صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مختارات من كتاب [[ الأخلاقُ والسِّيَر ]] لابن حزمٍ الأندلسيِِّ -رحمه الله-.

أبو الهمام البرقاوي
@HOOMAAM


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد.

فهذه ومضةٌ من فوائد ابن حزم -رحمه الله- في كتابه [الأخلاق والسِّير] وليس الكتابُ مستحقا؛ لأن يُختار منه، فكلُّه مختار، إلا أن من الكتب ِ ما لا يَتعرَّفُ النَّهِمُ عليها إلا ببعض جرعة ينالُها، فتكون الفاتحةَ في أخذ الجرعة كلِّها، وأنا قد اخترتُ ما يسَّر الله لي اختياره، مع الحرص على عدم التطويل؛ لئلا يُستهان بقراءته نفسه، فلا يزيد الكتاب عن مئةٍ وثلاثين صفحةً، ينهيه طالب العلمِ المتفرِّغ بيومٍ واحد، ويكسب خبرة سنينَ مديدةٍ بحول ِ الله وقوَّته.

ملاحظة:
الفوائد غير مرقمة ولا مرتبة.

قال في المقدِّمة:

[فإني جمعت في كتابي هذا معانيَ كثيرة، أفادنيها واهب التمييز -تعالى- بمرور الأيام وتعاقب الأحوال؛ بما منحني عز وجل من التهمم بتصاريف الزمان، والإشراف على أحواله؛ حتى أنفقت في ذلك أكثر عمري، وآثرت تقييد ذلك بالمطالعة له، والفكرة فيه على جميع اللذات = التي تميل إليها أكثر النفوس، وعلى الازدياد من فضول المال، وزممت كل ما سبرت من ذلك بهذا الكتاب ؛ لينفع الله تعالى به من يشاء من عباده؛ ممن يصل إليه بما أتعبت فيه نفسي، وأجهدتها فيه، وأطلت فيه فكري، فيأخذه عفوًا، وأهديته إليه هنيئا؛ فيكون ذلك أفضل له من كنوز المال، وعقد الأملاك، إذا تدبره ويسره الله تعالى لاستعماله.

وأنا راج في ذلك من الله تعالى أعظم الأجر لنيتي في نفع عباده، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، ومداواة علل نفوسهم، وبالله أستعين].

- وإذا أردت أن تعطي أحدا شيئا فليكن ذلك منك قبل أن يسألك، فهو أكرمُ وأنزهُ، وأوجبُ للحمد.

- من بديع ما يقع في الحاسد، قول الحاسد-إذا سمع إنسانا يغرب في علم ما- : هذا شيء بارد، لم يتقدم إليه، ولا قاله قبله أحد، فإن سمع من يبين ما قد قاله غيره، قال: هذا بارد وقد قيل قبله! [ وهذه طائفة سوء يصدون الناس عنها، ليكثر نظراؤهم من الجهال ].

- الاستهانة بالمتاع دليل على الاستهانة برب المتاع.

- حالان يحسن فيهما ما يقبح من غيرهما، وهما: المعاتبة، والاعتذار ، فإنه يحسن فيهما تعديد الأيادي، وذكر الإحسان، وذلك غاية القبح فيما عدا هذين الحالين.

- العِرض أعز على الكريم من المال.

- ربّ مخوف ٍ كان التحفّظ منه سببَ وقوعه، وربّ سر كانت المبالغة في طيّه علةَ انتشاره، وربّ إعراضٍ أبلغ في الاسترابة من إدامة النظر، وأصل ذلك كله الإفراط الخارج عن حد الاعتدال.

- الخطأ في الحزم خير من الخطأ في التضييع.

- من العجائب أن الفضائل مستحسنة مستثقلة، والرذائل مستقبحة مستخفة.

- من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه، فإنه يلوح له وجه تعسفه.

- ليس الحِلم تقريبَ العدو، ولكنه مسالمتهم مع التحفظ منهم.

- كم شاهدنا ممن أهلكه كلامه، ولم نر قط أحدا ولا بلغنا: أنه أهلكه سكوته، فلا تتكلم إلا بما يقربك من خالقك، فإن خفت ظالما فاسكت.

- داء الإنسان بالناس أعظم من دائه بالسباع الكلِبة، والأفاعي الضاربة، لأن التحفظ من كل ما ذكرنا ممكن، ولا يمكن التحفظ من الإنسان أصلا.

- كل من غلبت عليه طبيعة ما، فإنه -وإن بلغ الغاية من الحزم والحذر- فإنه مصروع إذا كويد من قِبَلها.

- أعدل الشهود على المطبوع على الصدق: وجهه ،لظهور الاسترابة عليه إن وقع في كذبة أو همّ بها، وأعدل الشهود على الكذاب: لسانه، لاضطرابه، ونقض بعض كلامه بعضا.

- استعملْ سوء الظن حيث تقدر على توفيته حقه في التحفظ والتأهب؛ واستعمل حسن الظن حيث لا طاقة بك على التحفظ فتربح راحة النفس.

- لا يغتر العاقل بصداقةٍ حادثة له أيام دولة، فكل أحد صديقه يومئذ.

- لا تجب عن كلام نقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله ؛ فإنَّ من نقل إليك كذبا رجع من عندك بحق.

- خطأ الواحد خير في تدبير الأمور من صواب الجماعة، التي لا يجمعها واحد؛ لأن خطأ الواحد في ذلك يُستدرك، وصواب الجماعة يُضري على استدامة الإهمال، وفي ذلك الهلاك.

- لم أر لإبليس أصيدَ، ولا أقبحَ، ولا أحمقَ، من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته:
إحداهما:
اعتذار من أساء، بأن فلانا أساء قبله!
والثانية:
استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس، أو أن يسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره؛ فقد صارت هاتان الكلمتان عذرا؛ مسهِّلتين للشر، ومُدخلتين له في حد ما يعرف ويحمل ولا ينكر.

- لا تحقر مما ترجو به تثقيل ميزانك يوم البعث أن تعجله الآن وإن قل، فإنه يحط عنك كثيرا لو اجتمع لقذف بك في النار.

- وأما سوء الظن فيعدُّه قوم عيبا على الإطلاق! وليس كذلك، إلا اذا أدى صاحبه إلى ما لا يحل في الديانة، أو إلى ما يقبحه في المعاملة وإلا فهو حزم، والحزم فضيلة.

- إنما تأنس النفس بالنفس، وأما الجسد فمستثقل مبروم به؛ ودليل ذلك: استعجال المرء بدفن حبيبه، إذا فارقته نفسه وأسفه لذهاب النفس، وإن كان الجسد حاضرا بين يديه.

- قال ابنُ السَّمّاكِ للرّشيد - وقد دعا بِحضْرَتِهِ بقدح ٍفيه ماءٌ ليشربه - فقال له :يا أمير المؤمنينَ ! فلوْ مُنعتَ هذه الشُّربة ;بگم گنت ترضى أنْ تَبتاعَها ؟! فقال له الرَّشيد :بملكي كلّه . قال له :يا أمير المؤمنين ! فلو مُنِعْتَ خُروجَها منگ بگم ترضى (أن) تفتدي من ذلك ؟! قال: بملكي كله . قال : يا أمير المؤمنين ! أتغتبط بِملكٍ لا يساوي بَوْلةً، ولا شُربةَ ماءٍ ؟! وصدقَ ابنُ السّماك -رحمه الله -.

- وإن أعجبت بقوة جسمك، فتفكر في أنّ البغل والحمار والثور : أقوى منك، وأحمل للأثقال.

- وإن أعجبت بخفتك ، فاعلم أن الكلب، والأرنب، يفوقانك في هذا الباب ! فمن العجب العجيب، إعجاب ناطق بخصلة ٍ يفوقه فيها غير الناطق .

- وأما الاستطالة على من لا يمكنه المعارضة فسقوطٌ في الطبع، ورذالة في النفس والخلق، وعجز ومهانة، ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل جرذ، أو بعقر برغوث، أو بفرك قمّلة، وحسبك بهذا ضعةً وخساسة.

- واعلم أن رياضة النفس أصعب من رياضة الأسد، لأن الأسد إذا سجنت في البيوت التي تتخذ لها الملوك أمن من شرها، والنفس -إن سجنت- لم يؤمن شرها.

- كلما نقص العقل توهّم صاحبه أنه أوفر الناس عقلا، وأكمل ما كان تمييزا.

- وقد يكون العجب مكتنًّا في المرء، حتى إذا حصل على أدنى جاه، أو مالٍ، ظهر ذلك عليه، وعجز عقله عن قمعه وستره. َ

- العاقل لا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة.

- لإبليس في ذم الرياء حبالةٌ، وذلك أنه رب ممتنع ٍ من فعل خير خوفَ أن يُظن به الرياء، فإذا أطرقك منه هذا ، فامضِ على فعلك، فهو شديد الألم عليه.

- باب عظيم من أبواب العقل والراحة، وهو اطّراح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق -عز وجل- بل هذا باب العقل كله، والراحة كلها.

- من حقق النظر ، وراض نفسه على السكون إلى الحقائق -وإن آلمتها في أول صدمة- كان اغتباطه بذم الناس إياه، أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه.

- لو علم الناقص نقصه لكان كاملا.

- استبقاك من عاتبك، وزهد فيك من استهان بسيئاتك.

- لا ترغب فيمن يزهد فيك، فتحصل على الخيبة والخزي.

- لا تزهد فيمن يرغب فيك، فإنه باب من أبواب الظلم، وترك مقارضة الإحسان، وهذا قبيح.

- اكتم سر كل من وثق بك، ولا تفشيه لأحد من إخوانك ولا غيرهم من سرك ما يمكنك طيّه بوجه من الوجوه، ولو أنه أخص الناس بك.

- ولا تبن إلا على أنَّ من أحسنت إليه = أولُ مضر بك، وساع عليك، فإن ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون -لشدة الحسد- كل من أحسن إليهم، إذا رأوه في أعلى أحوالهم.

- لا تنصح على شرط القبول، ولا تشفع على شرط الإجابة، ولا تهب على شرط الإثابة، لكن على سبيل استعمال الفضل، وتأدية ما عليك من النصيحة، والشفاعة، وبذل المعروف.

- أقصى غايات الصداقة التي لا مزيد فيها، من شاركك بنفسه وماله لغير علة توجب ذلك، وآثرك على من سواك.

- النصيحة مرتان، فالأولى فرض وديانة، والثانية تنبيه وتذكير، والثالثة توبيخ وتقريع.

- إذا نصحت فانصح سرا لا جهرا، وبتعريض لا بتصريح، ولا تنصح على شرط القبول، فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم.

-لا تكلف صديقك إلا مثل ما تبذل له من نفسك، فإن طلبت أكثر = فأنت ظالم.

- لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه، ولا ينتفع بمعرفته، فهذا فعل الأرذال، ولا تكتمه ما يستضر بجهله؛ فهذا فعل أهل الشر.

- اللقاء يذهب بالسخائم، فكأن نظر العين إلى العين يصلح القلوب، فلا يسوؤك التقاء صديقك بعدوك، فإن ذلك يُفتِر أمرَه عنده.

- وأما النفوس الكريمة ، فالذلّ عندها أشد مما ذكرنا (المرض، الخوف، الفقر)، وهو أسهل المخوفات عند ذوي النفوس اللئيمة.

- وأما المتيقّظ الطبع، فإنه لا يضع الغفلة إلا في موضعها الذي فيه البحث والتقصي، والتغافلُ فهم للحقيقة، وإضرابٌ عن الطيش، واستعمالٌ للحلم، وتسكينٌ للمكروه، فذلك حمدت حالة التغافل، وذمت الغفلة.

- وأما استبطان الصبر فمذمومٌ؛ لأنه ضعف في الحس، وقسوة في النفس، وقلة رحمة، وهذه أخلاق سوء لا تكون إلا في أهل الشر، وخبث الطبيعة، وفي النفوس السبُعية الردية.

- شكر المحسن فرضٌ واجبٌ، وإنما ذلك بالمقارضة له بمثل ما أحسن فأكثر، ثم التهمم بأموره، والتأتِّي بحسن الدفاع عنه، ثم بالوفاء له حيا وميتا، ولمن يتصل به من ساقةٍ وأهلٍ كذلك، ثم بالتمادي على وده ونصيحته، ونشر محاسنه بالصدق، وطيّ مساويه، ما دمتَ حيا، وتوريث ذلك عقِبك وأهلَ ودك.

- وأما الوقار، ووضع الكلام موضعه، والتوسط في تدبير المعيشة، ومسايرة الناس بالمسالة، فهذه الأخلاق تسمى بالرزانة، وهي ضد السخف.

- المداراة فضيلة متركبة من الحِلم والصبر.

- اثنان عظمت راحتهما:
أحدهما: في غاية الحمد، والآخر في غاية الذم، وهما: مطّرح الدنيا، ومطّرح الحياء.

- من عجيب تدبير الله أن كل شيء اشتدت الحاجة إليه كان ذلك أهون له، وتأمل ذلك في الماء فما فوقه، وكل شيء اشتد الغنى عنه كان ذلك أعز له، وتأمل ذلك في الياقوت الأحمر، فما دونه.

- واعلم أن كثيرا من أهل الحرص على العلم يجِدُّون في القراءة، والإكباب على الدرس والطلب، ثم لا يُرزقون منه حظّا، فلْيعلم أنه لو كان بالإكباب -وحده- لكان غيرُه فوقَه، فصحَّ أنه موهبة من الله -تعالى- فأيُّ مكان للعجب هاهنا؟ ما هذا إلا موضع تواضع ٍ وشكرٍ لله -تعالى-، واستزادةٍ من نعمه، واستعاذةٍ من سلبها.

- لكل شيء فائدة، ولقد انتفعت بمحكّ أهل الجهل منفعة عظيمة، وهي أنه توقّد طبعي، واحتدم خاطري، وحمِيَ فكري، وتهيج نشاطي، فكان ذلك سببا إلى تواليفَ لي عظيمة المنفعة، ولولا استثارهم ساكني، واقتداحهم كامني ما انبعثتُ لتلك التواليف.

- لولا الطمع ما ذل أحد لأحد.

- من امتُحن بقرب من يكره، كمن امتُحن ببعد من يحب ، ولا فرق.

- اقنع بمن عندك، يقنع بك من عندك.

- إذا ارتفعت الغيرة فأيقنْ بارتفاع المحبة.

- الغيرة خلق فاضل متركّب من النجدة والعدل، لأنَّ من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره ، وأن يتعدى غيره إلى حرمته، ومن كانت النجدة طبعا له حدثت فيه عزة، ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام.

- أقصى غايات الصداقة التي لا مزيد فيها، من شاركك بنفسه وماله لغير علة توجب ذلك، وآثرك على من سواك.

- إذا نصحت فانصح سرا لا جهرا، وبتعريض لا بتصريح، ولا تنصح على شرط القبول، فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم.

- إذا حضرت مجلس علم فلا يكن حضورك إلا حضور مستزيد علما وأجرا، لا حضور مستغن بما عندك، طالبَ عثرة تشيعها، أو غريبةٍ تشنّعها، فهذه أفعال الأراذل الذين لا يفلحون أبدا.

- فإذا حضرتها على هذه النية فقد حصلت خيرا على كل حال، فإن لم تحضرها على هذه النية: فجلوسك في منزلك أروح لبدنك، وأكرم لخلقك، وأسلم لدينك.

- إياك وسؤال المتعنّت ، ومراجعة الأكابر، الذي يطلب الغلبة بغير علم، فهما خُلُقا سوء ، دليلان على قلة الدين، وكثرة الفضول، وضعف العقل، وقوة السخف، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

- ولو لم ينه عن الشر إلا من ليس فيه منه شيء، ولا أمر بالخير إلا من استوعبه، لما نهى أحد عن شر، ولا أمر بخير، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وحسبُك بمن أدى رأيه إلى هذا فسادًا، وسوءَ طبع، وذمّ حال، وبالله التوفيق.

- صح عن الحسن أنه سمع إنسانا يقول: لا يجب أن ينهى عن الشر إلا من لا يفعله، فقال الحسن: ودّ إبليس أنه ظفر منّا بهذه، حتى لا ينهى أحد عن منكر، ولا يأمر بمعروف.
قال أبو محمد: صدق الحسن.

(خاتمة)

جعلنا الله ممن يوفق لفعل الخير، والعمل به، وممن يبصر رشد نفسه، فما أحد إلا له عيوبٌ، إذا نظرها شغلته عن غيره، وتوفانا على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، آمين آمين رب العالمين.

تم انتخاب كتاب (الأخلاق والسير) لابن حزم الأندلسي رحمه الله.
تعليق: عبد الحق التركماني.
تحقيق: إيفار رياض.
 

انتخاب:
أبو الهمام البرقاوي.
1436/2/27هـ
2014/12/20م.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية