صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







طرق وفرائد في تقييد الفوائد

ابنة الرميصاء

 
بسم الله الرحمن الرحيم ..


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية أنقل لكم فصلا من كتاب المشوق إلى القراءة وطلب العلم لصاحبه : علي بن محمد العمران .
ثم أتبع ذلك بشيء مما عندي ورأيته .

قال الكاتب : الرابع: تقييد الفوائد

إذا انخرط الطالبُ في سِلْك القُرَّاء وانضم إلى ناديهم، فلا بُدَّ له من استثمار قراءته وتوظيفها ، ليجنيَ منها ما تمنَّى ، ولا يضيع تعبه سدى، ولا طريقة أنفع ولا أنجع لتحقيق ذلك من الكتابة والتقييد. فيقيد الفائدة المستجدة، والنقل العزيز، والتحرير المُدَلَّل، والترتيب المبتكر، وطرائف النقول والحِكَم، ودقائق الاستنباطات، ولطائف الإشارات، والأشباه والنظائر، وغيرها.
فكلّ نوع من هذه الفوائد له في عقل الطالب الجاد وقَلْبه مكانه الخاصّ به اللائق بمثله، فمعرفة اقتناص الفوائد شيء، وسرعة اقتناصها والاحتفاظ بها شيء ثانٍ، ثم معرفة توظيفها ووضعها في مكانها اللائق بها شيءٌ ثالث، فإذا اجتمعت هذه الثلاثة استكملَ الطالبُ فوائدَ القراءة وجنى ثمرتَها.
قال الإمام النووي - وهو يرشد الطالب إلى تعليق النفائس والغرائب مما يراه في المطالعة أو يسمعه من شيخه- :
((ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أيِّ فنٍّ كانت، بل يُبادِر إلى كتابتها، ثم يواظب على مطالعة ما كتبه...)) اهـ.
فهذه نصيحة غالية، ولَفْتَةٌ من إمام، فتمسَّك بها تُفْلِح.

فكم من عالمٍ أبدى أسَفَه وحَسْرَته على فوائد فاته تقييدُها فشردت، أو اتكل على حافظته فخانته (والحفظ خوَّان)، فهذا الإمام ابنُ حجر العسقلاني (حافظ عصره) فاتَه تقييدُ شيءٍ من الفوائد فتأسَّف عليه، قال تلميذه السخاوي : ((أما التفسير، فكان فيه آيةٌ من آيات الله تعالى، بحيث كان يُظْهِر التأسُّفَ في إهمال تقييد ما يقع له من ذلك مما لا يكون منقولاً... وفي أواخر الأمر صار بعض طلبته يعتني بكتابة ذلك)).
وصدق القائل: ((وكم حَسَراتٍ في بطونِ المقابرِ)).

وأنت إذا نظرت في سِيَر العلماء ، وكيف حرصهم على اغتنام الزمان وتقييد الفوائد رأيتَ عجبًا!.
فهذا الإمام البخاري -رحمه الله- (جَبَلُ الحِفْظ) يستيقظ مراتٍ كثيرة في الليل ليُقَيِّد الفوائد، قال راويته الفَرَبري: ((كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلةٍ، فأحصيت عليه أنه قام وأسْرَجَ يستذكر أشياءَ يُعلِّقها في ليلةٍ ثمان عشرة مرَّة))
وهذا الإمام الشافعي يحكي عنه صاحبُه الحُمَيْديُّ -لمَّا كانا بمصر- أنه كان يخرج في بعض الليالي فإذا مصباح منزل الشافعي مُسْرج، فيصعد إليه ((فإذا قِرْطاس ودَوَاة، فأقول: مَهْ يا أبا عبد الله! فيقول: تفكّرت في معنى حديث -أو في مسألة- فخِفْت أن يذهب عَلَيَّ، فأمرت بالمصباح وكتبته))
وأما العلاَّمة أبي القاسم ابن ورد التميمي فكان لا يُوْتى بكتابٍ إلا نظر أعلاه وأسفله، فإن وجد فيه فائدة نقلَها في أوراق عنده، حتى جمع من ذلك موضوعًا .
وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام الزركشي كان يتردد إلى سوق الكتب، فإذا حضره أخَذَ يُطَالع في حانوت الكتب طول نهاره ، ومعه ظهور أوراق يُعلِّق فيها ما يعجبه، ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه.

وقد دوّن كثير من العلماء هذه الفوائد في كتب مفردة
، مثل: ((الفنون)) لابن عقيل وهو من أضخم الكتب، و((الفوائد العونية)) للوزير ابن هبيرة، و((صيد الخاطر)) وغيره لابن الجوزي، و((قيد الأوابد)) في (400 مجلد) للدعولي، و((عيون الفوائد)) لابن النجار في (6 أسفار)، و((بدائع الفوائد)) و((الفوائد)) لابن القيم، و((التذكرة)) للكندي في (50 مجلدًا)، و((مجمع الفوائد ومنبع الفرائد)) للمقريزي كالتذكرة له في نحو (100 مجلد)(9) وتذكرة السيوطي في أنواع الفنون في 50 مجلدًا، وتذكرة الصفدي في مجلدات كثيرة أكثر من (30) منها أجزاء مخطوطة. وغيرها كثير.

ولا يتوهَّمنَّ أحدٌ لأجل ثنائنا وإشادتنا بتقييد العلم وتدوين الفوائد، أنَّا نُقلِّل من أهمية الحفظ ونحط من شأنه، كلاَّ ، إذ لا تعارض بينهما بحمد الله تعالى، وهل من ذكرنا خبرهم -قريبًا- في حِرصهم على التقييد... إلا من أكابر الحفَّاظ!!.
انتهى المنقول ، جزا الله الكاتب خيرا وجزا أصحاب تلك الهمم السالفة الذكر عنّا خيرا وأوسع الله قبورهم وجعلها من رياض الجنة .

وهذا شيء مما أحببت إضافته :
- التقييد بالقلم الرصاص في هوامش الكتاب أو بين الأسطر إذا كانت طبعة الكتاب فيها فراغا كافياً . أو في الصفحات الفارغة بين الفصول مع عزو كل فائدة إلى الصفحة التي استقيتها منها إن كانت طبعة محشوّة .

- تقييد الفوائد على صنفين ولعلكِ إن تأملتِ في القصص أعلاه فهمتِ كليهما : الأول اقتصاص جزء من النص ، كمقولة مميزة أو تقسيم أو حكم ( التميمي والزركشي ) وهذه تكفي بوضع خط خفيف تحتها بالقلم الرصاص أو تحديدها بالأقلام المخصصة لذلك والتي تظهر ما تحتها ، والثاني : هو كتعليقك الخاص على ما قرأت أو استنباطك لشيء من خلال قراءتك ( البخاري والشافعي ) وهو الذي يكتب على الهوامش وفي الفراغات وأيضا بالقلم الرصاص حتى تتمكن من إزالتها إذا ما احتجت لذلك لأي سبب وكي لا يختلط كلامك مع أصل الكتاب .

- إذا كان الكتاب محشوا ولا فراغات فيه ، أو كنت تسجل تعليقات طويلة وتكثر خطراتك فمن الجميل أن يكون لديك كمية كافية من الأوراق الصغيرة اللاصقة كالتي تستخدم للتذكير بأمر ما ، تقيد فيها تعليقك وتلصقها في الفراغ الذي بأعلى الصفحة بحيث يكون اللاصق في الفراغ وباقي الورقة يغطي على النص ويسهل رفعه عند القراءة .

- ستعرف إن كنت قد ازددت حكمة وعلما وتعقلا خلال فترة ما ، وذلك بمراجعة هوامشك وتعليقاتك بين الحين والحين ، وستمتع بذلك كثيرا ، كما ويمكنك أن تسجل ما عندك في النقطة المعينة التي تقرأها ليستفيد من يقرأه بعدك وأوضح ذلك بمثال : قرأت في تفسير آية مثلا وكنت تعلم في تلك الآية مسائل من الفقه والحديث وتعلقها وارتباطها بما حولها من الآيات ما لم يرد في الكتاب الذي بين يديك قم بإضافتها في ورقة وضع الورقة داخل الصفحة أو إن كان تعليقك قصيرا فعلى ورقة من الأوراق اللاصقة .
- إن كنت تقرئين من الحاسب فافتحي لكل كتاب صفحة على برنامج الـ(word) تنسخين إليها مقتبساتك وتسجلين فيها تعليقاتك .

هذا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على معلمنا الخير .

ابنة الرميصاء
23 شوال 1431 هـ
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ابنة الرميصاء
  • كِتَابٌ عَزِيز
  • قال الحبيب
  • بَشَرٌ مِثْلُنا
  • وللنفس حكايا
  • متفرقات
  • بيننا كلمات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط