اطبع هذه الصفحة


كيف هي ؟ أول ليلة في القبر

خيرية الحارثي

 
أديت صلاة الفجر يوم الجمعة في بيت الله الحرام ، وعقب الصلاة نُودي للصلاة على الأموات ، وهذا الأمر من أكثر الأمور إثارة لمشاعري ، ويُوقظ فؤادي ، تساقطت دموعي الحارة ، واختنقت العبرات في صدري ، تذكرت حال هذا المتوفي ، وأنه سيبيت هذه الليلة في قبره وحيداً فريداً .. تذكرت غفلتنا ، وكيف أننا فتحنا على أنفسنا مباحات الدنيا وملذاتها .
تذكرت جهلنا بالمصير وبالمــآل ، وجهلنا بالحشر والنشر ، وهول المطلع .
تذكرت غفلتنا عن أحوال البرزخ ، وسكرات الموت وشدتهــــا .
نظرت إلى الناس ، وتدبرت أحوالهم ، فمنهم من يخطط لمستقبله ، ومنهم من يعد لسفره ، ومنهم من شغل بدراسته ، ومنهم .. ومنهم .. أما تلك الحفرة فليس هناك من يخطط لها ـ إلا من رحم ربي ـ وقليل ماهم في عصر عمد فيه الطغاة المستبدون إالى أن يشربونا الذل ، فأماتوا الهمم ، وخمدوا الحمية ، حتى تحولت شبل الأسد إلى ظباء .
نظرت إلى النساء فإذا من انغماس في الترف ، على استسلام للشهوات ، إلى جري وراء الموضات تصاغرت هممهن ، فلم ينشغلن إلا بسفاسف الأمور ومحقراتها .
عدت إلى نفسي فتذكرت القبر ثانية ، تلك الحفرة الضيقة المظلمة ، سأنزل فيها رغم أنفي شئت أم أبيت لن أستطيع أن أمانع في ذلك الأمر ، لأنه أمر الله في ، ولاراد لقضائه وأمره ، فكرت " لو كان لدي حديقة في منزلي ، لحفرت بها حفرة مماثلة ، أضطجع فيها كلما رأيت من نفسي تقصيرا، ولهوا ، عسى أن تتوب ، فيخرج مافيها من خبث وغش ، وتشفى من أمراض فتورها .. تمنيت أن يُسمح لي بالوقوف علىقبر فأرى ساعة نزول الميت فيه فيغير ذلك من حالي.
تذكرت ( منكراً ونكير ) اللذان وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهما أسودان أزرقان ، أصواتهما كالرعد ، وبأيديهما مطرقة من حديد ، كيف بي إذا أقعداني واستجوباني ؛ تأملت في نفسي فإذا أنا ذات قلب رقيق لايقوى على رؤية المصابين من المسلمين ، لاأصبر على رؤية الجرحى والمنكوبين ، وأصحاب الحوادث والعاهات ، هاأنا يقشعر بدني لرؤية حشرة صغيرة ، لأن شكلها غريب ..
هانحن إذا أصبنا بمرض أو ألم ، فارقنا النوم ، وضاقت النفس ، وحل الاكتئاب ، كيف بي لو سُلط على العذاب في قبري ، أو سحبتني ملائكة العذاب إلى النار ، وما ربك بظلام للعبيد .
ـ عرفت الآن ياحبيب الله محمد ( عليك صلاة الله وسلامه ) لماذا قلت : ( لوددت أني شجرة تعضد ) .
ـ علمت الآن يا أبا بكر ( الصديق ) رضي الله عنك وأرضاك لماذا بكيت عندما رأيت الحمامة .. لأن ليس عليها جزاء ولا حساب .
ـ تيقنت الآن يا عمر (الفاروق) رضوان الله عليك ، لم كان في خديك خطان أسودان من كثرة البكاء .
ـ تبصرت الآن يا عبد الله بن عباس ( يا حبر الأمة ) لم كان أسفل عينيك مثل الشراك البالي من كثرة الدموع .
ـ الآن رق قلبي لكلامك يا علي بن أبي طالب رضي الله عنك وأرضاك وقد علاك كآبة وأنت تقلب يدك وتقول :
( لقد رأيت أصحاب رسول الله ، فلم أر شيئاً يشبههم ، لقد يصبحون شعثاً ، صفراً ، غبراً ، بين أعينهم
أمثال ركب المعزى ، وقد باتوا سجداً ، وقياماً يتلون كتاب اللــه ... وهملت أعينهم بالــــدموع حتى تُبل ثيابهم ، والله فكأني بالقوم باتوا غـــــافلين ، ثم قام رضوان الله عليه ، فما رؤي بعد ذلك ضاحكاً حتى ضربه ابن ملجم ) .
صلاة اللــه وسلامه عليك ياحبيب اللــه وعلى صحبك الأطهــار تسليمــاً كثيرا ـ فلقد كنتم تعيشون في عصر يسوده التواصي بالحق ، أما نحن فقد تأثرنـا من حيث لانريد بمسمـوعِِِِِ ومنظـور ، ألقتهـا عليناجميع أجناس الشياطين ، فخذلت هممــنا ، وأطفـأت أنوار بصائرنا ، وشلت طاقاتنــا ـ إلا من رحم ربي ـ فكما قيل : ( من المشاهد أن المـــاء والهواء يُفسدان بمجاورة الجيفــة ، فما الظن بالنفوس البشريــة )
أقول لنفسي ولأمثالي :
واحســرتا تقضى العـمــر وانصــرمت *** ساعــاتـــه بين ذل العجـــز والكســــل
والقوم قــد أخــذوا درب النجــاة وقــــد *** ســــاروا إلى المطلب الأعلى على مهل
لكن هناك فرج بإذن اللــه ـ تلك آيــة عظيمة في كتاب اللـــــه تبعث الأمــــل في رحمتك ياأرحم الراحمين :
( قل ياعبادي الذين أسرفـوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمــة اللــه إن اللــه يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم )
وهناك حديث يبعث الأمان في النفوس الضعيفة : يرويه الحبيب عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم :
( إن الله كتب على نفسه بنفسه قبل أن يخلق الخلق " إن رحمتي سبقت غضبي " متفق عليه
اللهم إن نتوسل إليك بإيماننا ( الذين يقولون ربنا إننا آمنــا فاغفر لنا ذنوبنا وقنـــا عذاب النار )
اللهم آمن روعاتنا ، واستر عوراتنا ، واجعلنا ممن تتلقاهم الملائكة يوم الفزع الأكبر ـ تفضلاً منك ومنة وإحسانا ـ

 

خيرية الحارثي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط