اطبع هذه الصفحة


في الصّيف ضيّعْتِ اللّبن !!.

فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

 
كانت لمساته الحانية ومودته الباقية بلسمًا شافيًا لنفس الشابّة الوفيّة المكلومة في فقد عائلها تُعاني ألم الوحدة وقسوة الغربة!! فتهرع بإرسال قلادة من جزْع ارتدتها يوم زفافها هي ما تبقى لها من ذكرى طيّبة من والدتها المتوفاة!
فيرقّ والدها لرؤية القلادة! وكيف لا وهو أرحم الأمة- صلى الله عليه وسلم- ويطلق سراح زوجها، فيعود إليها ثم يفترق الشّمل من جديد!

تفضّلت الأيّام بالجمـــع بيننا  *** فلما حَمدنا لم تُدمنا على الحَمـدِ
فجُدْ لي بقلب إذا رحلْــت فإنّني  *** ُمخلّفٌ قلبي عند مَنْ فضُله ِعنِدي

وبعد سنوات طال أمدها في نفس الزوجيْن الشابّين كانا يقاسيان فيها لوا عج الفراق! يستيقظ المسلمون لصلاة الصبح وإذ بزينب تصدحُ عاليًا: إنّي أجرتُ أبا العاص!!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل سمعتم ما سمعت؟
قالوا : نعم !
قال : والذي نفسي بيده ما علمت شيئا مما كان! حتى سمعت ، وإنّه يُجير على المسلمين أدناهم!!
ثم تسطّر إحدى النساء موقفاً رائعًا في الوفاء الزّوجي!
فعندما ُقدّم هدبة بن خشرم للقِصاص نظر الى امرأته فدخلته غيرة وكان أنفه قد جُدِع في الحرب! فقال :

فإنْ يكُ أنفي بان منـه جماله *** فما حسبي في الصالحين بأجدعا
فلا تنكِحي إنْ فرّق الدهرُ بيننا  *** أغمّ القفا والوجــه ليس بأنزعا

فقالت : قِفوا ساعة!!
ثم مضت ورجعت وقد قطعت أنفها ،فقالت : أهذا فِعْل من له في الرجال حاجة؟؟
فقال : الآن طاب الموت!
وكذلك فعلت نائله بنت الفرافصة زوج عثمان بن عفان بعد وفاته فدعت ب ِفِهْر َ ( حجر) فكسرت أسنانها!!
فهل بقيّة النساء بحاجة للتمثيل بأجسادهن ليُثبتن للزّوج صدق وفائهن ؟!
وما الحال مع الرجل ؟!
لماذا إذن تزاحمت الُمغريات أمام الرجل وقالت : هيْت لك؟
لماذا لا يتّخذ الزوج موقفا جاداً ! ويقول: إنها زوجي أحسنت مثواي ؟!
لماذا يجعل حياة زوجيّة مليئة بالعطاء والودّ الزوجي في كِفة! مقابل كِفة من المُغريات الدنيويّة الزّائفة؟!
فعندما تصدم الزوجة بتخلي الزوج عنها بأيّ شكل كان!
تُظلِم الدنيا أمام عينيها وتتقافز أمامها صور عديدة مرّت بها مع شريك حياتهاكانت بمثابة إشراقات نورانيّة .
تمدُّها بالقوّة في زمن الضّعف !
وتمدُّها بالرحمة في زمن القسوة؟!
والمرأة العربيّة تُكِنّ للرجل عاطفة جيّاشة! فهي تمتثل للأمر الإلهيّ في قِوامته عليها!
وقيادته لسفينتها ! وقيامه بحاجاتها! ورعايته لأبنائها !
وكانت منذ العصر الأوّل تتداول هذه الطريقة وتحتفظ بها في غياهب مكنوناتها!! وقرارة جوفها !
فها هى حمْنة بنت جحش عندما نُعِي لها أخوها و خالها استرجعت ! واستغفرت ! ولما نُعِي لها زوجُها مصعب بن عمير : صاحت و وَلْوَلَتْ ؟! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " انّ زوج المرأة منها لبمكان"
فهذا الجزع والحزن الذي صورته هذه المرأة ليبيّن مدى الضّياع الذي تشعر به المرأة لفقدها حبيبها وعائلها وقائدها !
سواء بموته أو زواجه بأخرى أو إعراضه وجفوته لها !
ثم ما يلبث أنْ يقوى الألم وتشتدّ اللّوعة في نفسها وما تلبث أنْ تتهاوى تلك الصور الجميلة على مدى سنيّ حياتهما الزوجيّة!
ولا تلبث أنْ يعتريها اليأس وتأكلها الحسرة ويحُمّها البيْن و يجزعها الفِراق!
وكيف لها أنْ تتجلّد؛ وقد انطفأ ذلك النور الذي يبعثه شريك حياتها في قلبها !
فأصبح صلدًا يمزّقه الظّمأ!!!ويفلقه الهَجْر!!

ما أقتل البين للنفوس! وما  *** أوجع فقد الحبيب للكبد!!

ولقد كنت أعجب من أحوال بعض النساء وتقلّب أوضاعهن بعد تخلّي أزواجهنّ عنهنّ!! فسرعان ما تنقلب من مُحِبّة مشفقة إلى عدوّة متكبّرة !
فتهجر الزوج ! أو تطالب بالانفصال !
حتى قرأت تلك العبارة لمصطفى صادق الرافعي" كم من عاشقة متكبرة على من تهواه تصدّه و تباعده وهى في خَلوتها ساجدة على أقدام خياله تمرّغ وجهها هنا وهناك على هذه القدم وعلى هذه القدم!!
وعلمت حينئذ أنّه "كبرياء الأنثى"!!
حينئذ تثور فتسدّد له ضرَبَات من قلبٍ مكلوم وجرحٍ نازف!!

عذلٌ وبينٌ وتوديعٌ ومرتَحَلٌ  *** أيُّ العيون على ذا ليس تنهَمِلُ ؟
تالله ما جَلدِي من بعدهم َجَلدٌ *** ولا اختزانُ دموعي عنْهُمُ بُخْلُ

أما الوفاء من قبل الرجل فها هو يقف غاضبًا , مُزَمْجِرًا , عندما طلبت منه زوجته السابقة مستجدية بعض اللّبن!!
ليصدّها قائلاً : في الصيّف ضيّعْتِ اللّبن !!
 

فوزية الخليوي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط