اطبع هذه الصفحة


نجاح الملقنين

فاطمة البطاح

 
حينما تتأملين وجوه تلميذاتك الصغيرات..اللاتي دخلن عالم المدرسة ، ووضعن أقدامهن الغضة على عتبة الفصل لأول مرة .
جئن بتثاقل ، وخوف، وأدمع ساخنة ..تُعلن لك كم هو مؤلم وقاس البعد عن دفء حضن الأم ، وافتقاد جميل صحبتها ..! حتى يكاد نهر من الحنان يتدفق بين أضلاعك ، وموجة عارمة من الحب تعتريك ، وتنسيك حتى المهمة التي وضعوك أمامهنّ لأجلها..!
تكادين تدمعين ..لكنك تتذكرين نعمة الله عليهن التي قادتهن لهذا المكان بكل مافيه من وحشة وغلظة وجمود . وسحبتهن من عالم الغفلة والجهل ..إلى دنيا أخرى تفتح لهنّ آفاقها النيرة فيقرأن ويكتُبن ،و..
تفتحين لهن ذراعيك ..وتودين لو تزرعين البسمة الدائمة على شفاههن ..وتجعلين من هذا المكان (الجامد البليد) جنة يَتُقْن إلى لقائها والبقاء بها من صبيحة كل يوم إلى ظهيرته.
لكن – أنّى لك هذا ..والنظام الصارم يصدمك ، والعقليات التي لاتريد أن تتغير ..تُواجهك وتُخطئك في كل حين..! وتُطالبك ..بأن تحشين أذهان هؤلاء الصغيرات بكم هائل من المعلومات المجردة .. وتحبسيهن مدة لاتقل عن خمس ساعات في حجرة ضيقة كئيبة ، يحشرن فيها حشرا. ويطالبن بالتزام الصمت التام ، لامجرد الهدوء النسبي ، وبالانضباط الذي ترينه أنت أشبه بالانضباط العسكري لا المدرسي !
كم تتمنين ..لوتجدين مسؤولا يحدد لك وجه المشكلة في سلوك تلميذة الصف الأول التي تعيش تجربتها التعليمية الأولى حينما تشاغبك في حركات بريئة إذ تلتفت يمينا ويسارا .أو تنسحب بعينيها الجميلتين من على لوحة الدرس إلى حقيبة زميلتها التي تشاركها المقعد حيث علبة العصير تطل من هناك..! تصرف لاتفهمين منه إلا أن البراءة تنطق حينما يصمت الآخرون..!
والأهم أنك تودي لو تجدين من يملك القدرة على إخبارك ماهي المهمة التي وضعت المعلمة داخل الفصل لأجلها..؟ هل يُراد منها أن تحتل –خلال فترة وجيزة-كل تلميذة صغيرة لم تتجاوز السنوات الست إلى إمرأة ناضجة تترفع من تلقاء نفسها عن اللعب والحركة ، والعبث؟
ألهذا الحد .. يعجز التعليم لدينا عن استيعاب الحقيقة العلمية المقررة التي تؤكد على أن الطفل يُفترض أن يبقى طفلا داخل قاعة الدرس كما هو خارجها . وأن تجاهل المعلم لمستلزمات المرحلة العمرية التي يمر الصغار بها ، وغفلته عن متطلباتها ،واحتياجاتها الضرورية ((حمق تربوي)) يُفترض أن يعاقب مرتكبه !
ويفترض أن يُوَجّه المعلمون والمعلمات لمنح صغارهم فرصا للتنفيس عن أنفسهم بممارسة أنواع من اللهو ، والعبث حتى وهم يقتعدون مقاعدهم !
هذا إذا أردنا أن تكون غاية التعليم تربية التلاميذ تربية شاملة لاتقتصر على ناحية دون أخرى . أما إذا كان الهدف ملء ذاكرتهم الغضة بمعلومات مجردة وحسب فإني أسحب ماذكرته وأعتذر منه .
فكثرة الأعداد، وضيق الأمكنة ، وانعدام وسائل التسلية وتوجيهات المشرفين والمشرفات للمعلمين والمعلمات بمزيد من الصرامة والعبوس و.... ستبقى أمورا كافية لإتمام عملية التلقين التي يطمحون إليها ..وأخرجونا من بيوتنا لأجلها..!!
 

المصدر : الأسرة 105
 

فاطمة البطاح
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط