اطبع هذه الصفحة


هل أحمل في كفي ورداً؟! أم أحمل في قلبي حقداً؟! أبي وأمي ليتكما ميتان!

مرفت عبدالجبار

 
((ليلى))
فتاة في الثالثة عشرة...
كتب عليها (اليتم)..
ولكن ليس كأي يتم...
إنه يتم العذاب...
إنه يتم الشقاء..
ولطالما تمنت.. أن يكون والداها ميتين..
ولا تتعذب بأمل اللقاء, ولا لقاء...
انفصل والداها منذ وقت مبكر...
فعاشت مع أمها أياماً جميلة...
محرومة من قلبها الثاني... (والدها)...

الذي نسيها مع الأيام.. برحيله.. بانشغاله.. بزواجه... بدنياه...
ولم تره منذ ذلك الحين...
وها قد حان يومها الموعود...
لترى أبيها...
ولكن أين؟؟؟
ولماذا؟؟؟
وهل سيلقاها بشوق الأبوة الحاني؟؟؟
إنه اليوم الموعود...
بل:
ليأخذها من بيت والدتها... وجدها... وجدتها... وخالها...
ليأخذها من البيت الذي عاشت فيه عصفورة تحلق في الهواء الطلق...
ليأخذها من البيت الذي أظل عليها أغصان الحنان...
ليأخذها من حضن أمها الرءوم...
والتي سترحل هي الأخرى لحياتها الخاصة...


فكان من حق والدها شرعاً عنايتها وأخذها...
ولكن لماذا تذكر والدها حقاً وحداً فقط ونسي حقوقاً؟؟!!
لماذا تذكر يوماً واحداً ونسي أياماً؟!!
أين زيارتها؟؟
أين تعهدها المادي والمعنوي؟؟
أين سقيا شوقها المتلهف لرؤيته؟؟
أين وأين...
ولكن مع هذا وذاك...
توشحت ليلى الصغيرة بوشاح الصبر...
وسلمت للواقع...
مودعة عشها الأول...
إلى بيت جدتها لأبيها...
وقد تنبأت ليلى أنها ستعيش عند أبيها...
ليسد فراغاً سيحدثه ولا شك بُعد أمها...
ولكن...

أوكلها لجدتها...
وعاد لعادة النسيان لها.. إلا ما صادف من رمضان وعيد!
وتهنئة عبر الهاتف...
وزيارة خاطفة... في موعد غير مسبوق...
ليلى لم تعد نار شوقها لأبيها تتوقد كما كانت من قبل...
فلقد أبصرت الحال عن كثب...
ولكن، يتمزق قلبها حسرة وشوقاً وحباً...
لوالدة طالما سقتها من نبع حنانها المتدفق...
شوق عارم يتطلع إلى صوت الحنان ولو عبر الهاتف...
شوق يأمل لقاء واحداً بعد عهد طويل...
قلب يتلهف لاحتضان ولو كان أخيراً...
ولكن!!!!
مضت الأيام بليلى...
وحيدة يتملكها الحزن...
بين زوايا الألم...

وحرقة اللقاء...
ودمعات الليل...
وأنين الغربة..
حاملة بين جنبيها..
قلب حزين..
وروح منكسرة...
رأيت ليلى...
فخلتها تقول:
أبي وأمي، ليتكما ميتان... ولا أتعذب بشوق لقائكما...
رأيت ليلى وخلتها تنادي أمها قائلة:
((هل تذكرينني))؟!!
بل وتتبع السؤال سؤالاً وذكريات قائلة:
في تلك الأيام الجميلة...
وفي تلك الدار الفسيحة...
كنا نعيش يا أمي...
فهل تذكرينني؟!!
وهل حقاً نسيتني؟؟
بالله كيف يكون ذلك؟؟
ألست فلذة قلبك؟؟
وبكرك من ولدك؟؟
فكيف بالله تنسينني؟؟...
أماه لا أصادر حقوقك...
ولا أعترض على قرارك...
بل – وربي- أشد الناس فرحاً بسعادتك أنا...
لم لا تذكرينني, وقد علمت ما أحدثه غياب أبي من جراح...
فكنت أنتِ الطبيبة التي تداويني...
فهل تتذكرينني؟؟
أماه صوتك في كل ركن يناديني...
وطيفك في كل حلم يحتضنني..
فهل تذكرينني...
رافقتني لحظات الأمل ولكنها تخلت عني وملتني!!
سهرت.. سهرت حتى جفاني الإحساس بكل شيء حولي!!
فلا لقيا عدت أرقبها...
ولا فرحة عدت أنشدها..
فالحزن صديق..
والصبر رفيق..
ولا ذكريات أيامنا عادت تسليني..
ولكن هو الصوت يا أماه والله سيغنيني..
وسيبدل الأحزان لدي أفراحاً..
وسينير القمر في ليلي وضاحاً..
أواه يا أماه نسيتني.. وبالله كيف تنسينني؟!...
أوما تذكرين أني كنت أبكي فترضعينني؟..
أوما تذكرين صباح العلم الذي إليه تزفينني؟...
أوما تذكرين ضفائر شعر بيديك تمشطينها؟..
أوما تذكرين تربية حنان وحب كنتِ تتعهدينها؟..
أواه يا أماه... ما لي أراك تواريت؟..
ما لي أراك تناسيت؟..

ما لي أراك اختفيت؟...
ولكن سؤالي...
هل مازلتِ تذكرينني...؟؟؟
رأيت ليلى وخلتها تقول:
كل بنت بأمها تتباهى *** وأرى لا أرى سوى ذكرياتي
كنت بالأمس مثلهن أباهي **بك أمي أفوق كل البنات
كل ركن أرى به طيف أمي*** ثم يمضي كأنني في سبات
أين صدر الحنان ما عدت ألقى*** بعده من يعيدني من شتاتي؟
مثلها الشمس حين غابت غشاني *** ليل همّ مكبل الظلمات
كنت أنسى بعينها كل همي*** وأواري بحضنها حسراتي
هي بالأمس زورقي وشراعي*** في حياة تموج بالفاجعات

لك الله يا ليلى...
وكم في الليالي من ليلى حزينة.. وسعاد كسيرة...

ونعوذ بالله من قسوة قلوبكما أيها الوالدين، فأنتما حقاً والدان ولكن!! بلا إحساس بفلذات الأكباد!!!
اللهم احفظ ليلى...

وكم من طفل حبسه المرض في المستشفى..
وكم من طفل قنص أعداء الملة والدين أسرته..
وكم وكم.. فلا تنسوهم..

 

مرفت عبدالجبار
  • فكر وقضايا معاصرة
  • جهاد وهموم أمة
  • دعويات
  • أسرة ومجتمع
  • موقف وقصة
  • عامة
  • لقاءات
  • مع الحسبة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط