اطبع هذه الصفحة


الدَّسيــــسَة !( 2- 3 )

إكرام الزيد

 
" 2 "
المرأة .. قضية من لا قضية له!

كفى الزهر ما تندى به راحة الصبا *** وهل للندى بين السيول حسابُ؟
فحسبكِ نبلاً .. قالةُ الناس: أنجبتْ *** وحسبكِ فخراً أن يصونكِ بابُ!
تحدثنا في المقال السابق عن الأحداث الثقافية التي عاشتها الرياض، وكذلك عن قضية الإعلام للفتاة، والتي كان طرحها مكثفاً ومتكاتفاً من جهاتٍ عدة..كندوة الإعلام والحوار، والمنتدى الإعلامي، ثم أخيراً منتدى المرأة والألفية التي نظمته هيئة الأمم المتحدة في مقر الأمم في الرياض.
هذا الطرح الشديد يدفعنا إلى موضوع آخر، وهو أنّ المرأة قد صارتْ مطية الشهرة، فأيّ شخص يريد أن يبلغ اسمه الآفاق، وتسير بأخباره الركبان، فليس عليه سوى الدندنَة حول المرأة بطريقة تثير استفزاز المجتمع أو تأييده -لا فرق!- المهم أنّ يأتي ذكر المرأة في الموضوع!
ورغم أننا دولة تعتزُّ بتطبيق الشرع، وبوجود المرجعيات الدينية القوية، وكثرة برامج الوعظ والإفتاء، وقيام الدورات الشرعية، ونشاط المؤسسات الدعوية، إلا أنّ موضوع المرأة بالذات يواجه اختلافاً فكرياً شديداً، ويسبب التصنيفاتِ، ويشعل الأقلامَ، فقد صارت المرأة قضيةً مِن (لا قضية)، ولو أنها أُعطيتْ – وأعطتْ - حقَّها الشرعي كما هو فعلاً، لما وجدنا هذه الحرب المستعرة في كلّ محفل، لكن المشكلة فيمن يتكلم في الأمر وهو لا يعلم النصوص وتأويلاتها، والواقع وتفصيلاته، ويحاول إسقاط التجارب الغربية وحلولها علينا دون مراعاة لاختلاف الهويات، وهذا باب من التعالم (أي إدّعاء العلم) أورده الشيخ بكر أبو زيد في كتابه النفيس: التعالم، نسبَ فيه كلمة رائعة للإمام الغزالي رحمه الله حيث يقول: ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف!

أولئك المتعالمون ..
حين نرى هذا الفريق المتعالم يطرح أفكاره في محافل رسمية، ومؤتمراتٍ وندواتٍ ترعاها شخصيات رسمية أو أميرية، ويدعمه الإعلام (المقروء) خاصة، وكذلك المسموع والمرئي بقنواته الرسمية، فإننا سنعلم أيّ خلخلة فكرية ستصيب المجتمع مقابل هذا الزخم المؤثر، ومثال ذلك ما حصل في ندوة المرأة والحوار التي نظمتها مكتبة الملك عبد العزيز العامة والتي امتلأت فيها مقاعد القاعة تماماً، إذ كان هناك جدلٌ شديدٌ شاركت فيه أكاديمياتٌ و داعياتٌ وإعلامياتٌ، حول قضية وجوب عمل المرأة لتعول نفسها أو عدم وجوبه إن كانت ذات أسرة، هذا رغم أنّ الجميع -افتراضاً- له مصدر تشريعي واحد متفق عليه هو نصوص الوحي، ورغم أن كل المتجادلات يعملن في وظائف رسميةٍ أو مؤسساتٍ أهليةٍ، بالإضافة إلى أنّ لديهنّ أسرٌ تحتَ مسؤوليتهن، ومع أنّ الرأي الشرعي في هذا واضح ومرن: فهو يجعل للمرأة حقاً في أن ينفق عليها الرجل على كلّ حال سواء في غناها أو فقرها، فإن خرجتْ للعمل وفق الضوابط فذاك فضل منها وتكرم لا تلزم من ورائه بالإنفاق على البيت أو تعويض الزوج مادياً، وإنْ كانتْ ذات أسرة وأطفال فالأولويات تلزمها ألاّ تقصّر في هذا الواجب العظيم الذي عليها. رأي بهذا الوضوح والبساطة والمرونة، ما الذي يأتي من بعده بالخلاف إلا جهل البعض بالنصوص الشرعية، حتى سبب خلافاً في تقديم الأولويات، وقتل روح الأمومة وحولها لمجرد وظيفة اجتماعية، ورجّل النساء وهنَّ الندى المنساب!

وما هي الأولويات والحقوق ..؟!
وإذا كنا سنتحدث عن الأولويات، فالأولوية هنا لأن نصيغ لأنفسنا صورة واضحة نسير عليها، فإن كنا أصلاً نحتكم إلى شريعة إسلامية لها قواعدها الفقهية، وأصولها الثابتة، فالمفترض أن يكون الحكم هنا واضحاً لجميع النساء، ملزمات بتطبيقه، دون الوقوف على نظريات وضعية قائمة على اجتهاد بشري..وما الذي يجعل هناك فكرة مخالفة تظهر لولا أنّ فينا سمّاعون لهم؟!
إنّ تكريم المرأة في الإسلام بابٌ عظيمٌ واسعٌ أظهرته عشرات النصوص وطرقته مئات البحوث، لكنه ما زال محبوساً في أدراج الباحثين، واقفاً على عتباتِ المنظرين، والمشاكل القائمة التي تعيشها المرأة حالياً هي بسبب الفصل بين الحق الشرعي وبين تطبيقه..لا بسبب القوانين الشرعية كما يقول بعضهم!
لذلك، ليتَ الذين ينبرونَ لحقوق المرأة وقضاياها، أن يكونوا أول من يتعلم الحقوق الفعلية لها قبل أن يطالبوا بها، وأن يتدرجوا من الأهم فالمهم، فطرح قضايا النفقة والطلاق والمواريث والتعليم أهم من طرح قضايا التمكين والقيادة والمشاركة الاقتصادية، مع ما يشوب هذه المصطلحات الأخيرة من شوائب فكرية تحتاج مقالة أخرى لمناقشتها ..

إكرام الزيد
20 / 11 / 1426 هـ

 

إكرام الزيد
  • مـقـالات
  • قصص
  • قصائد
  • أفكار دعوية
  • ردود وتعقيبات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط