اطبع هذه الصفحة


تأملات في سورة الصف

فوزية بنت محمد العقيل
‎@g_fawaed‏


أسماء السورة :
----------------

1/ قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (اشتهرت هذه السّورة باسم «سورة الصّفّ» وكذلك سمّيت في عصر الصّحابة. روى ابن أبي حاتمٍ سنده إلى عبد اللّه بن سلامٍ أنّ ناسًا قالوا: «لو أرسلنا إلى رسول اللّه نسأله عن أحبّ الأعمال» إلى أن قال: «فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولئك النّفر حتّى جمعهم ونزلت فيهم «سورة سبّح للّه الصّفّ» الحديث، رواه ابن كثيرٍ، وبذلك عنونت في «صحيح البخاريّ» وفي «جامع التّرمذيّ»، وكذلك كتب اسمها في المصاحف وفي كتب التّفسير...). [التحرير والتنوير:28/171]

وسبب التسمية : قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (...ووجه التّسمية وقوع لفظ {صفًّا} [الصّفّ: 4] فيها وهو صفّ القتال، فالتّعريف باللّام تعريف العهد...). [التحرير والتنوير:28/171]

2/ قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وذكر السّيوطيّ في «الإتقان»: أنّها تسمّى «سورة الحواريّين» ولم يسنده... فتسميتها «سورة الحواريّين» لذكر الحواريّين فيها. ولعلّها أوّل سورةٍ نزلت ذكر فيها لفظ الحواريّين...). [التحرير والتنوير:28/171]

3/ قال الآلوسيّ تسمّى «سورة عيسى» ولم أقف على نسبته لقائلٍ. وأصله للطّبرسيّ فلعلّه أخذ من حديثٍ رواه في فضلها عن أبيّ بن كعبٍ بلفظ «سورة عيسى». وهو حديثٌ موسومٌ بأنّه موضوعٌ. والطّبرسيّ يكثر من تخريج الأحاديث الموضوعة.

وإذا ثبت تسميتها «سورة عيسى» فلما فيها من ذكر عيسى [الصّفّ: 6 و14] مرّتين). [التحرير والتنوير:28/171]

 

= والسورة مدنية .. أخرَج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة" الحواريين" بالمدينة . [الدر المنثور:14/440]

—————

 

من أسباب النزول :

-------------------

= عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفر من أصحاب النبي وقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تبارك وتعالى عملناه ، فأنزل الله تعالى ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ) إلى قوله ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ) إلى آخر السورة .. فقرأها علينا رسول الله .

{أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً، كأنهم بنيان مرصوص}..

= قال علي بن طلحة عن ابن عباس قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فقال الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون...}.. وقد اختار ابن جرير في تفسيره هذا القول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

محور مواضيع السورة :

-------------------------

تعني السورة بالأحكام التشريعية وهذه السورة تتحدث عن موضع القتال وجهاد أعداء الله والتضحية في سبيل الله لإعزاز دينه وإعلاء كلمته وعن التجارة الرابحة التي بها سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو القتال ولهذا سميت سورة الصف .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

- مناسبة سورة الصف لما قبلها (الممتحنة) :

-تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها من وجهين:

1- نهت السورة السابقة في مطلعها وأثنائها وختامها عن موالاة الكفار من دون المؤمنين، وأمرت هذه السورة بوحدة الأمة ووقوفها صفا واحدا تجاه الأعداء.

2- ذكرت السورة المتقدمة أحكام العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم داخل الدولة الإسلامية وخارجها، وقت السلم، وحرضت هذه السورة على الجهاد ورغبت فيه بسبب العدوان، وأنّبت التاركين للقتال وشبهتهم ببني إسرائيل الذين عصوا موسى عليه السلام حين ندبهم للقتال، ثم عصوا عيسى عليه السلام حين أمرهم باتباعه بعد إتيانه بالبينات والمعجزات، واتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به.

التفسير المنير

——————

 

- سورة الصف من المسبحات-

- ومنها ما بُدئ بالمضارع .

- ومنها ما بدئ بالماضي .

- ومن تأمل الفرق بينهما يجد أن ما بُدئ بالمضارع كالجمعة والتغابن هي سور إيمانية وعْظية يناسبها المضارع لأن الإيمان يتجدد شيئاً فشيئاً ..

- بينما الثلاث التي بدأت بــالماضي (سبح) هي ثلاث الحديد الحشر و الصف وكلها سور ، قوة سور قتال .

وما جاء فيها يحتاج إلى مجاهدة بليغة جداً .

- فإذا استقر التوحيد واستقر التسبيح واستقرت عظمة الله في قلب المؤمن، فعندئذ يبدأ بما تضمنته هذه السور الثلاث ومنها سورة الصف.

د. عصام العويد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= من تأمل في سورة الصف لا يذكر القتال ولا الجهاد ولا يُذكر الأمر بالنصرة  إلا ويسبق ذلك بالإيمان. فذكر الإيمان في سورة الصف متلازم مع كل آية يُطلب فيها من الإنسان أن ينتصر وأن يكون صفّاً واحداً في مواجهة العدو .

-السورة كلها قتال من أولها.

كسورة براءة وقد بدأت بقوة بالغة حتى أنها بدأت بالتعليم السلبي- بما يسمى الآن في العلم المعاصر “التعليم السلبي والتعليم الإيجابي” لأن هذه المواطن لا تحتمل الرفق لا تحتمل اللين في الخطاب ..

♦ وإنما يكون الأمر فيها جازماً حاسماً حازماً بقوة بالغة فجاء هذا الاسم ( الصف ) مناسباً

↩ لأن النصرة لا يمكن أن تكون إلا باجتماع الكلمة التي ظاهرها وهيأتها هي وجود الصف الواحد بين أهل الاسلام ولذلك اسمها الصفّ .

د- عصام العويد

——————

 

= (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ..

من الذين كان يسبح سابقاً أهل السماء أو أهل الأرض ؟..

قال تعالى عن الملائكة : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُون)

(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) فصلت)

بدأ بأهل السماء لأنهم أسبق في التسبيح قبل خلق آدم ولأنهم أدوم تسبيحاً، أدوم في هذه العبادة.

لهذا بدأ الافتتاح في السورة بالسموات قبل الأرض .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= ما الحكمة من ختم اﻵية بالعزيز الحكيم ؟..

{ العزيز } هنا إيماء إلى أنه الغالب لعدوّه فما كان لكم أن تَرهَبُوا أعداءه فتفرّوا منهم عند اللقاء .

و { الحكيم } ﻷن الموصوف بالحكمة لا يأمركم بجهاد العدوّ عبثاً ولا يخليهم يغلبونكم .

ابن عاشور

—————

 

= قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا الخطاب للمؤمنين:

أولاً: لأنهم الذين تنفعهم الذكرى.

ثانيًا: لتطهيرهم وتزكيتهم من الأخلاق السيئة.

قال القرطبي: "جاء الاستفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله، أما إن كان ذلك في الماضي، فإنه يكون كذبًا، وأما في المستقبل، فيكون ذلك إخلافًا بالوعد، وكلاهما مذمومٌ" .

 

= قال النَّخَعيُّ: "ثلاثُ آياتٍ منعتني أن أقُصَّ على الناس :

قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} ..

وقول شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ} ..

وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}" .

 

= قال أبو الأسود الدؤلي :

لا  تَنْهَ  عَنْ  خُلُقٍ  وَتَأْتِيَ  مِثْلَهُ        عَارٌ  عَلَيْكَ  إِذَا  فَعَلْتَ  عَظِيمُ

ابْدَأْ بِنَفْسِكَ  فَانْهَهَا  عَنْ  غَيِّهَا        فَإِذَا انْتَهَتْ  عَنْهُ  فَأَنْتَ  حَكِيمُ

فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى        بِالْعِلْمِ   مِنْكَ   وَيَنْفَعُ    التَّعْلِيمُ

 

= بدأت السورة بعتاب على حادث وقع أو حوادث :

{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟}.

وتثني باستنكار لهذا الفعل وهذا الخلق في صيغة تضخم هذا الاستنكار:

{كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون؟}..

والمقت الذي يكبر {عند الله}.

هو أكبر المقت وأشد البغض وأنكر النكر.. وهذا غاية التفظيع لأمر، وبخاصة في ضمير المؤمن، الذي يُنادَى بإيمانه، والذي يناديه ربه الذي آمن به.

والآية الثالثة تشير إلى الموضوع المباشر الذي قالوا فيه ما لم يفعلوا.. وهو الجهاد.. وتقرر ما يحبه الله فيه ويرضاه :

{إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}..

فليس هو مجرد القتال. ولكنه هو القتال في سبيله. والقتال في تضامن مع الجماعة المسلمة داخل الصف. والقتال في ثبات وصمود {صفاً كأنهم بنيان مرصوص}..

 

= ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون )

إنكار على من يعد عدة ، أو يقول قولا لا يفي به ، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا ، سواء ترتب عليه غرم للموعود أم لا .

ابن كثير

—————-—-

 

= أنزل الله القرآن ليكون دستوارًا، ونظاما نطبقه،،،

فاكتفى أناس منا بتلاوة ألفاظه والتطريب في قراءته، وافتتاح الحفلات وختامها به، وبين تلاوة الافتتاح وتلاوة الاختتام، ما لا يرضي الله ولا يوافق الإسلام - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف : 2] .

علي الطنطاوي/فصول في الدعوة والإصلاح

—————

 

= (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف : 2]

- ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة،،،

- وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه.

تفسير السعدي

—————

 

- فقه الأحكام من الآية :

- إن خلف الوعد مذموم شرعا، مستوجب للإثم والمؤاخذة،

أما في الماضي فيكون كذبا،

وأما في المستقبل فيكون خلفا، وكلاهما مذموم.

التفسير المنير

—————

 

- فقه أحكام السورة:

- توجب آية: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً …

على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها، فإن من التزم شيئا لزمه شرعاً ..

- والملتزم قسمان:

- أحدهما- النذر: وهو نوعان:

▪ نذر تقرّب مبتدأ، كقوله: لله علي صوم وصلاة وصدقة، ونحوه من القرب،

↩فهذا يلزم الوفاء به إجماعا.

▪ونذر مباح معلق على شرط، مثل إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو إن كفاني الله شرّ كذا فعلي صدقة،

↩فقال أكثر العلماء: يلزمه الوفاء به. ورأى بعضهم أنه لا يلزمه الوفاء به،

- والآية حجة للأكثرين، لأنها بمطلقها تتناول ذمّ من قال ما لا يفعله، على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط . (التفسير المنير) ..

 

- والثاني : الوعد :

- فإن كان متعلقا بسبب، كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو إن ابتعت شيئا أعطيتك كذا،

↩فهذا لازم إجماعا من الفقهاء.

▪ وإن كان وعدا مجردا،

فقيل: يلزم، عملا بسبب نزول الآية المتقدم،

وقيل: لا يلزم.

قال ابن العربي والقرطبي: والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر .

فهلا استوقفنا هذا اﻷمر وراجعنا عهودنا مع أبناءنا وطلابنا و..

—————

 

= إن الآيتين الأوليين تتضمنان العقاب من الله سبحانه والاستنكار لأن يقول الذين آمنوا ما لا يفعلون..

وهما بهذا ترسمان الجانب الأصيل في شخصية المسلم.. الصدق.. والاستقامة.. وأن يكون باطنه كظاهره، وأن يطابق فعله قوله.. إطلاقاً.. وفي حدود أبعد مدى من موضوع القتال الذي يجيء في الآية الثالثة.

وهذه السمة في شخصية المسلم يدق القرآن عليها كثيراً، وتتابعها السنة في تكرار يزيدها توكيداً: يقول الله تعالى مندداً باليهود: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب. أفلا تعقلون} ويقول تعالى مندداً بالمنافقين: {ويقولون: طاعة. فإذا برزوا من عندك بيَّت طآئفة منهم غير الذي تقول} ويقول فيهم كذلك: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} ..

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ولعل الحديث الذي سنذكره هنا من أدق وألطف التوجيهات النبوية الكريمة في هذا الاتجاه.. روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا صبي، فذهبت لأخرج لألعب. فقالت أمي: يا عبد الله تعالى أعطك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «وما أردت أن تعطيه»! فقالت: تمراً. فقال: «أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة». ولعله استقاء من هذا النبع النبوي الطاهر الرائق امتنع الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من الرواية من رجل سافر إليه مسافات شاسعة ليأخذ عنه حديثاً. حينما وجده يضم حجره ويدعو بغلته يوهمها بطعام وحجره فارغ! فتحرج أن يروي عنه، وقد كذب على بغلته!

فهذا بناء أخلاقي دقيق نظيف لضمير المسلم وشخصيته التي تليق بمن يقوم أميناً على منهج الله في الأرض. وهو الأمر الذي تقرره هذه السورة. وهذه حلقة من حلقات التربية في الجماعة المسلمة التي يعدها الله لتقوم على هذا الأمر.

 

= قوله سبحانه : (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3] منصب بالدرجة الأولى على الذين تمنوا الإذن في الجهاد، أو تمنوا فرض القتال، فلما فرض نكلوا عنه وقصروا فيه، وإن كان عموم الآية يخرجها إلى كل من قال ما لم يفعل.

ويؤخذ من هذا : أن الشخص لا يشرع له أن يتمنى البلاء، فقد يبتلى ولا يقدر عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما أخرجه أبو داود بسند صحيح: (إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواهاً)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاثبتوا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) ، فلا يجوز لك أن تتمنى مزيداً من البلاء، فإن الله قال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) [النساء:66] ، فإذا فعلت ما أمرت به ولم تطلب المزيد كان في هذا خير لك وتثبيت، وكذلك قال تعالى في الآية المشابهة: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد:21] أولى لك من أن تتمنى أشياء هي فوق طاقتك (فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) [محمد:21]، فلا يشرع لك أن تتمنى البلاء، ولا يشرع لك أن تتمنى الفتن، فرسولنا يقول في دعائه المأثور : (اللهم! إذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) .

 

= وقفة : إن الله سبحانه وتعالى إذا أنعم على العبد ببعض العلم فإنه سوف يُسأل عنه .. كما قال أبو الدرداء رضى الله عنه : إن أخوف ما أخاف إذا وقـفت على الحساب : أن يقال لي : قد علمت ، فما عملت فيما علمت .

 

= (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف : 4]

- من جميل أقوال قتادة هنا قوله :

"ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه ؟.. فكذلك الله عز وجل لا يحب أن يختلف أمره" ..

وأن الله صف المؤمنين في قتالهم، وصفهم في صلاتهم ،،، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به.

تفسير ابن كثير

—————

 

= (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4))

ومحبة الله- تعالى- لشخص، معناها: رضاه عنه، وإكرامه له.

- والمعنى: أن الله- تعالى- يحب الذين يقاتلون في سبيل إعلاء دينه قتالا شديدا،

حتى لكأنهم في ثباتهم، واجتماع كلمتهم، وصدق يقينهم.. بنيان قد التصق بعضه ببعض، فلا يستطيع أحد أن ينفذ من بين صفوفه .

-الوسيط

—————

 

= (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا )

من المفسرين من قال -وهو قول قوي في غاية القوة- المراد: التلاحم والتآلف بين القلوب، مع ما يترتب عليه من امتثال الأوامر الظاهرة حين يضعهم الإمام ويرتبهم، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل ..

= ومن الأدلة على وجوب وحدة الصف :

يلزمنا نحن كمسلمين أن نكون على قلب رجل واحد، لا مسلمو مصر فحسب بل مسلمو العالم أجمع، وقد جاءت نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا، إذاً: لابد هنا من وقفة: فقد جاءت نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وجاءت آيات الكتاب العزيز تحث على الوحدة بين عموم المسلمين، قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم)، وقال الله سبحانه وتعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] ..

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تسموا بما سماكم الله، هو سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله).

وحذرنا ربنا سبحانه وتعالى من التفرق والاختلاف في جملة آيات، قال سبحانه: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوه [آل عمران:105]، وقال سبحانه: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].

وقال صلوات الله وسلامه عليه: (عليكم بالجماعة! فإن يد الله مع الجماعة) وأي جماعة هي المرادة؟ هي جماعة المسلمين العامة؛ إذ لم تكن ثم أحزاب ولا تكتلات على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة) المراد به جماعة المسلمين العامة، التي ينطوي تحتها كل مسلم، هذا معنى كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ -كما أسلفنا- لم تكن الأحزاب، ولا التكتلات، ولا العصبيات، ولا القوميات موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

الدكتور مصطفى العدوي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي …َ (5))

ضرب الله مثلاً للمسلمين لتحذيرهم من إتيان ما يؤذي رسوله صلى الله عليه وسلم ويسؤوه من الخروج عن جادة الكمال الديني مثل عدم الوفاء بوعدهم في الإِتيان بأحبّ الأعمال إلى الله تعالى .

وأشفقهم من أن يكون ذلك سبباً للزيغ والضلال كما حدث لقوم موسى لمَّا آذوه .

ابن عاشور .

—————

 

= في قول موسى عليه السلام { يا قومِ }

تعريض بأن شأن قوم الرسول أن يطيعوه لا أن يؤذوه .

◀ وفي النداء بوصف { قوم } تمهيد للإِنكار عليهم في قوله : { لم تؤذونني } .

ابن عاشور

—————

 

= ما نوع اﻷذى الذي لاقاه موسى من قومه ؟..

قالوا له عند ما أمرهم بطاعته: سمعنا وعصينا، وقالوا له: أرنا الله جهرة وقالوا له: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة..

◀ وقالوا له: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.

وقالوا عنه: إنه مصاب في جسده بالأمراض، فبرأه الله- تعالى- مما قالوا .. في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قالواْ} [الأحزاب: 69] .

الوسيط ..

—————

 

= (فبرأه الله مما قالوا) وعلى هذا يكون إيذاؤهم إياه إيذاء شخصيًا بادعاء العيب فيه خلقة، وهذا وإن صح في آية الأحزاب لقوله تعالى: {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قالوا}، فإنه لا يصح في آية الصف هذه لأن قول لهم. {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} مما يثير إلى أن الإيذاء في جانب الرسالة لا في جانبه الشخصي، ويرشح له قوله تعالى بعده مباشرة: {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ}.

أي فلما زاغوا بما آذوا به موسى، فيكون إيذاء قومه له هنا إيذاء زيغ وضلال، وقد آذوه كثيرًا في ذلك  .. الشنقيطي

ــــــــــــــــــــــــــــ

 

= قوله تعالى : (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) هذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده، ليس ظلما منه، ولا حجة لهم عليه، وإنما ذلك بسبب منهم، فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه وتقليب القلوب [عقوبة لهم وعدلا منه بهم]

ومما يلفت النظر هنا إسناد الزيغ للقلوب في قوله تعالى: {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ}.

وأن والهداية أيضًا للقلب كما في قوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11] ولذا حرص المؤمنين على هذا الدعاء: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] فتضمن المعنيين، والعلم عند الله تعالى . الشنقيطي

ــــــــــــــــــــــــــــ

 

= {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ٌ(6)}

ما الحكمة من مناداة عيسى لقومه { بني إسرائيل } دون { يا قوم } ؟..

لأن بني إسرائيل بعد موسى اشتهروا بعنوان «بني إسرائيل»

- فأما عيسى فإنما كان مرسلاً بتأييد شريعة موسى ، والتذكير بها وتغيير بعض أحكامها ، ولأن عيسى حين خاطبهم لم يكونوا قد اتبعوه ولا صدّقوه فلم يكونوا قوماً له خالصين .

التحرير والتنوير

—————

 

- قال عمرو بن مرَّة : خمسة سمُّوا قبل أن يكونوا :

1- محمد صلى الله عليه وسلم،،،

(وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [سورة الصف : 6]

2- ويحيى عليه السلام ،،،

(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ) [سورة مريم : 7]

3- عيسى عليه السلام،،،

( إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) [سورة آل عمران : 45]

4/5 إسحاق ويعقوب عليهما السلام،،،

(فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) [سورة هود : 71]

الإتقان في علوم القرآن

—————

 

= (وإذ قال عيسى يا بني إسرائيل) كثيراً ما نجد في كتاب الله عز وجل إضافة كلمة (قوم) إلى الأنبياء، مثل (قوم نوح) و(قوم هود) و(قوم موسى)، أو أن يقال: (قومه)، أو أن يقول عددٌ من الأنبياء: (يا قومِ) ونحو ذلك،

بخلاف عيسى عليه السلام فإنه لم يَرِد في كتاب الله (قوم عيسى) ولا أنه قال: (يا قومِ) على كثرة ورود قصصه مع بني إسرائيل، وذلك أنه عليه السلام ليس له أب، ويتضح هذا جلياً في سورة الصف حيث قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف: 5]، ثم قال في الآية التي بعدها: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف: 6]، ولم يقل: (يا قومِ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= {يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم} ..

فلم يقل لهم: إنه الله، ولا إنه ابن الله، ولا إنه أقنوم من أقانيم الله .

—————

 

= (مبشرا برسول من بعدي) ..

وقد بشرت به صلى الله عليه وسلم جميع الأنبياء، ومنهم موسى عليه السلام ومما يشير إلى أن موسى مبشرًا به قول عيسى عليه السلام في هذه الآية: مصدقًا لما بين يدي، والذي بين يديه هي التوراة أنزلت على موسى .

وكذلك دعوة نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ} [البقرة: 129].

ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي التي رأت»

وقد خص عيسى بالنص على البشرى به صلى الله عليه وسلم أنه آخر أنبياء بني إسرائيل، فهو ناقل تلك البشرى لقومه عما قبله .. الشنقيطي

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= أخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا العاقب : والعاقب الذي ليس بعده نبي .

 

= ما سبب تسمية النبي في الإنجيل أحمد ؟..

ألهم الله تعالى عيسى أن يقول: اسمه أحمد، لحكمة بالغة عظيمة حيث جاء باسم التفضيل أحمد لينبه بني إسرائيل على أن هذا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحمد الناس لله عز وجل .

كما أنه أحمد من حمد فالناس يحمدون فلان وفلان وفلان وأحمد الناس أحق أن يحمد وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى لا يقول بنو إسرائيل: إن هناك رسولاً أفضل منه.

لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين

—————

 

= { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكذب } ..

وإنما جُعل افتراؤهم الكذب على الله لأنهم كذبوا رسولاً يخبرهم أنه مرسل من الله فكانت حُرمة هذه النسبة تقتضي أن يُقبلوا على التأمل والتدبر فيما دعاهم إليه ليصلوا إلى التصديق ، فلما بادروها بالإِعراض وانتحلوا للداعي صفات النقص كانوا قد نسبوا ذلك إلى الله دون توقير .

ابن عاشور

—————

 

= (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8))

والمراد بنور الله: دين الإسلام الذي ارتضاه- سبحانه- لعباده دينا، وبعث به رسوله صلى الله عليه وسلم.

- وقيل المراد به : حججه الدالة على وحدانيته - تعالى- وقيل المراد به: القرآن..

وهي معان متقاربة.

الوسيط

—————

 

= (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8))

والمراد بإطفاء نور الله: محاولة طمسه وإبطاله والقضاء عليه، بكل وسيلة يستطيعها أعداؤه.

كإثارتهم للشبهات من حول تعاليمه، وكتحريضهم لمن كان على شاكلتهم في الضلال على محاربته.

والمراد بأفواههم: أقوالهم الباطلة الخارجة من تلك الأفواه التي تنطق بما لا وزن له من الكلام.

الوسيط

—————

 

- لمســات فـي الإعجـاز البيـانـي -

استخدام الفعل (يطفئ) دون الفعل (يخمد).

قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾.

- الإطفاء هو الإخماد، وكلاهما يستعملان في النار، وفيما يجري مجراها من الضياء والظهور.

ولكن الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والإخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل.

- ومنه فإنَّ الكفار يريدون إبطال ما استطاعوا من الحق الذي جاء به نبي الرحمة قليلاً كان أم كثير، بغض النظر عن كمية الحقائق التي يحاولون طمسها،

- وهذا يدل على رضاهم بالقليل لما تحمل قلوبهم من غيظٍ وحقدٍ وغلّ .

—————

 

= ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ وإنما خص الأفواه بالذكر، مع أنهم لم ولن يدخروا وسيلة لرد الحق بقول أو فعل إلا عملوها، إشارة لضعفهم ووهنهم، فهم في هذا أشد ضعفا ووهنا ممن يريدون إطفاء نور الشمس بأفواههم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }

ما أشبه اليوم بالبارحة ! وكأن التاريخ يعيد نفسه، فأعداء الإسلام اليوم هم أعداؤه بالأمس، فقد عادوا من جديد في محاولة لإطفاء نور الله والقضاء على الإسلام، بتشويه صورته المشرقة، وبنسج الأكاذيب والأباطيل من حوله، وبالنيل من تعاليمه وشرائعه السمحة .

- فمرّة عن طريق إثارة الشبهات حول بعض شرائعه كموضوع المرأة وقضية عدم مساواتها بالرجل في الإرث والشهادة، وتعدد الزوجات .

- ومرّة بالادعاء أن الإسلام هو دين الإرهاب.

—————

 

= { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ }

- كيف نوفق بين ما ورد باﻵية وما نراه من خذلان لحال المسلمين اليوم؟

هذا الوصف ملازم للدين في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا قهره.

- وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، و يظهروا على أهل الأديان ..

- وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم.

السعدي

ـــــــــــــــــــــــــ

 

= (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) أي والله معلن الحق ومظهر دينه، وناصر محمدا عليه الصلاة والسلام على من عاداه ولو كره ذلك الكافرون به.

روي عن ابن عباس « أن الوحي أبطأ أربعين يوما فقال كعب بن الأشرف: يا معشر يهود أبشروا، أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتم نوره، فخزن الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت. « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ » الآية.

ثم بين العلة في إخماد دعوتهم، وأنه لا سبيل لقبولها لدى العقول فقال:

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أي هو الله الذي أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن والملة الحنيفة، ليعليه على جميع الأديان المخالفة له، وقد أنجز الله وعده، فلم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام.

وإنما قال أوّلا : (ولو كره الكافرون) .. وقال ثانيا : (ولو كره المشركون) ؛ لأنه ذكر أولا النور وإطفاءه فاللائق به الكفر، لأنه ستر وتغطية، وذكر ثانيا الحاسدين للرسول وأكثرهم من قريش، فناسب ذكر المشركين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= ما الفرق بين قوله تعالى : (يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره) التوبة (يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره) الصف ؟..

الفرق بين الآيتين : أن آية التوبة في الكفار .. وآية الصف في المنافقين؛ فالكفار يحاربون الاسلام صراحة (يريدون أن يطفؤوا نور الله) وأما المنافقون فحربهم غير مباشرة فهم يعملون مشاريع (ليطفؤوا نور الله)

فلما كانت إرادة الكفارة صريحة قوبلوا بإرادة صريحة (ويأبى الله) وأما المنافقون فلما كان قصدهم بمشاريعهم إنقاص الدين قوبلوا بنقيض قصدهم (والله متم نوره)، وفي هذا بشارة لأهل الاسلام بالانتصار الدائم على أعداء الدين سواء كانوا ظاهرين أو مندسين قبل بضع دقائق ·

بدائع الفوائد ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= علاقة المقطع بسابقة :

لما بين تعالى باﻵيات السابقة أن المشركين يريدون إطفاء نور دين الله، دعا المؤمنين إلى مجاهدة أعداء الدين ، وحثهم على التضحية بالنفس والمال جهادا في سبيل الله، وبين لهم أنها التجارة الرابحة لمن أراد سعادة الدارين .

التفسير الموضوعي للقرآن

—————

 

= يبدأ بالنداء باسم الإيمان: {يا أيها الذين آمنوا}.. يليه الاستفهام الموحي. فالله سبحانه هو الذي يسألهم ويشوقهم إلى الجواب : {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}..

ومن ذا الذي لا يشتاق لأن يدله الله على هذه التجارة؟ وهنا تنتهي هذه الآية، وتنفصل الجملتان للتشويق بانتظار الجواب المرموق. ثم يجيء الجواب وقد ترقبته القلوب والأسماع: {تؤمنون بالله ورسوله} ..

وهذا دليل على أن الإيمان يزيد وينقص فقد ناداهم بالإيمان وأمرهم بالإيمان .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ) . صححه الألباني في صحيح الجامع ..

ــــــــــــــــــــــــــ

 

= (هل أدلكم على تجارة تنجيكم)

- أطلق على العمل الصالح لفظُ التجارة فما هو السر؟

التجارة : هي التصرف في رأس المال طلبا للربح

وأطلق على العمل الصالح تجارة لمشابهة العمل الصالح التجارةَ في طلب النفع من ذلك العمل ومزاولته والكد فيه .

-وقد تقدم في قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } في سورة [ البقرة : 16 ] .

ابن عاشور

—————

 

= ومن أسباب تقديم المال على النفس ؟..

يجاهد بالمال من لا يستطيع الجهاد بالسلاح كالنساء والضعفاء ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ” من جهز غازيا فقد غزا ” .

أضواء البيان

—————

 

= (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ..)

هنا قدم النفس على المال .. ماهي الحكمة ؟..

- الآية في معرض الاستبدال والعرض والطلب أو ما يسمى بالمساومة ، فقدم النفس ؛ لأنها أعز ما يملك الحي ، وجعل في مقابلها الجنة وهي أعز ما يوهب .

الشنقيطي

ــــــــــــــــــــــــــ

 

= {ومساكنَ طيبة} خص (المساكن) بالذكر لسبب لطيف وهو: أنهم حين فارقوا مساكنهم المؤقتة في الدنيا؛ وعدوا بمساكن طيبة أبدية في الآخرة .

 

= (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب) بعد أن ذكر الفوز الآجل ذكر الفوز العاجل في الدنيا فقال:

(وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) أي ولكم على هذا فوز في الدنيا بنصركم على عدوكم، وفتحكم للبلاد، وتمكينكم منها حتى تدين لكم مشارق الأرض ومغاربها.

وقد أنجز الله وعده، فرفعت الراية الإسلامية على جميع المعمور من العالم في زمن وجيز لم يعهد التاريخ نظيره، وامتلكوا بلاد القياصرة والأباطرة، وساسوا العالم سياسة شهد لهم بفضلها العدو قبل الصديق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

= (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ) يعني كونوا من أنصار دين الله ، كونوا من أتباع الشرع ، ودعاة الحق ، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .. كما قال - عز وجل- :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [(7) سورة محمد].

ثم ذكر عيسى - عليه السلام - أنه قال للحواريين : (من أنصاري إلى الله) أي من أنصاري إلى التوجه إلى الله ، والدعوة إليه ، واتباع شريعته ، هكذا ينبغي لأهل الإيمان أن يكونوا أنصاراً لله ، وأنصاراً للرسل ، وأنصاراً لدعاة الحق ، فمعنى: من أنصاري إلى الله يعني من أنصاري في الدعوة إلى الله ، والتوجيه إليه ، وإقامة دينه ، فقال الحواريون وهم الأنصار ، الحواري هو الناصر ، سمي حواري لنصرته للحق ، وقيامه بالحق ، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لكل نبي حواري، وحواريي الزبير) يعني ابن العوام ، لما انتدب إلى الأحزاب بأمره - عليه الصلاة والسلام - ، فالحواريون هم الأنصار ، هم أنصار الحق ..

فقالوا هم في هذه الآية : نحن أنصار الله ؛ لأنهم يعلمون أن نصر النبي نصرٌ لله ، فلم يقولوا الأنصار : الأنصار أنصارك ، أتوا بالأمر الأعلى الذي هو المقصود عيسى - عليه السلام - ، فلهذا قالوا : (نحن أنصار الله) يعني نحن الأنصار الذين دعوتهم إلى أن نكون معك في نصر دين الله ، فقال : من أنصاري إلى الله (قالوا نحن أنصار الله) يعني نحن الأنصار الذين ينصرون دين الله ، وينصرون الدعاة إليه ، ومنهم عيسى - عليه الصلاة والسلام - ، فهم أتو بعباراتٍ أكمل وأعظم وأشرف في حقهم ، حيث قالوا : نحن أنصار الله؛ لأن أنصار الرسل هم أنصار الله ، من نصر الرسول فقد نصر الله ، ومن نصر الحق فقد نصر الله ، فهم اختاروا هذه الكلمة التي هي مقصود عيسى- عليه الصلاة والسلام - .

(الإمام ابن باز رحمه الله) ..

 

= { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ } [الصف:14] هذه الآية حجة واضحة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ لا يشك أحد أن نصر الله إنما هو نصر دينه، ولا يكون نصره إلا بالمعونة على إقامة أمره ونهيه وعلوهما، والأخذ على يدي من يريد ذله وإهانته . [القصاب] 



 

فوزية العقيل
  • مع القرآن
  • كتب وبحوث
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط