اطبع هذه الصفحة


العنوسة جنّة غنّاء

مرفت عبدالجبار

 
ما أن تدخل موقعاً, أو تفتح مجلة, إلا وترى موضوعات الزواج والعنوسة تأخذ نصيباً كبيراً منها..!
تطرق الكثير لهذه الموضوعات, حلولاً ومناقشة, وتعدداً, وطلاقاً, وعنوسة... إلخ!
فحديثي اليوم إليكِ أيتها الأخت التي سمحتْ للآخرين أن يحكموا عليها بالإعدام بلفظ
((العنوسة)) ابتداء!
إلى النظرة السوداوية القاتمة لمن لم يأتها نصيبها بعد!
وأتعجب كثيراً حقيقة من تلك الرسائل السلبية التي تقع عيني عليها مصادفة إذا فتحت إحدى المجلات, أو شاهدت إحدى القنوات المعنية بهذه الأمور..
فهذه تقول: حياتي انتهت, وتلك تقول: لأني لست جميلة, وأخرى تتحسر لأن صديقتها تزوجت وهي لا, ورابعة تقول: المجتمع ينظر إلي بإقصاء!
سبحان الله! وأي مشكلة في كون الفتاة لم يأتها نصيبها من الزواج! أو شاء الله لها الطلاق!
ولا يفهم من كلامي هذا أني ضد زواجها أو ضد التفكير في حل مشكلة ما تسمى بالعنوسة!
كلا! بل السعي في حل هذه المشكلة مطلب يساهم كثيراً في حل العديد المشكلات, فضلاً عن أنها سنة كونية!
ولكن تهويل الأمور والمبالغة فيها حتى تخرج عن حد المعقول هذا أمر مرفوض تماماً!
وتصوير التي لم تتزوج تصويراً إقصائياً يحتم على هذه الفتاة أن تعيش في عذاب نفسي رضوخاً لنظرة المجتمع!
أيتها الأخت الكريمة: فلتصمّي أذنيك عن كلام الناس, ولتكفي فكرك عن التفكير في موقفهم, وليمتلئ قبلك بالرضا والإيمان بما قسمه الله لكِ, فما يسمونه بالعنوسة ليست جريمة تعاقب عليها المرأة, وليست خندقاً يفترض عليها الاحتباس فيه..
بل هي حياة عادية وجنّة غنّاء إذا أنت نظرت إليها من زاوية أخرى...
فكم من متزوجة ترنو إلى الطلاق بسبب معاملة قاسية من رجل فظّ! وكم من متزوجة تذوق أصناف المذلة والضرب من زوج سليط!
يحدث أحد المشايخ أن امرأة اتصلت به تشكو زوجها الذي ضربها بطفاية الحريق!!
وكم من متزوجة فترت عزيمة دعوتها إلى الله بعد الزواج!
وكم من متزوجة فرطت في بيتها وجعلت أطفالها برفقة الخادمة وقصرت!
وكم وكم من متزوجة تشاهد ألوان الغضب السبع بدل الطيف، وترجو من الله الخلاص...
فلِمَ هذا الألم والحزن والسخط بالقضاء وربما كان في الأمر خير لكِ من حيث لم تعلمي؟...

لوّني حياتك بمنظور السعد والفأل, فليس هناك أمر يستحق الحزن ما دام الله لم يقدره ويأذن به..
نمي مهاراتك, التحقي بأفضل الدورات والأنشطة, ابذلي الخير للناس, كوني مستمتعة بوقتك, انشغلي بدراستك, ساهمي في المجتمع بقلمك فألفي كتاباً أو سطري مقالاً أو ارسمي لوحات, ألقي كلمة, وسعي مداركك واطلاعك..
ولا تنسي أن الأمة بحاجة إليك ِ...
فعدم الزواج ليس نهاية العالم, ولا سبباً يجعلك أسيرة الحزن والخوف والألم من أقاويل الناس..
أثبتي لهم أنك قادرة وصانعة، وقبل كل شيء تذكري أن ليس هناك شيء يستحق الحزن!
مادمتِ تملكين هذه السويعات وهذا الكنز من الوقت، فلِمَ يضيع في هذا الهم والحزن, اغتنميه واجعليه صديق النجاح وجنة الدنيا!
مادمت قادرة فلِمَ لا تفجرين هذه المواهب والإبداعات وتنمين ثقافتك!!
((ولم أر في عيوب الناس شيئاً... كنقص القادرين على التمام))
لا شيء يستحق هذا التهويل وتضخيم الموضوعات! ما المشكلة في عدم الزواج؟؟
أمر قضاه الله, فلا تجعلي للشيطان عليك سبيلاً للحزن والهم والغم!
فلينظر إليك الناس كيف شاؤوا.. فأنت لم تقومي بجريمة ولا مصيبة حتى تُحاسبي عليها ظلماً!
وعجبي والله من بعض العقول والأفهام السطحية والتي تساهم في تفاقم المشكلة.

كأنهم لم يقفوا على كلام ربهم: {... نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ...}(الزخرف:32).
_ هي دعوة لمشايخنا ولمفكرينا بأن يساهموا في تغيير هذه الآراء والأفهام التي تدمر مشاعر هذه المسكينة وتحبسها في قفص الاتهام!
ونحن نرى أن مجرد مصطلح (عنوسة) لا يعمل به في دول الغرب, بل ما عاد هناك شيء اسمه عنوسة!
بل اسمه (عزوبية)!
وكذا رسالة أخرى للإعلام عامة بألاّ يعالج أمراً ويغفل عن أمر آخر.
كقناة "زواج" مثلاً، ولعل هذا أحد أسباب كتابتي لهذا المقال..
لها جهود مشكورة في التقريب والإصلاح والحد من ظاهرة العنوسة!
لكن المشكلة في تلك الرسائل السلبية التي تبثها من خلال الإتيان ببعض الأخوات اللاتي لم يتزوجن ليتحدثن بطريقة تثبت للجميع أن العانس تعيش في سجن!!
وهذا أمر خاطئ، ولا بد من الموازنة!
_ ودعوة أخرى للمجتمع بأن يساهم في حل مشكلات العنوسة بطرق عدة منها: تخفيف المهور, وتوجيه الشباب، وغيرهما...

والحديث هنا موجه إلى الفتاة التي لم تتزوج وليس إلى التطرق لأسباب علاج هذه الظاهرة، وإلا لبسطت في الأمر..
وعودة إليكِ يا من خصصتك بحديثي، اعلمي أن كل إنسان قد كُتب رزقه وأجله، وقدرت عليه حياته!
فلا تجعلي مشكلة من لا مشكلة!
ولا تسجني هذه الروح بهذا الهم والقلق...
بل اجعليها تسرح وتمرح في جنة الدنيا بلا قيود آسرة إلا ما أمرك به ونهاك عنه الشرع..
وتذكري قول الباري جل شأنه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(هود:6).
وفقك الله وسدد خطاكِ..

المقال منشور في مجلة الأسرة وموضوع غلافها العدد 171

 

مرفت عبدالجبار
  • فكر وقضايا معاصرة
  • جهاد وهموم أمة
  • دعويات
  • أسرة ومجتمع
  • موقف وقصة
  • عامة
  • لقاءات
  • مع الحسبة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط