اطبع هذه الصفحة


مسألة: إمامة الصبي

أحمد أبو وائل أيمن عمير


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

مسألة: إمامة الصبي([1])


تكلمنا في مصافة الصبي المميز ورأينا انقسام كلام أهل العلم فيها على قسمين في الفرض والنفل وها نحن بعون الله تعالى نستطرف الحديث في مسألة إمامة الصبي للقوم إما أن تكون في صلاة نفل أو فرض.

الأولى: إمامته في الفرض:
اختلف العلماء فيها على قولين:
الأول: أن إمامته صحيحة. وبه قال الإمام الشافعي، وهو رواية عن أحمد اختارها الآجري وصاحب الفائق، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الإْمَامِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا ، فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْفَرَائِضِ أَمِ النَّوَافِل لَكِنَّهُمْ قَالُوا : الْبَالِغُ أَوْلَى مِنَ الصَّبِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ ، لِصِحَّةِ الاِقْتِدَاءِ بِالْبَالِغِ بِالإْجْمَاعِ ، وَلِهَذَا نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الاِقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ .

ولهم على ذلك أدلة وهي:
ما ثبت عن عمرو بن سلمة-رضي الله عنه-أن النَّبيَّ-صلى الله عليه وسلم-,قال لأبيه: (و ليؤمكم أكثركم قرآناً) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني؛ لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين) ([2]).
ووجه الدلالة من الحديث: ( أن هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم-قدموا عَمراً وهو صبيٌّ، وكان ذلك في حياةِ النَّبيِّ-صلى الله عليه وسلم-فلو كانَ غيرَ جائزٍ لبينه؛ إذ لا يصحُّ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، فكانَ ذلك إقراراً لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لو كان غير جائز لنزل الوحي بإنكار ذلك .

.ودليلهم الثاني : ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-,قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقُّهم بالإمامةِ أقرؤهم) ([3]).
فبيَّن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنَّ الأحقَّ بالإمامة هو الأقرأ، ويدخل في ذلك البالغ والصبي المميز؛ لأنه قد يكون أقرأ من البالغين.

القول الثاني: أن إمامته غير صحيحة. وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة، وأدلتهم على ذلك:
حديث:(إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتمَّ به؛ فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد..)الحديث([4]).
فالنَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-نهى عن الاختلاف على الإمام، وصلاةُ الرجالِ فرضٌ، بينما هي في حقِّ الصَّبيِّ نفلٌ؛ لأنه غيرُ مُكلَّفٍ، فحصلَ الاختلافُ بينَ الإمامِ والمأمومِ، وهُو منهيٌّ عنْهُ، فدلَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إمامةِ الصَّبيِّ.
واستدلوا كذلك بحديث عليٍّ-رضي الله عنه-، قال: قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-:(رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ..) الحديث ([5]).
قالوا: بيَّن النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-أنَّ القلمَ رُفِعَ عن الصَّبيِّ حتى يبلغَ، فلا تصح خلفَ من رفع القلم عنه كالمجنون.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"إِلَى صِحَّة إِمَامَة الصَّبِيّ ذَهَبَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق , وَكَرِهَهَا مَالِك وَالثَّوْرَيْ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد رِوَايَتَانِ ، وَالْمَشْهُور عَنْهُمَا الْإِجْزَاء فِي النَّوَافِل دُونَ الْفَرَائِض " انتهى([6]).
ورجح قولُ الشافعيِّ-رحمه الله تعالى- لموافقتِهِ لحديث عمرو بن سلمة الصحيح الصريح في صحة إمامة الصبي، ولأنَّ ما استدلَّ به أصحاب القول الثاني لا يدل على مسألتنا، فأمَّا حديث إنما جعل الإمام.. فهو نهي عن الاختلاف في أفعال الصلاة الظاهرة؛ ولهذا أمر النبي-صلى الله عليه وسلم-بموافقة الإمام في الركوع والرفع وغير ذلك. وأما حديث علي -رضي الله عنه-في بيان رفع القلم عن الصبي فالمقصود رفع التكليف والإيجاب، وليس نفي صحة الصلاة([7]).
وقال والدنا فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "تصح إمامة الصبي بمن هو أكبر منه سناً , لكن إن كان الذي هو أكبر سناً منه قد بلغ فإن المشهور في المذهب أنها لا تصح إمامة الصبي به في الفرض خاصة , والصحيح جواز ذلك , وصحته في الفرض والنفل , ويدل لذلك حديث عمرو بن سلمة الجرمي " انتهى ([8])..
وبوب البخاري:  "باب: إمامة العبد والمولى - وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف - وولد البغي والأعرابي والغلام الذي لم يحتلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله) " ([9]).

المسألة الثانية: إمامة الصبي في النفل:

جَرَى الخلافُ في هذه المسألةِ كسابقتِها، حيث اختلفَ العلماءُ فيها على قولين:
الأولُ: تصحُّ إمامتُهُ. وهو قولُ الإمامِ مالكٍ والشافعيِّ وأحمد، واختارها أكثرُ أصحابِهِ.
وأدلتهم على ذلكَ:
أدلة الشافعية: الأدلة التي سبقت عنهم في مسألة إمامة الصبي في الفرض، فالنفل أولى.
وأما الحنابلة والمالكية الذين يمنعون من إمامة الصبي في الفرض، فعللوا لجواز إمامته في النفل بأن صلاة النفل يدخلها التخفيف([10]).
القول الثاني: لا تصح إمامته.. وهو قول الأحناف. ودليلهم على ذلك:
أنه لا فرق بين النفل والفرض في عدم الصحة، واستدلوا بنفس الأدلة في المسألة السابقة.
والراجح صحة إمامته في النفل؛ لأنها إذا صحت في الفرض ففي النفل من باب أحرى..
والله أعلم، وصلى الله على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

أخوكم المفيد: أحمد الناقل من ثروات كتب الشيخ باختصار..
 

-----------------------------
([1]) تنويه: للاستزادة فيجب الرجوع إلى الأصل لمعرفة المراجع والمصادر الأصلية للشبخ أحمد أبووائل أيمن عمير حفظه الله في كتابه ذاك أو في ضلال السنة.
([2])رواه البخاري في صحيحه (4302) في كتاب المغازي، باب مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة زمن الفتح.
([3])صحيح مسلم (672) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة.
([4])رواه البخاري في مواضع عديدة من صحيحه برقم (378) و (688) و (689) و (722) و (732) و (733) و (734). ومسلم في كتاب الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام رقم (414).
([5])رواه أحمد (943)، والترمذي (1423)، وأبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن ماجه (2041)، والدارقطني (2296). وصححه غير واحد من أهل العلم منهم الألباني في صحيح الجامع (3512).وفي غيره.
([6])من "فتح الباري" (2/186) . وينظر : الأم" ، للإمام الشافعي (193/1).
([7])المجموع للإمام النووي –رحمه الله- (4/131).
([8])"فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (15 / 81) .
([9])ذكره البخاري قبل الحديث 692.
([10])انظر الشرح الكبير (1/408).

 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية