اطبع هذه الصفحة


تحرير أم تقييد

هيا الرشيد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


نعرف مسبقاً أن الدعوة إلى تحرير المرأة قد بدأت منذ عشرات السنين بمنظور غربي علماني لا يمت للإسلام بأي صلة، وهبّ جمعٌ غفير لدعم هذه القضية وتأكيد فاعليتها بالقول والفعل، وتتابعت الأجيال في التنفيذ العملي للمبادئ التي تقوم على أساسها هذه القضية، وكان من بين مبادئها المناداة بالمساواة المطلقة بين المرأة والرجل، وكثيراً ما قرأنا أفكار كثير من الرجال المتحمسين لهذه القضية، ولكن المثير للعجب حقاً أن نجد نساءً ينادين بنفس الأشياء، فلو قلنا إن الرجل لم يعش يوماً بطبيعة الجسد الضعيف للمرأة، كما أن المرأة لم تشعر يوماً بالقوة الجسدية التي يتميز بها الرجل، فللرجل أن ينادي ويرفع صوته عالياً لتحرير المرأة ومساواتها بالرجل، ولكن كيف بالمرأة أن تنادي بذلك وهي صاحبة المعاناة، أما تكفيها متاعب البيت والعمل لتطالب بالمزيد لجسدها المرهق؟! أم أن صوت الباطل قد جذبها وألجمها عن قول الحقيقة؟! فما بالنا نسمع أصوات نسائية تخالف الفطرة السوية؟! أينقص المرأة قيود عملية لتطالب بالمزيد؟!
أما رأيتم المرأة في سن الثامنة والعشرين تذهب إلى عملها في المدرسة المجاورة لبيتها وقد أثقلها همُّ طفل صغير وحمل لم يكتمل بعد؟
أما رأيتموها في الخامسة والثلاثين تتحامل على نفسها في مناسبة خاصة لتخفي آلام أقدامها ولتظهر بصورة جميلة أمام الناس؟
أما في سن الأربعين فحدّث ولا حرج لكثير من النساء في جميع المجتمعات دون استثناء.
فهل يجد المنادون بالمساواة في المرأة رمقاً لذلك؟
وهل ينتظرون من المرأة أن تقف يوماً خلف مقود طائرة وهي حامل؟
أم تنتقل بين دولة وأخرى لتنجز عملاً سياسياً وهي تدافع وحامها؟
أم تتابع عمّال البناء وهي تحمل رضيعها بين يديها؟
أو لعلهم يرون أن تمتنع المرأة عن الحمل والإنجاب لتتم المساواة بينها وبين الرجل.
أم أن بعضهم يرى المساواة بعد سن اليأس؛ لأن المرأة قد انتهت مسؤوليتها في تربية الأبناء، وأنها في هذا السن تعتبر امرأة ناضجة؟
نعم، امرأة ناضجة عقلياً، وضعيفة ومتهالكة جسدياً، والنضوج العقلي يكون معترفا به إذا كانت صاحبته ذات فطرة سوية، تعمل ما يناسبها وما يتوافق مع طبيعة تكوينها الجسدي والنفسي.
لقد آن الأوان لتنقشع السحب، وانتهى زمن المكابرة، مئة عام مرّت على تلك الترهات، تحرير ومساواة دون التثبت من فاعليتهما، إن الفيصل في ذلك اعترافات جريئة من نساء مجربات، فليس للمرأة قدرة على تحمل المزيد، والواقع يثبت ذلك، ولتجارب النساء في بيوتهن ووظائفهن أكبر دليل على دحض تلك الافتراءات، فالتحرير والمساواة التي ينادون بها إنما هي قيود أكبر وأشمل نرى ونعترف أن معشر النساء بغنى عنها، وأنه لا طاقة لهن على تحملها، وأن كل امرأة تحمل جسداً مرهقاً من مسؤولياتها الضرورية، فكيف بها عندما تتجاوز من خلال هذا الجسد المنهك الحد المعقول لطاقتها وقدرة احتمالها؟!


 

هيا الرشيد
  • الأسرة والمجتمع
  • الفكر والثقافة
  • القصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط