اطبع هذه الصفحة


#تقسيمات_ذكرها_ابن_سعدي_في_تفسيره

منصور مزيد السبيعي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد :
فهذه بعض التقسيمات التي ذكرها الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - في تفسيره
أسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من ذخر العمل .

••قال تعالى :
(( الحمد لله رب العالمين ))

تربيته تعالى لخلقه نوعان :

١- عامة

٢- خاصة

فالعامة : هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا

والخاصة : تربيته لأوليائه فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكمله لهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه وحقيقتها : تربيه التوفيق لكل خير والعصمة عن كل شر ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة

••قال تعالى:
(( أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))

الهداية نوعان :

١- هداية البيان

٢- هداية التوفيق

فالمتقون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم لم تحصل هداية التوفيق وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية تامة

••قال تعالى
((يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ))

اعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطال الشر ويدخل في هذا التعريف

١- النفاق الاعتقاد

٢- والنفاق العملي

كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ((آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان )) وفي رواية : (( وإذا خاصم فجر)) متفق عليه

وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وبعد أن هاجر فلما كانت وقعة بدر وأظهر الله المؤمنين وأعزهم ذُل من في المدينة ممن لم يسلم فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة ولتحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم وفي الحقيقة ليسوا منهم

••قال تعالى:
((فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌفَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ))

المرض نوعان :

١- مرض الشك والشبهات والنفاق

٢- مرض الشهوات قال تعالى: ((فيطمع الذي في قلبه مرض )) وهي شهوة الزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها

والمعافى من عوفي من هذين المرضين فحصل اليقين والإيمان والصبر عن كل معصية فرفل في أثواب العافية

••قال تعالى
((....وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ))

الفسق نوعان :

١- نوع مخرج من الدين وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان كالمذكور في هذه الآية ونحوها

٢- نوع غير مخرج من الإيمان كما قال تعالى(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا))

••قال تعالى :
((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ))

من المعلوم أن على الإنسان واجبان :

١- أمر غيره ونهيه

٢- أمر نفسه ونهيها

فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر فإن الكمال أن يقول الإنسان بالواجبين والنقص الكامل أن يتركهما وأما قيامه بأحدهما دون الآخر ، فليس في رتبة الأول وهو دون الأخير ، وأيضاً فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة

••قال تعالى
((الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )) وقال تعالى(( وإن هم إلا يظنون ))

الظن ورد في القران على وجهين :

١- المحمود : ففي كل مقام مدح وجزاء بالخير والثواب فإنه بمعنى العلم واليقين مثل قوله :((الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ))
أي: يتيقنون لذلك ومثل قوله تعالى:((إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ))

٢- المذموم : ففي أغلب الآيات الواردة في الظن مثل :
((إن يتبعون إلا الظن )) وقال تعالى (( إن الظن لايغنى من الحق شيئا )) وقال تعالى (( وإن هم الا يظنون ))
وهو كثير فهذا وما أشبهه فيمن قدم الظنون الكاذبة على الأخبار الصادقة لان الظن في الأصل يحتمل : الصدق والكذب ولكنه إذا ناقض الصدق قطعنا بكذبة

••قال تعالى
((وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ))

الإذن نوعان :

١- إذن قدري وهو المتعلق بمشيئة الله

٢- إذن شرعي كما في قوله تعالى (( فإنه نزله على قلبك بإذن الله ))

في هذه الآية وما أشبهها أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير فإنها تابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة في التأثير

ولم يخالف في هذا الأصل من فرق الأمة غير القدرية في أفعال العباد زعموا أنها مستقلة غير تابعة للمشيئة فأخرجوها عن قدرة الله فخالفوا كتاب الله وسنة رسول وإجماع الصحابة والتابعين

••قال تعالى
(( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ))

خراب المساجد نوعان :

١- حسي : هدمها وتخريبها وتقذيرها

٢- معنوي : منع الذاكرين لاسم الله فيها وهذا عام لكل من اتصف بهذه الصفة

فجازاهم الله بأن منعهم دخولها شرعاً وقدراً ، إلا خائفين ذليلين ، فلما أخافوا عُبَّاد الله ، أخافهم الله

••قال تعالى
(( وماكان الله ليضيع إيمانكم ))

حفظه الله تعالى للإيمان نوعان :

١- حفظ عن الضياع والبطلان وبعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له

٢- حفظ له بتنميته لهم وتوفيقهم لما يزاداد به إيمانهم ويتم بِه إيقانهم

••قال تعالى
((ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ))

بعد وقوع المصائب ينقسم الناس إلى قسمين :

١- جازع : حصلت له مصيبتان :

أ- فوت محبوب وهو وجود هذه المصيبة

ب_ فوات ماهو أعظم منها وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر ففاز بالخسارة والحرمان

٢- صابر : أما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصيبة فحبس نفسه عن النسخط قولا وفعلا واحتسب أجرها عند الله وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له

••قال تعالى
(( إن الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيم ))

السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ، ورمي الجمار فإنها تتبع النسك فَلَو فعلت غير تابعة للنسك كانت بدعة لأن البدعة نوعان :

١- نوع يتعبد لله بعبادة لم يشرعها أصلاً

٢- نوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة فتفعل على غير تلك الصفة

••قال تعالى
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))

الأصل في الأعيان الإباحة ، أكلا وانتفاعا ، وأن المحرم نوعان :

١- محرم لذاتة ، وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب

٢- محرم لما عرض له ، وهو المحرم لتعلق حق الله أوحق عباده به وهو ضد الحلال

••قال تعالى
((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ))

الدعاء نوعان :

١- دعاء عبادة

٢- دعاء مسألة

والقرب نوعان :

١- قرب بعلمه من كل خلقه

٢- قرب من عابديه وداعيه بالإجابة والتوفيق

••قال تعالى
(( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ))

الإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين :

١- ترك ما أمر به العبد إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح

٢- فعل ماهو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة

••قال تعالى
(( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ))

الطهارة نوعان وهذا يشمل :

١- التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث ففيه مشروعية الطهارة مطلقاً لان الله يحب المتصف بها

٢- يشمل الطهارة المعنوي عن الأخلاق الرذيلة والصفات القبيحة والأفعال الخسيسة

••قال تعالى
(( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ))

الظلم ثلاثة أقسام :

١- ظلم العبد فيما بينه وبين الله

٢- ظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك

٣- ظلم العبد فيما بينه وبين الخلق

فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبه ، وحقوق العباد لايترك الله منها شيئا، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك تحت المشيئة والحكمة

••قال الله تعالى
((قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيم))

ذكر الله أربع مراتب للإحسان :

١- المرتبة العليا : النفقة الصادرة عن نية صالحةولم يتبعها المنفق منها ولا أَذًى ثم يليها :

٢- قول المعروف وهو: الإحسان القولي بجميع وجوهه الذي فيه سرور المسلم والاعتذار من السائل إذا لم يوافق عنده شيئاً وغير ذلك من أقوال المعروف

٣- الإحسان بالعفو والمغفرة عمن أساء إليك بقول أو فعل وهذان أفضل من الرابعة وخير وهي التي :

٤- يتبعها المتصدق الأذى للمعطى لانه كدر إحسانه وفعل خيراً وشراً فالخير المحض - وإن كان مفصولاً - خير من الخير الذي يخالطه شر وإن كان فاضلا وفي هذا التحذير العظيم لمن يؤذي من تصدق عليه كما فعله أهل اللؤم والحمق والجهل

••قال تعالى
(( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ))

الهدى نوعان :

١- هدى في المعرفة

٢- هدى في العمل

فالهدى في العمل ظاهر وهو ماجعل الله فيه من أنواع التعبدات المختصة به

وأما هدى العلم فبما يحصل لهم بسببه من العلم بالحق بسبب الآيات البينات التي ذكرها الله تعالى (( فيه آيات بينات )) آي : أدلة واضحات وبراهين قاطعات على أنواع من العلوم الإلهية والمطالب العالية

••قال تعالى
(( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))

الإحسان نوعان:

١- الإحسان في عبادة الخالق.

٢- والإحسان إلى المخلوق، فالإحسان في عبادة الخالق فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"

وأما الإحسان إلى المخلوق، فهو:

أ- إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم

ب_ ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم

فيدخل في ذلك :

أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، ووعظ غافلهم، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم، والسعي في جمع كلمتهم، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم، فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى، واحتمال الأذى، كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات، فمن قام بهذه الأمور، فقد قام بحق الله وحق عبيده.

••قال تعالى
((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148))

سألوا ربهم زوال المانع من النصر وهي :

١- الذنوب

٢- الإسراف

وحصول سبب النصر وهو نوعان :

١- سبب داخلي وهو :

أ- ثبات الأقدام

ب- والصبر عند الإقدام

٢- سبب خارجي وهو: نصره سبحانه وتعالى

••قال تعالى
(( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ))

فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين:

أ- مطيعين وعاصين

ب- ومؤمنين ومنافقين

ج- ومسلمين وكافرين

ليرتب على ذلك الثواب والعقاب، وليظهر عدله وفضله، وحكمته لخلقه.

••قال تعالى
(( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32))

ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور :

١- الممكنة

٢- وغير الممكنة.

فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا

أ- هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها.

ب - ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب. وإنما المحمود أمران:

١- أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية،

٢- ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه. .

••قال تعالى :
((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ))

من المعلوم أن على الإنسان واجبان :

١- أمر غيره ونهيه

٢- وأمر نفسه ونهيها

فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين والنقص الكامل أن يتركهما وأما قيامه بأحدهما دون الآخر, فليس في رتبة الأول وهو دون الأخير وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.

••قال تعالى
(( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ))

ينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين:

القسم الأول : ظالمين بكفرهم وشرهم، فهؤلاء لا ينالهم إلا الخيبة والحرمان، والعذاب الأليم في جهنم، وسخط الديان.

والقسم الثاني: من آمن الإيمان المأمور به، وعمل صالحا من واجب ومسنون ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا ) أي: زيادة في سيئاته ( وَلا هَضْمًا ) أي: نقصا من حسناته، بل تغفر ذنوبه، وتطهر عيوبه، وتضاعف حسناته، ( وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )

••قال تعالى
((لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا))

استدل الأصوليون في هذه الآية، على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وأن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به.

فالأسوة نوعان:

١- أسوة حسنة ٢- وأسوة سيئة

فالأسوة الحسنة، في الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم

وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي بهم ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ )

وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو اللّه، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف اللّه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم.

••قال تعالى
(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73))

انقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام:

١- منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا

٢- ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا

٣- ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا

فذكر اللّه تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب فقال: ( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)

••قال تعالى
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ () الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ))

الناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها إلى قسمين، وذكر جزاء كل منهما فقال :

١- (الَّذِينَ كَفَرُوا ) أي: جحدوا ما جاءت به الرسل، ودلت عليه الكتب ( لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) في نار جهنم، شديد في ذاته ووصفه، وأنهم خالدون فيها أبدا

٢- ( وَالَّذِينَ آمَنُوا ) بقلوبهم، بما دعا اللّه إلى الإيمان به ( وَعَمِلُوا ) بمقتضى ذلك الإيمان، بجوارحهم، الأعمال ( الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) لذنوبهم، يزول بها عنهم الشر والمكروه ( وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) يحصل به المطلوب.

••قال تعالى
((وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ))

فانقسموا -بحسب الاستجابة له- إلى قسمين:

١- مستجيبين وصفهم بقوله ( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) أي: يستجيبون لربهم لما دعاهم إليه وينقادون له ويلبون دعوته، لأن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح يحملهم على ذلك، فإذا استجابوا له، شكر الله لهم، وهو الغفور الشكور. وزادهم من فضله توفيقا ونشاطا على العمل، وزادهم مضاعفة في الأجر زيادة عن ما تستحقه أعمالهم من الثواب والفوز العظيم.

٢- وأما غير المستجيبين للّه وهم المعاندون الذين كفروا به وبرسله، فـ ( لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) في الدنيا والآخرة

••قال تعالى
(( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ))

ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب:

١-مرتبة العدل : جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله

٢- ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به. وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل

٣- مرتبة الظلم : فقد ذكرها بقوله: ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم

••قال تعالى
((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ))

قسم الله تعالى الناس بالنسبة إلى الانتفاع بآياته وعدمه إلى قسمين:

١- قسم يستدلون بها ويتفكرون بها وينتفعون فيرتفعون وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إيمانا تاما وصل بهم إلى درجة اليقين، فزكى منهم العقول وازدادت به معارفهم وألبابهم وعلومهم.

٢- وقسم يسمع آيات الله سماعا تقوم به الحجة عليه ثم يعرض عنها ويستكبر، كأنه ما سمعها لأنها لم تزك قلبه ولا طهرته بل بسبب استكباره عنها ازداد طغيانه.

••قال تعالى
(( مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ))

خشية الله تعالى نوعان :

١- { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ } أي: خافه على وجه المعرفة بربه، والرجاء لرحمته ولازم على خشية الله في حال غيبه أي: مغيبه عن أعين الناس، وهذه هي الخشية الحقيقية

٢-أما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم، فقد تكون رياء وسمعة، فلا تدل على الخشية، وإنما الخشية النافعة، خشية الله في الغيب والشهادة ويحتمل أن المراد بخشية الله بالغيب كالمراد بالإيمان بالغيب وأن هذا مقابل للشهادة حيث يكون الإيمان والخشية ضروريًا لا اختياريًا حيث يعاين العذاب وتأتي آيات الله وهذا هو الظاهر

{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ } أي: وصفه الإنابة إلى مولاه، وانجذاب دواعيه إلى مراضيه

••قال تعالى
(( إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ •وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ • فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ • وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ ))

مدار السعادة ومادتها أمران:

١- الإخلاص لله، الذي أصله الإيمان بالله

٢- والإحسان إلى الخلق بوجوه الإحسان، الذي من أعظمها، دفع ضرورة المحتاجين بإطعامهم ما يتقوتون به، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان، فلذلك استحقوا ما استحقوا

•• قال تعالى
(( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ • فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ • وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ • فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ))

ينقسم الناس قسمين:

١- سعداء

٢- وأشقياء

( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) أي: رجحت حسناته على سيئاته ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) في جنات النعيم.

( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ) بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته.

( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) أي: مأواه ومسكنه النار، التي من أسمائها الهاوية، تكون له بمنزلة الأم الملازمة

كما قال تعالى: ( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) . وقيل: إن معنى ذلك، فأم دماغه هاوية في النار، أي: يلقى في النار على رأسه.

كتبه : منصور بن مزيد السبيعي
 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية