حب الأوطان ليس من الإيمان

 لبنى شرف

 
أتعجب من هذا القول الدارج على ألسنة الناس: "حب الأوطان من الإيمان"؛ إذ ما علاقة الإيمان بحب المكان الذي وُلد وترعرع فيه الإنسان وألِفه وأَحبّه؟! أمّا إن كانوا يظنونه من أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو حديث موضوع مكذوب كما ذكر العلماء.

أن يحنَّ المرء ويشتاق إلى المكان الذي ولد وعاش فيه أمر غريزي فطري عند البشر على اختلاف عقائدهم، بل وعند البهائم أيضًا، أمّا لغة "الوطنية والوطن" التي يتغنون بها في زماننا فتفوح منها رائحة العصبية الجاهلية والعنصرية المنتنة؛ إذ إن ولاء المسلم لا يكون إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، أينما كان وأينما ذهب، وعلى أي أرض وُلد، وإلى أي عِرق ينتسب، والغربة هي الغربة عن الدين لا عن "الوطن" الذي أخشى أن يكون قد صار "وثنًا" عند البعض؛ فهناك من يعتبر ترابه زادًا له في هذه الحياة، ولست أدري كيف يكون هذا؟! وهناك من يراه خيرًا له من جنة الخلد! وغيرها من المبالغات المذمومة في تقديس "الأوطان".

ثم هَبْ أن المكان الذي وُلدتَ فيه لا تُحفظ عليك فيه كرامتك، أو يُضيَّق عليك فيه في رزقك، أو لا تستطيع أن تُقيم فيه شعائر دينك، فهل تعتبره "موطنًا" لك تلتصق به طوال حياتك فقط لأنك لا تريد أن تغادر "وطن" الآباء والأجداد؟!

وحتى إن كنت تريد البقاء في بلدك لأنها أرض مباركة أو مقدسة فليست العبرة بالمكان على فضله وبركته أو حرمته؛ وإنما أنت محاسب على عملك، وقد روى الإمام مالك في "الموطأ" (4/1117) عن يحيى بن سعيد، أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: "إن الأرض لا تُقدس أحدًا؛ وإنما يقدس الإنسانَ عملُه".

بل قد ورد عن بعض الصحابة ـ كابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص ـ أنهم كانوا يتقون سُكنى مكة؛ خشية ارتكاب الذنوب فيها؛ مخافة تغليظ العقوبة، وقد قال مجاهد: "تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات"، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لأن أخطئ سبعين خطيئة أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة".

ولله در ذاك الشبل الذي أنشد بصوته الندي وقال: "الوطن والله في الجنة"، وهذا هو القول الفصل، فوجهوا أنظاركم إلى هناك، حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في الجنة فقط لا ظلم لا طغيان، لا جوع لا حرمان، لا خوف لا أحزان، لا هموم لا غموم، لا شيء يكدر القلوب، لا تعب لا صخب، لا شيء يثير الغضب، لا آلام لا أسقام، لا منافقين لا لئام، تحية أهلها السلام.. فاللهم أدخلنا الجنة بسلام، وأعذنا من لهيب النيران، بفضلك ورحمتك يا ذا الجلال والإكرام.

هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باق وليس بفان
دار السلام وجنة المأوى ومنـزل عسكر الإيمان والقرآن