صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







{ فـيروس الـتـحــذيــرات }

ابنة الرميصاء

 
بسم الله الرحمن الرحيم ..


الحمد لله من قبل ومن بعد ، والصلاة والسلام على النبي محمد ، وبعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أختي الفاضلة .. في هذه الأيام انتشر شيء كالفيروس اسمه (التحذيرات) ، حتى أنه صار لأقوام من الدعاة شغلهم الشاغل .
تحذير من الطائفة الفلانية ، ومن الشخص الفلاني ومن القناة العلانيـة وتحذيرات تتوالى وكلها (محتواها حق) ولكن ..

لنقف مع أنفسنا وقفة تأمل ومحاسبة ، وقفة يجب أن يقفها الداعية إلى الله قبل أن يخطو خطواته ويتصرف بحكمة وفطنة ولا يكون مسيّرا يبني تصرفاته على ردود الأفعال غالبا .

فإن السائر في الطريق إذا انشغل بمحاربة قطاع الطريق ؛ متى يبلغ قصده ، ومتى سيبلغ رسالته التي حددها لنفسه ؟!

صحيح أن التحذير من أهل البدع والإفساد مطلب مهم ، و لكن لا يجوز أن يكون على حساب مطالب أهم منه في عبادة الإنسان لربه وازدياده من العلم ، وكذلك لا يكون على حساب مطالب أهم منه من دعوة الآخرين للخير وتذليل سبله إليهم ، فإن فقدان التوازن في الأمور يسبب خللاً تكون له نتائج غير حميدة على سيرة الإنسان وعمله ، ويمضي عمره سراعا حتى يدرك أواخره فينظر ورائه ويندم حين لا ينفع الندم .

أيضا .. تأخذه الحمية فينشغل بالتحذيرات والردود عن خطته الدعوية التي رسمها لنفسه فيصير همه الرد ومتابعة الأخطاء ، فيذهب عن الدنيا ولم يحسن البناء فيكون أسرف حياته في المصلحة الأدنى .

لنحرص على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه والسلف الكرام ، فكم نسبة النقد في كلامهم للمخالفين ؟ لم يكونوا يتركوا بيان الحق والرد على المخالفين لكن اشتغالهم بإصلاح أنفسهم وبالتعلم والتعليم كان أكثر من ذلك بكثير، والإمام أحمد - على سبيل المثال - لو جمع كلامه في الرد على المخالفين، وكلامه في غيره لما بلغ نصف العشر ، فكيف يجعل الإنسان أكثر جهده ووقته لتتبع المخالفين والرد عليهم . فلنقرأ في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وسلفنا الكرام ، ونسر على نهجهم .. فـ " كلهم في النار إلا واحدة ... " ما أنا عليه وأصحابي " .

ولنحذر كل الحذر من مخالفة الإنصاف في الرد فإن الله يأمر بالعدل ، ويبغض الظلم، والمظلوم له حق وإن كان مخالفاً ، فالرد عليه يكون فيما خالف فيه الحق، ولا يتجاوز ذلك، وكم رأينا من تجاوز في الرد إلى أن وصل إلى الظلم والتجني فكان من شأنه فيما بعد أن كانت له عثرات وسقطات كثر انتقاده عليه وأصبح ممن يحذر منه ويرد عليه . فلكل شخص زلات لكن إن غلبت حسناته فلا نظلمه بسبب بعض ما أخطائه ، خصوصا علماء بعض البلدان الإسلامية كأرض الكنانة وبلاد الشام في منتصف القرن الماضي ، إذ كان الناس حينها في بعد سحيق عن الإسلام وفي هوة من الفساد والجهل فانبرى لهم دعاة أفاضل لم يكن لهم من يربيهم من العلماء فاجتهدوا في إصلاح الناس بحسب الوسائل المتاحة لهم فعلموا أنفسهم بأنفسهم من الكتب والرسائل وإن كثر في دروسهم وكتبه الموضوعات والضعاف وبعض ما نراه (خلل في العقيدة) فلا نقدح في أشخاصهم فقد أصلحوا الكثير وبذلوا ما استطاعوا ثم رحلوا إلى ربهم ، وإن اضطررنا للتحذير فلنشمل التحذير بالترحم عليهم والتماس العذر لهم فإن لهم علينا حق .

وليكن التحذير لمن يخشى عليه ويظن أنه قد يقع فيه ، أما من كان بعيدا عنه فقد يدعوه الفضول لرؤية ذلك المُحَذّر مِنه وقد كان في غنى عن ذلك فتكون قلة فطنة الداعية سببا في إظهار الشر من حيث لم يعني ، جاء في مذكرات الأديب علي الطنطاوي رحمه الله : ( ومن طريف أخبار ذوي الغفلة من الوعاظ أن أحد مشايخنا ، جاءه من يقول له أن فلانة تغني وترقص في (العباسية) فأعلن غضبه في درسه في ( الأموي ) وقال : كيف ترقص هذه المرأة أمام الرجال وهي كاشفة جسدها مبدية مفاتنها ؟ أين الدين وأين النخوة ؟
قالوا : نعوذ بالله وكيف يكون هذا ، وأين يا سيدنا ، ومتى ؟
قال : في العباسية في الليل بعد صلاة العشاء .
وكان نصف المقاعد خاليا فامتلأت تلك الليلة المقاعد كلها !
فلينتبه الواعظون ، فكثيرا ما تكون المبالغة في وصف المنكر دعاية له ) .

يا فاضلات .. تنبهن ، ولو أن كل كلب عوا ألقمته حجرا .. لصار الصخر مثقالا بدينار
سِرن في السبيل ، وافقهن الأولويات .. تابعن حسب الطريق الذي حددتموه لأنفسكنّ ولا تنشغلن بالقواطع .. فالعمر يمضي ولا شيء يبقى مثل التربية الخاصـة ، ولو أنك بنيت طالباتك بناءا صحيحا لعرفن الصواب من الخطأ دون أن تضطري لمداومة التحذير .
وإني لأرى أن تلك الطوام التي نصبح عليها كل يوم لمن مخططات أعداء الله ليشغلونا بِها ، فإن الحق يقال قد علموا وخططوا ونفذوا ، علموا كيف يشغلون المجتمع فالطالب شغلوه بدراسة واختبارات لا تنتهي والأب لا يكاد يجد وقتا همه كيف يطعم ابناءه وهكذا .. والعلماء والدعاة والمصلحون ، أشغلوهم بالردود وحرب الأحزاب والجماعات ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

وفقني الله وإياكنّ لخدمة دينه ورزقنا الحكمة والفطنة وحسن التقدير .

أختكِ المُحِبّة / ابنة الرميصاء
19 ذو القعدة 1431 هـ
( للأمانة العلمية : تم بناء المقال على قواعد كتبها الشيخ الفاضل عبد العزيز الداخل جزاه الله خيرا )

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ابنة الرميصاء
  • كِتَابٌ عَزِيز
  • قال الحبيب
  • بَشَرٌ مِثْلُنا
  • وللنفس حكايا
  • متفرقات
  • بيننا كلمات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط