اطبع هذه الصفحة


أجساد غوغائية!!

فوزية منيع الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

 
"لا مرحباً بوجوه لا ترى إلا عند كل سوأه"، هكذا عبر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إزاء جماعة من الناس كانوا يولولون ويؤلبون حول شخص اقترف ذنبا!!

فهذه الجماعة إنما هي فئات بشرية منغلقة فكريا، خانعة باطنياً، مهووسة بالضوضاء، ومغرمة بالأضواء.. ومحدودة الإنتاجية.. وعددهم أكثرية!!

لا ينظرون أبعد من تحت أقدامهم التي لا تسير بهم إلا للمصائب!!

فهم بارعون في المديح، متطرفون في الهجاء، ويبيعون "الضمير" بالمفرق والجملة. تسيرهم الغريزة التي لا زال الإنسان يحاربها في نفسه حتى الآن ليرقى فوقها.. ويسمو عليها.. ويحذر منها!!

"آتيين لابواسييه" في كتابه "العبودية المختارة عام 1562م" قال: "يجب أن لا نراهن على الطيبة الموجودة في الإنسان طالما يمكنه أن يؤذي، ومعه مفاتيح القوة".

وهم أبعد الناس عن العقل والعلم!! وكما قال الشعبي فيهم: نعم الشيء الغوغاء..

يسدون السيل، ويطفؤون الحريق.. ويشغبون على ولاة السوء!!

هؤلاء هم الرعاع (بفتح الراء) الجهلة الرذلاء، والغوغاء أصله صغار الجراد حين يبدأ في الطيران ويطلق على السفلة المسرعين إلى الشر!!

فهل هم موجودون طبقا لأطر ضيقة، وظروف معينة؟

هل لهم جذور في التاريخ؟

وهل هم حصراً على مجتمعات دون أخرى؟

هؤلاء الرعاع هم الذين أقبلوا بالآلاف من الروس الحجاج ليزوروا ضريح "لينين" في طوابير ذليلة! يتبركون برؤيته ويتمسحون بقبره! مع أنه قال: "إن موت ثلاثة أرباع الشعب الروسي ليس بشيء والمهم أن يصبح الربع الباقي منهم شيوعيين".

إما في التاريخ الإسلامي: فجاء أن عبدالرحمن بن عوف في موسم الحج، دخل على عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين!! هل لك في فلان، يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعه أبي بكر الصديق إلا فلته فتمت!!

فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء، الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم!!

قال عبدالرحمن: لا تفعل يا أمير المؤمنين!! فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم، فإنهم الذين يغلبون قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها!! فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه، وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها (رواه البخاري).

ومن النوادر في هذا الشأن ما فعله الخليفة المهدي، فقد كان في مجلسا عاما للناس فدخل رجل وبيده نعل في منديل، فقال يا أمير المؤمنين: هذه نعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك!

فقال: هاتها! فقبلها وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم وانصرف، فقال لجلسائه: أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير هذه النعل فضلا على أن يلبسها؟ ولو كذبناه لقال للناس: "أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها علي! وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره؟ (تاريخ بغداد 5/ 394).

ولا تظن أن خطر الغوغاء ينحصر بهذا الحد!! فمن أكبر الفتن التي قادها الغوغاء في التاريخ هي "فتنة الزنج" وهم عبيد الناس والذين يكسحون ويزيلون!! وقادهم على العبدى فظهر بالبصرة واستمال عبيد الناس وأوباشهم فاجتمع له جيشا عظيما من اللصوص، فأغار على أهل البصرة واستباحها واسترق الذرية وملك وانتصر، وزاد جيشه على مئة ألف.

ولقد أغفلت أجهزة الإعلام هذه الفئة خاصة المقروءة منها، فتجدها اقتصرت على طبقات ثقافية امبريالية، برجوازية.. في حين أفردت لهم بعض الفضائيات ميادينها، تستقبل مكالماتهم، وتبرز أفكارهم في نقد الولاة والمجتمع!! أو في نشر الرذيلة والثقافات الدخيلة!!

فأصبحوا يولولون مع كل هجمة.. ويصفقون لكل خطوة!!

إما في الإنترنت فقد فتحت المنتديات صفحاتها تستقبل كل زاعق، وترحب بكل ناعق!

أصواتهم أعلى من الأبواق، وأخبارهم تعلن في الأسواق!

متصدرون في الولائم، بارعون في الشتائم!!

ومع هذا سيبقون الزبد الذي حكي الله عز وجل عنه بقوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} (الرعد 17).

* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

 

فوزية الخليوي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط