اطبع هذه الصفحة


** طوق النجاة **

عطاء " أم معاذ "

 
أخذ يسير على ذلك الشريط الساحلي الطويل ولم يفطن إلى أنه قد شارف على
وصول ذلك الحاجز الذي يعلم بنهاية الطريق الرملي...
قرر أن يطفيء الحريق الذي يستعر بداخله....
نسمات البحر كانت ترطب روحه ..وتعبث بشعره فتنثره يمنةً ويسرة..
وتبعثر معها أفكاره....
فوضى تغزو روحه...آماله تحترق...وبقية من أمل يتوارى داخل نفسه يعلن
العصيان والتمرد...
صوت الموج أعاده مرة أخرى إلى واقعه .....مازال على الشاطىء عار القدمين..
نظر إلى البحر نظرة حسير كسير ...تمنى أن يحتضنه فيغسل ما بداخله..ولكن ...
شيئاً ما جعله يتردد...أصغى وسكن......وكتم أنفاسه الثائرة....
آآآآآآآآآآه رباه أنقذني..إنه صوت المد الذي يكتسح كل جميل في حياتي...!!
أغمض عينيه...حرارة الظهيرة قد زحفت إلى المكان ..فنالت منه ذبولاً...
قطرات من العرق تعلو جبينه وذراعيه.....همّ أن يترك مكانه..ويرحل..
...أصوات تغزو المكان ..إنها أصوات خيل إليه أنه يعرفها...
فتح عينيه...ببطء...نظر إلى قرص الشمس الملتهب الذي توسط السماء
فكأنما كان يعلن صهراً لروحه البائسة.. أخذ يصوب نظره نحو البحر..الثائر
في زرقته....ولمعان صفحته كادت أن تذهبُ ببقية بصره الكليل...
علت الأمواج وأعلنت حرباً ضارية....ومازال يسمع أصواتاً ..تقترب وتبتعد...
تزيده تلك الأصوات رغبة ورهبة ...وتمزقه خوفاً...هدير الموج كاد أن يفتت
الأمل داخل نفسه....حاول أن يتماسك....
علت الأمواج أكثر واصطخبت...وامتزجت بتلك الأصوات...وكأنما صنعت
حاجزاً زجاجياً يكشف ُ عمّن خلفه تارة ...ويواريهم تارة....
أخذ يركض على الشاطيء..يحاول أن يخترق تلك الأمواج ببصره...
تعثر في حيرته...وتمزق في وجهته...تاهت نفسه...وأسقط في يده..
أصوات ..تضحك ...وأخرى تستغيث....وأخرى تنادي..تعلو وتنخفض..
وصوت الموج يعلو ....وهديره يطغى على كل شيء....وهو يزداد عجزاً

ياإلهي أنقذني...
أخذ ينادي ...
ضاقت عليه نفسه....تمنى أن يخرج من جسده...
حرارة الشمس كادت تصهر ه...وتزيد من شعور الملل المختلط بالعجز...
صوته..علا وعلا...ينادي ...وينادي..ولاحياة لمن تنادي..!!
شعر بدوار...ورغبة في التقيؤ...سقط على الأرض...لم تحمله قدماه...
دارت به الأرض والسماء .اختلطت الألوان وامتزجت وألقت به في دوامة من
الضياع ..لايعلم ...هل هو فوق الأرض أم تحتها...كل ما كان
يدركه أن...صوت الموج أخذ يقترب...ويقترب...حتى كاد أن يكتسح جسده
الضئيل...
ندت من فمه استغاثة...لايعلم من أين خرجت....لكنها خرجت!!
كان ينازع.. ويتخبط...حاول أن يدافع الموج بيديه الضعيفتين ...
طوق النجاة .....ألقي إليه....
حدق ببصره المرهق اليائس في ذلك الطوق...ظن أنه يحلم...
أمسك به ....إنه حقيقة...إزداد تشبثه به..أبى أن يتركه....ارتفع إلى إعلى..
مازال يتردد في سمعه تلك الأصوات التي خلفها وراءه...وصوت الموج
الذي غطى بصوته كل شيء...
 

صفحة عطاء
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط