اطبع هذه الصفحة


بين لذة الأمل وحرقة الألم

أ.خيرية الحارثي

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

هموم اضطلعت بها، وهواجس لاتسكت عن زجري وتأنيبي ، ولست أبالغ في استصحاب هذه المشاعر .. كم تؤلمني الساعات والأيام وهي تطوى ، ولم نمتع قلوبنا وجوارحنا بتعظيم الخالق سبحانه ، أين التدبر في آلائه وعظيم مخلوقاته ؟ ماأعظم الفاقة ، وماأشد الحاجة إلى مايسكب في قلوبنا من تعظيم علام الغيوب في صنوف الكون من بحور وسموات وجبال ومخلوقات ، ماأعظم تلك الآية التي يقشعر لها البدن ، عندما يقول الله سبحان

( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) 143 الأعراف
سبحانك ماقدرناك حق قدرك ، سبحانك ماعبدناك حق عبادتك

لقد أنعم الله علينا بصنوف النعم ، استقرار وأمن ، وحياة رغيدة .. أطعمة لذيذة متنوعة،
ألبسة شتى ألوان زاهيات ، تشبع من الحياة الرغيدة وتلبية للطلبات .. والإسلام سيد هذه النعم ، والعافية رأس مال ضخم ..

لكنا حرمنا لذة خشوع في صلاة ، وفقدنا لذة مناجاة في تدبر ، يتقطع قلبي حسرة وتحرقا عندما اقرأ القرآن ولا أخشع ولا اتأثر إلا مثقال خردلة ، بل ربما أصابنا الملل ، ينتابني الكمد إذا مرت ساعات ما اشتقت فيها لكتاب ربي ، تنازعني نفسي ، ويفيض عليها عتابي ويشتد عميق شوقي إلى إحياء الخشوع والخوف وفيض الرجاء .

وربما لايخفى علينا فدوامات الدنيا ومشاغلها المستمرة التي تلفنا بشطحاتها فمن دوامة الدنيا بهمومها وملاهيها ، إلى دوامة تربية الأبناء والقلق عليهم ، وضعف المقاومة لما لابد منه ولا مناص ..
إلى دوامات القلق الصحي ، والفزع من القادم المجهول.. تنافس على جمع الحطام .. دوامات تتغلغل في أرجاء حياتنا ، كأنها موج مندفع ، تنسج حولنا أغلالا سميكة من الذهول والتشويش ، ضعف إحساسنا بأخطائنا ، فنبدو كأننا أنصاف أحياء ، نرزح تحت ضوائقها الثقال .

هل العيب في زماننا أم العيب فينا أم أنهما اشتركا إنه ثقل رهيب يمنعنا من التبصر بعللنا
لقد ذهلنا عن رسالتنا الكبرى وقعنا في أخطاء شتى ، فتزويق للظاهروما وراء الخبر ُمر حتى صارت طبــاعنا تحتاج إلى تقويم ، وآفات نفوسنا تحتاج إلى شرح وتحليل .
تجمدت قلوبنا لما نراه من فساد وإذابة للتدين ، ذوبان للفضيلة ، ومانرى أحوال أمتنا الا في تورم يتضخم يوما عن يوم ، مفاسد احترقت في سعيرها الفضائل .. وذاب في لهيبها الحياء
جفاف ويبس من المعروف والفضل إلا قليلا ، جفوة في شمائلنا وكبوة في مسالكنا ،خلخلة تثير الفزع ، وذهول عما وراء هذه الدنيا .

صيحة تقطع قلبي ، فهاهو الموت طائر يخطف دون اسئذان ، يفض المجامع ، ويفرق الشمل ويقضي على اللذات .. هذا هو الحق وتلك هي الحقيقة - إي وربي إنه لحق - قبر ونشر وحشر ، وأهوال ، وصراط وجنة أو نار .. حقائق لا تقوى عليها نفوسنا الضعيفة ، ولا عقولنا المحدودة .. ونحاول وبشق الأنفس جمع الشتات قبل أن تزداد العوائق وقبل أن يُهال علينا التراب

اللهم أمدنا بغيث رحمتك .. لولا التعلق بحبال رحمته وعفوه جل شأنه ، لبادت أموراً في خاطري ، ولولا أن طبيعة المؤمن مفطورة على حب خالقها ، وإنابة إليه تنحسر دونها آلامي . وإلا لذاب الأمل ، ولما ذاقت النفس برد الرضا ..
اللهم لاتعجزنا عن تصحيح قلوبنا وألبابنا فنكون لما سواها أعجز .

لك الأمر أشواقي ببابك والمنى ** ولي أمل ألا يطول انتظاريا
ومنيت روحي من سناك بلمحة ** أضمد آلامي بها وجراحيا


وعسانا أن نبدل خسائرنا مكاسب وليكن قدوتنا عبدالله ابن عباس رضي الله عنه فعندما فقد بصره قال :

إن يأخذ الله من عيني نورهما ** ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي ، وعقلي غير ذي دخل ** وفي فمي صارم كالسيف مأثور


ولايكن قدوتنا من قال :

على الدنيا السلام ، فما لشيخ ** ضرير العين في الدنيا نصيب
يموت المرء وهو يكون حياً ** ويخلف ظنه الأمل الكذوب

 

خيرية الحارثي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط