اطبع هذه الصفحة


[ الفوائد من كتاب المُعين على تدبُّر الكتاب المبين]
لمؤلفه: مجد بن أحمد مكي

رواء الروح
Re_RoH@


بسم الله الرحمن الرحيم


1 ومرحلة التدبٌّر تأتي بعد الفهم، إذ لا يمكن أن يُطلب منهم تدبر كلام لا يعقلونه، وهذا يدل على أنه لا يوجد في القرآن ما لا يفهم معناه مطلقاً ، وأنّ التدبر يكون فيما يتعلق بالمعنى المعلوم .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين ب]


2 "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن"؟!

نعم! إنهم ولا شك ـ وكل أمثالهم منذ أربعة عشر قرنا، سواء كانوا من الكفار الصُّرحاء، أو من المنافقين ـ لا يتدبَّرون القرآن! ولو تدبَّروه بعقول وقلوب مفتوحة، لعلموا أنه من عند الله عزَّ وجل، وأنه لا يمكن أن يكون من عند غير الله سبحانه!

إنَّ بشراً في الأرض كلها لا يتأتَّى له أن يخرج كتاباً كهذا الكتاب المعجز على جميع المستويات، وفي جميع الاتجاهات، والذين يتعرَّضون للتأليف هم أدرى بهذه الحقيقة، كما كان العرب العالمون ؛ بأسرار البلاغة أدرى بحقيقة الإعجاز البلاغي للقرآن .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين ج]


3 والحكمة في مشروعيَّة التعوُّذ عند إرادة القراءة هي: أنَّ قراءة القرآن الكريم عبادة عظمى، تتطلَّب الإخلاص لله تعالى، وإحضار القلب؛ ليعظم الأجر، وتتحقَّق الفائدة.

وإنَّ من شأن الشيطان أن يوسوس للإنسان إذا دخل في عبادة، ليشغل قلبه عن الحضور، فجاء الأمر الإلهي بالتعوُّذ عند إرادة قراءة القرآن الكريم، ليكون القارىء في عياذٍ منيع، وحِرْز حصين، وبذلك يحضر القلب، وينشرح للتلاوة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين ف]


4 سُميت هذه السورة بالفاتحة؛ لأنه بها افتُتح القرآن، وبها تُفتتح كتابة المصاحف وبها تُفتتح الصّلاة وتُسمَّى سورةَ الحمد؛ لافتتاحها بالحمد لله، وأمَّ القرآن، وأمّ الكتاب؛ لاشتمالها على أهـم موضوعات القران، وتسمَّى أيضاً السَّبعَ المثاني؛ لأنَّ بين جملها مطويَّات من المعاني جامعة لكليَّات كبرى للدين، جاء بيانها التفصيلي في سائر سور القرآن، ولها أسماء أُخر.

وهي أعظم سورة في القرآن العظيم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 1]


5 هؤلاء المنافقون إذا لقوا المؤمنين قالوا : آمنّا كإيمانكم. وإذا خَلَوْا من جماعة المؤمنين، ورجعوا إلى رؤسائهم من اليهود قالوا لهم: إنا على دينكم، ولم نفارقكم بهذا القول، ما نحن إلا ساخرون ومُستَخفّون بمحمدٍ وأصحابه، بما نُظهر لهم من الإسلام؛ لنأمن شرَّهم ونقفَ على سرِّهم.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ ( ١٣ ) } [سورة البقرة]

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 3]


6 { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ( ٢٤ ) } [سورة البقرة]

فإنْ لم تأتوا بسورة من مثله فيما مَضَى - بعد أن تتضافروا وتتعاونوا، وتدعوا من استطعتم أن تدعوه -، ولن تأتوا بسورة من مثله فيما يأتي وتبيَّن لكم أنَّ أحداً لا يستطيع معارضة القرآن، فدعوا عنادكم، وصدِّقوا بالحق الذي جاءكم، وبذلك تتَّقون النّار التي حَطَبها الناس المكذبون بالقرآن الكريم، والأصنام المصنوعة من الحجارة التي تعبدونها وتعتقدون نفعَها وشفاعتها، هذه النار هُيِّئت للكافرين بالله ورسله . وفي الآية دليل على أن النار مخلوقة الآن.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 4]


7 {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}

فقال سبحانه للملائكة:

"إني أعلمُ ما لا تعلمون" وفي هذه الآية دليل على أن حكمة الله تخفى على أقرب الخلق إليه، كما خَفِيَت حكمة استخلاف آدم في الأرض على الملائكة، حتى اشتاقوا إلى معرفة الحكمة في هذا الاختيار .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 6]


8 {قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة : 33]

وفي هذه الآية مزيَّة العلم وفضله على العبادة، وأنه شرط في الخلافة في الأرض وعمارتها، بل هو عُمدتها وأساسها.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 6]


9 {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة : 37]

وفي هذه الآية دليل على أنّ الإنسان - وإنْ سَمَتْ منزلتُه وعَظمت رتبتُه ـ لا يخلو من هفوة تقع منه، لنسيان يعرض له، أو تأويل يراه، كما وقع الآدم عليه السلام، حيث أكل من الشجرة ناسياً. وفيها دليلٌ على أنَّ وقوع المخالفة من العبد تُجبر بالتوبة إلى الله، فإن آدم حين اعترف وتاب، تاب الله عليه واجتباه وهَدَاه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 6]


10 {۞ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 75]

أفتَتَعلّق نفوسكم - أيها المسلمون ـ تعلقاً قوياً أن يُصدّقكم اليهود بما تخبرونهم متبعين لكم؟ وقد كان علماؤهم يسمعون التوراة ويعقلونها، تم يغيرون كلام الله بتبديل ألفاظ بألفاظ أخرى، وبالزيادة أو النقص على النصّ المُنزّل، لتُعطي دلالات توافق ما يريدون، على خلاف المعنى المراد منها في التنزيل الربّانيِّ، وبتأويلها التأويلات الباطلة، والتفسيرات الفاسدة، بحسب أهوائهم وشهواتهم من بعدما علموا صحة كلام الله ومراده فيه، وهم يعلمون فسادَ مخالفته، ويعلمون أنّهم مُبطلون كاذبون.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 11]


11 {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة : 79]

وفي الآية تحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشّرع، فكلُّ من بدّل وغيَّر، أو ابتدع في دين الله ما ليس منه، فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد، والعذاب الأليم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 12]


12 {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ} [البقرة : 88]

وقال اليهود لنبيّ الله ورسولِهِ محمد ﷺ: لسنا بحاجة إلى العلوم والمعارف الدينيّة التي عندك ؛ إذ عندنا من العلوم الدينيّة ما ملأ قلوبنا، حتى صارت لا متَّسع فيها لواردات جديدة، وحتى صارت مُغلَّفة كما تُغلّف السِّلع والأمتعة والبضائع ويختم عليها لتسفيرها، فهي غير قابلة لإضافة جديدة إليها، فهي صمّاء عن سماع ما تقول، وليس الأمر كما يقولون بل طَرَدَهُمُ الله وأبْعَدَهم من كل خير؛ بسبب كفرهم وجحودهم نبوّة محمدٍ ﷺ، فلم يؤمن منهم إلا قليل.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 13]


13 {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة : 89]

وكان اليهود قبل مبعث النبيّ ﷺ يطلبون من الله النصر على مُشركي العرب بالنبيّ العربيّ المبعوث في آخر الزمان، ويقولون : سنتّبعه ونقاتلكم معه. فلمّا جاءهم محمدّ ﷺ الذي عَرَفوا صفته معرفة تامَّةً، كفروا برسالته ﷺ، وأعرضوا عن دعوته بغياً وحَسَداً؛ لأنه لم يأت من بني إسرائيل، بل جاء من العرب أولاد عمهم إسماعيل.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 14]


14 {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة : 96]

ولتجدنَّهم - وهم الذين يعترفون بالحساب وفصل القضاء وتنفيذ الجزاء - أحرصَ على الحياة من المشركين الذين لا يرجون بعثًا بعد الموت، ولا يؤمنون بالمعاد.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 15]


15 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة : 104]

نُهي المؤمنون عن مخاطبته ﷺ بهذه اللفظة؛ قطعًا لألسنة اليهود حتى لا يتَّخذوها ذريعةً إلى سبِّه ﷺ وإيذائه. وهذه الآية أصل في سدِّ الذرائع؛ إذ أن الذرائع أو الوسائل تأخذ حكم ما تؤدِّي إليه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 16]


16 {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة : 126]

ولو خصَّ الله المؤمنين بالتوسعة في الرزق، وحرم منها الكافرين، لكان هذا التَّخصيص سائقًا للكافرين إلى الإيمان على وجه يشبه الإلجاء، وقد قَضَتْ حكمته أن يكون الإيمان اختياريًا حتى ينساق الإنسان عن طريق إرادته الحرة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 19]


17 فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة : 137]

فإن آمن اليهود والنصارى بنفس ما آمنتم به، فقد اهتدوا إلى الحق؛ إذ اختاروا لأنفسهم الإيمان الصحيح الصّادق، وإنْ أدبروا منصرفين عن الإيمان الذي تدعوهم إليه فما هم إلا في مخالفة لله تعالى ومُعاداة لك وللمؤمنين، فسيكفيك الله ـ يا رسول الله - شرَّ اليهود والنّصارى، وينصرك عليهم، وهو السميعُ لأقوالهم وما يَتَنَاجَوْن به من الإثم، العليم بأحوالهم وبما يُبيِّتونه لكم من كيْد، فلا يتركهم دون أن يكفَّ عنكم بأسهم، ويقطع دابرهم. وقد أوفى الله بعهده، فأظهره عليهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 21]


18 {۞ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة : 142]

سيقول ضعاف العقول، الطاعنون في تحويل القبلة إلى الكعبة من مشركي العرب وأحبار اليهود والمنافقين: أيُّ شيءٍ صَرَفهم عن بيت المقدس؟ قل لهم - يا رسول الله -: للهِ المَشْرق والمغرب ومابينهما، وجميع الأمكنة مملوكة له، وهي بالنسبة إليه متساوية، وله أن يخصَّ بعضها بحكم دون بعض، وما على الناس إلا أن يمتثلوا أمره،

وهو الذي يهدي من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم وشرع قويم، إذ يتَّجه إلى جهة الكعبة وقبلة إبراهيم عليه السلام التي أمره بالتوجه

إليها.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 22]


19- {...وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ...} [البقرة : 143]

وما جعلنا - يا رسول الله ـ قبلة "بيت المقدس" التي أمرناك بالتوجّه إليها حيناً من الدهر، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة بـ"مكة" إلا امتحاناً للمسلمين؛ ليظهر من يُطيع الرسول في أمر القبلة وتحويلها، ممّن يخرج عن الإسلام ويرجع إلى ما كان عليه من الكفر سائراً على مُؤخِّر قدميه إلى الوراء سَيْراً مُضطرباً، بعد أن سار بضع خطوات إلى الأمام في طريق الهداية.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 22]


20- "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ"

وقد أطلق الله سبحانه على الصلاة اسم الإيمان؛ لأن الصلاة مظهر من مظاهر الإيمان بالله، مهما كانت الجهة التي أمر الله بالتوجُّه إليها واتِّخاذها قبلة في الصلاة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 22]


21- {... وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ( ١٤٤ ) } [سورة البقرة]

اليهود والنصارى يعلمون أن أمر القبلة وتحويلها هو الحق الثابت من ربهم الذي خلقهم ورباهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 22]


22- { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ( ١٨٥ ) } [سورة البقرة]

وَقْتُ صيامكم شهرُ رمضان، وسببُ تخصيصه بهذه العبادة العظيمة: نزول القرآن فيه على محمد ﷺ، أنزل من اللوح المحفوظ جملةً واحدة إلى بيت العزَّة في السماء الدنيا، ليلة القدر، ثم نزل مُنجَّمًا مُفرَّقًا خلال ثلاث وعشرين سنة حسب الحاجة والوقائع.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 28]


23- {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة : 212]

فالكفار مع أنهم مخدوعون بزينة الحياة الدنيا، وساقطون في الغرور، يتصوّرون المؤمنين مُضيّعين لذات حياتهم، ومُتعلّقين بالأوهام وبرؤيا خيالية عن الدار الآخرة، ويستهزؤون من المؤمنين بسبب إعراضهم عن الدنيا وعدم انهماكهم بها. والذين اتقوا ربهم فوق الكفار يوم القيامة لأنهم في عليِّين، والله يوسِّع لمن يشاء من عباده بلا حصر ولا عدّ لما يعطيه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 33]


24- {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة : 215]

سأل الصحابة رضي الله عنهم عن الشيء الذي ينفقونه، فعلَّم الله رسوله ﷺ أن يجيبهم عن الذين ينبغي أن تُوجَّه لهم النفقة، إشارة إلى أنه كان ينبغي أن يسألوا عن ذلك.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 33]


25- "...وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة : 228]

وللنساء حقوق على الأزواج من المهر والنفقة وحُسن المعاشرة، مِثل الذي عليهنَّ من طاعة الزوج، وحُسن القيام على شؤون الأسرة بالوجه الذي لا يُنكر في الشرع، وللرجال على النساء منزلةٌ ورفعة، بالقِوامة، وحُسن الصحبة، والعشرة بالمعروف، والتغاضي عن الأخطاء والهفوات، وهذه الدرجة التي جعلها الله، تجعل له حقوقًا، وتجعل عليه واجبات أكثر.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 36]


26- {۞ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة : 263]

كلامُ حَسَنَ وردّ جميل على الفقير السائل للعطاء، وسَتْرٌ لفقره، وتجاوزٌ عنه إذا أغلظ وجفا، أو أثقل في السؤال، وألحف في المسألة، وعفوٌ عمّا يفرط منه عند الردّ وعدم الإعطاء، خيرٌ وأفضل من الصدقة التي تدفعها إلى الفقير تمنّ عليه بها او تُعَيِّرَهُ بقول أو تؤذيه بفعل، والله مستغن عن صدقة العباد وطاعاتهم، حليم لا يُعجِّل بالعقوبة على من يمنّ على عباده، ويؤذي بصدقته.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 44]


27- ونداءاتُ الله سبحانه للذين آمنوا بلغت (89) نداءً، وجميعها مدنية، أوائلها ما جاء في هذه السورة في الآية (104)، وآخرها هذه الآية زلتي نزلت في حجة الوداع -وهي آية الدَّين-.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 48]


28- {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران : 99]

قل يا رسول الله، وياكل داع إلى الله من أمته لليهود والنصارى: لِمَ تَصرفون عن دين الله مَن: آمن بإلقاء الشُبَه والشكوك، وإنكار صفة محمد ﷺ، تطلبون لدين الله زَيْغاً ومَيْلاً عن الحق؟ وتطلبون لأهلها طريقاً معوجَّة، وذلك بالتحريش والإغراء بينهم؛ لتختلف كلمتهم، ويختلّ أمرهم!! والحال أنكم عالمون علم مَنْ يُعاين ويشاهد أنّ نعت محمد ﷺ وصفَتَه مكتوب في التوراة، وأنّ دين الله الذي لا يُقبل غيره هو الإسلام، وما الله بغافل عما تعملون من الصدّ عن سبيله. وسوف يُجازيكم على ذلك.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 62]


29- {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران : 101]

دلّت هذه الآية على أن الله عزّ وجلّ أضاء مَشْعَلين لهداية المسلمين، لا ينطفئان إلى يوم القيامة، أما الأول: فهو آيات الله عزّوجلّ، وأما الثاني: فهو وجود الرسول ﷺ أيام حياته، وسنّته الشريفة بعد مماته.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 63]


30- {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران : 106]

اذكروا يوم تبيض وجوه المؤمنين من شدَّة الفرح والسّرور، وتسودُّ وجوه الكافرين من شدّة الغمِّ والحزن.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 63]


31- {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران : 110]

أنتم يا أمة محمد ﷺ خير أمة، أُظهرت للناس، وحُمَّلت وظيفة الخروج لتبليغ الناس دين الله لهم، وهذه الخيريّة قد علمها الله فيكم قبل أن يُخرجكم؛ لأنَّ علمه يشمل ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وسبب بقاء تلك الخيرية فيكم إلى أن تقوم الساعة أنكم ستظلّون تأمرون داخل مجتمعكم الإسلامي بما عُرف في الشرع والعقل حُسْنه، وتنهون عن كلّ ما عُرف بالشرع والعقل قُبْحه، فتحمُون مجتمعكم بهذا من الانحراف الخطير والانهيار إلى الحضيض الذي بلغته الأمم قبلكم، وأنكم ستظلُّون تُصَدِّقون بالله وتخلصون له التوحيد والعبادة مهما اشتدَّت عليكم النكبات من الأمم الأخرى بغيةَ إخراجكم من الإيمان إلى الكفر.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 64]


32- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران : 118]

يا أيها الذين صدَّقوا الله، واتَّبعوا رسوله: لا تتّخذوا أخلاء وأصفياء لكم من غير أهل ملَّتكم، تُصافونهم وتُطلعونهم على أسراركم، ويُقدِّمون إليكم نصائحهم ومشوراتهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 65]


33- {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران : 125]

بلى يكفيكم الإمداد بهم، وإنْ تصبروا على لقاء عدوّكم، وتتّقوا معصية الله ومخالفة نبيه ﷺ، ويأت المشركون من ساعتهم غضباً لقتلاهم يوم بدر، يُمدِدكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مع

الثلاثة آلاف المُتقدّمة، مُعَلِّمين أنفسهم وخيولهم بعلامات مخصوصة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 66]


34- {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران : 144]

وما مُحمَّد إلا رسولَ مُرسل من عند الله، قد مَضَتُ من قبله الرُسل، فسيمضي مُحمَّدُ ﷺ كما مضت الرسل من قبله، فكما أنّ أتباعهم بقوا مُتمسّكين بدينهم بعد مُضيّ أنبيائهم، فعليكم أنتم أن

تتمسّكوا بدينه بعد مُضيّه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 68]


35- {وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران : 158]

وجاء تقديم القتال على الموت في الآية السابقة، وتقديم الموت على القتل في هذه الآية، إشعاراً بأنّ من خرج في سبيل الله، فإنَّ له مغفرة من الله ورحمة، سواء قُتِلَ مجاهداً، أو مات بحادث في خروجه، فالأمران متساويان ما دام الخروج في سبيل الله وابتغاء مرضاته .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 71]


36- {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران : 173]

وفي الآية: استحباب هذه الكلمة: "حسبنا الله ونعم الوكيل" عند الغمِّ والأمور العظيمة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 72]


37- قوله ﷻ: "...فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( ١٩ ) } [سورة النساء]

وهذه الآية: (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) لا تخصُّ الحياة الزوجية وحدها، بل تشير إلى معنى عام، وهو ألا يُبتَّ في الأمور تحت تأثير الكراهة، فإنها عارضٌ وجدانيٌّ قد يزول، وقد يكون في المكروه الخير الكثير .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 80]


38- { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( ٤ ) } [سورة النساء]

وفي الآية دليلٌ على إباحة هبة المرأة صداقَها، وأنها تملكه، ولا حقَّ للوليِّ فيه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 77]


39- { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ( ٨ ) } [سورة النساء]

وإذا حضر قسمة الميراث القرابة الذين ليس نصيب مفروض لهم من الميراث، أو حضرها من مات آباؤهم وهم صغار، أو مَنْ لا مال لهم، فأعطوهم من المال قبل القسمة، على سبيل الترضية وجَبْر الخاطر، ولا تتبرّموا وتتضايقوا إذا حضر من ليس له في المال نصيب مفروض، ولا تسيئوا إليهم بقول، أو تجرحوا عزَّتهم بكلمة، وقولوا لهم قولاً حسناً، ولا تُتبعوا العطيَّة بالمن والأذى.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 78]


40- {... آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ( ١١ ) } [سورة النساء]

آباؤكم وأبناؤكم الذين ترثونهم لا تعلمون أيُّهم أنفع لكم في الدين والدنيا، فلا يدري أحدكم : هل الأقرب له نفعا ابوه الذي نشّأه من صغره وربَّاه، وأنفق عليه وكفله، أو ابنه الذي يخلفه ويحفظ اسمه، ويقوم بواجبه في كبره، والذي يعلم الأقرب نفعاً هو الله، وهو الذي قسم الإرث بناءً على علمه، فلا ينبغي لمن لا يعلم أن يعترض على من يعلم، ولو وكل الأمر إليكم لأعطيتم مَنْ لايستحق ما لايستحق من الميراث، وتمنعون من يستحق الميراث.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 78]


41- { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ( ١٨ ) } [سورة النساء]

وفي هذه الآية: بيان الوقت الذي تُقبل فيه التوبة، وهو ما لم يصل الإنسان إلى الغَرغرة ومُشَاهَدة مَلَك الموت، ومقدِّمات وسائل العذاب، فإذا وصل إلى ذلك، لم تقبل له توبة، ولا يصح منه إيمان.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 80]


42- {...فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( ١٩ ) } [سورة النساء]

فكم من امرأة لم تأت على مزاج الرجل وذوقه، وليس فيها سوء خلق، أو ضعف دين، أو قلة أمانة، فصَبَر عليها زوجها، وعاشرها بالمعروف، وتغاضى عن الجوانب التي لا تميل إليها نفسه فيها، فجعل الله منها خيراً كثيراً، فكانت مُعينة له، وحافظةً له ولماله ولولده، وأنجبت له ذرّية صالحة يسعد بها.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 80]


43- { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ( ٣٢ ) } [سورة النساء]

ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض، في قسمه الميراث، للرجال نصيب مقدَّر في تشريع المواريث تابع لطبيعة أعمالهم التي يكتسبونها بحسب مسؤولياتهم، وللنساء نصيب مقدر في تشريع المواريث تابع أيضاً لطبيعة أعمالهنّ التي يكتسبنها بحسب مسؤولياته، فالتفضيل في أنصبة المواريث بين الذكور والإناث تابع للتفضيل في أصل الخصائص التكوينية، وفي طبيعة نظام الحياة

الاجتماعيّة، فتمنّي النساء ما فضل الله به الرجال عليهن في الميراث هو من قبيل تمنِّي الأشياء التي لا يمكن اكتسابها بالسعي والعمل، وهو من الحسد المنهي عنه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 83]


44-قوله ﷻ: "والصاحب بالجنب"

أحسنوا إلى الرَّفيق في أمر حَسَن؛ كتعلُّم وتجارةٍ وصناعة وسفر، يصحبك في ذلك، ويكون في جَنْبك وجوارك بصفة دائمة أو مؤقَّتة، ويدخل في ذلك المرأة مع زوجها، والزوج مع امرأته.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 84]


45- { والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ( ٤٥ ) } [سورة النساء]

وفي هذه الآية تطمين لقلوب المؤمنين تجاه أعداء لم يظهروا بعدُ على ساحة المواجهة، بأن الله سينصرهم عليهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 86]


46- { فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( ٦٢ ) } [سورة النساء]

فكيف تكون حال هؤلاء المنافقين، إذا أصابتهم مصيبةٌ يعجزون عنها، تُصيبهم بسبب التحاكم إلى غير شرع الله، ورضاهم بحكم الطاغوت؟ إنهم سيصابون بالهَلَع والخوف الشديد.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 88]


47- { فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( ٨٨ ) } [سورة النساء]

أي شيء حصل لكم - يا معشر المؤمنين ـ في شأن المنافقين الذين تخلَّفوا عن الهجرة، وظاهروا المشركين بمكة سرًّا، وصرتم في امرهم فرقتين : فرقة منخدعة بظواهرهم، تُحسنُ الظنّ بهم، وتذبَّ عنهم، وفرقة عارفة بصيرة، تباينهم وتعاديهم، وتحكم عليهم بالردّة والخروج من صفوف أهل الإيمان بعد الذي ظهر منهم من علائم الكفر ودلائله؟

والله سبحانه نكسهم وأذلَّهم في كفرهم وارتدادهم، وردَّهم إلى أحكام الكفار؛ بسبب ما اكتسبوا من أعمالهم الخبيثة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 92]


48- { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( ١٠٥ ) } [سورة النساء]

وفي هذه الآية نهيٌ لكل مؤمن أن يُدافع عن الخائنين، سواء أكان قاضياً، أو شفيعاً، أو وكيلاً، أو محامياً، أو شاهداً، فالدفاع عن الخائن معصية من الكبائر؛ لأنها تُساعد على إبطال الحق، وإحقاق الباطل، وأنه يجب على القاضي ألا يتأثر بعاطفة ما، فينحازَ إلى أحد الخصمَين، ويجادل عنه ظاناً أنه صاحب حق، وألا يتسرَّع في حكمه أو إبداء رأيه في إدانة أو تبرئة أحد الخَصْمَين قبل استكمال أصول وقواعد الحكم بين الناس بالحقّ والعدل .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 95]


49- { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( ١٣٥ ) } [سورة النساء]

فلا تُحابوا غنياً لغناه، ولا ترحموا فقيراً لفقره، إن يكن المشهود عليه غنيًا أو فقيراً، فالله أولى بهما منكم، فكِلُوا أمرهم إلى الله تعالى، فهو أعلم بهم وبحالهم، فلا تتَّبعوا هوى أنفسكم مُتجاوزين ما يجب عليكم من العدل، زاعمين أنكم تفعلون خيراً.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 100]


50- { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ( ١٦٣ ) } [سورة النساء]

والمقصود بذكر مَنْ ذُكر من الأنبياء في الآية أنه لم ينزل على أحد منهم كتاباً جملة واحدة، فلمّا لم يكن عدم إنزال الكتاب جملة واحدة قادحاً في نبوتهم، فكذلك لم يكن إنزال القرآن على محمد الية مُفرَّقاً قادحاً في نُبوّته، بل قد أنزل عليه كما أنزل عليهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 104]


51- { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ( ٢١ ) } [سورة المائدة]

والذين كتب الله لهم الأرض المُقدَّسة هم بنو إسرائيل الذين آمنوا بموسى، وخرجوا معه من مصر، وهم الذين جاؤوا بعد موسى، واتبعوا أنبياءهم وآمنوا بهم، وبعد ذلك تغيَّر اليهود، وكذبوا الرسول ﷺ، وكفروا بالدين الحق الذي جاء به، ففقدوا أيَّ حقِ لهم في الأرض المقدّسة؛ إذ انتزعها الله منهم، وجعلها لعباده الصالحين المؤمنين.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 111]


52- { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين ( ٣١ ) } [سورة المائدة]

وإن سبب هذه الجريمة الكبرى التي فتحت باب القتل والقتال هو الحسد، وإن أكثر جرائم هذا الوجود الإنساني هو الحسد، فكفر اليهود بالنبيين، وخصوصاً نبينا محمداً ﷺ كان سببه الحسد.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 112]


53- { سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ( ٤٢ ) } [سورة المائدة]

فالحاكم المسلم مُكلَّف أن يحكم بين غير المسلمين إذا ترافعوا في قضاياهم إليه، بأحكام الشريعة الإسلامية، إذا شاء أن يحكم بينهم، وعلم أنهم يريدون الحق ويذعنون له، ولا يحكم بينهم بمقتضى قوانينهم وأنظمتهم؛ لأنها أحكام مرفوضة لا يتبناها حاكم مسلم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 115]


54- { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( ٤٤ ) } [سورة المائدة]

فلا تخشَوا أحداً من الناس - يا حُكام اليهود - في إظهار صفة محمد ﷺ والعمل بالرجم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 115]


55- { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( ٥١ ) } [سورة المائدة]

فاليهود أنصار لبعض على المؤمنين، وكذلك النصارى، فهم يد واحدة عليكم، يشتركان في خطط المكر والكيد ضدكم، على الرغم من العداء الشديد الذي يحمله كل فريق منهما للآخر، ومن يتول اليهود والنّصارى موالاةَ تعاون وتناصر، ضد شيء من مصالح المسلمين الدينية أو الدنيويّة ممَّن هو منكم - ولو بالانتماء الظاهر إليكم - ، فينصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملّتهم، وحكمُه

حكمُهُم؛ إن الله لا يحكم بالهداية لمن وضع الولاية في غيرموضعها، فتولى اليهود والنصارى.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 117]


56- { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( ٦٩ ) } [سورة المائدة]

ففي الآية إغراءٌ لأهل الطوائف الثلاث: (اليهود والصّابئين والنصارى) بالدخول في الإسلام، والاستجابة لدعوة الرسول ﷺ، والعمل بشريعته، وإشعارٌ لهم بأنّ ما هم عليه من دين وشريعة لم يعد مقبولاً بعد أن جاء الإسلام.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 119]


57- { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ( ٧٨ ) } [سورة المائدة]

ونُسب العصيان والاعتداء إليهم جميعاً، وإن كان وقع من بعضهم؛ لأنَّ سائرهم أقرّه وسكت عنه، فكان منهم وقوعا ورضا.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 121]


58- { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ( ٨٢ ) }

وهذه الآية نزلت فيمن آمن من النصارى، وقبلوا رسالة محمد ﷺ، مثل النجاشي وأصحابه ، ولم يرد بها كل النصارى، فإن معظم النصارى في عداوة المسلمين كاليهود .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 121]


59- { فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ( ٨٥ ) } [سورة المائدة]

وهذه الآيات نزلت في الثناء على موقف النجاشي ومن معه، الذين تأثرُوا بسماع آيات القرآن، وعَرَفوا أنّ محمّداً هو رسول الله ﷺ، وتنطبق هذه الآيات على من يقفون هذا الموقف من النصارى في أي زمان ومكان، فيؤمنون أن عيسى عبد الله ورسوله، ثم يؤمنون أنّ محمداً هو عبد الله ورسوله ﷺ، ويدخلون في الإسلام، ويكونون مؤمنين صادقين.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 122]


60- { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ( ١٠١ ) }

وهذا النهي عن السؤال عن حكم أمور لم يتعرّض لها البيان القرآني ولا النبوي في عهد التنزيل، أما بعد عصر التنزيل، فإنّ السؤال عن أحكام الأشياء التي لم يأت بيان صريح حولها في القرآن أو في السنة أمر مطلوب؛ لأن أهل الاجتهاد من فقهاء المسلمين يستخرجون أحكامها من مصادر التشريع.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 124]


61- { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ( ٢٠ ) } [سورة الأنعام]

الذين آتَيْناهم التوراة والإنجيل من علماء اليهود والنصارى، يعرفون رسولَ الله ﷺ بصفاته المكتوبة عندهم كما يعرفون أبناءهم، فكما أنّ أبناءَهم لا يشتبهون أمامهم بغيرهم، فكذلك محمد ﷺ لا يشتبه بغيره لدقَّة وصفه في كتبهم، ولكنَّهم جَحَدوا نبوَّته، وأنكروا معرفته، واتَّبعوا أهواءَهم، فأهلكوا أنفسهم وأبقوها في نار جهنم بإنكارهم نبوَّة محمد ﷺ، فهم لا يؤمنون به ﷺ.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 130]


62- "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"

واستدلَّ بهذه الآية على أن الناسي غير مكلَّف لسقوط الإثم عنه، وأنه إذا ذُكِّر عاد إليه التكليف، فيقلع عما ارتكبه في حال نسيانه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 135]


63- "قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا..."

لهذا المُتحيّر أصحاب مؤمنون مسلمون كان معهم على الطريق المستقيم قبل أن تستَميله الشياطين إلى مَسَالكها، يدعونه إلى الهدى، يقولون له ناصحين مرشدين : ائتِنَا؛ فلا يجيبهم .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 136]


64- { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ( ٩٣ ) }

ولو ترى - أيها الرائي - حال هؤلاء الظالمين في سَكَرات الموت وشدائِدِه ، لرأيتَ شدَّةَ ما هم فيه من عذاب عظيم. والحال أنّ الملائكةُ باسطوا أيديهم لقبْض أرواحهم، يقولون لهم: خلِّصوا أنفسكم من العذاب. اليوم تُهانون غاية الهوان والذُّل؛ بسبب ما كُنتم تقولون كاذبين على الله غير الحق؛ وبسبب ما كتم تستكبرون في أنفسكم ممتنعين عن اتباع آيات الله.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 139]


65-{ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ( ١٠٨ ) }

والنهي عن سبِّ آلهة المشركين في هذه الآية قاعدةٌ لسدّ الذرائع، فما هو سبب لارتكاب محرَّم هو حرامٌ أيضاً، وإن كان في ذاته مباحاً.

ويستدل بهذه الآية على سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا خيف من ذلك مفسدة أقوى، وكذا كل فعل مطلوب ترتَّب على فعله مفسدة أقوى من مفسَدة تركه .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 141]


66- {...وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}

وعلماء اليهود والنّصارى يشهدون أنّ هذا القرآن منزَّلٌ من ربك حالة كونِهِ مُتَّصفاً بالحقّ. فلا تكونَنَّ من الشَّاكّين أنَّ علماء أهل الكتاب يعلمون أنَّ هذا القرآن منزَّل من ربِّك بالحق.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 142]


67- {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}

وهذه الآية تدلّ على أنّ كلَّ تحريم في المآكل والمشارب والألبسة والمساكن دون إذن شرعيٍّ، وليس للمُحرِّم فيه برهانٌ من الله، هو افتراءٌ على الله، وافتئات في الدين.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 146]


68- {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأنعام : 142]

من الأنعام ما يصلح للعَمَل والحَمْل، وهي الكبار الصّالحة، كالإبل والبقر، وما لا يصلح للحمل والعمل لصغرِهِ وقربه من الأرض، كالضّأن والمعز.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 146]


69- {فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف : 22]

وفي هذه الآية دليل على أنّ كشف العورة من المحرَّمات، وأنه كان ولم يزل مُسْتَقْبحاً في العقول، مُستَهجناً في الطِّباع. وأنَّ من أعظم مسالك الشيطان في إشاعة الفحشاء: التكشُّف والتَّعرِّي، ولبس القصير من الثياب.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 152]


70- "إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء..."

لا تُفتَّحُ لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم إلى الله عزّ وجلّ في وقت حياتهم قول ولا عمل.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 155]


71- {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين} [الأعراف : 41]

لهم من نار جهنم فِراشٌ من تحتهم شديد الإيلام، ومن فوقهم ظلمات دخانيَّة حارَّةٌ تعمُّ سماء جهنَّم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 155]


72- { واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ( ١٥٥ ) } [سورة الأعراف]

فلما أتوا ذلك المكان، وسألوا الله أن يكشف عنهم البلاء، ويتوب على مَنْ عبد العجل، أخذتهم الزلزلة والاضطراب الشديد، من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر، ولم يأمروهم بالمعروف، ولم يأخذوا على أيدي عَبَدة العجل بالقوة .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 169]


73- { ... فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ( ١٨٩ ) }

نُقُسم يا ربَّنا، لئن أعطيتنا بشرا سَويّاً سالماً من العيوب، لنكوننّ من الشَّاكرين لك على إنعامك علينا.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 175]


74- { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( ١٩٨ ) }

- وإن تَدعوا- أيُّها المشركون - هذه الأصنام إلى القيام بعمل فيه هُدى وخير لا يسمعوا دعاءكم، وترى - يا كلّ مشركٍ ـ هذه الأصنام التي صنعتم لها عيوناً تُشبه عيون الكائنات الحيّة، كأنهم يُشبِهون النّاظرين إليك، وهم لا يُبصرون؛ لأنهم فاقدون لحاسَّة العين الناقلة للرؤية، ولمركز الإدراك البصري في رؤوسهم الحجريَّة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 176]


75- { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ( ٢٧ ) } [سورة الأنفال]

والنهيُ عن خيانة الأمانات كلها، يشمل ما يتعلَّق بحقوق كلِّ ذي حق، فخيانة حقوق خَلْقِ الله هي خيانة لهم وخيانة لله تعالى أيضًا، وذلك لأن من حقِّ الله علينا أن لا نخون أحدًا من خلقه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 180]


76- { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( ٤٥ ) }

واذكروا الله ذكراً كثيراً عند لقاء عدوِّكم بقلوبكم وألسنتكم، فإنَّ ذكر الله تعالى يذهب فزع القلوب، ويُساعد على الثبات، وكونوا على رجاء الفلاح والنصر والظفر.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 182]


77- { ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ( ٥٩ ) } [سورة الأنفال]

ولا يظنَنَّ الكفار أنهم قد سبقوا المؤمنين بعددهم وعُدَّتهم، فإنهم لا يُعجزون المؤمنين الصادقين، فالسَّبق الحالي للأعداء ليس من شأنه أن يقعد المؤمنين، أو يعجزهم، فالزمن طويل، والمعركة مستمرة، وإنّ السابق الآن ليس من المستبعد أن يصير مسبوقًا بعد حين، وإنّ المسبوق الآن ليس من المُستَبْعد أن يصير سابقاً بعد حين، ولكن على المؤمنين أن يقوموا بما أوجب الله عليهم، وأن يُحقّقوا في أنفسهم الشروط التي يستحقّون بها تأييد الله لهم، وأن يبدؤوا الإعداد منذ الآن حتى يكون لهم السبق بهذه الوسائل .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 184]


78- { وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ( ٦٣ ) } [سورة الأنفال]

فوحده الأمة وإلْفَتُها تدفع عنها مكر أعدائها وكيدهم، وتجعلها في مأمن من جميع مؤامراتهم ودسائسهم، وما نَجَحَ أعداء الإسلام في تآمرهم على المسلمين، وكيدهم لهم، إلا بسبب تفرّق المسلمين وتخاذلهم وتدابرهم .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين ]


79- { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ( ٧٣ ) }

وإن لم تتعاونوا وتتناصروا ـ أيها المؤمنون ـ فيما بينكم تكن فتنة في الأرض؛ إذ يرى الكافرون تفرّق المؤمنين، وعدم موالاة بعضهم لبعض، فيتسلَّطون على أجزاء منهم، فيفتنونهم في دينهم، فلا يناصرهم إخوانهم المؤمنون، ولا يؤونهم، فيضعف المفتونون عن المقاومة، فيتاثّرون بالضغوط، فيكفرون، فيحصل فساد كبير في الأرض .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 186]


80- { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ( ١ ) } [سورة التوبة]

وهذه الآية تقرِّر البراءة والتخلص ورفع العصمة عن المشركين، وجواز نبذ العهود لمن كان بينهم وبين المسلمين عهد متى رأى الإمام مصلحة الأمة في ذلك، كأن خيف منهم خيانة، أو نقضوا شيئاً من شروط المعاهدة .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 187]


81- { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ( ٦ ) } [سورة التوبة]

فتعريف الناس بحقيقة الإسلام أمرٌ ضروري، يجب على المسلمين القيام به، إذ أصبحت نفوس كثير من الناس مُستعدّة لقبول الإسلام بعد أن فَشِلَت العقائد المحرَّفة والنظم الأرضية فى إسعادهم وحلّ مشكلاتهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 187]


82- { كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ( ٨ ) } [سورة التوبة]

كيف يكون للمشركين الناكثين ثباتٍ على العهد وهم قوم - إن يتمكّنوا منكم، وتكون لهم الغلبة عليكم ـ فلن يدّخروا جهداً في القضاء عليكم، غير مُراعين فيكم قرابة ولا عهداً، فلا يَغُرَّنكم منهم ما يُعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم يخدعونكم بكلامهم المعسول، وقلوبهم منطوية على كراهتكم، وسرائرهُم تغاير علانيتهم، وأكثرهم خارجون عن الحق، نقضوا العهد، وبالغوا في العداوة، ويوجد عند قليل منهم تمسُّكٌ جُزئي بالقيم، ومراعاة لبعض الأخلاق والمبادىء.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 188]


83- { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ( ٢٣ ) }

هذا الخطاب تأكيد على إقامة الحدود الفاصلة بين المؤمنين والكافرين، ولو كانوا من أقرب أقربائهم، فالإسلام لا يعرف مداهنة ولا مُصَانعةً على حساب العقيدة، أو على حساب جماعة المسلمين، ولا يُقرُّ مبدأ المساومة في أي أمر من أمور الدين ؛ لأنَّ موالاة أعداء الله ـ ولو كانوا مُنْحدرين من السُّلالات الإسلامية - خيانة للكيان الإسلامي، والأمة جميعها، ودونها بنسبة كبيرة بعض كبائر المعاصي الفردية؛ لأن هذه الموالاة لأعداء الله فرع من فروع النفاق.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 190]


84- { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ( ٢٤ ) }

وفي هذه الآية تهديد وتخويف لمن آثر محبة مَن ذكر على محبة الله تعالى ورسوله ﷺ، وفيها دليل على أنه إذا تعارضت مصلحة من مصالح الدين مع مهمات الدنيا، وَجَب على المسلم ترجيح جانب الدين على الدنيا؛ ليبقى دين المسلم سليماً.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 190]


85- { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ( ٣٨ ) } [سورة التوبة]

ويدل توجيه هذا الخطاب إلى المؤمنين عامة على أن الجيش في الإسلام هو كل الأمة، ولا يعفى من الجندية سوى الضعفاء لعجز أو شيخوخة، أو مرض.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 193]


86- "إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير"

فمن يوم أن اثاقلت الأمة الإسلامية عن الجهاد، وتركته، ضربت عليها الذلّة، وتفرق المسلمون، وصار بأسهم بينهم شديداً، وتوزَّعتهم الأمم، ونزل بهم العذاب الأليم في الدنيا.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 193]


87- { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ( ٤٧ ) } [سورة التوبة]

وعلى المسلمين أن يعملوا بهذه النصيحة حتى آخر الدهر، فيستبعدوا في المواقف الحاسمة الرهيبة المنافقين والمرجفين والمتخاذلين وضعفاء الإيمان، لأن وجودهم سيكون له تأثير عكسيٌّ عليهم، فلا يزيد وجودهم عدداً ولا مدَداً، ولكن يزيد المسلمين ضعفاً ووهناً وتخاذلاً وتفرُّقاً.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 194]

88- { ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ( ٩٨ ) } [سورة التوبة]

ومن ظواهر نفاق سكان البادية : ظاهرتان ناتجتان عن كفرهم بالله واليوم الآخر باطناً، الظاهرة الأولى: أنّ منهم من لا يرجو على إنفاقه ثواباً، ولا يخاف على إمساكه عقاباً، ويعتقد أنّ الذي يُنفقه في سبيل الله غرامة وخسارة؛ لأنه لا ينفي ذلك إلا خوفاً من المسلمين، أو مُراآة لهم، والظاهرة الثانية: انتظارهم أن ينزل بالرسول وبكم شراً، للتخلّص منكم، بل يتقلب عليهم وحدهم الزمان، ويدور السوء والبلاء بهم، ولا يرون في محمد ﷺ وأصحابه ودينه إلا ما يسوؤهم، والله سميع لأقوالهم، عليم بما يُخفون في ضمائرهم من النفاق والغش وإرادة السوء للمؤمنين.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 202]


89- { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ( ٦٤ ) } [سورة يونس]

لهؤلاء الأولياء الخبر السارُّ المفرح من الله سبحانه في الحياة الدنيا؛ بالرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له، والثناء الحَسن، والتأييد والنصر والتمكين في الأرض، ولهم البُشرى من الملائكة له بالمغفرة والرحمة قُبَيْل قبض أرواحهم وهم يُحتَضرون، وبعد الموت، وفي موقف الحشر، وبعد الحساب، وبمشاهدة منازلهم في الجنة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 216]


90- { فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ( ٧٢ ) }

فإن أدبرتم مبتعدين عن الاستجابة لدعوتي، فما سألتكم من عِوَض على تبليغ الرسالة، حتى أكون مُتَّهماً في نفوسكم بأني أدعوكم لمصلحة دنيوية لي عندكم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 217]


91- { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ( ٣ ) } [سورة هود]

إنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به من الاستغفار والتوبة وأخلصتم العبادة لله سبحانه بَسَط عليكم من الدنيا وأسباب الرزق ما تعيشون به في أمن وسَعَة وخير إلى حين الموت ووقت انقضاء آجالكم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 221]


92- { حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ( ٤٠ ) }

وفار التنُّور الذي يُختبز فيه بدار نوح بالماء، علامة على مجيء العذاب

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 226]


93- واستُدلَّ بهذه الآية: { وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ( ٤١ ) }

على استحباب هذا الذكر عند ركوب السفينة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 226]


94- { قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( ٥ ) } [سورة يوسف]

ومن هذه الوصيَّة نستفيد استحسان كتمان دلائل النعمة القادمة، والمبشِّرات بها؛ لئلا تثير حَسَدَ الحاسدين، وتُحرِّضهم على فعل الشرور، وتدبير المكايد.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 236]


95- { وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ( ٤٢ ) } [سورة يوسف]

لم يترك يوسف عليه السلام الأخذ بأسباب السلامة والخروج من السجن، مع توكُّله على الله تعالى وتفويض أمره إليه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 240]


96- { قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ( ٧٢ ) } [سورة يوسف]

وهذه الآية أصل في الجِعَالَة، وهو الأجر الذي يُجعل على العمل، وأصل كذلك في الضمان والكفالة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 244]


97- { فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ( ٨٨ ) }

وفي الآية دليل على جواز شكوى الحاجة لمن يُرجى منه إزالتها.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 246]


98- { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ( ٨ ) } [سورة النحل]

ويخلق لكم مستقبلًا من وسائل الركوب في البرِّ والبحر والجوّ ممَّا لا علم لكم به قبل أن يخلقه لكم ويُلهمكم تعلُّمه؛ لتزدادوا إيمانًا به وشكرًا له.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 268]


99- { وعلامات وبالنجم هم يهتدون ( ١٦ ) }

وجعل لكم في الأرض علاماتٍ نُميِّز بعضها عن بعض، تهتدون بها في أسفاركم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 269]


100- { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ( ٧٨ ) } [سورة النحل]

استُدلّ بهذه الآية على أنَّ الأصل في الناس الجهل، فلا يجوز استفتاء رجل غير مشهور بالعلم حتى يُبحث عن علمه، ومن ادَّعى جهل شيءٍ كان القولُ قولَهُ لموافقته للأصل.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 275]


101- { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ( ١ ) } [سورة الإسراء]

والآية تدل بصدرها على الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وتدلُّ بآخرها: "لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" على المعراج الذي جاء تفصيل بعض أحداثه في سورة النجم في قوله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى".

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 282]


102- { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ( ٤ ) }

وأنهينا إلى بني إسرائيل وأخبرناهم فيما آتيناهم من التوراة: أقسم لتُفسِدُنَّ في أرض الشام وبيت المقدس إفساداً عريضاً منتشراً مرّتين كُبْرَيَيْن، وأقسم ليكوننَّ لكم عُلُوٌّ كبيرٌ وسلطانٌ وقوَّةٌ وكلمة نافذة. وقد تحقق لهم العلوُّ الكبير في عهد داود وسليمان عليهما السلام، واستمرَّ هذا العلو قليلاً بعد سليمان، ثم فسد بنو إسرائيل، وعبدوا الأوثان، واتّبعوا الشهوات، فسلط الله عليهم "بختنصَّر" ملك "بابل وآشور"، فقتل منهم وسبى، ثم عادوا إلى الإفساد والعلو في واقعهم المعاصر الآن، فأفسدوا إفساداً عريضاً في كلِّ الدنيا، بنشر المذاهب الفكريَّة المنحرفة، وإقامة مؤسسات الربا ودُور الزنى، والمنظمات العلنية والسريّة التي تعمل لهدم الدين والأخلاق، وعَلَوْا في الأرض عُلُوّاً لم تبلغه أمةٌ من الأمم، ولا شعب من الشعوب.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 282]


103- { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ( ١١ ) } [سورة الإسراء]

ويدعو الإنسان بالشر في حقيقة الأمر الخافيةِ عليه، دُعاءه بالخير الذي يتهيّأ له بتعجُّله وقِصَر نظره وعدم شمول معرفته.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 283]


104- { قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ( ٦٢ ) }

لأحتنكن: لأجَعَلَنَّ ذرية آدم كالدواب التي تُطوّع بوضع اللُّجُم في أحناكها، ولأُسَيِّرَنَّهُم في هذه الحياة الدنيا عصاةً لك، ولأنقلنَّهم خطوة فخطوة، حتى أوصلَ مَن يستجيب لي منهم إلى دركة الكافرين المجرمين الذين يستحقون العذاب الأبدي في الجحيم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 288]


105- { نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ( ١٣ ) } [سورة الكهف]

وفي الآية دليل على أن الفتيان الشباب أسرع استجابةً لنداء الحقِّ، وأشدُّ عزمًا وتضحية في سبيله.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 294]


106- { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ( ١٦ ) } [سورة الكهف]

وفي الآية دليل على أهمية الهجرة لسلامة الدين، وقبح المقام في دار الكفر، أو في بلد لا يستطيع المسلم أن يعبد الله فيه، فالعزلة لسلامة الدين أمر واجب في الإسلام، في مثل هذه الظروف، وأرض الله واسعة، ووطن المسلم حيث يستطيع أن يعبد الله عزّ وجل.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 295]


107- { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ٧٩ ) } [سورة الكهف]

وفي خرق السفينة من قبل الخضِر دليل على العمل بالمصلحة الراجحة وإن استلزمت مفسدة مرجوحة، وأنه إذا تعارضت مفسدتان وجب ارتكاب أخفهما لدفع أشدِّهما.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 302]


108- { يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ( ١٠٢ ) } [سورة طه]

يتميّزون عن المؤمنين باللون الأزرق، من أثر الضَّربات التي تقع عليهم من ملائكة العذاب.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 319]


109- { أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ( ٢٤ ) } [سورة الأنبياء]

بل أكثرهم لا يحبُّون أن يعلموا الحقَّ، فهم مُعرضون لا يريدون استماعَ براهينِ الحقّ.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 323]


110- { وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ( ٨٠ ) } [سورة الأنبياء]

وفي الآية دليل على تعلّم أهل العلم الصنائع، وأنها لا تنقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم، إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 328]


111- { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ( ٤ ) } [سورة النور]

وإذا كان هذا في الرمي بالزّنى والاتّهام به، فكيف يكون حال مُقترف هذا الجرم الفاحش الشنيع.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 350]


112- { ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ( ٢٢ ) } [سورة النور]

وفي الآية أهمية صلة الرحم والتجاوز عن خطئه، والوصية بأخلاق الإسلام في الرضا والغضب، وعدم الانصياع لردود الفعل، ولا سيما مع أهل السابقة في الدين، وذوي الحاجة، وذوي القربى، كمسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر الصدّيق، الذي خاض في الإفك مع الخائضين، ولكنه تاب وندم، وقد حَلَفَ أبو بكر الصّدّيق أن لا يُنفق عليه بسبب خوْضه في حديث الإفك. وقد عاد أبو بكر إلى برِّه وإحسانه، وقال: بلى، والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 352]


113- { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ( ٥٥ ) } [سورة النور]

وفي هذه الآية شاهد عدلٍ وصدق على هذه الأمة، فما من مرَّةٍ سارت هذه الأمة على نهج الله وحكَّمت شريعته في حياتها إلا وتحقّق لها وعد الله بالتمكين والاستخلاف، وما من مرة حادت هذه الأمة عن نهج الله الذي ارتضاه لها إلا تخلَّفت في ذيْل القافلة وذلَّت، وطُردت من الهيمنة على البشريَّة، واستبدَّ بها الخوف، وتخطَّفها الأعداء. ووعد الله قائم، وشرطه معروف، فمن شاء الوعد، فلْيقُم بالشرط، ومن أوفى بعهده من الله؟!

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 357]


114- { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون ( ٦١ ) } [سورة النور]

وفي هذه الآية بيان منزلة الصَّديق حيث ألحقته الآية بالقرابة النسبيَّة؛ بسبب المحبَّة واحتكام الإلفة ورفع الكلفة.

وفي هذه الآية الكريمة ما يدل على أن دين الإسلام جاء بحُسن المعاشرة، وبالسماحة وسخاوة النفس، وبتواضع العباد بعضهم لبعض، دون ترفُّع بالحال أو بالمال على الغير، وبالانسجام مع كل مؤمن، غنيًّا أو فقيرًا، كبيرًا أو صغيرًا، صحيحًا أو مريضًا.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 358]


115- { وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا ( ٤٨ ) } [سورة الفرقان]

وهو الذي أرسل الرياح إعلامًا سارًّا بمقدم غيثٍ قبل نزوله.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 364]


116- { وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ( ٢٢ ) } [سورة الشعراء]

وتلك التربية في بيتك نعمةٌ تفضَّلت بها عليَّ، آن اتَّخذت بني إسرائيل لك عبيداً، فجعلتَ تقتل الأبناء من المواليد، وتستحيي البنات فلا تقتلهنَّ لتُسخرهُنَّ في الخدمة متى صِرْن نساءً قادرات على

الخدمة، ولولا رغبة أهلك في أن أنفعهم أو أن يتَّخذوني ولداً لهم لذبحتموني مع سائر من ذبحتم من مواليد بني إسرائيل، أفهذه تصلح لأن تكون نعمةً تمُنُّها علي؟!!

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 368]


117- { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون ( ٨٨ ) } [سورة النمل]

وترى الجبال ـ أيها الرائي - تظنُّها متماسكة لا حركة لذرَّاتها، ولا سَيْر لها في جملتها، وهي في واقع حالها تَمُرُّ مَرَّ السَّحاب، الذي تَتَحرَّك ذرَّاته تحرُّكاً داخلياً، ويسير في جملته من موقع إلى موقع في السماء، وكذلك حال الجبال، وسائر ما في الأرض، إذ ذرَّات كلِّ شيء تتحرّك حركاتٍ في دوائر وأقفال مُقفلة. وجملة الأرض مع جبالها تمرُّ سائرة في دورة يومية حول نفسها، وفي دورة سنوية حول الشمس.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 384]


118- { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ( ١٠ ) } [سورة القصص]

كادت لتُصرِّح بأنه ابنها من شدَّة وَجَلها، وعندئذ يفتضح أمرها، ويشيع خبرها، لولا أنْ رَبَطنا على قلبها بالعصمة والصّبر والتثبيت.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 386]


119- { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ( ٢٣ ) } [سورة القصص]

قال موسى للمرأتين : ما شأنكما لا تسْقيان مواشيكما مع الناس؟! قالتا : إنا امرأتان لا نزاحم الرجال أدباً واستحياءً، فإذا رجع الرُّعاة عن الماء سَقَيْنا مواشينا مِنْ فَضل ما بقيَ من الماء، والسبب في قيامنا بوظيفة سَقْيِ مواشي أبينا، أنه ليس لنا إخوةٌ ذكور للقيام بهذه الوظيفة، وأبونا شيخ كبير لا يقدر أن يسقي مواشيه .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 388]



120- { قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين ( ٢٧ ) } [سورة القصص]

وفي هذه الآية: اختيارُ الزوج الكفء، وعَرْضُ الرجل ابنته على الرجل الصالح، وهذا دأب عقلاء الرجال، أن يختاروا هم أزواجاً أكفاء صالحين لبناتهم، وليس في مثل هذا الطلب وإبداء الرغبة مَنْقَصَةٌ لهم، بل فيها مروءةٌ وحسن تدبير.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 388]


121- { أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين ( ٦١ ) } [سورة القصص]

أفمن وَعَدناه وعداً حسناً بالجنّة، لأنه صدَّق وعد الله الحسن بجنّات النعيم يوم الدين، فآمن وأسلم، فهو مُستقبله وصائر إليه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 393]


122- { فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ( ٣٧ ) } [سورة العنكبوت]

...فقبضت عليهم من كلّ جوانب أفرادهم وجماعاتهم الزّلزلة الشّديدة التي رَجَفَتْ منها قلوبهم بسبب صَيحة جبريل، فأصبحوا في دارهم لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم، ملازمين أمكنتهم من شدّة الهَوْل مَيِّتين.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 400]



123- { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( ٥١ ) }

انطمست بصائرهم، وعُطلت عقولهم عن إدراك الحقّ المنزّل من ربّهم، وَلَمْ يكف هؤلاء المشركون المُقْترحون نزول الآيات، أنّا أنزلنا عليك ـ يا رسول الله ـ القرآنَ يُقرأ عليهم؟ فالقرآنُ معجزة أتمُّ من معجزة من تقدّم من الأنبياء؛ لأنَّ معجزة القرآن تدوم على مرّ الدهور والزمان ثابتة، لا تَضْمَحل.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 402]


124- { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ( ٢٩ ) } [سورة الأحزاب]

وفي الآية مشروعة التخيير، فقد أجازت الشريعة للمسلم أن يخير زوجته بين البقاء عنده، أو مفارقته، إذا طالبته بأمور لا يستطيع الوفاء بها، وهو باب من أبواب تفويض الطلاق للزوجة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 421]


125- { ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( ٤٨ ) }

ودَع التفكيرَ في أذاهم المُوَجَّهِ منهم لك وللمسلمين، ودع الاشتغال بدفعه؛ وتَجَمَّل بالصّبر والصّفح، وتوكّل على الله في كل أمورك، ولا تَخشَ أن يتّخذوا من إعراضك عن مقابلة أذاهم بمثله أن يُصعِّدوا من العدوان عليك وعلى المسلمين.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 424]


126- { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق ... }

وفي هذه الآية تأديب للثقلاء الذين يُدخلون القلق والغمّ على غيرهم، من جرَّاء عمل يعود نفعه إليهم، أو لعدم الشعور بما يلحق غيرهم من الحرج من جرّاء ذلك العمل، وهو من مساوىء الأخلاق، لأنه إن كان عن عمد كان ضُراً بالناس، وسبباً للتباغض، وهو منهي عنه، وإن كان إدخالهم الغم على غيرهم عن غباوة وقلة فطنة، فإنه مذموم في ذاته.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 425]


127- { وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ( ٢١ ) } [سورة سبأ]

وما مكَّنَّا إبليس وجنوده من هذه الأعمال الإغوائية، إلا لنرى من يُصَدِّق بالآخرة ونَميزه ممَّن هو منها في شك، أو منكر لها.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 430]


128- { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ( ٤٠ ) } [سورة يس]

لا الشمس يصلح لها، ولا يتيسَّر لها أن تلحق وتبلغ الغمر، فتبتلعه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 442]


129- { وإن من شيعته لإبراهيم ( ٨٣ ) } [سورة الصافات]

فالعقائد والشرائع التي جاء بها نوح عليه لسلام قد بقيت منها بقايا صحيحة في القرون من بعده حتى أيام إبراهيم عليه السلام، وأنَّه اطَّلع عليها رغم انتشار الوثنية في قومه، فآمن بها واتَّبعها، إيماناً بنوح عليه السلام واتّباعاً له، قبل أن يتّخذه الله نبيّاً، ويبعثه إلى قومه رسولاً.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 449]


130- { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( ١١ ) } [سورة ص]

جُندٌ مغلوبون في مواجهات قتالية قادمة من جملة أحزاب الكفر ذوي المذاهب المتفرِّقة، والتكتّلات المختلفات، وقد تحقق فيما بعد انهزام جند كفار قريش في غزوة بدر، والأحزاب، وفتح مكة. وهذا الخبر من معجزات القرآن الخبرية التي أخبر الله عز وجلّ عنها فيه، وتحقَّقت كما جاء في خبره .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 453]


131- { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ( ١٣ ) } [سورة فصلت]

وإنما خَصَّ هاتين القبيلتين؛ لأن قريشًا كانوا يمرّون على بلادهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 478]


132- { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ( ٥٧ ) } [سورة الزخرف]

ولما ضُرب ابن مريم مثلاً للأنبياء السابقين، الذين طُلب سؤال أتباعهم وحَمَلة شرائعهم، عن جعل الرحمن آلهة تعبد من دون الله، إذا قومك من هذا المثل يرتفع لهم ضجيج وصياح وفرح، وقالوا: ما يريد محمد إلا أن نتّخذه إلهاً كما اتّخذت النصارى عيسى ابن مريم إلها .

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 493]



133- { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ( ٣٥ ) } [سورة محمد]

وفي هذه الآية: دليل على مَنع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة، وتحريم ترك الجهاد إلا عند العذر.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 510]


134- { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ( ١٦ ) } [سورة الفتح]

وهذه الآية تدل على أن باب الجهاد مفتوح للمتخلفين عن الخروج مع النبي ﷺ إلى الحديبية، وأنه يمكنهم أن يتلافوا ما سلف منهم

من تقاعس وتثاقل.

وأما القوم أولو القوة الشديدة الذين يدعون إلى

قتالهم، فهم جميع أعداء الإسلام من ثقيف وهوزان، وأهل الردة، والروم وفارس، والتتر والمغول.

وفي الآية دليل على صحّة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 513]


135- { فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ( ٢٦ ) } [سورة الذاريات]

فذهب بخفَّةٍ وسرعةٍ لضيافتهم دون أن يظهر علامات إرادة إكرامهم، من شدَّة ما لديه من جودٍ وسخاء نفسٍ ، فجاء بعجل سمين مشويّ.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 521]


136- { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ( ٤٨ ) ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ( ٤٩ ) } [سورة الطور]

فالتسبيح هو الذي يساعد على التحلِّي بالصبر، ويعالج ضيق النفس والكرب الذي يضغط عليه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 525]


137- { وأنه هو رب الشعرى ( ٤٩ ) } [سورة النجم]

وأنه هو ربُّ معبودهم الشِّعرى، وهو نجم مُضيء، كان بعض العرب في الجاهلية يعيدونه من دون الله.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 528]


138- { تجري بأعيننا "جزاء لمن كان كُفِر" ( ١٤ ) } [سورة القمر]

وثوابا معجلاً له في الدنيا؛ لأنه كان كُفِر به وجُحِد أمره من قبل قومه.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 529]


139- { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا "انظرونا نقتبس من نوركم" قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ( ١٣ ) } [سورة الحديد]

انتظرونا وتمهّلوا قليلا من أجلنا حتى نستفيدَ من نور إيمانكم في هذا الظلام الدامس، ونسير كما كنّا نسير معكم في الدنيا.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 539]


140- { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ( ٥ ) } [سورة الحشر]

وهذه الآية تدل على جواز هدم دور الكفار وقطع أشجارهم إذا كان للمسلمين مصلحة في ذلك.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 546]


141- { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ( ١٠ ) }

وفي الآية : الحث على الدعاء، والترضي عن الصحابة، وتصفية القلوب من بُغض أحد منهم، وفيها دليل على أن من كان في قلبه غِلٌّ أو بغضٌ لأحدٍ من أصحاب رسول الله ﷺ، ولم يترحم على جميعهم، فإنه ليس ممّن عناه الله تعالى بهذه الآية.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 547]


142- { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ( ٧ ) } [سورة الطلاق]

دلَّت هذه الآية على أنّ التكليف والمسؤوليّة على مقدار الهبة الربّانيَّة، وما لا قدرة للإنسان عليه، هو خارجٌ عن دائرة مسؤوليته.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 559]


143- { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ( ٥١ ) } [سورة القلم]

وفي هذه الآية دليل على أنّ العين وإصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عزّ وجل.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 566]


144- { يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ( ١١ ) } [سورة المعارج]

يُعرَّفون أقرباءهم، ويرونهم بأبصارهم، فلا يسألونهم؛ لأنهم يعلمون أنهم عاجزون عن إعانتهم بشيء.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 569]


145- { إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ( ٢٧ ) } [سورة الجن]

فإذا أراد سبحانه إظهاره على ما يشاء من غيبه، فإنَّه يُدخل من أمام الرسول ومن خلفه حفَظة من الملائكة يحفظونه من الجنّ؛ لئلا يسمعوا الوحي.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 573]


146- { وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ( ١٦ ) } [سورة الجن]

وأنّ الشأن العظيم هو: لو استقام الجنّ والإنس على طريقة الحقّ والإيمان والهدى، وكانوا مؤمنين مطيعين، لوسّعنا عليهم الرزق في الدنيا، ولأسقيناهم ماء كثيراً غزيراً، ومتّعناهم

بالعيش الرغيد؛ لنختبرهم: كيف شَكُرُهُمْ فيما أعطيناهم؟

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 573]


147- { على الكافرين غير يسير ( ١٠ ) } [سورة المدثر]

وفي بيان كون هذا اليوم عسيراً على الكافرين دلالةٌ على أنّ الله عزّ وجلّ يُيَسِّر أمر هذا اليوم العصيب على المؤمنين.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 575]


148- { ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ( ١٧ ) } [سورة الإنسان]

ويُسقى الأبرار في الجنة كأساً مملوءة خمراً مُزِجَت بالزنجبيل، يشرب المقرّبون من عينٍ في الجنة ويرتوون بها ريًّا كاملًا، تُسمّى هذه العين سَلْسَبيلاً؛ لأنها سَلِسَةٌ مُنقادةٌ لهم، تسيل عليهم في طرقهم ومنازلهم.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 579]


149- { رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( ٢ ) } [سورة البينة]

وفي هذه الآية إعجازٌ من القرآن بإخبار عن أمر غيبي، وهو كتابة هذا القرآن في الصُّحف، إذ أنه لم ينزل صحفاً، بل وحياً على قلب رسول الله ﷺ، وسيبقى محفوظًا مطهَّراً من التلاعب والتغيير.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 598]


150- { إن شانئك هو الأبتر ( ٣ ) } [سورة الكوثر]

وهذه الآية الكريمة تدلُّ بنصِّها على أن مُبغض رسول الله ﷺ وما جاء به من الهُدى ودين الحق منقطع عن كل خير، وتدلُّ بمفهومها ولازمها على أن مُحبَّه ﷺ هو متَّصل بكلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة.

[المعين على تدبّر الكتاب المبين 602]

 


 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية