اطبع هذه الصفحة


كأني ومالكاً لم نبت ليلة معاً

فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

 
وكــــنا كـــندمانَيْ جذيمة حقبة  *** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلــــما تفرقنــــــا كـأني ومالكاً  *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً

لا أدري لم تتبادر إلى ذهني هذه الأبيات بعد السماع عن حادثة انفصال بين زوجين مستقرين !! أو عند كل شقاق عاطفي يتأزم!!
وأعتقد أن كلاًّ من الزوجين سيردد معي هذه الأبيات معيدين إلى أذهانهما الذكريات الجميلة التي قضياها معاً!.
فما أن يلقي الرجل عصا الترحال، ويرتبط برباط الزوجية واضعاً في اعتباره المسؤوليات المناطة على كاهله، عازماً على القيام بها على خير وجه! وكذلك تفعل المرأة، حيث يبدأ حينئذٍ عطاؤها اللامحدود، فتكون بحق راعية لبيتها، ولشؤون أبنائها! وتعقد على زوجها جميع الآمال بما فيها الوفاء، المحبة، الإخلاص، ولا شك أن العديد من الخلافات ستتخلل هذه الفترة وأصعبها هي التي تصل إلى حد الانفصال!.

فما هي طبيعة هذا الخلاف؟!
وما الذي يجعل المرأة تثور في لحظة قد تكون في ظاهرها لحظة صفاء وهدوء؟!
والسبب... أنه عندما تستشكل الأفهام، وتنغلق الأسماع، عند أي مشكلة زوجية، يبدأ الرجل فوراً بتوجيه سلاحه إلى الزوجة! فيجعله خلاف بين (الرجولة والأنوثة)؟! فيتغير الخلاف من خلاف حول فكرة، أو رأي أو كلمة، إلى خلاف بين الرجولة (القوة) والأنوثة ( الضعف)!.
فيلجأ الرجل فوراً إلى مخزونه الاحتياطي!
فإما أن تمتد يده ببعض اللكمات!
أو يهدد بحرمانها من الأبناء!
فما حال المرأة حينها حينما تفجع:
إما بكرامتها من جراء اللكمات؟!
أو بزوجها الذي ستفقده بالطلاق؟!
أو بأمومتها التي ستفقدها بفقد الأبناء؟!
فمن جراء هذه الجراحات التي توالت على كبرياء الزوجة، وإهدار كرامتها، وسحق آدميتها، تثور فيها الأنثى؟! مما يجعلها تتمسك بموقفها حتى وإن ترددت في قرارة نفسها حفاظاً على كبريائها أمام الرجل! الذي ما لبث منذ برهة أن استخدم ضدها أسلحته الفتاكة متناسياً ضعفها كامرأة لا حول لها ولا قوة!.
فمن الخطأ اللجوء لأسلوب الوعيد والتهديد بترك المنزل أو أخذ الأبناء عند أي مشكلة، وكأن الطرف الآخر طفل يحتاج لشد الأذن من فترة لأخرى!.
وهذا مصداق حديث نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة كالضلع إن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها على عوج" [رواه مسلم].
وما أجمل ما قاله قيس للُبنى:

هبيني امرأ إن تحسني فهو شاكر  **** لذاك، وإن لم تحسني فهو صافح

حتى لا تكوني شقية!
لقد أصابت تلك المرأة كبد الحقيقة، عندما قالت لأهلها، بعدما طلقها الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند الدخول بها، فقالت: أعوذ بالله منك؟!
فقال: لقد عذت بعظيم ارجعي إلى أهلك.
فرجعت وقالت: سمّوني الشقية!
ورفيقات تلك الشقية كثيرات عبر التاريخ الإنساني للمرأة إلى وقتنا الحالي!.
فكم من المواقف العابرة خسرت بها المرأة الرجل، وتقوضت أركان بيتها! بسبب تعليقات عابرة ولكن كانت سهامها نافذة، وجراحها مدمية، أصابت الرجل في إحدى مقاتله!.
كما خسرت هذه المرأة رسول البشرية!.
هذه ميسون زوجة معاوية بن أبي سفيان تنشد:
لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إليّ من قصر مشيد
فطلقها وأرسلها إلى البادية، فخسرت خليفة الأمة!
وهذه لبابه بنت الحسين، عندما رمى لها هشام بن عبد الملك بتفاحة بعدما عضها! دعت بسكين لتقطعها، فقال لماذا؟
فقالت: أميط عنها الأذى؛ فطلقها، فخسرت خليفة الأمة.
وفي الوقت الذي ضلت فيه كبيرات القوم وسيداته، وأبعدن النجعة في فهم طبيعة الرجل، وسبر أغواره، فهمت تلك الأعرابية بذكائها الفطري كنه أسراره.
فقالت: إن انطق أطلق، وإن أسكت أعلق!
ولله در أم صالح زوجة الإمام أحمد بن حنبل، عندما قال فيها: مكثت أنا وأم صالح ثلاثين سنة لم نختلف أنا وهي في كلمة!
ولعل هذه المقولة صائبة – إن الزواج الموفق مزيج من زوج لا يسمع، وزوجة لا ترى.

طبيعة بشرية أم سنة كونية؟!
تبقى أحاديث رسول البشرية جمعاء نبراسًا يضيء للأمة في كل زمان ومكان، يفوق جميع الدراسات الإنسانية، والاجتماعية، عندما يقرر حقائق الفطرة والطبيعة البشرية؛ ففي الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال : " إياكن وكفر النعمة".
قلت : يا رسول الله ما كفر النعمة؟
قال: لعل إحداكن تطول أيمتها من أبويها ثم يرزقها الله زوجاً ويرزقها منه ولداً، فتغضب الغضبة تكفر؛ فتقول: ما رأيت منك خيراً قط؟ [رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني].
فقد أصاب كبد الحقيقة، وقرر طبيعة المرأة التي جبلها الله عليها، ولعلي أسوق هنا بعضاً من الآثار التي تثبت هذه الجبلة في المرأة، راجية أن يتفهم الرجل ذلك فيها ويغض الطرف عن بعض هناتها.
فابتداء من المشرق، حيث خرج الرشيد يوماً من عند زبيدة وهو يضحك، فقيل له: لم تضحك يا أمير المؤمنين؟
فقال: دخلت اليوم إلى هذه المرأة ( يعني زبيدة) فأقلت عندها وبت، فما استيقظت إلا على صوت ذهب يُصب.
قالوا: هذه ثلاثمائة ألف دينار قدمت من مصر.
فقالت زبيدة: هبها إلي يا ابن العم.
فقلت : هي لك ثم ما خرجت حتى عربدت عليّ وقالت: أي خير رأيته منك؟

ونهاية بالغرب حيث اعتماد الرميكية زوجة المعتمد بن عباد: أترف أهل زمانه، فقد دخل عليها وهي تنظر من نافذة القصر على شاطئ النهر، فسألها فأشارت إلى جوار كن يملأن ماءً من النهر وهن حافيات في الطين، فأمر المعتمد بماء الورد وعجن مع المسك والسكر، وجعل في ساحة القصر، فأخذت تسير فيه، فقالت له يوماً: لم أر منك خيراً قط!
فقال: ولا يوم الطين؟!
ومن زوجة أحد الصحابة الفضلاء، والقواد الأفذاذ سعد بن أبي وقاص، وأثناء معركة القادسية حين كان في القصر لقروح أصابته، وعنده امرأته سلمى بنت حفص، وكانت قبله عند المثنى بن حارثة أحد القواد الأفذاذ الذين قتلوا؛ فلما فرت الخيل فزعت وقالت : وامثنياه ولا مثنى لي اليوم؟ فغضب سعد من ذلك ولطم وجهها!.
فقالت: أغيرة وجبناً؟! (يعني أنها تعيره بجلوسه في القصر أثناء الحرب وهذا عناد منها لأنها أعلم بمرضه).

أما في الجاهلية حيث كان صخر أخو الخنساء، في أشد ما يكون من المرض، وكانت أمه وزوجته سلمى تمرضانه، فضجرت زوجته منه فمرت بها امرأة فسألتها عن حاله فقالت: لا هو حي فيرجى ولا ميت فينسى.
فسمعها صخر فقال:

أرى أم صخر لا تمل عيــادتي  *** وملت سليمى موضعي ومكاني
لعمري لقد نبهت من كان نائماً  *** وأسمعت من كانت له أذنـان
وأي امرئ ساوى بأمٍّ حليلــةً  *** فلا عاش إلا في شقا وهـوان
أهم بأمر الحزم لو أستطيعــه  *** وقد حيل بين العـير والنزوان

أما على الصعيد اليومي عند المرأة: فقد أكدت الإحصاءات أن 90 بالمائة من الزوجات يسألن أزواجهن يومياً هذه الأسئلة: لماذا تأخرت؟ إلى أين أنت ذاهب؟ هل ستعود باكراً؟ مع من تتكلم في الهاتف؟ وإن تغيرت لدى كل منهم صيغة السؤال وطريقة طرحه؟
وأكدت هذه الإحصاءات أن هذه الأسئلة سبب معظم مشاحنات الأزواج أو على الأقل السبب في بدئها.
والحديث في هذا الباب ذو شجون!
وليس لك إلا أن تردد بعد هذه القناعة قول الشاعر:

ومكلف الأيام ضد طباعها  *** متطلبٌ في الماء جذوة نار

الوفاء للطرف الآخر
بعد أن يُقدر الله الفرقة أو الشقاق بين الزوجين، يجب أن يتسما بالهدوء، والعقلانية حفاظاً على اللحظات الجميلة التي قضياها سوياً، والذرية التقية التي أنجباها معاً من أن تدنسها الترهات وتُكال لها الاتهامات.

لكل اجتماع من خليلين فرقة  *** وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحد  *** دليل على أن لا يدوم خليل

فهذا نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- كما قالت عنه عائشة رضي الله عنها: "ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، لما كنت أسمعه يذكرها ولقد أمره ربه -عز وجل- أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، وإن كان ليذبح الشاة ثم يهدي في خلائلها منها" [رواه البخاري].

ولقد ضربت بعض النساء أروع الأمثلة في الوفاء للطرف الآخر:
تزوج علي بن أبي طالب أسماء بنت عميس؛ فتفاخر أبناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك!
فقال لها علي: اقضي بينهما يا أسماء
فقالت: ما رأيت شاباً من العرب خيراً من جعفر، ولا رأيت كهلاً خيرًا من أبي بكر.
فقال لها علي: ما تركت لنا شيئا ًولو قلت غير الذي قلت لمقتُّكِ.
فقالت : إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار.

قيل لهند بنت أسماء بن خارجه وكانت قد تزوجت بعدة أزواج: من أعز أزواجك عندك وأكرمهم عليك؟
فقالت : ما أكرم النساء أحد إكرام بشير بن مروان، ولا هاب النساء هيبة الحجاج بن يوسف، وودت أن القيامة قد قامت فأرى عبيد الله بن زياد، وأشتفي من حديثه والنظر إليه، وكان من أول أزواجها.
 

فوزية الخليوي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط