اطبع هذه الصفحة


خوخة أبي بكر رضي الله عنه

عبدالله بنُ يوسفَ الأحمد


بسم الله الرحمن الرحيم


بوب البخاري في صحيحه (1/ 100) باب الخوخة والممر في المسجد، وروى فيه حديث ابن عباس (467)، قال:
خرج رسول الله ﷺ في مرضه الذي مات فيه، عاصب رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
«إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد، غير خوخة أبي بكر».

الخوخة بفتح الخاء: الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه، وفي هذا الحديث فضيلةٌ وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه، وفيه أن المساجد تصان عن تطرق الناس (شرح النووي على مسلم 15 / 151).

وقد أمر ﷺ بأن تسد تلك الأبواب التي تسمى خوخات، وتبقى خوخة أبي بكر، لماذا؟
إشارة إلى أنه سيتولى الخلافة، وسيحتاج إلى أن يدخل المسجد ويخرج ويتكرر دخوله، وذلك دليل على أنه سيتولى، والنبي ﷺ علم بأنه سيكون والي المسلمين بعده، فأمر بإبقاء خوخته حتى لا تتغير (شرح الطحاوية لابن جبرين 5 / 83).

فالباب كناية عن الخلافة، والأمر بالسد كناية عن طلبها؛ كأنه قال: لا يطلبن أحد الخلافة إلا أبا بكر فإنه لا حرج عليه في طلبها، وإلى هذا جنح ابن حبان فقال بعد أن أخرج هذا الحديث في صحيحه (برقم 6860):
في هذا الحديث دليل على أنه الخليفة بعد النبي ﷺ لأنه حسم - بقوله سدوا عني كل خوخة في المسجد - أطماع الناس كلهم على أن يكونوا خلفاء بعده (فتح الباري لابن حجر 7 / 14).

ويؤيد هذا المعنى: سبب ورود الحديث في رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه له، المسندة في صحيح البخاري (3904)؛ أن رسول الله ﷺ جلس على المنبر فقال:
«إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده»، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله ﷺ هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به، وقال رسول الله ﷺ: «إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، إلا خلة الإسلام، لا يَبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر».

وقد صارت بعد ذلك إلى مروان (والد عبدالملك بن مروان) وهو أمير المدينة...، ثم صيرها السفاح رحبة للمسجد (فتح الباري لابن حجر 2/ 502).

ولمَّا روى الترمذي في جامعه هذا الحديث (3660)، أتبعه بحديث أبي هريرة، قال:
قال رسول الله ﷺ: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله به يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر..".

وهذه الخطبة التي خطبها النبي ﷺ في هذا اليوم كانت أخر خطبة خطبها على المنبر...، فلم يتفطن لذلك احد غير أبي بكر الصديق، وكان أبو بَكْر أعلمهم برسول الله ﷺ وأفهمهم عنه، وهذا من الفهم في العلم الذي يخص الله به من شاء من عباده (فتح الباري لابن رجب 3 / 375 وينظر: لطائف المعارف له).


جمع: عبدالله بن يوسف الأحمد


 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية