اطبع هذه الصفحة


أعظم اللغات

د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 
إنها اللغة العربية أعظم اللغات وأرقاها، ولم لا يكون ذلك؟ وهي لغة القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي كانت لغته وبلاغته وفصاحته من أكبر معجزاته التي تحدّى بها الخالق فصحاء قريش فوقفوا أمامها مبهوتين حائرين، بل ومسلّمين لها بالإعجاز، حتى قال قائلهم: عن لغته المبهرة وهو مخلوب اللبّ: (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وما هو بقول بشر).
فإذا كان هذا رأي ينطبق عليه قول: (شهد شاهد من أهلها) ونعني بها قبيلة الفصاحة والبلاغة الذين قال عنهم محمد صلى الله عليه وسلم مزكياً هذا الجانب فيهم: (أنا أفصح العرب بيد أني من قريش) وهو تأكيد للمدح بما يشبه الذم، فكيف تجرؤ ثلة قليلة ممّن يكتبون بالعربية وينطقون بها: أن يكيلوا لها السهام تلو السهام دون أدنى مبرّر؟! أولم يعِ هؤلاء مقدار الضرر الذي يتسببون به على أنفسهم قبل سواها سواء على المستوى الديني أم الدنيوي؟
إن الهدف من الحفاظ على اللغة العربية ليس غاية نبيلة بحدّ ذاتها فحسب، إنما هو وسيلة عظيمة للحفاظ على (لغة الكتاب السماوي)، فإذا استهنا بكلمات معدودة، فإننا سنستهين بعدها بجمل وعبارات حتى تضيع اللغة بين غيرها من اللغات، وتضحي مجرد مسخ ليس له أية معالم واضحة، ثم سيصعب على ناطقيها فهم معاني القرآن ودلالاته ومعجزاته وأحكامه، بل وأوامره ونواهيه.
وقد فهم الأجداد العظام هذا الهدف حق فهمه فقاموا يؤلفون العلوم المستحدثة إسلامياً لخدمة هذا الأمر الحيوي، فما علوم النحو العربي إلا لفهم مُرادات التنزيل الحكيم، وما علم البلاغة الذي سارعوا بتأليفه إلا لدراسة معجزاته، فتأملوا على سبيل النموذج قوله تعالى (.. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) ولم يقل علينا، أي أن كل أمر يقدّره الخالق هو في صالح مخلوقه وليس ضدّه، وهذا قمة الشعور بالطمأنينة، والإحساس بالسكينة والتسليم لرحمة المولى وعدله.
إن الذب عن اللغة العربية ليس مجرد تعصب للغة التي ننطقها، إنما هو لأهداف لا يحصيها المجال هنا، والأمثلة أكثر من أن تورد في عمود صحفي لكن حسبنا أن نتذكر قصة ذلك الأعرابي حديث الإسلام الذي سمع شخصاً يلتو خطأ: الآية الكريمة القائلة: (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ( سورة التوبة( بكسر كلمة رسوله فأصبحت معطوفة على المشركين، حينئذ سارع الأعرابي مستنكراً: إذا كان الله بريء من رسوله فأنا أيضاً بريء منه! أما الصواب فهو أن كلمة رسوله معطوفة على لفظ الجلالة (الله) لكي يصير المعنى: إن الله ورسوله بريئان من المشركين، وهكذا تلك الحركات الإعرابية اليسيرة حريّة بأن تقلب المعنى رأساً على عقب، فكيف إذا غيّرنا الكلمات نفسها؟!
والأمر الأخطر في تضييعنا للغتنا وتهاوننا بدخول الكلمات العامية أو الأجنبية إليها: هو ضياع إحدى الوسائل القليلة التي (تلمّ شملنا كمسلمين)، حيث تنتهي آخر شعرة تفاهم بيننا فنتقازم ونتشرذم أكثر مما نحن فيه، فلماذا ننحر آخر وشيجة بيننا؟!
أما إن كان الهدف من ترويج تلك الأفكار الهدامة هو حجّة الامتزاج في العولمة، فلبئس المبرر؛ لأن واقع الحال أثبت أن الذي يجري في العالم اليوم إنما هو (أمركة) وليس (عولمة)، لأن لغتها (الإنجليزية) هي سيدة الساحة الآن وبلا أيّ منازع في جميع المجالات، والويل لمن يتعثر في نطقها أو في كتابتها أو فهمها، فهذا هو الجهل التام بعينه وأذنه، فختام هذا الاتباع والضياع؟!
 

جواهر آل الشيخ
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط