اطبع هذه الصفحة


عشرون مسألةً في أحكام النّذور

زياد عوض أبو اليمان


بسم الله الرحمن الرحيم

 
1 ) النّذر : التزام المكلّف شيئاً لم يكن واجباً عليه بأصلِ الشرعِ منجزاً أو معلقاً ، فالمنجز مثل قوله : لله عليَ صيامُ أسبوعٍ ، والمعلّق كقوله : لله عليَ صيامُ أسبوعٍ إن شفى الله مريضي ، قال ابن المنذر : " وأجمعوا أنّ كلّ من قال : إن شفى الله عليلي ، أو قدم غائبي ، أو ما أشبه ذلك : فعليَ من الصوم كذا ، ومن الصلاة كذا ، فكان ما قال أنّ عليه الوفاءَ بنذره.

2 ) ينعقد النّذر بكل لفظٍ دلّ عليه كقوله : لله عليَ كذا ، أو إن شفى الله مريضي عليَ أن أتصدق بكذا ، والغالب فيه استعمال لفظة عليَ الدالة على الإيجاب ، قال ابن عثيمين : ينعقد النّذر بالقول وليس له صيغةٌ معينةٌ بل كل ما دلّ على إلزامٍ فهو نذر وإن لم يذكر نذراً أو عهداً.

3 ) النّذر لا يكون إلّا لله ، قال شيخ الإسلام : " وقد اتفق العلماء على أنّه لا يجوز لأحدٍ أن ينذر لغير الله ، لا لنّبيٍ ولا لغير نبيٍ وأنّ هذا شركٌ لا يوفي به .

4 ) قال شيخ الإِسلام : ما وجب بأصل الشرع إذا نذره العبد، أو عاهد ، أو بايع عليه الإِمام ، يكون وجوبه من وجهين ، ويكون تركه موجبًا لترك الواجب بالشرع ، والواجب بالنّذر، بحيث يستحق تاركه من العقوبة ما يستحقه ناقض العهود والمواثيق ، وما يستحقه عاصي الله ورسوله ، وهذا هو التحقيق ، ونصَّ عليه أحمد ، وقاله طائفة من العلماء.

5 ) اختلف أهل العلم في حكم النّذر على أقوالٍ : فمنهم من ذهب إلى كراهته ، وهم جمهور أهل العلم من الحنابلة والشافعيّة والمالكية على تفصيل عندهم ، وكذا هو قول ابن حزم ، لقول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في النّذر : " إنّه لا يأتي بخير وإنّما يُستخرج به من البخيل " ، وذهب بعضهم إلى تحريمه ونُسب إلى بعض أهل الحديث ورجّحه الصنعاني ، وتوقف في تحريمه شيخ الإسلام ابن تيمية ، والثالث : أنّ النّهي وارد في النّذر المعلق لا المطلق ، وبه جزم القرطبي ، وإليه ذهب بعض أهل العلم ورجّحه الشنقيطي في أضواء البيان ، والرابع أنّ النّهي محمولٌ على من عَلِم من حالهِ عدم القيام لما التزم به من النّذر وهو قول الحنفية ، وبعض الشافعيّة ، والرّاجح أنّ النّهي محمول على النّذر المعلق لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - : “ إنّما يُستخرج به من البخيل ، وهو ما رجّحه الشنقيطي في أضواء البيان - رحم الله الجميع - .

6 ) قال الخطّابي في باب النّذر : هذا بابٌ غريبٌ من العلم وهو أن يُنهى عن الشيء أن يُفعل حتى إذا فعل وقع واجباً ، وقال ابن سعدي : إنّ النّذر من غرائب العلم حيث كان عقده منهياً عنه ووفاؤه محموداً مأموراً به ، قلت : وقد أثنى الله على الموفين بنذروهم في غير ما آيةٍ من كتابه الكريم.

6 ) لا يصحّ النّذر إلا من بالغٍ عاقلٍ لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - : "رُفع القلم عن ثلاثٍ الصغير حتى يكبر ، والمجنون حتى يفيق ، والنّائم حتى يستيقظ" صحيح الإسناد.

7 ) ويصحّ النّذر من الكافر حال كفره وينعقد ويجب الوفاء به إذا أسلم إذا لم يفِ به حال كفره ، قال الخطّابي : نذر الجاهلية إذا كان على وفق حكم الإسلام كان معمولاً به ، قلت : وهو مذهب أحمد وبه قال بعض الشّافعيّة ، وإليه ذهب البخاري وابن جرير ونصره القرطبي ، واستدلوا بحديث عمر " أنّه نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية ، فسأل النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - ، فقال له أوف بنذرك " ،
وإسناده صحيح.

8 ) النّذرُ على أنواعٍ منها : النّذر المبهم مثل أن يقول لله عليَ نذرٌ ولم يُسمّ شيئاً ، وفيه كفارة يمينٍ
للحديث الموقوف على ابن عبّاسٍ : "كفارة النّذر إذا لم يسمّ كفارة يمين" .

قال ابن قدامة : النّذر المبهم ، وهو أن يقول : لله عليَ نذر ، فهذا تجب فيه الكفّارة عند أكثر أهل العلم ، أمّا إذا نذر عبادةً معينةً وأطلق كالصلاة والصوم وجب عليه أقل مايصدق عليه الاسم فإذا قال : لله عليَ أن أصليَ وجب عليه ركعتان ، وإذا قال لله عليَ أن أصوم وجب عليه صوم يومٍ .

9 ) والثاني نذر اللجاج أو الغضب ، وهو النّذر الذي سببه الخصومة والمنازعة ، فيعلق الناذر نذره بشرط ، بقصد المنع منه ، أو الحثّ والحمل عليه ، أو التصديق ، أو التكذيب وهو مخيرٌ بين الوفاء به أو كفّارة اليمين .

10 ) والثالث : النّذر المباح كأن يقول : لله عليَ أن آكل الطعام الفلانيّ ، أو أن ألبَسَ الثوب الفلانيّ ، أو أن أركب السيّارة الفلانيّة ، وقد اختلف أهل العلم في النّذر المباح ، فذهب بعضهم إلى أن النّذر المباح لا بنعقد وبه قال الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة وكذا هو رواية عن أحمد ، والقول الثاني : أنّه ينعقد ويخيّر الناذر بين الوفاء به أو كفارة اليمين وبه قال الحنابلة ورجّحه النّووي والصحيح ما ذهب اليه الجمهور أنّه لا ينعقد ولا كفّارة فيه لأنّه ليس بطاعةٍ.

11 ) والرابع : نذر المعصية كأن ينذر شرب الخمر ، أو قطع الرحم ، أو أن يقتل فلاناً من النّاس ، فهذا النّذر لا يحل الوفاء به بالإجماع ، قاله ابن قدامة في المغني ، لقول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - : " ومن نذر أن يعصيَ الله فلا يعصه " صحيح الإسناد ، وهل تلزم فيه كفّارة اليمين ، قولان لأهل العلم : أحدهما لزوم الكفّارة وبه قال جمع من أصحاب النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وهو مذهب أحمد ومن مفردات مذهبه واختاره البيهقي ، والصنعاني ، وابن القيم ، والعثيمين ، وابن بازٍ ودليلهم الأحاديث الواردة في الباب فبعضها يشدّ بعضاً وكذا حديث عقبة بن عامر عند مسلم : "كفارة النذر كفارة يمين " فهو محمول على نذر المعصية وعلى ما لم يسمّ ، والقول الثاني : عدم وجوب الكفّارة وهو قول الجمهور من المالكية والشافعيّة والأحناف ورواية عن الإمام أحمد وهو متّجه ، والأول أحوط ، وأبرأ للذّمّة.

12 ) والخامس نذر التبرر أو نذر الطّاعة سواء كان مطلقاً أو معلقاً كالصّلاة والصّوم والحجّ والعمرة والصّدقة ، ونذر الطّاعة يجب الوفاء به لقوله - صلّى الله عليه وسلّم : "ومن نذر أن يطيع الله فليطعه"، صحيح الإسناد
و الفرق بين نذر الطّاعة المطلق والمعلق أنّ المعلق يعلق الوفاء به على حصول شيء كأن يقول : إن شفى الله مريضي فلله عليَ كذا من الصدقة أو الصوم ، والمطلق لا يعلقه على حصول شيء كأن يقولَ : لله عليَ صوم كذا يوم أو التّصدّق بكذا دينارٍ دون التعليق على حصول شيءٍ معينٍ ، قال ابن الملقن : قام الإجماع على وجوب الوفاء بالنّذر إذا كان طاعةً وعلى هذا فنذر الطّاعة لا تدخله الكفّارة بل بجب الوفاء به ، وهو قول جمهور العلماء.

13 ) من عجز عن الوفاء بالنّذر فإنّه يكفّر كفّارةَ يمينٍ ، لحديث عقبة بن عامرٍ : " كفارة النّذر كفّارة يمين " صحيح الإسناد.

14 ) اختلف أهل العلم فيمن نذر أن يتصدق بكل ماله ، فقيل : يكفيه الثلث لحديث كعب بنِ مالكٍ لمّا نذر ان بتصدق بكل ماله فقال له النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : "أمسك عليك بعض مالك " ، وهو مذهب مالك والحنابلة واختيار صاحب أضواء البيان ، والثاني أنّه يتصدق بجميع ماله وهو قول أبي حنيفة والشافعي ورواية عن احمد ، لقوله - صلّى الله عليه وسلّم : "ومن نذر أن يطيع الله فليطعه" ، والثالث أنّه يتصدّق بجميع ماله ويمسك منه ما يغنيه ومن يعول عن مسألة النّاس ، واختار هذا القول ابن القيم وهو الراجح إلّا إذا قويَ يقينه ، وحَسُن ظنّه بربّه ، وصدَق في اعتماده عليه كحال أبي بكرٍ - رضي الله عنه - فإنّه يتصدّق بكل ماله.

15 ) من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين لحديث ابن عبّاسٍ : " ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" ، وقد رجّح الحُفّاظ وقفه على ابن عباسٍ وهو الصّحيح وهو مذهب الحنابلة .

16 ) لا يصحّ النّذر فيما لا يملكه الإنسان لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ) صحيح الإسناد ، قال النووي : " لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَلَا يَلْزَمُ بِهَذَا النَّذْرِ شَيْءٌ "
وقال ابن حجر : هل تجب فيه الكفارة؟ فقال الجمهور لا، وذهب أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية إلى وجوب الكفّارة ، والراجح أنّه لا يلزم منه شيء فهو لغوٌ لا يترتب عليه شيء.

17 ) اختلف أهل العلم في حكم أكل الناذر ومن تلزمه نفقتهم من نذره فمنهم من منع ومنهم من جوّز على تفصيلٍ بينهم ، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الأكل من المنذور، فأجابت : مصرف نذر الطّاعة على ما نواه به صاحبه في حدود الشريعة المطهرة ، فإن نوى باللحم الذي نذره الفقراء فلا يجوز له أن يأكل منه ، وإن نوى بنذره أهل بيته أو الرفقة التي هو أحدهم جاز له أن يأكل كواحد منهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) . وهكذا لو شرط ذلك في نذره أو كان ذلك هو عرف بلاده ، والله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

18 ) صحة نذر الذهاب إلى بيت الله الحرام وانعقاده لأنّه من المساجد التي تُشدّ الرّحال إليها فمن نذر الذهاب إليه لزمه الوفاء به ، وهو قول الجمهور .

19 ) ومن نذر الذّهاب إليه ماشياً فله أن يركب ولا يلزمه المشي ولا شيءَ عليه وهو قول للشّافعي ، ورواية عن أحمد ، لحديث عقبةَ بن عامرٍ في الصحيحين : أنّ أخته نذرت أن تمشيَ الي بيت الله حافيةً فرخص لها النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في الركوب والصحيح عدم لزوم الكفّارة لضعف الأحاديث الواردة في إيجابها.

20 ) من مات وعليه نذر طاعة يُشرع لوراثه قضاؤه عنه لأنّه من باب البرّ والإحسان والصّلة للميّت فإن كان النّذر مالياً فإنّه يُقضى وجوباً من تركة الميّت لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - " اقضوا الله فدين الله أحق أن يُقضى " وإسناده صحيح .

21 ) إذا عين النّاذر مكاناً يذبح فيه ما نذره ، لزمه الوفاء بالنذر في ذلك المكان إذا قصد أهل ذلك المكان ، بشرط خلوه من الموانع الشرعيّة ، كأن يكون في المكان وثنٌ يُعبد أو عيدٌ من أعياد المشركين.

22 ) من نذر الصّلاة في أحد المساجد الثلاثة لزمه الوفاء بنذره ولو لزم من ذلك شدّ الرحال وهو مذهب الجمهور ، أمّا من نذر الصّلاة في غير المساجد الثلاثة فإن كان يلزم منه شدّ الرحل فإنّه لا يجوز بل يصلّي في أي مسجدٍ قريبٍ منه لا يلزم شد الرحل إليه .

23 ) من نذر أن يصليَ في مكانٍ مفضولٍ جاز له أن يصلّيَ في مكانٍ أفضل منه ، لحديث جابرٍ "أنّ رجلاً نذر الصّلاة في بيت المقدس ، فقال له النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : صلّ هاهنا " وصحح إسناده جمعٌ من أهلِ العلمِ .

🖌️ وكتبه : زياد عوض أبو اليمان

5 محرم 1442

الموافق 24 /8 / 2020م


 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية