اطبع هذه الصفحة


للمرأة .. نحو تعليم مختلف !
"نقدٌ .. واقتراح "

إكرام الزيد

 
( 1 – 2 )

عرضت لي فكرة هذه المقالة بعد أن رأيتُ في بعض المنتديات الحوارية من يدعو إلى إيقاف تعليم المرأة، أو يستشير في إيقاف تعليم بناته وقد تعلمن العد والحساب والقراءة والكتابة، وكنتُ أنظر إلى الأسباب التي أوردها أولئك، فأجد بعضها مقبولة منطقية، لكني لا أتفق معهم في الحل الذي طرحوه، كما أقترح اقتراحاً (سلمياً)، في محاولة لإيجاد حلّ مناسبٍ لروح العصر ومواكبٍ لتطوره، مع حفاظٍ على الأصالة الشرعية والخصوصية الاجتماعية، وقبل ذاك فإنّي سأعرض واقع التعليم بناء على تجربتي (المريرة)، وليقض الله أمراً كان مفعولاً..
فحال تدريس القرآن الكريم في المدراس، لا يليق بمكانته وعظمته وبالنص النبوي: "خيـركم من تعلم القرآن وعلمه"، إذ إنّ المدة قليلة له (حصتان أسبوعياً!!)، والمعلمات لسن -في عمومهنّ- بالكفاءة المطلوبة في التجويد والتلاوة، والحفظ غير منضبط من الطالبات، كما لا تُعرف أسس اختيار السور في التلاوة والحفظ، ولولا قيام مدارس التحفيظ عصراً، لندر أن تجد امرأة تحسن التلاوة والله المستعان!
أما في المواد الشرعية، فقد تعرض المسألة ولها عدة آراء، فبأي فتوى نأخذ؟ مع وجود أخطاء في المناهج.. هذا عدا عن ضعف التأصيل عند المعلمة، والتعليق على مخرجات الكلية الشرعية يحتاج مقالة أخرى!
وإلى اللغة العربية، فإنّ الفتاة تدرس سنوات طوالاً .. تخرج من بعدها بلسان لاحن، عدا أنها لا تحسن الإعراب، ولا تتذوق الأدب، بل قد تكره اللغة العربية وتستثقلها، وقد أتجاوب معها لجمود بعض المواضيع في المناهج، خاصة إذا كان فيها قصائد ثقيلة على النفس "بدون ذكر أسماء!"..
أما عن مواد الرياضيات والعلوم .. فلا أعرف لماذا يجبر الجميع عليها بهذا (التوسع)؟ خاصة أنها مواد تحتمل النبوغ أو الإخفاق، وليس كلّ الناس مستطيع لها مستوعب لتفاصيلها، سنتسامح مع الأحياء لأنه يعرّفنا بخلق الله، لكن بالنسبة للكيمياء..لا أدري هل كلّ الطالبات سيصنعنَ الميثانول والحلقات؟! عدا عن الدوال والتكامل والتفاضل في الرياضيات، وما حاجتي لمعرفة قوانين الفيزياء التطبيقية الدقيقة؟ إلا أن أعرف المعلومات العامة التي تعطيني تصور عن المادة مع المعلومات التي أستفيد منها فعلياً، وأظنّ الواقع يشهد بأنّ المرأة في خلقتها أقل عطاء في هذه المواد العلمية من الرجل، وانظروا في الغرب قبل الشرق، كم هناك من عالمة نووية؟ أو رياضية عبقرية؟ أو كيمائية نابغة؟ إنهنّ قليل مقارنة بالسواد الأعظم الذي يتجه للأدب واللغة والتعليم والاجتماعيات والنفسيات!
أما التدبير المنزلي، فهو مجرد ساعات تثرثر فيها الطالبات أو يشاهدن المعلمة تصنع طبقاً أو ينظفن مطبخ المدرسة فلا منزل ولا تدبيــر (من أين؟!)، وأما الرسم والفن، فقد كان رسماً في كراسة بيضاء لصحن فواكه أو شجرة أو خيمة، وأحياناً يعملن مجسماتٍ فنية تستنـزف أموالاً طائلة، ثم ترمى، ومستودعات المدارس شاهدة على ذلك!
وإلى الخياطة والتفصيل، التي هي مادة مكروهة عند كثير من الطالبات ولا أدري لماذا، فتجد الطالبة يصل عمرها للثامنة عشرة وهي لا تعرف كيف تعيد إصلاح الزر المنقطع، أو التحكم بطول الثوب من أسفل، لذلك أرى لو صارت بشكل مهارات لكانت أفضل من طريقة (الباترونات!)، فمن ستخيط ثوباً لنفسها هذه الأيام إلا من رحم الله!
وعند التاريخ والجغرافيا سأقف، فهما من مواد الثقافة العامة الرائعة، التي تربط الفتاة بالماضي وبالحاضر، لكن الجمود يقتلها عندما تدرس، خاصة مادة التاريخ حين تسرد بطريقة الحفظ الكربوني فقط، وقد نسوا بأنّ التاريخ..مشاعر!
التاريخ يتجاوز معرفة الوقائع وتواريخها الزمنية إلى العيش في قصص السابقين، واستشعار الحدث والتأمل فيه والاتعاظ منه، وكفى بتاريخ الأندلس مثالاً، أليس تاريخها يشعرنا بعزة مخبوءة في جنباتنا؟ وحنين إلى مجدنا التليد؟ ويشعل روحاً تتوق إلى أندلس أخرى، تكرر روائع الحضارة الإسلامية، وتبقيها شاهدة على العزة العربية.. يوم كانت هناك عزّة ؟؟! ألسنا نتمثل صورة طارق بن زياد حين فتحها، ثم صقر قريش عبد الرحمن الداخل حين ملكها، ثم المعتمد بن عباد حين فقدها .. ثم نبكيهم ونبكيها؟ نعم .. هكذا يدرَّس التاريخ .. بهذه الروح .. وإلا فلا!
الشاهد أنّ هناك من يطالب بتوسيع تعليم المرأة لا لشيء إلا للتوسيع ذاته (رغم أن التعليم الحالي متوسع بما فيه الكفاية!)، فتُطرح تخصصات لم تسل عنها النساء ليتعلمن ما لم يتوجب عليهنّ تعلمه وعمله، ونظرة في الصحف تنبئكَ عن مثل هذا، والحقيقة لشدة الهوس في المطالبة -كخبط عشواء- صرنا نخشى من فتح التلفاز يوماً فنرى فيه مباراة بصوت معلّقة متحمسة تخرجت من كلية التربية البدنية، وتحاججنا بأنّ صوت المرأة ليس بعورة، وأنّ عملها (وفق الشريعة الإسلامية!) وطبعاً هذه الجملة صار عُرفها ومعناها أن توضع قطعة قماش ملونة تلفّ على استحياء على الرأس مع وجه ملوّن بالمساحيق، ومن خلف ذلك صراخ صحافة: فلانة..أول سعودية تصبح معلقة رياضية!!
بجدية أكثر..لا أدري ما حاجتنا لاستحداث مواد وتخصصات تخرج لنا مهندسات معماريات، أو قائدات طائرات، أو خبيرات في طبقات الأرض، ومثل ذلك؟! فهذه أعمال رجالية، لا ينبغي أن نزاحم الرجل فيها من باب (إثبات الذات)، وعجبي لمن تقوّض هنائها بيدها بزعم إثبات ذاتها، أفلا يمكن لها ذلك بطريقة أكثر أنوثة وملائمة؟ أم لابد أن نسترجل وندافع لنكتشف أنفسنا ونبرز شخصياتنا؟!
.
وللحديث بقايا ..
1425هـ
 



( 2 – 2 )


تحدثتُ في الحلقة السابقة عن مناهجنا، وكيف كنّا ندرس المواد فيها، وعن المطالبة بتوسيع التخصصات إلى حد يجاوز الطبيعة والملائمة الأنثوية، ولذلك أطرح اقتراحاً حول تعليم الفتاة، وهو مختلف تماماً عن الطريقة الحالية ذات الازدواجية في مناهج البنات والبنين كأنهم جنس واحد ولهم طريقة في التفكير واحدة!!
والعجيب أن نظام الحكم الأساسي في المملكة العربية السعودية، قد تضمن في فقرته الأولى في باب التعليم، ما ينص على أنّ تعليم البنات قد أوجد في هذه البلاد لتتعلم الفتاة كيف تقوم بمهمتها الأساسية في الرعاية والأمومة ونحو ذلك. فلما طبّق التعليم فعلاً، رأينا كثيراً من المتعلمات أبعد ما يكنّ عن دورهنّ وبيوتهنّ، ورأينا الفتاة تبحث عن الوظيفة بشقّ الأنفس .. وليس هذا لخلل نابع من الفتاة وتفكيرها، بل هو خلل رسّخه التعليم في نفسها!
وعودة لما كنتُ آخذة فيه، فإني أقترحُ أن يكون التعليم مقسماً لأيام خمسة، بمعدل أربع ساعات يومياً، ويكون الأسبوع الدراسي مقسماً إلى أيام نظرية وأيام عملية -مع بقاء ساعة القرآن الكريم في الأيام العملية- أو تكون الساعات الأولى في الأيام الخمسة نظرية والساعة الأخيرة عملية (بالنظر للأنسب)، بشرط أن يبدأ الدوام الدراسي في الثامنة وينتهي في الثانية عشر ظهراً لا يزيد..مع إدراج هذه المواد ضمن جدول الأسبوع:
مادة للقرآن الكريم، تحفظه وتسمّع، بحيث لا تتخرج الفتاة من المدرسة إلا وهي حافظة للكتاب، وهذه المادة يومية ثابتة تكون في بداية اليوم الدراسي..
مادة للعلوم الشرعية، تتعلم فيها الفتاة ما لا يسعها جهله من أصول العقيدة وأحكام الفقه المختصة بالنساء وبالحياة العامة، مع نصوص الأحاديث، وكتاب تفسير تستمر فيه الفتاة من دخولها إلى خروجها، وذلك خير من التشتت في طرح الآيات بشكل موزع..
مادة الأمومة والتربية، والإدارة المنزلية، وهنا لا بد من إيجاد منهج متدرج، يصاحب الفتاة من سنوات الابتدائية إلى التخرج من الثانوية، ويزداد كثافة مع مرور الوقت، تتعلم فيها الفتاة أصول التربية، وطرائقها، وتفاصيلها، وأساليب التعامل العامة، وكل ما له شأن بأن تكون امرأة فاعلة صالحة مربية، ويبني شخصية معطاء متميزة..
وأيضاً، لابد من مادة للقراءة العامة، وفيها تتعرف الفتاة على العناوين، وتصادق الكتاب، وتؤالف المعرفة والثقافة، في مكتبة رحبة تضم أمهات الكتب وفرائد المصنفات وعيون الشعر، مما ينشئها أديبة بليغة مثقفة مرهفة..مع انتقاء للمعلمة الحصيفة، التي تميز اختلاف الطالبات، وتجيد توجيه الفتاة للكتاب، وترشدها لما يناسبها..
أيضاً لا بد من مادة للمهارات المتنوعة: كالإلقاء والخطابة، الكتابة والتعبير، التجميل والتزيّن، الرسم والديكور والفنون والاستفادة من الخامات المنزلية في صنع أشياء جميلة.. الخياطة وتوابعها، الطبخ، التدريب على الحاسب، وهكذا، كل طالبة تختار ما تجد فيه نفسها، وتستمر فيه وتبدع..
وأخيراً، فلا بد من ساعة أسبوعياً للتاريخ، وساعة للجغرافيا، وساعة للعلوم، وساعة للرياضيات، وكل هذه المواد يمكن توزيعها بشكل متوازن، بحيث يركّز على ما هو مهم للفتاة ويبني شخصيتها، مع الإبقاء على المواد المساندة.. "العلمية"..

ولعل لهذا الاقتراح نتائج عديدة نافعة بإذن الله، أبرزها:

1. أن تنشأ الطالبة على تعليم راسخ يهيئها لرسالتها الحقيقية، فلا يكون مجرد تعليمٍ دائرٍ في حلقة مفرغة، حيث تتعلم لتصبح معلمة وتعلّم طالبات يتخرجن فيصبحن معلمات.. وهكذا!
2. زيادة الوعي عند شريحة عريضة من النساء، فالمناهج بهذه الطريقة ستربي في المعلمة والمتعلمة محبة البيت والقرار فيه، ونزعة التربية والرعاية، وحمل الهم العام.
3. ألاّ تُشغل المعلمات (وأغلبهنّ ذوات مسؤولية وبيت) بتربية الأجيال خارج بيوتهن وهنّ لبيوتهنّ أضيع، ولا يضطررن للغياب طويلاً خصوصاً عن الصغار والرضع.
4. أن تجد المعلمة (والطالبة) وقتاً لنفسها ولأمورها الأخرى، فانتهاء اليوم الدراسي مبكراً سيفتح المجال لأن تمارس كل واحدة هواياتها، وتقوم بمسؤولياتها، دون أن تشعر بالضغط النفسي والبدني.
5. أنّ هذه طريقة التعليم هذه ستظهر المواهب المدفونة، وتفجّر الهوايات المخبوءة، فالفتيات الآن يسعين للخروج والتمشية والتسوق والبحث عن أي وظيفة لأنهن لا يحسنّ هواية أو حرفة، فإذا قررن في البيت فليس أمامهنّ إلا التلفاز أو الإنترنت أو الثرثرة بالهاتف، أما لو كان للفتيات هوايات ومهارات فما والله سيشعرن بالملل من بيوتهنّ، وهنّ يرينَ إنتاجهنّ الجميل منبثقاً من بين أناملهنّ ..
6. أخيراً، أنّ المواد العملية تعلم الطالبة حرفة بيدها وتفتح لها باب دخل مريح، (وحرفة باليد تقي من الفقر)، كما أنها تعين الطالبة مستقبلاً كي تجعل أسرتها من الأسر المنتجة، مما يدر عليها مبلغاً لا بأس به، ويشجع الصناعة الوطنية، ويحفظ تراثنا المهني..

هذا، والله يفعل ما يشاء ..

1425هـ

 

إكرام الزيد
  • مـقـالات
  • قصص
  • قصائد
  • أفكار دعوية
  • ردود وتعقيبات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط