اطبع هذه الصفحة


محصّلة التشبُّه: عرى الأجساد، خواء العقول!!

د.أفراح بنت علي الحميضي

 
القاعدة الغائبة عن مُنظِّري القواعد الحضارية أنَّ الحضارة لا ترتبط بالزمن سلباً أو إيجاباً، وإنَّما ترتبط مع مجموعة من المفاهيم والتطورات والقيم والممارسات العملية المنبثقة من ثوابت ومسلَّمات عقائدية شرعية.
وكتطبيق اجرائي لهذه القاعدة في مسألة "التستُّر والعرى" وهي مسألة مرتبطة بالإنسان منذ أن أوجده الله، نجد أنَّه كلما قرَّب الإنسان من الأولى قرَّب من الرقي والحضارة، لأنَّ المسلَّمات الشرعية تنادي به، وكلّما قرَّب من الثانية كلَّما بعد عن المأمول من الحضارة أو التحضُّر.
ولأنَّ الإسلام دين حضاري فإنَّ تعليماته جاءت مواكبة للمعاني الصحيحة والسليمة للفطرة الإنسانية، لذلك جاءت تشريعاته وأحكامه شاملة كاملة؛ شاملة لكلِّ جوانب الحياة وكاملة لا يشوبها نقص.. وكيف لا يكون كذلك، ومشرِّع الأحكام هو الخبير الحكيم العليم، ومن أجل ذلك جاء اهتمامه بالملبس دليلاً واضحاً على شمولية تشريعاته.
فاللبس في الإسلام يقرِّب الإنسان من إنسانيته، والعري في غير موضعه يجذبه إلى الحياة البهيمية.
واللبس في الإسلام حفظ عن الأعين الفضولية وعن الأعين التي لا تستحق أو لا يحلُّ لها النّظر إلى ما لا تملك.
واللبس في الإسلام طاعة للمولى أولاً وآخراً، لذلك كان لا بدَّ من تنفيذ تلك الطاعة بحسب ما يراه مشرِّع الأوامر والنواهي، لا بحسب أهواء منفِّذيها وشهواتهم.

ولهذا كان من المفروض أن تتوفَّر في اللبس عدد من الشروط حتى يتواكب مع المعاني الإسلامية في الحفظ والصون، وحتى يتحقق الغرض الأساس من اللبس، وهذه الشروط تتمثَّل في:
1- أن يكون من مال حلال لا شائبة فيه.
2- أن يكون ساتراً لمفاتن الجسم ويتحقَّق هذا الشرط بتوفير الأمور الآتية:
أ ـ غير شفَّاف "صفيق".
ب ـ غير ضيِّق "واسع".
ج ـ طويل.
3- إذا كان من لباس النساء ممَّا لا يمكن ستره عن الرجال لطبيعته "كالعباءة ونحوها من غطاء الوجه" فلا بدَّ أن يتوفَّر فيه شرط أساس وهو ألاَّ يكون زينة في ذاته، بل ساتراً للزينة.
4- ألاَّ يحوي ما يدلُّ على تشبه الجنسين بعضهما ببعض، فليس للذكر ارتداء ملابس النساء، وليس للنساء ارتداء ما يرتديه الرجال.
5- ألاَّ يحوي ما يدلُّ على تشبُّه المسلم أو المسلمة بغيرهما من أتباع الديانات الأخرى.
6- ألاَّ يكون ثوب شهرة، وهو ما غلا ثمنه أو عجب شكله بحيث تشتهر به المرأة أو الرجل.
7- ألاَّ يحوي منكراً كالتصاوير المحرَّمة أو فاحش الكلام.
هذه شروط الملبس في الإسلام، ودعونا نطبِّقها على واقعنا رجالاً ونساءً فماذا نجد؟
نجد من الرجال من يلبس الثوب الشفَّاف تحته السروال القصير فلا يستر عورته في الصلاة.
ونجد من الرجال من يرتدي السروال القصير عند ممارسته الألعاب الرياضية ونجد من الرجال من يتشبَّه في لبسه بالغرب، أو الشرق، من لبس القلائد أو ما احتوى تصاوير، أو كتابات قد تحوي في بعضها شركيات.
أمَّا النساء فاذهبوا في جولة ـ حماكم الله وثبَّتكم ـ إلى كثير من المجتمعات النسائية، فمن النساء من تلبس القصير الذي يظهر ما يجب أن يخفى منها، فقد لبست بعضهن ما تحت الركبة وما أعلى من الركبة، بل حتى أظهرت بعضهنَّ شيئاً من أفخاذها، ولا يقتصر الأمر على هذا، فقد تمرَّغت بعض النساء في وحل العرى اتباعاً للموضة؛ فهذا مفتوح من جهة صدرها حتى لا يكاد يخفي سوى ثدييها، أو يشفَّهما أحياناً، وهذا مفتوح من جهة ظهرها حتى قد أظهر كلّ أو نصف عمودها الفقري، وهذا مشقوق من أسفل حتى كشف ساقيها لا، بل فخذيها. وهذه ملابسها طويلة لكنّها شفَّافة إذ أهملت عن عمد وضع غلالة تحتها تستر جسدها فشفَّ ذلك الأمر عورتها، وهذه لبست البنطال تشبهاً بالرجال، وتلك قد لبست ملابس أشبه ما تكون بقمصان لاعبي السلّة تظهر ذراعيها مكشوفتين حتى الإبطين وما أعلى منهما.
وهذه لم يعجبها جسمها الأُنثوي فرغبت في تغيير شكلها ولم يكن لها وسيلة لذلك سوى اللبس وتسريحة الشعر، فعمدت إلى شعرها فقصَّته مثل شعر الذكور، ثمَّ لبست ما يشبه البدلة الرجالية ـ الأفرنجية ـ وفوق ذلك حرصت على ألاَّ تضع في وجهها أية زينة وعلى ألاَّ تلبس أي حليّ.

أقول ذكَّرتني هذه الموضة ـ التي أتمنّى أن تكون كذلك ومثلما تمضي مضى غيرها ـ بموضة "الجنس الثالث" التي انتشرت في بعض مناطق الخليج قبل فترة، فلم تعييني الحيلة أن أطلق عليها "جنساً رابعاً" ونجد من النساء من أنفت من شكل وجهها ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ فتلك قد قصَّت شيئاً من شعر حواجبها، وأخرى قد حلقت حواجبها كلّها ورسمت حواجب لها تغيرها حسبما تشتهي، وتلك لم يعجبها لون عينيها فأبدلتهما بعدسات بلون ما تلبس، وتلك خشّنت ما نعم من شعرها وأخرى.. وأخرى..!
هذا هو واقع كثير من النساء والرجال فيما يخصُّ مسألة العري والتستر، والذي كان نتيجة حتمية للخواء العقلي الذي يعيشه بعض الأفراد، أقول خواء لأنَّنا لو طرحنا على أولئك أي موضوع فكري أو ثقافي أو حضاري بسيط لظهر عري العقول الحقيقي وظهر أنَّ تلك الأجساد قد كُشفت بعد أن سحب الرداء منها وغطيت به العقول ليستر ضحالة الفكر ورداءة التطبيق لأمور الشرع.
وتبعاً للقاعدة الحضارية التي أشرت إليها أوَّل المقال، فإنَّ تفسير ما يحدث الآن من عري أو شبه عري أو تشبُّه أو شبه تشبُّه، هو انتكاسة حضارية، وقلب للمفاهيم الفطرية وخواء فكري وتبعية ضعيف غِرٍّ لقوي ماكرٍ.
ودمتم.
 

المصدر : لها أون لاين
 

أفرح الحميضي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط