اطبع هذه الصفحة


مسـألة: حكم جلسة الاستراحة

أحمد أبو وائل أيمن عمير


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

مسـألة: حكم جلسة الاستراحة([1])


من جملة تلك المسائل المتعلقة بالركن الثاني من أركان الإسلام، جلسات الصلاة وحكمها لنحقق الإتباع فيها للقدوة العظمى والأسوة الحسنى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - تسليماً كثيرا كما قال ربنا جلَّ وعلا:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}...وسنقتصر على جلسة الاستراحة، إذ أنها محل خلاف بين الفقهاء لنبين حكمها وما يتعلق بها:  

* تعريف جلسة الاستراحة: 

بفتح الجيم؛ لأنها مرة من الجلوس ويجوز كسر الجيم بتقدير إرادة الهيئة؛ لأن فيها قدرا زائدا على الجلسة وذلك هو الهيئة على قدميه وأليتيه.
وتسمى جلسة الأوتار، لأنها تكون بعد الأوتار في الصلاة.
و هي: جلسة خفيفة يجلسها المصلي بعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الاولى، قبل النهوض إلى الركعة الثانية، وبعد الفراغ من السجدة الثانية، من الركعة الثالثة، قبل النهوض إلى الركعة الرابعة.

أدلة القائلين بها:
حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه-: " أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فإذا كان في وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً "([2]).   
يقول ابن القيم: "واختلف الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلاة فيستحب لكل أحد أن يفعلها، أو ليست من السنن وإنما يفعلها من احتاج إليها"([3])

 مذاهب الفقهاء فيها: 
اختلف الفقهاء في حكمها تبعا لاختلاف الأحاديث:
• ذهب إلى استحبابها الشافعي في المشهور عنه وهو كذلك رواية لأحمد نقلها الخلال عنه، واختارها طائفة من أهل الحديث.
• ومنهم من قال لا تشرع: وهم المالكية و الأحناف واحتجوا بحديث أبي حميد الساعدي: " أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية قام ولم يتورك" ([4])([5]).
• لا تستحب عند وهو المعتمد الحنابلة ففي كشاف القناع للبهوتي رحمه الله :ولا تستحب جلسة الاستراحة وهي جلسة يسيرة صفتها كالجلوس بين السجدتين ) بعد السجدة الثانية من كل ركعة بعدها قيام والاستراحة طلب الراحة كأنه حصل له إعياء فيجلس ليزول عنه والقول بعدم استحبابها مطلقا : هو المذهب المنصور عند الأصحاب.
واستدل هؤلاء بالأحاديث الأخرى التي لم تذكر فيها هذه الجلسة مثل حديث أبي حميد الساعدي، المشتمل على صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ورأوا أن ما ذكره مالك بن الحويرث من جلوسه صلى الله عليه وسلم ربما كان لعارض من مرض وكبر سن..
• ومنهم من قال: إن كان المصلي ضعيفاً جلس للاستراحة لحاجته إلى الجلوس، وإن كان قوياً لم يجلس لغناه عنه وحملوا جلوسه - صلى الله عليه وسلم - على أنه كان في آخر عمره عند كبره وضعفه. ([6])، واستدلوا بحديث : (( لا تبادروني بركوع ولا بسجود .. إني قد بدنت)) ([7]).   
روى ابن المنذر عن النعمان بن أبي عياش قال: أدركت غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس .

الراجح :

أجمل ما قرأت هو كلام بديع لفضيلة الشيخ الوالد العثيمين رحمه الله قال:
للعلماء في جلسة الاستراحة ثلاثة أقوال:
القول الأول: الاستحباب مطلقاً.
القول الثاني: وعدم الاستحباب مطلقاً.
القول الثالث: التفصيل بين من يشق عليه القيام مباشرة فيجلس، ومن لا يشق عليه فلا يجلس، قال في المغني ص529 ج1 ط دار المنار: "وهذا فيه جمع بين الأخبار وتوسط بين القولين" وذكر في الصفحة التي تليها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن من السنة في الصلاة المكتوبة، إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع" (رواه الأثرم)، ثم قال: وحديث مالك "يعني ابن الحويرث": "أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعداً ثم اعتمد على الأرض"، محمول على أنه كان من النبي صلى الله عليه وسلم لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره، فإنه قال عليه السلام: "إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود".أ.هـ.

وهذا القول هو الذي أميل إليه أخيراً وذلك لأن مالك بن الحويرث قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز في غزوة تبوك والنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت قد كبر وبدأ به الضعف، وفي صحيح مسلم ص506 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالساً"، وسألها عبد الله بن شقيق هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد؟ قالت: "نعم، بعدما حطمه الناس"، وقالت حفصة رضي الله عنها: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعداً". وفي رواية: "بعام واحد أو اثنين"، وكل هذه الروايات في صحيح مسلم، ويؤيد ذلك أن في حديث مالك بن الحويرث ذكر الاعتماد على الأرض والاعتماد على الشيء إنما يكون عند الحاجة إليه، وربما يؤيد ذلك ما في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه عند البخاري وغيره: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فقام من الركعتين، ولم يجلس"، فإن قوله: "ولم يجلس" عام لم يستثن منه جلسة الاستراحة، وقد يقال إن الجلوس المنفي جلوس التشهد لا مطلق الجلوس، والله أعلم.
ومنه قول الشيخ أحمد أبووائل أيمن عمير: "يفعلها من يحتاج إليها، أو تفعل أحيانا وتترك أخرى، كما أن فعلها أو تركها لا يترتب عليه شيء إطلاقاً وإن كنا نميل أنها للحاجة، إلا أنه لا ينبغي تركها بالكلية، لما علمت من ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم ان كنت تراها للتشريع وهذا أقرب للابتعاد عن الخلاف" والله أعلم ([8]).

أخوكم المفيد: أحمد الناقل من ثروات كتب الشيخ باختصار..
 

----------------------------------
([1]) تنويه: للاستزادة فيجب الرجوع إلى الأصل لمعرفة المراجع والمصادر الأصلية للشيخ أحمد أبووائل أيمن عمير حفظه الله في كتابه ذاك أو في ضلال السنة أو غيره من المصنفات كضياء الواحة في حكم جلسة الاستراحة.
([2]). رواه البخاري برقم (780-).
([3])زاد المعاد ( 1/ 240 ).
([4])رواه أبو داود برقم ( 824). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف جامع الترمذي ( 2/ 466).
([5])حاشية ابن عابدين (2/ 27)، الفواكه للدواني ( 1/184).
([6])المغني ( 1/ 311 ).
([7])رواه أبو داود برقم ( 524).وقال الألباني: حسن صحيح - صحيح وضعيف سنن ابن ماجه. ( 2/ 463). 
([8])انظر: تفصيل المسألة في بحث رائع بعنوان: ضياء الواحة في بيان حكم جلسة الاستراحة للشيخ أحمد أبوائل أيمن عمير.
 

 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية