اطبع هذه الصفحة


ورقة علمية في شرح حديث (بَيْنا أنا نائِمٌ رَأَيْتُنِي علَى قَلِيبٍ عليها دَلْوٌ، ... )

عبدالله بنُ يوسفَ الأحمد


بسم الله الرحمن الرحيم

قال ﷺ: (بَيْنا أنا نائِمٌ رَأَيْتُنِي علَى قَلِيبٍ عليها دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْها ما شاءَ الله، ثُمَّ أخَذَها ابنُ أبِي قُحافَةَ فَنَزَعَ بها ذَنُوبًا أوْ ذَنُوبَيْنِ، وفي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، والله يَغْفِرُ له ضَعْفَهُ، ثُمَّ اسْتَحالَتْ غَرْبًا، فأخَذَها ابنُ الخَطَّابِ فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بعَطَنٍ).  رواه البخاري (3664).

أما القليب فهي البئر غير المطوية، والدلو يذكَّر ويؤنث، والذَّنوب الدلو المملوءة، والغَرْب: الدلو العظيمة، والنزع: الاستقاء...، وأما العبقري فهو السيد، وقيل: الذي ليس فوقه شيء.

ومعنى ضرب الناس بعطن؛ أي: أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها، وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح.

قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي ﷺ ومن بركته وآثار صحبته.

فكان النبي ﷺ هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأنزل الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم.

ثم توفي ﷺ فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرا، وهو المراد بقوله ﷺ ذنوبا أو ذنوبين، وهذا شك من الراوي، والمراد: ذنوبان، كما صرح به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام.

ثم توفي أبوبكر فخلفه عمر رضي الله عنه، فاتسع الإسلام في زمنه وتقرر لهم من أحكامه مالم يقع مثله، فعبّر بالقليب عن أمر المسلمين؛ لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقي لهم وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم.

وأما قوله ﷺ في أبي بكر رضي الله عنه: وفي نزعه ضعف؛ فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات، ومصر الأمصار ودون الدواوين.

وأما قوله ﷺ: والله يغفر له؛ فليس فيه تنقيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم، ونِعمت الدّعامة. (ينظر: شرح النووي على مسلم (15/ 159 - 161).

وترجم ابن حبان في صحيحه (6898) لهذا الحديث بقوله: ذكر الخبر الدال على أن الخليفة بعد أبي بكر - كان - عمر رضي الله عنهما.

وقال: فصحَّ بما ذكرت استخلاف عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما بدليل السنة المصرحة التي ذكرناها ا.ھ

فتباينت أقوال العلماء في خلافة الصديق رضي الله عنه:
هل كانت بالنص، أو بالاختيار؟
فذهب الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث إلى أنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة، ومنهم من قال: بالنص الجلي.
وذهب جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية إلى أنها ثبتت بالاختيار. (شرح الطحاوية لابن أبي العز، ط الأوقاف السعودية، صـ481)


عبدالله بن يوسف بن عبدالله الأحمد

 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية