اطبع هذه الصفحة


الطوفان

د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 
لفت نظري خبر صحفي نُشر مؤخراً في الصفحات الرئيسة لبعض صحفنا المحلية يوضح بأن هناك شكاوى عدة ضدّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهيئة حقوق الإنسان، واللافت في الأمر هو أن هذا الموضوع في مجمله يعدّ سابقة غريبة في مجتمعنا المسلم، فلم يسبق ونشرت الصحف الداخلية مثل هذا الخبر عن أي مؤسسة حكومية أو أهلية في أي مجال من المجالات، مع أن الخطأ وارد فيها كجهد بشري قابل للانتقاص وبالتالي للنقد البناء.

ولكن التساؤل الأهم هو لماذا ينشر مثل هذا الخبر بهذه الطريقة وفي الصفحات الأولى وبالبنط العريض، وكأنّ الهيئة خيار دنيوي أثبت فشله فأظهرنا الرغبة في تلقينه درساً وبالتالي التشفي فيه، متناسين أنه أمر رباني مقدس له حكمته الظاهرة والباطنة، وليس من حق أي كائن بشري الخيار فيه.

وشتان بين أن نناقش أخطاء بعض أفراد هذه الهيئة الشرعية، ونوجد الحلول البناءة، والمقترحات العملية الواقعية المستمدة من الضرورات العصرية، وبين أن نكيل الطعنات لهذه المؤسسة حتى نرديها ذبيحة هالكة؟! فهل الإصلاح الحديث سنبدؤه بالتخلي عن قيمنا الدينية والخلقية؟! ولماذا باتت كثير من أعمدة الكتابات الصحفية لا تتحدث إلا عن هذا النوع من الإصلاحات المغرضة؟ حيث هجر بعض الكتّاب طرق مواضيع النقد الاجتماعي الداخلي والظلم الخارجي الواقع على أمتنا المسلمة الكبرى، بل تجاهلوا عمداً نقد كثير من العادات الاجتماعية الخاطئة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتوجهوا إلى نقد الثوابت الدينية التي لا يجوز المساس بها مطلقاً متوهمين أنهم يحاربون بذلك أشخاصاً، متناسين انما هم يحاربون الله ورسوله دون أن يشعروا.

وكم أسر العقول والقلوب وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وفقه الله تعالى لرضاه، حينما وجه العتب والاستنكار لذلك الصحفي الذي تساءل مطالباً أن تقصقص أجنحة الهيئة وذلك بعد موقف حدث من قلة ضالة لا دخل لها مطلقاً بهذه الهيئة السلمية التي يتعارض دورها مع دور المخربين المغرر بهم، بل ان ابن عبدالعزيز رعاه الله استنكر متألماً ان يكون هذا الصحفي صاحب الاقتراح ينتسب لهذا الوطن الذي لا يرضى أهله إلا بالصلاح والإصلاح متّقين في ذلك أن يكون مصيرهم المصير البائس لمن ذمهم الخالق عقاباً لهم وتحذيراً لسواهم بأنهم الذين كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

لذا يجب أن نحدث التوازن والعدالة لهذا الأمر الحيوي الحضاري القدسيّ، بأن نعتزّ به لا أن نحاربه، وأن نساهم جميعاً فيه ليس بأسلوب من يتوهّم في نفسه الكمال وإنما بنهج التناصح الأخوي الإصلاحي، والأخذ على يد من يستهين بنخر هذا المجتمع من الداخل بعد أن حماه الخالق من الخارج، واضعين نصب أعيننا الإصلاحات الكبرى التي سرّت أفئدة جميع فئات هذا المجتمع حينما تمّ اكتشاف الأوكار الموبوءة في بعض الأحياء التي يتستّر فيها بعض الأجانب، والذي ما كان سيتم لولا إعطاء الثقة لهذه الهيئة الإصلاحية الشرعية، فالله تعالى يزع بالسلطان أحياناً ما لا يزع بالقرآن.

وإذا كانت الدول الأكثر انفتاحاً تعطي لشرطة الآداب صلاحيات كبرى لبتر الفساد وطهارة المجتمع وطمأنينة أبنائه وبناته والحفاظ على سمعته، فإن الأمر كذلك يقتضي أن يكون عليه الإشراف الشرعي الذي لابّد أن يحاط بالستر وعدم هتك العورات أو التصيّد او استسهال الفضيحة التي تجنّبها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في جميع حدوده التي أقامها في حياته ولنا فيها خير أسوة. مع حفظ حقوق من يراعي حق نقاء المجتمع في عرضه ودمه وماله فليس جزاؤه الاعتداء الآثم عليه بالضرب الجسدي أو التهكم اللفظي او المسارعة الى إيقافه وشكواه، بينما لسان حاله يقول: إلى الله المشتكى وهو المستعان.
 

جواهر آل الشيخ
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط