اطبع هذه الصفحة


حدود الأخلاق
( كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية )

محمد سعيد قاسم
@__5556


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :

للأخلاق حدٌ متى جاوزته صارت عُدواناً ، ومتى قصرت عنه كان نقصاً ومهانة .

فللغضب حدٌ :
وهو الشجاعة المحمودة ، والأنفة من الرذائل والنقائص ، وهذا كماله . فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار ، وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل .

وللحرص حد :
وهو كفاية في أمور الدنيا ، وحصول البلاغ منها ، فمتى نقص من ذلك كان مهانة وإضاعة ، ومتى زاد عليھ ، كان شَرَهًا ورغبة فيما لا تحمد الرغبة فيه .

وللحسد حد :
وهو المنافسة في طلب الكمال ، والأنفة أن يتقدم عليھ نظيره ، فمتى تعدى ذلك صار بغياً وظلماً يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ، ويحرص على إيذائه ، ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس .

وللشهوة حد :
وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والإستعانة بقضائها على ذلك ، فمتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقاً والتحق صاحبها بدرجة الحيوانات ، ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغاً في طلب الكمال والفضل كانت ضعفاً وعجزاً ومهانة .

وللراحة حد :
هو إجمام النفس والقوى المدركة والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بحيث لا يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها ، فمتى زاد على ذلك صار توانياً وكسلاً وإضاعة ، وفات به أكثر مصالح العبد ، ومتى نقص عنه صار مضراً بالقوى موهناً لها وربما انقطع به كالمنبتِّ الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى .

والجود له حد بين طرفين :
فمتى جاوز حده صار إسرافاً وتبذيراً ، ومتى نقص عنه كان بخلاً وتقتيراً .

وللشجاعة حد :
متى جاوزته صار تهوراً ، ومتى نقصت عنه صار جبناً وخوراً ، وحدها الإقدام في مواضع الإقدام ، والإحجام في مواضع الإحجام .

والغيرة لها حد:
إذا جاوزته صارت تهمة وظناً سيئاً بالبريء ، وإذا قصرت عنه كانت تغافلاً ومبادئ دياثةٍ .

وللتواضع حد :
إذا جاوزه مان ذلاً ومهانة ، ومن قصر عنه انحرف إلى الكبر والفخر .

وللعز حد :
إذا جاوزه كان كبراً وخلقاً مذموماً ، وإن قصر عنه انحرف إلى الذل والمهانة .

* وضابط هذا كله العدل :
وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط ، وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة ، بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به ، فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك .
وكذلك الأفعال الطبيعية ، كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك ، إذا كانت وسطاً بين الطرفين المذمومين كانت عدلاً وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصاً وأثمرت نقصاً .

فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود ، ولا سيما حدود المشروع المأمور والمنهي ، فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود ، حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها ماهو داخل فيها ، قوله تعالى {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : ٩٧ ] ، فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلاً .. والله أعلم

-------------------------
* رابط مفيد / كتاب بغداد ذكريات ومشاهدات/ علي الطنطاوي
http://ia601508.us.archive.org/12/items/bgdadbgdad/bgdad.pdf

 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية