الهيثمي في"المجمع"(3/190):"وفيه رشيدين بن سعد وفيه كلام وقد وثق".

قلت: بل هو ضعيف الحديث،قال الذهبي في"الميزان"(2/49):
" قال أحمد :لا يبالي عمن روى وليس به بأس في الرقاق ،وقال :أرجو أنه صالح الحديث ، وقال ابن معين: ليس بشيء ،وقال أبو زرعة: ضعيف ، وقال الجوزجاني :عنده مناكير كثيرة .

قلت ـ الذهبي ـ:كان صالحـاً عابداً سيء الحفظ غير معتمد، وقال أبو يوسف الرقي: إذا سمعت بقية يقول: حدثنا أبو الحجاج المهري فاعلم أنه رشدين بن سعد،وعن قتيبة قال :ما وضع في يد رشدين شيء إلا وقرأه ،وقال النسائي :متروك".

6)
وأخرج الطبراني في"الأوسط"(1576_مجمع البحرين)،وفي"الصغير"(964)من طريق الهيثم بن حبيب ،عن سلام الطويل ،عنحمزة الزيات ،عن ليث بن أبي سليم ،عن مجاهد،عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين ومن صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوم".
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/190):"وفيه الهيثم بن حبيب عن سلام وعن سلام ضعيف وأما الهيثم بن حبيب فلم أر من تكلم الذهبي إتهمه بخبر رواه وقد وثقه ابن حبان".
وقال الألباني في "الضعيفة"(1/411حديث:412):

"وهذا ذهول عجيب،وإلا فكيف يسلم من البأس إذا كان فيه ذاك المتهم:الطويل! قال فيه ابن خراش:كذاب.وقال ابنحبان:يروي عن الثقات الموضوعات،كأنه كان المعتمدلها.وقال الحاكم:روى أحاديث موضوعة.

والحديث رواه الطبراني أيضاً في"الكبير"(1/109)من هذا الوجه بالشطر الأول فقط.وهذا القدر منه صحيح لأن له شواهد كثيرة منها حديثأبي قتادة مرفوعا...أخرجه مسلم وغيره.."اهـ.

وبالجملة فهذه شواهد الحديث وهي بمجموعها تدلل على صحة ثبوته .

رابعاً ـ
أماعن زعمه أن يوم عرفة يوم أكل وشرب لأنه يعتبر عيداً للمسلمين وعليه فلاينبغي صيامه!
فالكاتب ـ هداه الله ـ يبدو أنه لايفرِّق بين جواز صيامه لمن لم يكن بعرفة ،وبين عدم جواز صيامه لمن كان بعرفة !
ويبدو كذلك أن الكاتب لاحظ له من النظر في أقوال العلماء في هذه المسألة ؛وإلا لما أتى بهذه الغرائب والعجائب!
فأني لم أر ـ حسب علمي ـ من قال بعدم جواز صوم يوم عرفة مطلقاً، وهو مااعاه الكاتب ـ هداه الله ـ!

قال الترمذي:
" وقد اسْتَحَبَّ أهلُ العلمِ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلاَّ بِعَرَفَةَ".
وقال ابن القيم في "حاشية سنن أبي داود"(7/76):
((.. فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفطر بعرفة وصح عنه أن صيامه يكفر سنتين، فالصواب أن الأفضل لأهل الآفاق صومه ولأهل عرفة فطره لاختياره صلى الله عليه وسلم ذلك لنفسه وعمل خلفائه بعده بالفطر، وفيه قوة على الدعاء الذي هو أفضل دعاء العبد ،وفيه أن يوم عرفة عيد لأهل عرفة فلا يستحب لهم صيامه ..)).

وقال ابن قدامة في"المغني"(3/58):
"أكثر أهل العلم يستحبون الفطر يوم عرفة بعرفة ،وكانت عائشة وابن الزبير يصومانه، وقال قتادة : لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، وقال عطاء :أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، لأن كراهة صومه إنما هي معللة بالضعف عن الدعاء فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة ".

وجاء في"فتح الباري"(4/237):
"باب صوم يوم عرفة
*حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مالك قال : حدثني سالم قال : حدثني عمير مولى أم الفضل أن أم الفضل حدثته. ح . وحدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عمبر مولى عبد الله بن العباس عن أم الفضل بنت الحارث:
أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في بوم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : هو صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم . فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه .

*حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب -أو قرىء عليه - قال : أخبرني عمرو عن بكير عن كريب عن ميمونة رضي الله عنها :
أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف ، فشرب منه والناس ينظرون .
قوله: (باب صوم يوم عرفة) أي ما حكمه ؟ وكأنه لم تثبت الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه وأصحها حديث أبي قتادة انه يكفر سنة آتية وسنة ماضية أخرجه مسلم وغيره ، والجمع بينه وبين حديثي الباب أن يحمل على غير الحاج أو على من لم يضعفه صيامه عن الذكر والدعاء المطلوب للحاج كما سيأتي تفصيل ذلك ....

(تنبيه ) : روى الإسماعيلي حديث ابن وهب بثلاثة أسانيد: أحدها عنه عن مالك بإسناده ، والثاني عنه عن عمرو بن الحارث عن سالم أبي النضر شيخ مالك فيه به ، والثالث عن عمرو عن بكير به ، واقتصر البخاري على أحد أسانيده اكتفاء برواية غيره كما سبق .

واستدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة، وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ ، نعم روى أبو داود و النسائي وصححه ابن خزيمة و الحاكم من طريق عكرمة أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وأخذ بظاهره بعض السلف فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال : يجب فطر يوم عرفة للحاج ، وعن ابن الزبير وأسامة بن زيد وعائشة : أنهم كانوا يصومونه ، وكان ذلك يعجب الحم ت ويحكيه عن عثمان ، وعن قتادة مذهب آخر قال : لا باس به إذا لم يضعف عن الدعاء ، ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم ، واختاره الخطابي والمتولي من الشافعية ، وقال الجمهور :

يستحب فطره ، حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم ، وقال الطبري إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة، وقيل إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم ، ويبعده سياق أول الحديث ، وقيل إنما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ، ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام ..."اهـ.

وقال النووي في"المجموع"(6/401):
"ويستحب لغير الحاج[صوم] يوم عرفة لما روى أبوقتادة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صوم يوم عاشوراء كفارة سنة ، وصوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة قبلها ماضية وسنة بعدها مستقبلة" .

ولا يستحب ذلك للحاج لما روت أم الفضل بنت الحارث أن ناساً اختلفوا عندها في يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم هو صائم ، وقال بعضهم ليس بصائم ، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب منه ، ولأن الدعاء في هذا اليوم يعظم ثوابه ، والصوم يضعفه فكان الإفطار أفضل "اهـ.

وقال المنذري في"الترغيب"(2/69):
"اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة ،فقال ابن عمر: لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه ،وكان مالك والثوري يختاران الفطر ،وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة، وروي ذلك عن عثمان بن أبي العاصي ،وكان إسحاق يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول :أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف ،وقال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء ،وقال الشافعي: يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج فأما الحاج فأحب إلي أن يفطر لتقويته على الدعاء ، وقال أحمد بن حنبل :إن قدر على أن يصوم صام وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوة"اهـ.

وقال ابن رجب في"لطائف المعارف"(ص485_486):
"و لما كان عيد النحر أكبر العيدين و أفضلهما و يجتمع فيه شرف المكان و الزمان لأهل الموسم كانت لهم فيه معه أعياد قبله و بعده فقبله و بعده فقبله يوم عرفة و بعده أيام التشريق .

و كل هذه الأعياد أعياد لأهل الموسم ، كما في حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يوم عرفة و يوم النحر و أيام التشريق عيدنا أهل الإسلام و هي أيام أكل و شرب ، خرجه أهل السنن و صححه الترمذي.

و لهذا لا يشرع لأهل الموسم صوم يوم عرفة لأنه أول أعيادهم و أكبر مجامعهم و قد أفطره النبي صلى الله عليه و سلم بعرفة و الناس ينظرون إليه . و روي أنه نهي عن صوم يوم عرفة بعرفة ، و روي عن سفيان بن عيينة : أنه سئل عن النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة ؟ فقال : لأنهم زوار الله و أضيافه و لا ينبغي للكريم أن يجوع أضيافه ".

وقال أيضاً:
"فمن طمع في العتق من النار و مغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التى يرجى بها العتق و المغفرة فمنها :

صيام ذلك اليوم ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله و التي بعده "...".

وبعد:
هذا ماتيسر جمعه على عجالة ،ولعل فيه كفاية وغنية لمن رام الحق والسداد،والله الموفق والمعين .

وكتب /
راجي رحمة ربه العلي
أبوياسر خالد الردادي .

 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية