صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المؤامرة بين النظرية والتطبيق

د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 
حينما كنّا ما نزال في بدايات حياتنا الجامعية، كنّا نتنوّر بمقولات وآراء أستاذة قديرة لنا حول (المؤامرة على اللغة العربية)، وكانت تلك الأستاذة من أهل بلاد الشام المباركة الذين سبقونا في الشعور بالمعاناة من الاستعمار، ومعرفة مكائده وويلاته وأساليبه المتنوّعة حرباً وسلماً.
إلا أننا رغم ذلك توقعنا أن تلك القصص والمعتقدات التي كانت ترويها مجرد أوهام من عاشقة للغتها الفصحى التي انغمست في حبها حتى انفصلت عن واقعها.
ثم استمرّ بنا الحال كذلك رغم تخرجنا وبدايات نضجنا الفكري ووعينا الثقافي، بل كنا نأخذ الأمور ليس ببساطة فحسب، وإنما بإعجاب يكاد يصل لدرجة (الانبهار بالآخر) الراقي في فكره وخلقه وعلمه، حتى وصل ذلك الإعجاب لأعلى مداه حينما أتى ذلك الآخر بخيله وخيلائه لكي (يحرر الكويت) وينقذنا من غدر أخينا المتمرد المتخلّف الخائن.
واستمرت سخريتنا ممن أطلق صيحات التحذير من هذا المارد الذي لم يأتِ لبلادنا حباً لنا ولا خوفاً علينا، ولا إحقاقاً لحق أو دفاعاً عن مظلوم، إنما لأغراض رهيبة ليست في كوامن نفسه فحسب، بل أطلقها علانية أمام الملأ دون مجاملة لنا ولا مراعاة (لأحاسيسنا) المخدوعة ببطولته وإقدامه.
ورغم ذلك كنا نعتقد أن من يطلق مثل هذه الأوهام المتشائمة إنما ابتلي بانفصام الشخصية والعيش بعيداً عن الحقيقة، حتى انجلت الغمة وسمعناهم يعلنونها صريحة بأنفسهم في بلاد اليهود أحبائهم الحقيقيين: (إنما فعلنا كل ذلك من أجلكم وللحفاظ على أمنكم)، وما زالوا يكررونها وكأنما اطمأنوا لعدم معرفتنا للغتهم ومعانيها، أو كأنما استخفوا بنا واطمأنوا لعدم وعينا لما يقولون، وحتى إن حلّ علينا الوعي بمعجزة، فقد أمِنوا شرنا واستهانوا بأمرنا؟!
ولم يكفهم تلك المجاهرة بالكُره والعداء، بل راحوا يستميتون في تلفيق التهم لنا ولديننا وإسقاط عقدة ذنبهم علينا، فراحوا يفتشون في تاريخنا عن أسباب عزتنا لكي يحولوه بقدرة قادر إلى محاولة إذلال لنا، فوجدوا أن سلاحنا الأكبر هو ديننا، ففكروا ودبروا، وقتلوا كيف مكروا، حيث علموا أشد العلم أن العقيدة من الصعب محوها من النفوس والقلوب أو إزالتها من العقول، بل لحظوا أن المسلم أشد ما يكون حماساً لإسلامه، أكثر من أهل العقائد الأخرى لأنه آخر الأديان التي سلمت من التحريف والتغيير، وبعدت عن الخرافات والترهات.
فما كان أمامهم إلا أن يتوجهوا إلى طعن هذا الدين بالتفاف ماكر منظم وغير مباشر وذلك من خلال الدندنة على ما أسموه (بالوهابية) وأنها هي السبب المباشر في إرهاب أولئك الأبرياء، وبثوا هذا الرأي الذكي في الأرواح المتخاذلة التي تخدمها الأقلام المغرضة والأفكار المشبوهة، متناسية أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إنما هي دعوة (إحيائية للدين) الذي بُعث به محمد بن عبد الله - صلى الله عليه سلم، (وإصلاحية لمجتمع) طغت عليه جهالات وتخلف القرون الوسطى، ولم يبتدع ديناً خاصاً به، واضعاً يده في يد ولي أمر المسلمين فتعاضوا على تجديد الدعوة الإسلامية وإعادة نشرها ونصرتها، وهذا هو سر نعمة الله على أبناء هذه البلاد، بل هذا هو سر حسد الأعداء لهم، ولا يخفي على أيّ مطّلع أن هذا الحال استمر منذ قرون إلى الآن، في عهود الأجداد ثم الآباء ثم الأبناء ثم الأحفاد ولم يعرف عنهم، إلا أنهم كانوا وما زالوا سلماً لمن سالمهم حرباً على من اعتدى عليهم.
أما إن كان هناك ضرورة تصحيح فهو لا بد أن يأتي ممن أثار الفتن والبلابل واعتدى على المقدسات وأهدر الدماء البريئة وهتك الأعراض المحفوظة، زارعاً ورماً خبيثاً في بلاد المسلمين ثم طفق يكيل بمكيالين، محرضين ظالمين موغرين للصدور، فهل مازال فينا من يعتقد أن (المؤامرة) ضد الإسلام وأهله ما هي إلا (نظرية)؟ أم أنها وصلت إلى مرحلة (التطبيق الفعلي طويل الأمد)؟ وما هو دورنا الفعّال (المتعقّل) لمواجهتها كل في مجاله؟
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
جواهر آل الشيخ
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط