اطبع هذه الصفحة


التقديم والتأخير في القرآن
(سرادقها)

هاجر بنت عثمان بن عبدالله الجغيمان

 
{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [سورة الكهف: 29].

تقدم الجار والمجرور (بهم) على الفاعل (سرادقها)، وذلك تأكيدًا للتهديد والزجر عن الكفر، وزيادة للتخويف، وللفعل أحاط هنا دلالة حركية حسية هي الالتفاف والدوران، والفاعل هو السرادق، وهو في اللسان: "كل ما أحاط بشيء من حائط أو مِضْرَب أو خباء"([1])، و"قيل عنه في الآية: هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار، وقيل: حائط من نار يطيف بهم"([2]).
وعلى ذلك فإنّ جعلَ اللفظ الذي يدل عليهم أو يعود إليهم وهو (بهم) في الوسط بين الفعل (أحاط) والفاعل (سرادقها) اللذين يدلان على الإحاطة يشعرُ بالحصار، وأي حصار! {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}.
وكذلك كما قدم (الظالمين) في الآية قدم الجار والمجرور العائد إليهم بعد ذلك {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} رعاية للنظم، واهتمامًا بتنبيه مَنْ يكفر بوصفه بالظلم أولاً، بمعنى أنه ظالم لنفسه في الدنيا مستحق للعقوبة بعد ذلك في الآخرة، فجزاء الظلم الذي هو (الكفر) في الدنيا هو النار في الآخرة، ولذلك أيضًا قدم الجار والمجرور (بهم) يقصد الظالمين على السرادق التي هي شيء من النار أعاذنا الله منها.

كتبته هاجر بنت عثمان بن عبدالله الجغيمان


________________________________________
([1]) لسان العرب لابن منظور:6/234
([2]) الكشاف للزمخشري، ص619

 

 
  • المقالات
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط