اطبع هذه الصفحة


لماذا يظلم المجتمع هذا الشخص؟؟

مرفت عبدالجبار

 
إن ظلم أو أخطأ فظلمه على نفسه.. ولكن لم لا نعطيه فرصة في الحياة ليرى جناتها؟؟
وهل يُنظر إليه بعين الاعتبار والاحترام والتقدير..؟؟
هل يُحكم على هذا الشخص بنظرة قاتمة بعيدة عن الإنصاف والنظرة السوية..؟؟
تأملوا معي - رحمكم الله- هذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا‏: ‏ من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟ ‏ فقالوا‏: ‏ ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏: ‏(أتشفع في حد من حدود الله تعالى ‏؟)، ‏ ثم قام فاختطب، ثم قال‏: ‏ (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
لكن هل وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحد وحكم على هذه المرأة بالإقصاء عن المجتمع؟؟
وعزلها بهذه الفعلة؟؟
بل للحديث رواية أخرى عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها - هذه المرأة المخزومية رضي الله تعالى عنها - كانت تزورها وقد تزوجت من رجل مسلم..!
تزور من؟؟ تزور بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فانظروا إلى رحمة الإسلام بالمذنبين في حق أنفسهم!
لم يقصهم عن المجتمع بل ساواهم..
ومثلها حادثة المخلفون الثلاثة لما تبين حكم الله تعالى فيهم بالعفو والصفح، عاد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام إلى محادثتهم وعاد كل شيء كما كان, ولم ينظروا إلى إخوانهم بإقصاء، بل خالطوهم وشاركوا في المجتمع بعد ذلك وجاهدوا وتاب الله عليهم..
فالإسلام دين لا يعتمد على النظريات دون التطبيقات, ولما امتثله الرعيل الأول حق امتثال, وطبقوا تعاليمه, تعايشوا إخوة متحابين، كل يحرص على أداء حقوق إخوانه، والقيام بواجباته..
لكن اليوم تبدل الحال، وبالطبع لا نستطيع أن ننفي وجود الرحمة والإنسانية بين الأفراد فهي قائمة إلى يومنا هذا بحمد الله, ولكن لن نغفل عن الجانب الآخر وهي النظرة الإقصائية لإخوانهم إذا وقعوا في أسباب السجن أو العقوبة..
فتجد ذلك الشخص بعد خروجه من السجن محروماً من الوظائف لأنه
"خريج سجون"،
وتجده متحرجاً من الاجتماعات العائلية وزيارة الأصدقاء؛ لأنه لم يجد نظرة سوية وتعاملا يشبه ما كان قبل سجنه لأنه " خريج سجون ".
وهكذا...
لماذا أيها المسلم تعين الشيطان على أخيك بهذه النظرة السوداوية القاتمة التي تمتد لطريقة تعاملك معه؟
وربما كان مظلوماً وسجن بغير تهمة حقيقية، فقدر الله عليه الحبس مدة من الزمن!
لماذا تعامله بهذا الشكل وقد سجن ربما بسبب ديون مالية؟؟
ولماذا تعامله بهذا الشكل إن كان منه ما كان فتاب الله عليه؟؟
بعض السجناء الآن يتمنى أن يبقى في سجنه ولا يخرج للمجتمع, لاعتقاده - بحكم الواقع - عدم وجود المعاملة السوية في حقه..!!
وبعضهم يتمنى أن يعود للسجن لأنه لم يلقَ فرصاً للعمل والحياة بشكل عام..
وبعضهم عاد لما كان عليه من جرم على اختلاف درجاته؛ لأنه علم أن مجتمعه - أو بالأحرى محيطه- لا يرحم...
فلماذا لا يكون المسلمون عوناً لإخوانهم في تجاوز مشكلاتهم، والمساهمة في تحسين ظروفهم الاجتماعية والنفسية، وقبولهم أسوياء كجزء لا يتجزأ من المجتمع..؟؟!
وتطبيق المعاملة الإنسانية الحسنة, وإرشاد هذا (السجين السابق) على مواطن الخير ومجالس الصلاح..
بدلاً من حصره في زاوية ضيقة لتجتمع عليه الهموم من كل حدب.
وقد يقول قائل: أليس من حقي الخشية على نفسي وأبنائي من هذا الشخص وعدم مخالطته، فربما دلهم على الجرائم وجرهم للمخاطر والصاحب ساحب...؟ إلخ من المخاوف.
الجواب: أحياناً لا للاندفاع باسم العاطفة نعم، ولكن لم لا تدل أهل الخير عليه إن كنت عاجزاً عن فعله بنفسك!
ثم إن السجين لم يأتِ من كوكب آخر! هو أخ لك في العقيدة، وربما أجبرته الظروف على السجن وهو مما اتُّهم به براء، كما تقدم.

_حري بالمرء المسلم حقيقة أن يكون معيناً لإخوانه على الخير, آخذاً بأيديهم إلى شواطئ الأمان النفسي والديني، ولا نحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات خالية من الإنسانية والرحمة بسبب أخطاء قابلة للعلاج..
والحمد لله أن مجتمعاتنا المسلمة -وإن كان يشوبها شيء من الجفاء أحياناً تجاه (السجين السابق)- مجتمعات رحيمة, تولي السجين عناية خاصة..
في داخل سجنه وخارجه..
ولا أدل على ذلك من إقامة الأنشطة الطيبة لهم داخل السجون, من حفظ لكتاب الله تعالى, ودورات تأهيلية, وزيارات من الدعاة والأستاذة والمفكرين؛ للمساهمة في إعادة تأهيلهم أو حتى تقوية إيمانهم..
وتسمعون عن كثير من الأخيار والمفكرين كانوا في سابق عهدهم سجناء, لكن لم تحولهم المحنة إلى عديمي الإرادة، بل حولوا السلب إلى إيجاب متعدٍّ نفعه للآخرين، وأصبحوا قدوة وقادة..
فلم نحجب الأمل عن إخواننا؟؟
أما أنت أيها الأخ السجين:
لا يفرض عليك الواقع ومرارته أن تتخذ لنفسك مسلكاً غير طريق الخير والاستقامة..
تب إلى ربك، وعد إلى رشدك، وامضِ قدماً في حياتك, فنهاية العالم ليست بسجنك, ولا بنظرة المجتمع القاسية لك أحياناً..
عد للحياة بكل أمل وكل فأل، فأنت جزء من المجتمع وليس من العدل أن تتخذ لنفسك خندقاً وتحكم على نفسك فيه بالموت...

فالله أرحم من أن يفرض على عباده هذا العذاب...
أما أنت أيها المظلوم الذي ساقتك الأقدار لمواطن ما عرفت قدماك إليها سبيلاً..!
فحسبك وسلوتك أن خيرة أنبياء الله تعالى سبقوك في الصبر على هذا الظلم..
وكثير من الصالحين والأخيار...
وكفى بك فخراً محبة الله لك المتمثلة في هذا البلاء...


للفائدة:
كتاب "دموع السجينات" للشيخ حمد بن سليمان اليحيى, يحكي مآسي وتجارب بعض الأخوات التائبات.

 

مرفت عبدالجبار
  • فكر وقضايا معاصرة
  • جهاد وهموم أمة
  • دعويات
  • أسرة ومجتمع
  • موقف وقصة
  • عامة
  • لقاءات
  • مع الحسبة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط