اطبع هذه الصفحة


من اشتهر بالسُرعةِ والعدْوِ عند العرب

عبدالعال سعد الرشيدي


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ


كانت العرب تفتخر بالكرم والشجاعة والشعر والبيان وليست هذه الأمور محصورٌ بها الفخر ولكن هذا أظهر ما كان عندهم بل كانوا يفتخرون بالحلم والرماية والعفة والسرعة بالعدو وما أشبه ذلك . ومما اشتهر وعرف بالعدائين هم الصعاليك غالباً فيما أعلم. وقد ذكرت جملة مما وقفت عليه ممن واشتهر بالسرعة والعدو . ومن ذلك .

◙ سليك بن سُلَكَةَ السعدى .

واسم أبيه عمرو بن يثربىّ ويقال عمير وهو من بنى كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
وهو أحد أغربة العرب وهُجَنَائِهم وصعاليكهم ورُجَيْلَائِهم. وكان له بأس ونجدة.وهو منسوب إلى أمه سُلَكَةَ وكانت سوداء .
كان أدلّ الناس بالأرض، وأجودهم عدوا على رجليه، وكان لا تعلق به الخيل. وقالت له بنو كنانة حين كبر: إن رأيت أن ترينا بعض ما بقى من إحضارك؟ فقال: اجمعوا لي أربعين شابّا وابغوني درعاً ثقيلة، فأخذها فلبسها، وخرج الشباب، حتّى إذا كان على رأس ميل أقبل يحضر، فلاث العَدْوَ لوثا ، واهتبصوا في جنبتيه فلم يصحبوه إلا قليلا، فجاء يُحضِر منتبذا حيث لا يرونه، وجاءت الدرع تخفق في عنقه كأنّها خِرقةٌ. ([1])
ذكر أَبُو عُبَيْدَة كَمَا نَقله حَمْزَة الأَصْبَهَانِيّ فِي الدرة الفاخرة: أَن السليك رَأَتْهُ طلائع لجيش بكر بن وَائِل جاؤوا متجردين ليغيروا على بني تَمِيم وَلَا يعلم بهم فَقَالُوا: إِن علم بِنَا السليك أنذر قومه فبعثوا إِلَيْهِ فارسين على جوادين فَلَمَّا هايجاه خرج يعدو كَأَنَّهُ ظَبْي فطارداه يَوْمًا أجمع ثمَّ قَالَا: إِذا كَانَ اللَّيْل أعيا فَيسْقط فنأخذه.
فَلَمَّا أصبحا وجدا أَثَره قد عثر بِأَصْل شَجَرَة وَقد وثب وانحطمت قوسه فوجدا قِطْعَة مِنْهَا قد ارتزت بِالْأَرْضِ فَقَالَا: لَعَلَّ هَذَا كَانَ من أول اللَّيْل ثمَّ فتر فتبعاه فَإِذا أَثَره متفاجاً([2]) قد بَال فِي الأَرْض وخدها فَقَالَا: مَاله قَاتله الله مَا أَشد مَتنه وَالله لَا نتبعه فانصرفا. وَوصل السليك إِلَى قومه فأنذرهم فَكَذبُوهُ لبعد الْغَايَة وَجَاء الْجَيْش فَأَغَارُوا عَلَيْهِم.([3])
 
◙ تأبط شراً :

هو ثابت بن جابر بن سفيان بن عميثل بن عدي بن كعب بن حزن .
سبب تسميته بتأبط شراً : في تلقيبه بتأبط شراً، أربعة أقوال أحدها وهو المشهور أنه تأبط سيفاً وخرج، فقيل لأمه: أين هو، فقالت لا أدري تأبط شراَ وخرج. الثاني: أن أمه قالت له في زمن الكمأة: ألا ترى غلمان الحي يجتنون لأهلهم الكمأة فيروحون بها! فقال لها: أعطيني جرابك حتى أجتني لك فيه. فأعطته فملأه لها أفاعي من أكبر ما قدر عليه، وأتى به متأبطاً له، فألقاه بين يديها، ففتحته فسعين بين يديها في بيتها، فوثبت وخرجت ؛ فقال لها نساء الحي: ماذا كان الذي تأبط ثابت اليوم؟ قالت: تأبط شراً. الثالث: أنه رأى كبشاً في الصحراء فاحتمله تحت إبطه، فجعل يبول طول الطريق عليه، فلما قرب من الحي ثقل عليه حتى لم يقله، فرمى به فإذا هو الغول! فقال له قومه: بم تأبط يا ثابت؟ فأخبرهم، فقالوا: لقد تأبط شراً. الرابع: أنه أتى بالغول فألقاه بين يديها، فسئلت أمه عما كان متأبطاً، فقالت ذلك؛ فلزمه. ([4])
عدوه :
قال الأصفهاني أخبرني عمي عن الحَزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال نزلت على حي من فهم إخوة بني عدوان من قيس فسألتهم عن خبر تأبط شراً فقال لي بعضهم وما سؤالك عنه أتريد أن تكون لصاً قلت لا ولكن أريد أن أعرف أخبار هؤلاء العدائين فأتحدث بها فقالوا نحدثك بخبره إن تأبط شراً كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين وكان إذا جاع لم تقم له قائمة فكان ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه ثم يشويه فيأكله. ([5])

◙ الشنفرى .

أسمه : الشنفرى ابن مالك الأزدي .
عدوه :
أغار تأبط شراً والشنفرى الْأَزْدِيّ وَعَمْرو بن براق على بجيلة فوجدوا بجيلة قد أقعدوا لَهُم على الماء رصداً فَلَمَّا مالوا لَهُ فِي جَوف اللَّيْل قَالَ لَهُم تأبط شرا: إِن بِالْمَاءِ رصداً. وَإِنِّي لأسْمع وجيب قُلُوب الْقَوْم أَي: اضْطِرَاب قُلُوبهم قَالُوا: وَالله مَا نسْمع شَيْئا وَلَا هُوَ إِلَّا قَلْبك يجب فَوضع يَده على قلبه فَقَالَ: وَالله مَا يجب وَمَا كَانَ وجاباً قَالُوا: فَلَا وَالله مَا لنا بُد من وُرُود المَاء فَخرج الشنفرى فَلَمَّا رَآهُ الرصد عرفوه فَتَرَكُوهُ فَشرب ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: وَالله مَا بِالْمَاءِ أحد وَلَقَد شربت من الْحَوْض فَقَالَ تأبط شرا: بلَى لَا يريدونك وَلَكِن يريدونني.
ثمَّ ذهب ابْن براق فَشرب ثمَّ رَجَعَ فَلم يعرضُوا لَهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِالْمَاءِ أحد فَقَالَ تأبط شرا: بلَى لَا يريدونك وَلَكِن يريدونني ثمَّ قَالَ للشنفرى: إِذا أَنا كرعت فِي الْحَوْض فَإِن الْقَوْم سيشدون عَليّ فيأسرونني فَاذْهَبْ كَأَنَّك تهرب ثمَّ ارْجع فَكُن فِي أصل ذَلِك الْقرن فَإِذا سمعتني أَقُول: خُذُوا خُذُوا فتعال فاطلقني. وَقَالَ لِابْنِ براق: إِنِّي سآمرك إِن تستأسر للْقَوْم فَلَا تبعد مِنْهُم وَلَا تمكنهم من نَفسك.
ثمَّ أقبل تأبط شرا حَتَّى ورد المَاء فَلَمَّا كرع فِي الْحَوْض شدوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ وكتفوه بِوتْر وطار الشنفرى فَأتى حَيْثُ أمره وانحاز ابْن براق حَيْثُ يرونه فَقَالَ تأبط شرا: يَا بجيلة هَل لكم فِي خير هَل لكم أَن تياسرونا فِي الْفِدَاء ويستأسر لكم ابْن براق فَقَالُوا: نعم وَيلك يَا ابْن براق إِن الشنفرى قد طَار فَهُوَ يصطلي نَار بني فلَان وَقد علمت الَّذِي بَيْننَا وَبَين أهلك فَهَل لَك أَن تستأسر ويياسرونا فِي الْفِدَاء فَقَالَ: أما وَالله حَتَّى أروز نَفسِي شوطاً أَو شوطين.
فَجعل يعدو فِي قبل الْجَبَل ثمَّ يرجع حَتَّى إِذا رَأَوْا أَنه قد أعيا وطمعوا فِيهِ اتَّبعُوهُ ونادى تأبط شرا: خُذُوا خُذُوا فَذَهَبُوا يسعون فِي أَثَره فَجعل يُطعمهُمْ وَيبعد عَنْهُم وَرجع الشنفرى إِلَى تأبط شرا فَقطع وثَاقه فَلَمَّا رَآهُ ابْن براق قد قطع عَنهُ انْطلق وكر إِلَى تأبط شرا فَإِذا هُوَ قَائِم فَقَالَ: أعجبكم يَا معشر بجيلة عَدو
ابْن براق أما وَالله لأعدون لكم عدوا أنسيكموه ثمَّ انْطلق هُوَ والشنفرى. انْتهى. ([6])
 
قال الأصفهاني : وذرع خطو الشنفرى ليلة قتل فوجد أول نزوة نزاها إحدى وعشرين خطوة ثم الثانية سبع عشرة خطوة . ([7])

◙ حاجز بن عوف :

هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الأخثم ابن نصر بن الأزد وهو خليف لبني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي وهو شاعر جاهلي مقل ليس من مشهوري الشعراء وهو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب وممن كان يعدو على رجليه عدواً يسبق به الخيل .
عدوه :
قال عوف بن الحارث الأزدي لابنه حاجز بن عوف أخبرني يا بني بأشد عدوك قال نعم أفزعتني خثعم فنزوت نزوات ثم استفزتني الخيل واصطف لي ظبيان فجعلت أنهنههما بيدي عن الطريق ومنعاني أن أتجاوزها في العدو لضيق الطريق حتى اتسع واتسعت بنا فسبقتهما . ([8])

◙ الأعلم حبيب بن عبد الله الهذلي

ذكر الأصفهاني : أن الأعلم أخو صخر الغي أحد صعاليك هذيل وكان يعدو على رجليه عدواً لا يُلحق واسمه حبيب بن عبد الله فخرج هو وأخواه صخر وصخير حتى أصبحوا تحت جبل يقال له السطاع في يوم من أيام الصيف شديدُ الحر وهو متأبط قربة لهم فيها ماء فأيبستها السموم وعطشوا حتى لم يكادوا أن يبصروا من العطش فقال الأعلم لصاحبيه أشرب من القربة لعلي أن أرد الماء فأروى منه وانتظراني مكانكما وكانت بنو عدي بن الديل على ذلك الماء وهو ماء الأطواء يتفيؤون بنخل متأخر عن الماء قدر رمية سهم فأقبل يمشي متلثماً وقد وضع سيفه وقوسه ونبله فيما بينه وبين صاحبه فلما برز للقوم مشى رويداً مشتملاً فقال بعض القوم من ترون الرجل فقالوا نراه بعض بني مدلج بن مرة ثم أعاد نقابه ورجع في طريقه رويداً فصاح القوم بعبد لهم كان على الماء هل عرفت الرجل الذي صدر قال لا فقالوا فهل رأيت وجهه قال نعم هو مشقوق الشفة فقالوا هذا الأعلم وقد صار بينه وبين الماء مقدار رمية سهم آخر فعدوا في أثره وفيهم رجل يقال له جذيمة ليس في القوم مثله عدواً فأغروه به وطردوه فأعجزهم ومر على سيفه وقوسه ونبله فأخذه ثم مر بصاحبيه فصاح بهما فضبرا معه فأعجزوهم .([9])
 
◙ أبي خراش الهذلي  

 أبو خراش اسمه خويلد بن مرة بن عمرو بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار .
عدوه :  
ذكر الأصفهاني : أن أبو خراش الهذلي دخل مكة وللوليد بن المغيرة المخزومي فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة فقال للوليد ما تجعل لي إن سبقتهما قال إن فعلت فهما لك فأرسلا وعدا بينهما فسبقهما فأخذهما .([10])              
         
◙ فضل وبرغوش :

قال ابن كثير : وكان معز الدولة البويهي وهو أول من أجرى السعاة بين يديه ليبعث بأخباره إلى أخيه ركن الدولة سريعاً إلى شيراز، وحظي عنده أهل هذه الصناعة وكان عنده في بغداد ساعيان ماهران، وهما فضل، وبرغوش.([11])
وقال ابن الأثير : عن معز الدولة وهو الذي أحدث أمر السعاة، وأعطاهم عليه الجرايات الكثيرة، لأنه أراد أن يصل خبره إلى أخيه ركن الدولة سريعاً، فنشأ في أيامه فضل ومرغوش، وفاقا جميع السعاة، وكان كل واحد منهما يسير في اليوم نيفا وأربعين فرسخا، وتعصب لهما الناس، وكان أحدهما ساعي السنة، والآخر ساعي الشيعة. ([12])
ونظراً إلى ما لقيه هذان الرجلان من تقدير الناس وإعجابهم بهما ، فإنهما فاقا جميع السعاة ، وكان كل واحدٍ منهما يسير في اليوم نيفاً وأربعين فرسخاً . 
قال كوركيس عواد : فإذا اتبعنا قول بعضهم أن الفرسخ يساوي خمسة كيلو مترات وسبعمائة وثلاثة وستين متراً ، بلغ ما كان يقطع الواحد منهما في اليوم زهاء (230 كيلو متراً ) وهي لعمري سرعة عظيمة لا تكاد تصدق .([13])
 

عبدالعال سعد الرشيدي
الكويت
 

------------------------------
([1]) الشعر والشعراء . لـ ابن قتيبة (1/365 رقم 49 ) .
([2]) هو تباعد ما بين الرِّجلين .
([3]) خزانة الأدب . لـ البغدادي ( 3/346 )  .مجمع الأمثال . للميداني ( 2/47) .
([4]) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب . لـ الألوسي ( 2/345) .
([5]) الأغاني ( 21/87 ) .
([6]) خزانة الأدب . لـ البغدادي ( 3/344 ) مجمع الأمثال . للميداني ( 2/46) .
([7]) الأغاني ( 21/122) .
([8]) الأغاني ( 13/143) .
([9]) الأغاني ( 22/502) .
([10]) الأغاني ( 21/138) .
([11]) البداية والنهاية ( 11/279 سنة 356هـ ) .
([12]) الكامل في التاريخ  ( 5/347 سنة 356هـ ) .
([13]) الذخائر الشرقية .لـ كوركيس عواد ( 5/50) .
 

 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية