اطبع هذه الصفحة


التحرر من ماذا ؟!

هيا الرشيد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


تحرير المرأة، قضية وهمية نسجها خيال مريض، خرجت إلى الوجود كحقيقة صدقها ضعاف النفوس منذ مئة عامٍ تقريباً، وهي في الأصل حركة علمانية نشأت في مصر، ومن ثم كان التوسع فيها لتنتشر فيما بعد في كثير من الدول العربية والإسلامية. والدعوة إلى التحرر تقوم على كثير من المبادئ الهدّامة التي تهدف في مجملها إلى إخراج المرأة عن تعاليم دينها لإفسادها خلقياً واجتماعياً؛ ليتبعها بطبيعة الحال فساد المجتمع بأكمله، وهذه الحركة تدعو إلى نبذ قوانين دينية نابعة من الكتاب والسنة، وأوامر إلهية يجب على المسلم أن يلتزم بها سواء كان ذكرًا أو أنثى، فهم يدعون إلى التبرج والسفور، ونزع الحجاب، والخروج من البيت، والاختلاط، والمساواة بين الجنسين في كل شيء، مع تجاوزهم في المطالب لتصل إلى تقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات.
وإن ذكرنا في البداية أن المناداة بتحرير المرأة حركة علمانية؛ فإننا في نفس الوقت لا نُغفل أبداً الدور الذي تلعبه القوى الاستعمارية الغربية في تمويل هذه الحركة في السر والعلن، حيث تدعم الاتحادات النسائية المسؤولة تقريباً عنها مادياً ومعنوياً، وتشجعها على المضي قدماً في الترويج لأفكارها المنحلة، وهم بذلك يدّعون حرصهم على حقوق المرأة ومحافظتهم عليها، ومن المعروف أن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف بنا أن نوازن بين مطالب الغرب بأن نأخذ نحن -المسلمات- حقوقنا، بينما نرى حقوق نسائهم مهدرة أمام العيان؟!.
فما حال الأم لديهم بعد أن تكبر ويرفضها الرجال، ولننظر إلى مكانة الأم لدينا ومنظر الأولاد والبنات والأحفاد وهم حولها عند حاجتها إليهم، ولنرى أيضاً حال الزوجات وهن يتسولن لقمة العيش من هنا وهناك دون وضع أي اعتبار للمكان الذي تعمل به، وهل هو مناسب لتكوينها أم لا؟ بينما تنعم المرأة لدينا بدفء البيت، وإن خرجت للعمل فهو محصور فيما يناسبها من تعليم لبنات المسلمين ونحوه، ولو فكرنا بأحوال الفتيات في الغرب لرأينا العجب، حيث تخرج الواحدة منهن قبل سن العشرين هائمة على وجهها، تتقاذفها شتى الخطوب من إهانة للكرامة وبيع للشرف، ويريدون لبناتنا نفس المصير وكأن المحافظة عليهن قد أقضَت مضاجعهم، وولدت لديهم رغبة بتوحيد الظروف لتكون النتائج متساوية.
لقد نسوا أو لعلهم تناسوا الويلات التي جرّتها عليهم الحرية المزعومة التي نالتها النساء لديهم، غابت عن أذهانهم تلك الإحصائيات المرعبة عن أعداد الأطفال غير الشرعيين الذين أصبحوا عبئاً على حكوماتهم؛ فقد كاد عدد المواليد خارج مؤسسة الزواج يزيد عن ربع المواليد لديهم، وأصبح لديهم أعداد هائلة من النساء الهاربات من جحيم عنف الأزواج واللاتي يلجأن إلى ملاجئ خاصة لمثل هذه الحالات.
ومما نادوا به سابقاً للمرأة المسلمة المساواة بينها وبين الرجل في الميراث، وهذا مخالف لشرع الله تعالى، أما الآن فهم ينادون بالمساواة المطلقة في كل شيء، متناسين الفروقات بين المرأة والرجل، والتي لا تحتاج إلى الجدل، وقد اعترف بعض علمائهم بوجودها، وخرجت نظريات صريحة تبين عدم إمكانية المساواه، ولكن رغبتهم في الإفساد طغت على تحكيم عقولهم، والأهم من آرائهم ونظرياتهم مهماً كان عددها قول الله –تعالى- في كتابه العزيز: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَىِ) [سورة آل عمران:36]، وقوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [سورة البقرة:228]. فنحن -المسلمين- نستقي تعاليمنا من كتاب الله تعالى، وندع نظرياتهم جانباً ما دامت لا تتوافق مع مبادئ ديننا الحنيف.
وعارض كثير منهم الحجاب، وربطه بعضهم بالعادات والتقاليد، وتناسوا أنه أمر إلهي قد سارت علية نساء المسلمين لقرون خلت، ولم يكن هذا الحجاب في يوم من الأيام عائقاً للمرأة عن العمل والعطاء في بيتها أو عملها خارج البيت، بل كان أداة عفة وكرامة، وسبباً قوياً في حفظ الأعراض، وللحشمة والتستر أيضاً دور كبير في حفظ شرف المرأة وصيانتها من الابتذال، فما رأينا للمتبرجات في الدول الكافرة وغيرها من دور سوى عرض الأجساد، وكأنهن في سوق عالمي للنخاسة، وأصبحن بسبب ذلك سجينات الذل والإهانة.
أما بالنسبة لقرار المرأة في بيتها وهو الأصل، فكان من أكبر الأشياء التي أزعجتهم، وقد أعيتهم الحيل وهم في كر وفر لإخراج نساء المسلمين من بيوتهن، وتوفير الفرص أمام مبدأ آخر من مبادئهم وهو الاختلاط، والاعتراض بطبيعة الحال ليس على الخروج بحد ذاته وإنما على طبيعة الخروج، أو طبيعة العمل الذي خرجت لأجله المرأة، وهل يوافق تعاليم ديننا ويتناسب مع طبيعتها وإمكانياتها أم لا، المرأة كانت في الماضي تخرج متسترة ومحتشمة لقضاء بعض الأعمال الضرورية، والآن تخرج لطلب علم أو صلة رحم أو عمل، فالاعتراض سيكون بطبيعة الحال لخروجها للعمل بين الرجال، أو مشاركتها في أعمال لا تناسبها، فقد سمعنا عن أول سبّاحة مسلمة، وأول عدّاءة، وأول طيّارة، و...,و... والقائمة تطول، فهذه الأشياء هي التي تتنافى مع تكوين المرأة وقدراتها، وتجعلها كالسلعة معروضة أمام ضعاف النفوس، وكثيرًا ما كان تحقيرهم قوياً وجارحاً لوظيفة المرأة الأساسية من رعاية بيت وأولاد، وعندما خَََرجَتْ للعمل بدأت أساليبهم التهكمية في التقليل من شأن نوعية العمل، فهم لا يريدون الخروج الشريف المتعارف عليه، بل يرغبون في خروج من البيت يكون مصحوباً بالخروج عن المألوف.
أما من ناحية ما يطالبون به من مخالفة صريحة لتعاليم ديننا كتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات؛ فهذا مالا يقبل به العقل أبداً، والعجب من نفوسهم التي سوّلت لهم أن المسلم سيستبدل شرع ربه بقانون بشري وبهذه السهولة، ولم يشرع الله –تعالى- مثل هذه الأشياء إلا لسعادة البشرية وبمستوى لا تصل إليه ضحالة تفكير هؤلاء الناعقين، والمشككين في جدوى مثل هذه الأمور.
ويقولون إن المرأة مظلومة، ومهضومة الحقوق، وقد أغفلوا الظلم الواقع على مستوى العالم بأكمله، دول تُظلم، ومجتمعات تُسرق مقدّراتها أمام العيان، وشعوب تُستغل مجهوداتها، وأراضٍ تُنهب خيراتها، ويتركون كل ذلك الظلم، ويتحدثون عن ظلم المرأة، أليس الرجل يُسجن ظلماً؟! ألا يجد الظلم أيضاً من رئيسه في العمل؟! ألا يظلمه أخوته وأبوه وأقاربه؟! ألا يتعرض للظلم من جيرانه؟! ألم يحدث أن زوجة ظلمت زوجها؟! فالظلم واقع من كثيرين وعلى كثيرين أيضاً، فلماذا التركيز على نقطة دون نقاط؟! ولماذا القول بأن المرأة مظلومة؟!
فالظلم الذي يقع عليها أحياناً إنما هو من المحيطين بها، وهو ظلم من البشر، وبعيد كل البعد عن تعاليم الشرع المطهر؛ بل هو خروج عن تعاليم ديننا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد حرّم الظلم بكافة أشكاله.
ينادون بالحرية..! الحرية من ماذا؟! وهل يريدون تحريرها وقد تحررت منذ بزوغ شمس الإسلام؟!
الإسلام حرر المرأة وأعطاها حقوقاً لم تحصل عليها في الجاهلية ولا في أي ديانة من الديانات، خاصة في الديانة اليهودية والنصرانية، وماذا قال عنها الإغريقيون والرومان؟، وكيف كانت عند الصينيين والهنود والفرس؟، أما في الإسلام فكان لها شأنٌ آخر، فقد حفظ حقها كاملاً منذ أن كانت جنيناً في بطن أمها، وفي جميع فترات حياتها إلى أن يتوفاها الله.


 

هيا الرشيد
  • الأسرة والمجتمع
  • الفكر والثقافة
  • القصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط