اطبع هذه الصفحة


رؤى متناثرة حول الدراسات الأصولية المعاصرة... (أفكار ومقترحات)

 

محمد بن حسين بن سيد أحمد الأنصاري

 
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين. أما بعد:
فقد قرأت ما سطرته أنامل المشايخ الفضلاء حول الدراسات الأصولية المعاصرة، وما لها أو عليها، وما يجب أن تكون عليه في الحدود الممكنة، والنظريات المتاحة؛ وتتميما لما سبق طرحه، فقد أحببت أن أشارك في هذا المجال بجملة من الأفكار والمقترحات، وإن لم يدرك الضالع شأو الضليع في العلم والتعلم، وهي في نظري تخدم شِقَّين في هذه الدراسات؛ المطالب والمآخذ، مع بيان الأسباب الموجبة لهما.
وأنبِّه القارئ قبل البدء في المقصود إلى ضرورة الإنصاف، وقبول الحق من أي أحد، وعدم الاستعجال في الأحكام والردود، وإن كانت ولا بد، فلتكن موضوعية وبعدل، وعلى الأفكار فحسب.
وهذه المقترحات خواطر أو ورقة عمل للحوار البناء، لنرتقي بهذا العلم نحو الأفضل، فقد تجد في مضمونها دعاوى عريضة تحتاج إلى أدلة وبرهان، أفرزها عندي طول المعالجة لهذا العلم فترة من الزمن، وهي في طريقها للبحث المؤيد بالحجة والدليل قبولا أو ردا. بحول الله.

أضعها بين إخواني من المتخصصين لتقويم معوجها، وتسديد خطأها، وهي في نقاط:
الأولى: وضوح الرؤية، وحسن التصور.
فإن من مسائل الأصول ما هو مترامي الأطراف، كثير الشعب، بحاجة إلى لملمة وتصنيف، ومن ثَمَّ إلى فهم متجرّد، فمثلاً: مناهج الأصوليين في التأليف. ما حقيقتها؟ وما أثر المعتقد فيها؟ وهل للمذهب أثر في التأليف وتقرير المسائل؟ أم أن الأصول واحدة والفروع تختلف باختلاف المذاهب والاتجاهات؟ وماذا عن مدرسة المتكلمين والفقهاء؟ وهل هذا التقسيم صحيح في ذاته أم لا؟ ثم ما مدى صدقه على كتب الأصول المؤلفة؟ وهل ثمت فرق منهجي بين المدرستين؟ وماذا عن كلام ابن خلدون؟ الذي يتضمن تقسيم المدارس الأصولية، وهل سُبق بهذا التقسيم؟ وهل قوبل بالتسليم أم بالرفض؟ وهل ابن خلدون أراد الحصر؟ وماذا يقصد بالمتكلمين والفقهاء؟
هذه بعض التساؤلات في هذه المسألة، وفي تقديري لا أظن أن بإمكان باحث ما، صادقٍ في بحثه، اختزال الجواب في جملة أو جملتين، قبل التصور التام للمسألة، واستكمال جوانبها.
ومما يصلح مثالا مبحث المتواتر عند الأصوليين، فمن تصوره بشروطه، علم أن تحقق وجوده في السنة أمر متعذر، وقد ذكر ابن حبان في مقدمة صحيحه: (أن الأخبار كلها أخبار آحاد). (للاستزادة انظر: "المنهج المقترح" للشريف حاتم العوني ص:91ـ127)
وحينما أدرك صدر الإسلام البزدوي (ت:493هـ) هذا المعنى وحقيقة ما يفضي إليه قال- بعد تعريف المتواتر-: (ولكن مثل هذا الحديث لم يرد في الأحكام، وإنما ورد في غيرها، وهو مثل قولهم: إنّ في الدنيا مكة..) (معرفة الحجج الشرعية 118)
فانظر كيف قضى هذا التقرير على كثير من المسائل الأصولية بالعدم في حقيقتها، لأن أصلها المخرّجة عليه - تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد- لا وجود له في السنة.
ولعل من المباحث المقترحة لكشف زيف هذا التقسيم هو: البحث عن أثره في استنباط المسائل الفقهية والقواعد الأصولية. أو البحث عن أثره في السنة.
وهكذا - لا بد من حسن التصور- في كثير من المسائل خاصة الأصول منها - كالسنة والإجماع والقياس - قبل الفروع.
وضعف التصور قد ينشأ من قلة الاطلاع، أو عدم التعمق في البحث، وكلاهما للباحث كالسمع والبصر للإنسان. وقد ينتج من ضعف الاستقراء والتتبع، وهو المقترح الثاني.

الثانية: الاستقراء والتتبع.
عدم الاستقراء سمة لازمة في كثير من الدراسات المعاصرة إلا ما ندر. فالاستقراء التام قدر المستطاع مقياس للبحث الجاد، ووسيلة حتمية لبناء نتائج علمية محققة. ولا يختلف الباحثون في أهميته للعلوم، إذ هو الأصل في تطور العلوم، وهو الأساس المعتمد، والمنهج المقترح نحو التجديد في كافة العلوم.
إذا ضعف الاستقراء أو عدم فيما حقه أن يستقرأ، فلا تحتفل بتلك النتائج، ولا تثق بالأصول المبنية من غير طريقه مهما كان أثرها، أو عم انتشارها، لأنها مهما امتد بها الأجل ستجد ما ينقض أصلها، ويبدد قاعدتها، ولو بعد حين.
انظر مثالا لنقص الاستقراء في كتاب: "الاستقراء" للطيب السنوسي (ص426و445).
والأمثلة حول هذه المسألة أكثر من أن تحصر.
وكل ما أذكره لك من مقترحات من قبل ومن بعد فأصله وأسّه، وشرط إنتاجه الاستقراء لا غير.
فقبل كل تقرير أو تقعيد أو تأصيل- كما ذكر الأستاذ محمود شاكر- لابد من توفر أمرين:
الأمر الأول: جمع المادة من مظانها على وجه الاستيعاب المتيسر، ثم تصنيف هذا المجموع، ثم تمحيص مفرادته تمحيصاً دقيقاً، وذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهية، وبمهارة وحذر، حتى يتيسر للدارس أن يرى ما هو زيفٌ جلياً واضحاً، وما هو صحيح مستبيناً ظاهراً، بلا غفلة، وبلا هوى، وبلا تسرع.
الأمر الثاني: التطبيق فيقتضي إعادة تركيب المادة بعد نفي زيفها وتمحيص جيّدها، باستيعاب أيضاً لكل احتمال للخطأ أو الهوى أو التسرع، ثم على الدارس أن يتحرّى لكل حقيقة من الحقائق موضعاً هو حقُّ موضعها، لأن أخفى إساءةٍ في وضع إحدى الحقائق في غير موضعها، خليقٌ أن يشوه عمود الصورة تشويهاً بالغ القبح والشناعة.
(أباطيل وأسمار24-25 بتصرف يسير)
ولا يخفى على كل من له أدنى إلمام بعلم الأصول أهمية الاستقراء في هذا العلم.
وفي هذا يقول الشاطبي: (وأصول الفقه؛ إنما معناها استقراء كليات الأدلة، حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس). (الاعتصام 1/44)

والقاعدة الأصولية بعد الاستقراء قد يظهر فيها الخلل والقصور في الصياغة والتطبيق من ثلاثة أوجه:
- الوجه الأول: من جهة التقعيد والتعميم، فقد تحتاج إلى قيد، أو استثناء، أو عدم الاطراد حسب الأدلة.
-الوجه الثاني: من جهة الأمثلة والفروع المخرَّجة عليها فقد تسلم القاعدة من المعارض النقلي والعقلي، ولكن يبقى مورد النزاع: انطباقها على القاعدة.
- الوجه الثالث: من جهة القاعدة والمثال فكل منهما بحاجة إلى تنقية وتصفية ومراجعة، ومن ثم التحقيق والتقعيد.
إذن، كيف تتم صياغة القاعدة الأصولية بطريقة سليمة من النقض مماثلة لخطاب الشريعة، ومطابقة لمقصدها؟
يتم ذلك بأمور منها:
1- الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة وآثار السلف.
2- الاحتكام التام إلى أساليب لغة العرب.
فالأول: من جهة الأصل والمستند. والثاني: من جهة الصياغة.
بهذه المحاور نستطيع الوصول إلى بناء قواعد أصولية محكمة، بعيدا عن فراغ التنظير العقلي، والجدل العقيم.
وهنا أؤكّد على ضرورة الاعتماد الكلي على لغة العرب في الاستدلال وبناء الأحكام، لبعد الأصوليين عنها من جرّاء ما علق به من سفسطات المناطقة، وفلسفات المتكلمين.
وفي هذا قاعدة علمية محكمة وهي: أن الشريعة جاءت على مقتضى اللغة في المعاني والأساليب. وهذا يدل عليه النقل والعقل والإجماع.
ولكي يستبين لك الأمر تأمل هذه النقول، وتمعّن فيها، وتدبرها وطبقها على الواقع.
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - (ت:790هـ) نقلا عن المازري: (وإنما نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين صنف كتابا أراد أن يرد فيها أصول الفقه لأصول علم المنطق.
هذا ما قاله المازري. وهو صحيح في الجملة، وفيه من التنبيه ما ذكرناه من عدم التزام طريقة أهل المنطق في تقرير القضايا الشرعية). (الموافقات 4/338).
وقال أيضًا: (ومنها: أنه لا بد في فهم الشريعة من إتباع معهود الأميين - وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم - فإن كان للعرب في لسانهم عرفٌ مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة. وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه. وهذا جار في المعاني، والألفاظ، والأساليب). (2/82،64)
وقال أيضًا: (... القرآن الكريم ليس فيه من طرائق كلام العجم شيء وكذلك السنة .... إذا حُقق هذا التحقيق سُلك به في الاستنباط منه والاستدلال به مسلكُ كلام العرب في تقرير معانيها ومنازعها في أنواع مخاطباتها خاصة؛ فإن كثيراً من الناس يأخذون أدلة القرآن بحسب ما يعطيه العقل فيها، لا بحسب ما يُفهم من طريق الوضع، وفي ذلك فساد كبير وخروجٌ عن مقصود الشارع). (الموافقات 1/44)
وانظر للأهمية: "الرسالة" للإمام الشافعي - رحمه الله - (ص:42-53) .
وهنا سؤال: هل كتب الأصوليين الموجودة الآن ـ خاصة المذهبية المتأخرة من القرن السابع تقريبا ـ تخدم علم الأصول خدمة أوليّة أم تخدم المذهب فحسب؟
ثم كيف تتم الاستفادة منها على الوجه المطلوب؟ وهل هناك فرق بين من كان منهم صاحب رأي وتحرير، وبين من كان همه النقل لا غير؟ وكيف يمكن التمييز بين هذا وذاك؟

الثالثة: تقويم الخلاف الأصولي.
موضوع الخلاف في علم الأصول، من المواضيع الشائكة، التي تفتقر إلى التحقيق والتدقيق.
وكثرة الخلاف في مسائل الأصول له علاقة بضعف التصور. وقلة الاستقراء.
وأبرز العوامل في توليد مادة الخلاف في علم الأصول هو ما دخله من علم الأوائل، وتوسيع العبارات وتشقيقها، وبعده عن مصادره وأصوله التي نشأ منها، وأيُّ علم تجافى عن مصدره أصابه النقص بقدر ذلك البعد.
ومما يفعّل الخلاف الأصولي ويدعو إلى تطويره؛ هو النقل لمذاهب الفرق الإسلامية دون الحاجة إليه.
قال الزركشي (ت:794هـ) في مقدمة "البحر المحيط":
(..ثُمَّ جَاءَتْ أُخْرَى مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ, فَحَجرُوا مَا كَانَ وَاسِعًا, وَأَبْعَدُوا مَا كَانَ شَاسِعًا, وَاقْتَصَرُوا عَلَى بَعْضِ رُؤوسِ الْمَسَائِلِ, وَكَثَّرُوا مِنْ الشُّبَهِ وَالدَّلَائِلِ, وَاقْتَصَرُوا عَلَى نَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الْفِرَقِ, وَتَرَكُوا أَقْوَالَ مَنْ لِهَذَا الْفَنِّ أَصَّلَ, وَإِلَى حَقِيقَتِهِ وَصَّلَ, فَكَادَ يَعُودُ أَمْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ, وَتَذْهَبُ عَنْهُ بَهْجَةُ الْمُعَوَّلِ, فَيَقُولُونَ: خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ, أَوْ وِفَاقًا لِلْجُبَّائِيِّ, وَتَكُونُ لِلشَّافِعِيِّ مَنْصُوصَةً, وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالِاعْتِنَاءِ مَخْصُوصَةً, وَفَاتَهُمْ مِنْ كَلَامِ السَّابِقِينَ عِبَارَاتٌ رَائِقَةٌ, وَتَقْرِيرَاتٌ فَائِقَةٌ, وَنُقُولٌ غَرِيبَةٌ, وَمَبَاحِثُ عَجِيبَةٌ).
وقال المرداوي (ت:885): (..وأغيرهم من أرباب البدع، كالجهمية والرافضة والخوارج والمعتزلة ونحويهم، فلا اعتبار بقولهم المخالف لأقوال الأئمة وأتباعهم، ولا اعتماد عليها... وقد ذكر الأصوليون ذلك حتى بالغوا، فذكروا بعض مذاهب اليهود والنصارى والسوفسطائية، والسمنية فرقة من عبدة الأصنام، والبراهمة وهم الذين لا يجوزون على الله بعث الرسل، والملاحدة وغيرهم.
وكان شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني يعيب على من يذكر ذلك في أصول الفقه، ويقول: (إنما محل ذلك أصول الدين)، وهو كما قال). (التحبـير شرح التحرير 1/128-129)
هذه النقول مع ما فيها من الفوائد النفيسة، والحقائق المهمة، إلا أن فيها كذلك ما هو بحاجة إلى مراجعة.
وهنا قد يتفق الجميع على وجود هذا الخلل في علم الأصول، وأنه من الدخيل في تقرير مسائله، كالمنطق وعلم الكلام، لكن العيب المتكرر قديما وحديثا هو الانفصال بين النظرية والتطبيق، فمن الصعوبة بمكان الانفكاك عن أسلوب الأصوليين في التأليف والتقرير، ولله در الشاطبي فقد تميز في أسلوبه وتقريره ولم يتأثر تأثرا بينا بمن سبقه.

والخلاف الأصولي بحاجة إلى تقويم من جوانب عدة منها:
أولاً: أصله وحقيقته.
فقد يفتعل الأصوليون خلافاً لا حقيقة له في بعض الأحيان. إما أنه غير موجود في الأصل.
وإما أنه شُقّق من قولين إلى أكثر، أو من أقوال ليس بينها تعارض، إلى أقوال متوازية لا يمكن الجمع بينها. وهذا يَحدُث كثيرا بسبب العجلة في حكاية الخلاف، وعدم تحرير محل النزاع.

ولديَّ مؤشرات وأمارات بأن غالب الخلاف المحكي عن الأئمة ـ ولا سيّما مالك والشافعي وأحمد في علم الأصول ـ (أي: الأدلة) خلاف لا وجود له. وهذا مبني على مقدمتين:
الأولى: أن أصول الفقه هي الأدلة.
والثانية: أن أدلة الأئمة في الفقه واحدة.
فلو قيل: بأنه لا خلاف بينهم في الأصول ألبتة،لم أستبعد ذلك.
وإنما الخلاف بينهم في تخريج الفروع على الأصول فقط. هل هذا الفرع يُخرّج على هذا الأصل أم ذاك؟
فالاستحسان المردود عند الشافعي هو كذلك عند مالك وأحمد.
وعمل أهل المدينة المعمول به عند مالك، معمول به عند الشافعي وأحمد.
والإجماع الذي يردُّه أحمد هو كذلك عندهما، وكذا المرسل.
وكون إمام أكثر في تخريج فروعه على هذا الأصل، لا يعني رده عند الإمام الآخر. ثم من الذي كان يُخرّج الأصول من الفروع؟ لا شك أنهم أصحاب أئمة المذاهب، ألم يختلفوا في نقل الأصل الذي بنى عليه الإمام؟
بلى، فكونهم اختلفوا في أصول الأئمة، أو في جملة من الفروع، هل يقتضي ذلك رد هذا الأصل أم لا؟ لا يلزم منه اختلاف الأئمة أنفسهم في هذا الأصل.
ثم إن من أكثر ما يشعّب الخلاف في الأصول هو تخريج الأصول من كلام الأئمة لا من الأدلة، فينتج عن هذا التخريج تأويل الأدلة بحسب المذهب، كما هو الحال في بعض كتب الأصول من المدرستين، ولهذا نبه العلماء على هذا الخطأ المتكرر.

قال أبو إسحاق الشيرازي (ت:476هـ):
(وينبغي أن تحفظ الأدلة وتحكم الأصول ثم حينئذ تبنى عليها المذاهب في مسائل الاجتهاد، لأن الأدلة هي الأصول والمذاهب تتبعها؛ فينبغي أن نستخرج المذاهب على حسب ما يقتضيه الدليل ولا تنصب الدليل على ما يقتضيه المذهب).(شرح اللمع1/162)
ثانياً: منزلته.
قيمة الخلاف ومنزلته مما يساعد على عدم تصعيده، بل وعدم حكايته إن تبيّن ضعفه.
وكتب الأصول خاصة المتأخرة منها مرتع خصب للأقوال التي ليس لها خطام ولا زمام، فقد تجد قولاً مشهوراً في كتبهم، ولا تجد له قائلاً، ولا أصلاً، ولا سنداً. وهذا يدلك على بعد هذا العلم عن أصوله ومصادره الحقيقية.
فمثل هذه الأقوال قد يبنى عليها خلاف في كثير من مسائل علم الأصول، وقد لا يُتنبه أن هذا الخلاف من قبيل الشاذ أو الضعيف.
لهذا كانت معرفة الخلاف ومنزلته في علم الأصول أمرًا جديرًا بالاهتمام.
ثالثاً: ثمرته.
ومما يجعل للخلاف قيمة ومنزلة أن تكون له ثمرة، فالثمرة هي الميزان للخلاف، يقوى ويستمر بحسبها، فإبراز ثمرة الخلاف، وقيمة هذه الثمرة، وأثرها في التطبيق، مما يعطي أهمية لهذا الخلاف، وعلم أصول الفقه غني بهذا النوع من الخلاف. وتعيين الثمرة للخلاف الأصولي كثيرا ما تتجاذبها الأقوال، لهذا يحسن التريث في الحكم على خلافٍ ما بأنه عديم الثمرة، إلا ما كان ظاهراً.
فقد يكون للخلاف ثمرة لم تتبين لك إلا مع طول التأمل والبحث، والخلاف الأصولي محفوف بجملة من المخاطر، كأن يكون مبنياً على أصل عقدي، أو أصل كلامي أو منطقي، فالحكم له بعدم الثمرة حينها، قد يختلف بحسب أصل الخلاف.
والخلاف الذي يعني الأصولي هو الذي يدور حول أصلٍ ما، هل يعد من الأصول أم لا؟ وهل ينتج فرعا صحيحا أو لا؟
ومما يعين في تحديد ثمرة الخلاف تحرير محل النزاع في الخلاف.

رابعاً: تحرير محل النزاع.
وهو مهم في أمور:
الأول: معرفة قدر الخلاف كما سبق.
الثاني: السلامة من الاستدلال بمحل النزاع.
فموطن النزاع في كثير من الدراسات الأصولية غائب وغير محدد، فقد تحتدم الأقوال، وتصطك الفهوم، ومحل النزاع غير محدد وغير واضح، وفي ظل هذه الخلافات وتصعيدها يزداد غيابا، فعلى الدارسين للأصول أن يعتنوا بهذا الباب، لأنه يُقلِّص من جذوة الخلاف وحدته، ويساعد في إخماد ناره، التي طالما أوقدت واشتد سعارها في كتب الأصول.
فقد يتوهم متوهم بوجود خلاف ما بين عالم وآخر، أو يتوهم عالم بوجود خلاف بينه وبين آخر، بناء على أصوله ومنطلقاته، وهو في حقيقته ليس كذلك. كما وقع للجصاص وردوده على الشافعي. ومثل هذا الخلاف كثير في كتب الأصول، خاصة بين أئمة المذاهب وأتباعهم. وهذا يؤيد ما ذكرناه في الفقرة الأولى من الخلاف.
الرابعة: عدم التحرر من قفص التقليد.
مما يُنقم على كثير من الدراسات الأصولية المعاصرة إغراقها في وحل التقليد بلا تبصر.
والتقليد ضارب بأطنابه، ومتعمق بجذوره في كافة العلوم، وفي علم الأصول على وجه الخصوص، فمثلاً: جملة من كتب الأصول من لدن الرازي والآمدي إلى المعاصرين تكاد تكون متطابقة، فالأمثلة هي الأمثلة، والتقرير هو التقرير، والأسلوب ذات الأسلوب.
وهذا ناتج من الاستنساخ غير المحدود، فقد استفحل فيها النقل المحض، وشاعت فيها ظاهرة المتون والمختصرات، التي نشأة وتبلورة في عصور الانحطاط والضعف العلمي، فأصبحت بسببها تدور في حلقة مفرغة، لا تجد فيها ما يغني ولا يسمن من جوع، سوى تفكيك العبارات، وكثرة الاعتراضات، والقيل والقال، حتى يخيل لك كأنك بين متعاركين، كلٌ منهما يريد الغلبة لمذهبه، والظفر لرأيه، فغارت الأصول بين تلك المنازعات والخلافات، فلم يُر إلا رسمها، لأن المنبع قد جفّ، وحار الدليل. والمعنيوّن بإصلاح ما انفتق، ورتق ما انخرم، وتجديد ما اندرس، قد تاهوا في بيداء الجدل ومناصرة المذهب، وتفرقوا شيعا وأحزابا {كل حزب بما لديهم فرحون}.
وهنا أنبه إلى أن فكرة النقد والاعتراض في حد ذاتها غير مذمومة على الإطلاق، وإنما المذموم أن تكون على حساب أصول المسائل، كأن تكون حول التعريفات فقط، أو في حل رموز المتون، وتوجيه الأقوال، أو مناصرة منهج على حساب منهج، أو مذهب على مذهب، وأحيانا مناصرة مؤلِّف، أو مؤلَّف على آخر كما يفعل المطيعي في حاشيته على الإسنوي، وحتى لا أطيل عليك انظر كلاً من مقدمة الإيجي (ت756هـ) في "شرح العضد" والرهوني (ت773هـ) في "تحفة المسؤول" والعبادي (ت994هـ) في "الآيات البينات" فالإيغال في هذه المنازعات هو ما أوجِّه له النقد، وشدّته على قدر كثرتها وتكررها.
والنقد أيضا يختلف باختلاف الناقد ومحل النقد، فالفرق كبيرٌ بين أن يكون النقد موجّه إلى أصل القاعدة وتطبيقها، وبين أن يكون موجّه إلى الصنعة، أو المبالغة في فهم نصوص العلماء، والتعامل معها كأنها نصوص محكمة ربانية، وغالب نقد المتأخرين من هذا النوع.
وإن أردت معرفة الفرق انظر إلى نقد السمعاني للدبوسي، وقارن بينه وبين نقد المتأخرين أصحاب الشروح والحواشي والتقريرات، كالتي على "جمع الجوامع" أو "المنهاج" أو "المختصر" أو المنار". وهي في غاية الكثرة.

وزيادة في البيان على ما سبق، دونك كتب الأصول:
المتون والمختصرات قبل الشروح والمطولات. تجد أن باحثا متخصصا له باع في هذا العلم، يذكر في كتاب له أكثر من عشر صفحات في تعريف الواجب فقط!!
عشر صفحات؟!!
ففي كم صفحة إذن، يناقش دلالة العام والأمر، أو الاستحسان والإجماع أو نسخ الكتاب بالسنة. وأنا أعتقد أن كل من نظر في كتب الأصول لا سبيل له في رد هذه القضية أو التشكيك فيها. بل هناك كتب لم تؤلَف في الأصل إلا للمناصرة لا غير، كالآيات البينات الذي سبق ذكره، وإن تعجب فاعجب من الكتاب التالي، وهو بعنوان: "الردود والنقود" للبابرتي الحنفي (ت786هـ) يقول في مقدمته - بعد ذكر أهمية علم الأصول-: (وأصحابنا- بحمد الله - السابقون منهم هم السابقون في حلبات تدوينه وتسطيره، واللاحقون منهم هم الحائزون لقصبات سبقه في تحريره وتقريره.
وغيرهم إنما يتبع آثار أقدامهم، وجمع ما سقط من ألسنة أقلامهم..) ؟!!
ثم عدّد جماعة من الأصوليين غير الأحناف، فقال: (أجادوا بما فعلوا، وأفادوا بما نقلوا، لكنهم أخذوا يرمون أصحابنا، والمرمي حيث ذهبوا وعالوا، فما وجدوا من تأويلاتهم الصحيحة القريبة استبعدوها، ولو وجدوها بعيدة لاستبطلوها، وتابعهم في ذلك شرّاحهم، فامتلأت من مُدَامِ الملام أقداحهم.!!!
وها أنا قد كشفت عن ساعدي نقد "للمختصر" - أي ابن الحاجب - يُنبِّه الفطن على ما غفلوا من ماجد الأصحاب، وتعسفوا فتركوا إلى القشر ما هو محض اللباب، فمن رزق الفطنة الوقادة عرفها ومن اتبع الفاعة والعادة فعن الحقائق صرفها) !!!
هذا المثال يلخِّص لك ما آلت إليه كتب الأصول، وبعدها عن الهدف المقصود، والغاية المنشودة، وهي بلا شك متفاوتة في البعد والقرب.

وهذا غيض من فيض في بيان ضرر التقليد. وقد يظهر أثره جليّا في النقاط التالية:
أ) عدم الخروج على السائد والمألوف وإن تبيّن أن الدليل بخلافه.
ب) العجلة في النتائج.
هذا الأثر والذي قبله من أزمات البحث العلمي المعاصر، فقد ابتلينا جميعا بعدم الخروج على السائد والمألوف، والعجلة في النتائج، والأحكام الصارمة، وهذا داء عام ومتفشٍ في كافة الأصعدة العلمية والفكرية على حد سواء.
وقد يساعد في تكريس هذا الداء أحياناً الرسائل الجامعية، متى كانت الرسالة بِيَدِ طالب لا همّ له سوى الشهادة فحسب، فينتج عن هذا، العجلة في البحث، ونقل الأقوال ورصفها كما هي بدون تعليق أو تحرير، هذا إن لم تحال إلى آخر لا ناقة له فيها ولا جمل، ولا فرق في هذا بين البحوث وتحقيق المخطوطات.
فتحقيق المخطوطات الأصولية، وإخراج التراث لا عيب فيه، إذا كان من عالم بأصول التحقيق، ولا سيّما إذا كان للكتاب قيمة ولم ير النور بعد، أو طبع طبعة قديمة دون عناية، وإنما العيب أن تكون المخطوطات معبرا وسلماً لكل أحد، فضابط الكل التأليف والتحقيق: الإضافة الجديدة.
ج) عدم الرجوع إلى أصول هذا العلم، أو إلى من أصّل قواعده، فمثلاً: بعض الباحثين يكتفي بنقل كلام الأئمة من كتب الأصول المتأخرة، ولا يكلّف نفسه الرجوع إلى المصادر الأصلية، أو الرجوع في أقل الأحوال إلى كتب الأصول المتقدمة، فالشافعي كتبه موجودة، لماذا لا يرجع إليها مباشرة؟ وقد ثبت أن كتب الأصول تنقل عنه خطأ في بعض الأحيان. وقد تنقل عنه بحسب الفهم. وهكذا بقية الأئمة.
ومن لم يكن له كتب، له تلامذة باشروا الأخذ عنه. والرجوع إليهم أولى، ثم الناقلون عنهم من الأصوليين.
د) التحري والتثبت من نسبة الأقوال إلى قائليها خاصة الأئمة منهم. وهذا بيّن من العنصر الذي قبله.
وأؤكد أن إشاعة ثقافة النقد البناء في الأوساط العلمية وقبوله والاحتفاء به يفتح باب التصحيح والمراجعة في العلوم الإسلامية، ويساعد في نبذ التقليد وظهور التجديد.

الخامسة: ضرورة التجديد في أصول الفقه.
من المعلوم أن هذا الموضوع له حساسية مفرطة لدى بعض الباحثين، مما يجعلهم يرفضون كل ما يتسم بالتجديد جملة وتفصيلا بموجب وبلا موجب.
وسبب ذلك هو ضبابية هذا المصطلح، وعدم تحريره، وضبط آلياته. كما أن عامة المرددين له والداعين إليه هم من الدخلاء في هذا العلم.
وعلم الأصول من أحوج العلوم إلى التجديد وتنقيته والنهوض به وتحرير مسائله، وأسباب ذلك لا تخفى على الممارسين له. ولعل هذا ما جعل بعض الأيدي تتطاول عليه بحق وبلا حق. والدراسات التي تناولت موضوع التجديد في الأصول، تختلف باختلاف أصحابها وتوجهاتهم ومقاصدهم، وردها بالكلية قد لا يكون سديداً، فقد يصدق الكذوب، ويجود البخيل، غير أنها قد ترشدك وتنبهك على مواطن الخلل أحيانا، فخذ منها ودع، والحكمة ضالة المؤمن.
وهنا أنبه القارئ على أن فكرة التجديد لعلم الأصول ليست وليدة الساعة، ولا مما أفرزته الثقافة الغربية فحسب، وإن كان لها أثر على بعض من يحمل لواءها.
فإن من الأصوليين من كان يشير إلى ما يمكن أن نطلق عليه: تجديد الأصول، وإن كان المصطلح قد تطور وتَعَصْرَنَ، إلا أن أصل فكرة التجديد متفق عليها. فالشاطبي قد جدد وابتكر وغيره كذلك.
انظر مثلاً: مقدمة كتاب: "الغنية في الأصول" لفخر الأئمة منصور بن إسحاق السجستاني (ت:290هـ) - إن صح تاريخ الوفاة - يقول بعد كلام: (..فرغبت في جمع جمل من الفصول تقع بها الهداية والكفاية لطلبة الأصول، وطرحت منها الحواشي والفضول..)
ويقول أبو الحسين البصري (ت:436هـ) كذلك في مقدمة "المعتمد": (فأحببت أن أؤلف كتابا مرتبة أبوابه غير مكررة، وأعدل فيه عن ذكر ما لا يليق بأصول الفقه من دقيق الكلام. إذ كان ذلك من علم آخر، لا يجوز خلطه بهذا العلم..).
ويقول السمعاني (ت:489هـ) أيضا في المقدمة: (..ورأيت بعضهم - أي الأصحاب - قد أوغل، وحلل، وداخل. غير أنه حاد عن محجة الفقهاء في كثير من المسائل، وسلك طريق المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه، بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير، ولا نقير ولا قطمير..).
فهذه النقول تدلك على التزامن بين التأليف والتجديد في هذا العلم، وإن كان متباينا مع التجديد المعاصر، لكنه يؤيد أصل الفكرة.

وهذه الدراسات ينظر إليها من ثلاث زوايا:
الأولى: من حيث الأصل والمبدأ، فإن التجديد من هذه الجهة حتمي وضروري، لا لأن الواقع يفرضه بل لأن الشرع يؤيده ويدعو إليه. وهذا مما لا شك فيه، ولا جدل عليه.
الثانية: من حيث الأصول والمنطلقات التي ينطلق منها، وما تتضمنه وتحمله من المقاصد، ومآربه التي يسعى لتحقيقها.
الثالثة: من جهة الثمرة والنتيجة.
فكل دعوى للتجديد في نظري تقاس بهذا الميزان. فالأول لا جدل فيه، والثاني قد نوافقه في الثمرة، ونخالفه في الأصول والمنطلقات، وهذا أشدها، والثالث عكسه، فقد نخالفه في النتائج ونوافقه في الأصول، وهذا أمره يسير، فقد يؤوب صاحبه بعد البيان له.
وهذه الطريقة تحقق مقصود الإنصاف والعدل مع المخالفين، فليست كل الدعوات التي قامت ودعت إلى التجديد متطابقة في المقاصد والأصول، ومتساوية في النتائج والغايات.

وتجديد علم الأصول لا يكون إلا برجوعه لمصادره الأصلية، وانعتاقه مما خالطه من العلوم الأجنبية عنه، ومصادره اثنان:
1- النصوص الشرعية بفهم السلف.
2- اللغة العربية.
قال القرافي: (والحق أن مسائل أصول الفقه معلومة -كما قال التبريزي- بالاستقراء التام من اللغات..) (العقد المنظوم 1/499)
وما سوى ذلك من الفروع فهو مساعد لضبط الأصول لا ناتج لها.

.........
وقبل طَيِّ هذه الصفحة، أشيد برسالة جامعية تحمل في أثنائها بصمات التجديد الإيجابي، ومواصفات البحث العلمي، وهي بعنوان: "الاستقراء وأثره في القواعد الأصولية والفقهية دراسة نظرية تطبيقية" للطيب السنوسي أحمد. وفقه الله للمزيد.

دعوة للمعتنين بهذا العلم والدارسين له والراغبين فيه:
أختم هذه الورقة ببعض التنبيهات أرى أنها من الأهمية بمكان. منها:
أولاً: ضرورة التخصص في هذا العلم.
فإن العلم الواحد إذا أعطيته كلك، وهبك بعضه، فكيف إذا أعطيته بعضك، فتوحيد الهم، وصرف الجهد، وبذل التفكير والوقت في علم محدد يساعد على الإبداع فيه، والوصول إلى نتائج مرضية في الغالب، بفضل الله ثم بفضل الممارسة والدربة، وهذا أمر معلوم بالتتبع والاستقراء. (انظر: "نصائح منهجية" للشريف حاتم العوني ص:33)
ومع هذا الطغيان المعلوماتي، والتقنية المعاصرة، التي يسّرت طرق البحث، كثر التصنيف، وقلّ التدقيق. فمسألة التخصص قضية لا محيص عنها، ولذلك قال أبو هلال العسكري: (ومن أراد أن يعلم كل شيء، فينبغي لأهله أن يداووه، فإن ذلك إنما تصور له لشيء اعتراه). (الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه ص:70)
وقال محمد بن يزيد: (ينبغي لمن يحب العلم أن يَفتنَّ في كل ما يقدر عليه من العلوم إلا أنه يكون منفردًا غالبًا عليه منها علم يقصده ويبالغ فيه). (صناعة الكتاب للنحاس ص:116)
وقال الخليل بن أحمد: (إذا أردت أن تكون عالماً فاقصد لفنٍ من العلم، وإن أردت أن تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسنه). (جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر1/522)
وقال الأصمعي: (ما أعاني إلا المنفرد). (صناعة الكتاب ص:116) يعني: المتخصص عند المناظرة.
فالساحة العلمية اليوم أحوج ما تكون إلى المتخصصين المدققين في جميع مجالاتها وفنونها.
وعلم الأصول خاصة مع أهميته إلا أن المتخصصين المتعمقين فيه الباذلين له قليل.
وهو علم قد لا يمكن الإضافة فيه، وتقويم هذه الجهود المتكاثرة، والمدارس المتباينة، وبناء منهج راسخ البنيان، قوي الاعتماد والصلة، بتراثنا الذي لا يتغير ولا يتبدّل، بفهم سلفنا الصالح أصحاب القرون المفضلة = إلا بالانقطاع له والتخصص فيه. وهذا من أكثر ما يحتاج له هذا العلم في هذه الأزمنة، وفي تقديري لا يمكن خدمته الخدمة التامة إلا بما ذكرت. والله أعلم .

ثانياً: الصبر والمواصلة في التحصيل والبحث.
هذا العلم بطيء الثمرة، عزيز الجانب، وهذا في بعض الأحيان يعود إلى سوء التعامل معه، لذلك قيل: أنه من أصعب العلوم. بل قال بعضهم: أصول الفقه دونه خرط القتاد. وأفضل وسيلة في تحصيله وإدراكه: تغليب جانب التطبيق فيه على جانب التنظير، ووسائل ذلك لا تخفى.

ثالثاً: الرجوع إلى العلوم الشرعية التي لها علاقة بالأصول.
فإن على طالب علم الأصول أن يتنبه غاية التنبه إلى أن هذا الفن أثّر في بناء بعض قواعده جملة من العلوم الشرعية، كالمصطلح، والنحو، والبلاغة، واللغة وغيرها، فعلى الدارس له أن لا يهمل تحقيقات وتقريرات المتخصصين في تلك العلوم، ولا سِيّما إذا كانت مخالفة لما هو مقرر عند الأصوليين.
وبعد: فقد حان أوان وضع القلم، وصرف البنان، وكف اللسان عن التعبير والبيان، لما أردنا الإفصاح به، وكشف اللثام عنه، بخصوص هذا العلم الشريف، وقد توخيت الإصابة فيما قصدت، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني والشيطان.
{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ}.
والمأمول ممن وقف على هذه المقترحات أن ينبذ التعصّب والتعسف وراء ظهره، وأن يسعى في إصلاحها بقدر الوسع والإمكان، أداءً لحق الأخوة في الإيمان، وإحرازاً لحسن الخلق بين الأنام، وادخاراً لجزيل المثوبة في دار السلام، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
 

بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية