اطبع هذه الصفحة


الضوء الخافت

د.حنان لاشين أم البنين


بعض العشاق يجلسون على ضوء الثريات الثمينة،
حيث تطأ أقدامهما أغلى أنواع السجاد على مقاعد
توزعت بنظام دقيق، في أرقى قاعات الفنادق المشهورة ،
تتأنق الفتاة وتجلس لتهذب قطعة اللحم المستلمة لها بخنوع-
.بسكينها الدقيق وطرفه الحاد القاسي حتى تجعلها مناسبة لفمها الدقيق ورغم ذلك
تغيب السعادة!
أما أميرتنا الأنصارية
فكانت مائدتها جميلة..
أميرها وزوجها العاشق الولهان لا يمل من النظر إليها، بل ويحاول أن
يجعلها تنظر إليه من آن لآخر ،ليكون الوداد
وتتعانق النظرات،فيهمس إليها في بيتهما الهاديء بكلمات بسيطة من حين لآخر بصوته الحنون، الذي أدبته سياط العشق طويلا حتى تاب، لتسمعه صوتها الودود
كان زوجها الطيب والكريم من الأنصار، خرج يوما بعد أن ودعته عيناها، ولوح القلب مطمئنا،
بعد أن تمتم لسانها بالدعاء له ،
فقصد مجلس الحبيب صلى الله عليه وسلم ليتكحل برؤية وجهه الطاهر،
وينال شرف جواره
فسمع النبي وقد استضاف رجلاً فأخبر نسائه ليعددن له الطعام
وكان الرد مفاجئا!
: ما معنا إلا الماء
التفت النبي صلى الله علي وسلم وقال
" من يضيف هذا
ترى من ينال الشرف؟
ومن يضيف ضيف الحبيب؟
تسارعت دقات قلب أميرنا الذي تحمس،
وأراد الأجر والثواب فهب مجيبا، وهو مطمئن أن خلفه زوجة ستعينه،
ولم يتردد وقال: أنا
استبشر النبي ومضى أميرنا مع الضيف ،وانطلق به إلى حبيبتنا
دق بابها، وأطل بوجهه الباسم، وأخبرها بحلول الضيف
,وقال بصوت تملؤه الثقة : أكرمي ضيف رسول الله ..
ارتبكت حبيبتنا للحظات ،وطافت عيناها بجدران بيتها البسيط بسرعة،
ثم قالت بخجل: ما عندنا إلا قوت صبياني !
رق قلبه، وصمت هنيهة، لكنه عاد ليبتسم
ونظر إليها بيقين وقال: هيئي طعامك ، وأصلحي سراجك ، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء
فأطاعته في الحال، ولم تتأفف، ولم تعترض،
واحتوت صغارها بحنان وجلست تداعبهم حتى أنامتهم جائعين وقلبها يتمزق.
.لكنها تذكرت أنه ضيف الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وأنه الآن ضيف زوجها،
فهدأ قلبها بعد أن استمعت لأنفاس أبنائها المنتظمة ،
وكأنها تسبح بحمد الله ،
فقامت طائعة لربها قبل أن تكون طائعة لزوجها وحبيبها ،
وهيأت مائدة بسيطة لا تعلوها ثريات ثمينه
وليس تحتها سجاد فاخر ولم تلتف حولها مقاعد فخمة ،
ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته ،
وجلسا مع الضيف وحركا كفيهما وكأنهما يأكلان ،
على ضوء خافت نبع من قلب يحب الله ورسوله..
ومرت الليلة وشبع الضيف والكل جائع،لكنهما ذاقا معا لذّة الإيثار
وفي اليوم التالي غدا زوجها إلى النبي- صلى الله عليه وسلم – فأخبره أن الله أعجبه صنيعهما وأحبه
حبيبتي في الله
قد يخلو بيتك من الأثاث الفاخر،
وربما لا تمتلكين ثريات ثمينة،
وقد يأتيك زوج بسيط حاله فابحثي عن السعادة بينك وبينه
ولا تفتشي عنها في ماديات تفنى،
واجعلا لكما عملا بسيطا وصادقا يرضى الله
ليكون في بيتكما
ضوء خافت
ينبع من قلب حنون صادق ،
تعيشين حوله كما عاشت تلك الصحابية
وكوني مثلها
كوني صحابية.


 

د.حنان لاشين
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط