اطبع هذه الصفحة


حوار مع المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء والمرسلين

مرفت عبدالجبار

 
في حوار مع المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء والمرسلين: ما دام على وجه الأرض صراعٌ بين الحق والباطل سيبقى أهل الباطل على سخريتهم!

مرفت عبدالجبار - جدة

إن محاولة إثارة النزاعات بين المسلمين والغرب وإذكاء نار صراع الحضارات هو في رأي كثير من المتشددين النصارى السبيل الوحيد لصدّ المدّ الإسلامي ? عبر المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الشيخ الدكتور الشريف حاتم العوني عن استيائه الشديد لما تتعرض له الأمة من إساءات متتالية من قبل الدنمرك خاصة، وغيرها من الدول مثل هولندا عامة... وقال غير مستغرب هذه الإساءة من الدانمارك وغيرها: لم تكن إعادةُ الإساءة إلى المسلمين بالإساءة إلى مقدساتهم أمرًا غير متوقّع، فشتمُ النبي صلى الله عليه وسلم والتطاول عليه موجودٌ من حين بِعْثَتِه صلى الله عليه وسلم، وسيبقى موجودًا ما مادام على وجه الأرض مؤمنٌ به وكافر. فمن الخطأ مغالطة النفس بتصوّر أن الإساءة لم تقع إلا في الوقت المعاصر، أو من البلد الفلاني. فما دام على وجه الأرض صراعٌ بين الحق والباطل سيبقى أهل الباطل على سخريتهم من أهل الحق، وليس سفهاءُ الدنمرك بخارجين عن هذا السياق. وإلا... فإن كثيرًا من دول أوروبا وغيرها كانت قد أعادت نشر الرسوم في أزمة الرسوم المسيئة السابقة.
ثم أردف قائلاً: أما ما يخصّ الدنمرك فهناك عدة أسباب لإعادة نشر الرسوم، منها ما أعلنته الحكومة الدنمركية من اتهامها لقيام ثلاثة شبان مسلمين بتهديد الرسام بالقتل، مما جعل الصحف الدنمركية تتعاطف مع الرسام بإعادة نشر الرسوم في سبع عشرة صحيفة. وهذا إن ثبت (وهو مما لم يثبت حتى الآن أنه كان تهديدًا جِدّيًّا) فيدل على توتّر الإعلام الدنمركي، وعلى عدم قدرته على التصرّف العقلاني؛ لأنه أولاً: استعجل الحكم قبل ثبوت التهمة، وثانيًا: لماذا يسيء الإعلام الدنمركي إلى أكثر من مليار وربع من المسلمين من أجل خطأ ثلاثة مسلمين فقط (لو ثبت عنهم ما ذكروه)؟! فهل من الإنصاف إيذاء غير المسيء ومعاقبة غير المجرم؟! فكيف بربع أهل الأرض يُؤذَون من أجل خطأٍ اتُّهِمَ به ثلاثةُ أشخاصٍ لم تثبت تهمتهم؟! هل هذا من العقلانية في شيء؟! وهل هذا من الإنسانية في شيء؟! أن يُؤذَى المسلمون أذًى حقيقيًّا ويُعذَّبون عذابًا مؤلمًا بالتطاول على أكرم خلق الله تعالى وأفضلهم صلى الله عليه وسلم من أجل تهمةٍ بخطأ ثلاثة أشخاصٍ منهم لم تثبت إدانتهم. وهل قيمة حرية التعبير قيمةً فوق الإنسانية؟! حتى تُؤذى مشاعرُ ربع أهل الأرض بحجة الدفاع عن قيمة حرية التعبير؟!? أما إن صحّ أن بعض الشباب المسلمين كانوا يسعون إلى قتل الرسام فهذا يتحمّل مسؤوليته من استفزّهم إلى ذلك، ويأتي على رأس المستفزين الإعلامُ الدنمركي وصُحفه، ويتحمّل جزءا من تبعاته أيضًا من أفتاهم بجواز الخروج عن القانون وإدخالنا في نفقٍ من المفاسد الكبيرة في كراهية الإسلام والتسلّط على المسلمين.

" انتشار الإسلام في الدنمرك "


وتابع قائلاً: وهناك سببٌ حقيقي آخر وراء تكرار هذه الإساءة، وفي الدنمرك خاصة (وفي دول العالم الغربي عموما): وهو زيادة انتشار الإسلام وكثرة عدد المسلمين الداخلين فيه من الدنمركيين. وهذه حقيقة تعتمد على الإحصائيات التي تُزَوَّدُ بها اللجنة وتُتابعُها مع أحد المراكز الإسلامية في الدنمرك. إنها حقيقةُ الخوف من المدّ الإسلامي (والمسمى بالإسلاموفوبياISLAMOFOBIA)، فمحاولة إثارة النزاعات بين المسلمين والغرب وإذكاء نار صراع الحضارات هو في رأي كثير من المتشددين النصارى السبيل الوحيد لصدّ المدّ الإسلامي.
ثم سألنا الشيخ عن الأسباب التي جرأت الدنمرك وغيرها على المسلمين فقال: هناك أسبابٌ عديدة ٌ: منها ما ذكرته سابقًا من سنة الصراع بين الحق والباطل، ومنها ما حدث من التشويه المتعمّد لصورة الإسلام لدى الغربيين من قرون، من بداية احتكاكهم بالإسلام، إلى العصور الحديثة، من خلال دراسات المستشرقين غير الموضوعيين وغير المنصفين عن الإسلام، ومن خلال الإعلام الجائر الذي يؤسّس ويؤكّد على صورة نمطية قاتمة عن الإسلام والمسلمين. كما يأتي تصرّفُ قلّة من أبناء المسلمين ليؤكّد ذلك كله، بالإساءة إلى الإسلام باسم الإسلام، كما أن ضعف المسلمين وتخلّف أكثر بلدانهم الحضاري كان له دورٌ كبير في التجرؤ عليهم وعلى مقدساتهم، بل على بلدانهم وأموالهم وأعراضهم.

" هذا يكفي "

كما سألنا الشيخ عن دور الفرد والأمة الإسلامية إزاء هذه الإساءة؟ وهل يرى المقاطعة الاقتصادية كافية لتوقف الدول الغربية هجماتها؟?
- فأجاب: أولا: يجب أن يحدّد المسلمون هدفهم، والذي يجب أن يكون هدفًا معقولا وممكنًا. فالذي يجعل هدفه أن لا تكرّر الإساءة فهذا قد حدّد هدفًا مستحيلا؛ لأن الإساءة ستبقى ما بقي الصراعُ بين الحق والباطل. إذن فالهدف المعقول: هو الحدُّ من هذه الإساءة، أو بعبارة أوضح: هو تجريم الإساءة إلى المقدّسات قانونيًّا؛ لأن هذا وحده هو الذي سيحدّ من تكرار الإساءة؛ حيث إن تجريم الإساءة سيمنع وسائل الإعلام من نشرها والإعانة عليها، وسيعين على معاقبة المسيئين من خلال الملاحقات القانونية، وهذه المعاقبة القانونية هي الكفيلة وحدها بالحدّ من تكرار الإساءة.
ثم تابع قائلاً: ولا شك أن استصدار قانون دولي لمحاسبة المسيئين لن تكون وسيلتنا إليه من خلال المقاطعة الاقتصادية الشعبية، وإنما طريق تحقيق هذا الهدف (وهو الطريق الواضح) هو: الملاحقات القضائية للمسيئين، والضغوط الحكومية من الدول الإسلامية ممثلةً في قياداتها ووزراء الخارجية المسلمين بأن يسعوا إلى استصدار قانون دولي دقيق يجرّم الإساءة إلى المقدّسات (مع تعريف الإساءة وتعريف المقدسات بصورة واضحة). هاتان الوسيلتان هما الوسيلتان الواضحتان والمباشرتان لتحقيق الهدف الذي يتفق الجميع عليه؛ أو ينبغي أن يتفق عليه الجميع؛ لأنه الهدف الممكن الوحيد.
وأردف قائلاً: ولا يعني ذلك أني ضدّ الاحتجاجات السلمية؛ لأني لا أسمح لنفسي أن أعارض مشاعر الاستياء والألم التي يشعر بها كل مسلم. فيحقُّ لكل مسلم أن يعبّر عن ألمه واستيائه بكل وسيلة ليس فيها اعتداءٌ ولا خروجٌ عن قوانين البلد الذي هو فيه. فالمظاهرات والمقاطعة الشعبية نوعٌ من إعلان الأسى والألم الذي لا يجوز أن نمنع المسلمين من إبدائه؛ بشرط ألاّ يخرج إلى حد الإفساد والاعتداء، وبشرط أن يعلم المسلمون أن نصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم لا تقف عند تلك الاحتجاجات من مظاهرات ومقاطعة، بل ينبغي أن يعلموا أن مقصود تلك الاحتجاجات السلمية هو التعبير عن الألم فقط؛ وهو تعبيرٌ له فوائد عديدة: منها ما يعود على المسلمين بتوحيدهم وبتذكيرهم بالروابط الكبرى التي تربطهم ببعض، وعلى إيمانهم باستحضار مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوبهم، ومنها ما يعين على تحقيق الهدف المنشود، وهو الإعانة على أن تحقق الملاحقات القضائية مقصودها، وأن يصل السعي إلى استصدار قانون دولي في ذلك إلى مسعاه، من خلال أن يفهم العالمُ كلُّه والغربيُّ على وجه التحديد مكانة المقدسات الدينية لدينا معشر المسلمين، وأنهم كما يقدسون معاني الحرية (بفهمهم لها) فنحن نقدس الدين ورموزه؛ لأنه يحقق لنا الحرية وكل معاني الإنسانية والحضارة الحقة. أما إذا أصبحت المقاطعة (مثلا) بغير هدف، أو بهدفٍ لا يمكن أن تكون المقاطعةُ وسيلةً إليه، مما يجعلها (بعدم الإمكان هذا) من دون هدف أيضًا، فهذا ما أعارضه أشدّ المعارضة؛ لأنه لن يحقق هدفًا، بل ستكون له أضرار ومفاسد عكسية على قضيتنا. والخلاصة: أنا مع المقاطعة المعلومة الهدف والمدروسة والمُدارة من أهل العلم بأهدافها المرجوة، وأنا ضد المقاطعة التي بلا هدف، وغير المدروسة، والتي لا تديرها إلا المشاعر الآنية الزائلة، ولن أطيل بذكر نماذج من العشوائية والتصورات البعيدة عن الصواب في بعض الاحتجاجات التي مارسها بعض المسلمين، والتي كان لها أثر سلبي على نجاحات قضيتنا. فلي دراسة ألقيتها في مؤتمر (تعظيم الحرمات) المقام في الكويت العام الفائت، بعنوان (وجه الإخفاقات في المواقف القريبة للأمة في تعظيمها للحرمات)، وهو موجود على موقع اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
وثانيا: يجب أن يتعلّم المسلمون الصبر من أجل الوصول إلى الأهداف النبيلة، فالهدف العظيم يستحقُّ الصبر الجميل في سبيل تحقيقه. ولا يصحُّ أن نستمرّ على ما نحن عليه، من طلب الأهداف الغالية والمقاصد الكبيرة بأرخص الأثمان وأقل البذل، فلا يصح أن يتصور المسلمون أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم تقف عند الامتناع من شراء الحليب والزبد! ولا عند صرخات احتجاج في مسيرة من المسيرات. فواجبات النصرة أجل وأعظم من ذلك، والتي يأتي على رأسها تبليغ دين محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض؛ فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم بيننا حيًّا، لكانت الدعوة إلى الإسلام هي أعظم همومه؛ لأنها كانت هي أعظم همومه صلى الله عليه وسلم في حياته! ?وهذا الهدف الجليل العظيم يحتاج إلى صبر وبذل بحجم جلالته وعظمه، وما أبعدنا عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم إن تصورناها بغير ذلك، لتقف النصرة عند الاحتجاجات فقط.
كما أضاف قائلاً بخصوص ردة فعل إخواننا المسلمين في الغرب: والغيورون من إخواننا المسلمين في الغرب هم أعرف الناس بواجبهم تجاهها، وإن كانوا لا يستغنون عن مشورة أهل العلم واستفتائهم بعد نقل الصورة الكاملة الصحيحة إلى العلماء.
كما سألنا الشيخ عن الآثار الاجتماعية المترتبة على هذه الفوضى والمساس بعقائد المسلمين على الغرب والمسلمين الذين يعيشون في هذه الدول المسيئة، فقال: نحن في فترة تاريخية جديدة على العلاقات الإنسانية، بسبب هذا الترابط الكبير في المصالح بين شعوب الأرض، وبسبب وسائل الاتصال والإعلام الحديثة، التي جعلت العالم... لا أقول قريةً واحدة، بل منزلا واحدًا أو سفينةً واحدة. وفي مثل هذه المرحلة الجديدة على التاريخ الإنساني: إما أن نثبت أننا أهلٌ لهذه الحضارة، بعدم السماح لذلك البيت أن ينهدم، ولتلك السفينة بأن تغرق، بعدم السماح لصراع الحضارات بالعودة إلى ساحة العلاقات الإنسانية، وإما أن نثبت العكس، بأننا لسنا أكفاءً لهذه العلاقات التي صنعناها نحن بحضارتنا الإنسانية المعاصرة، لتكون نتائج هذا الفشل أخطر على البشرية من كل صراعٍ جزئي للحضارات كان قد وقع في غابر التاريخ الإنساني؛ لأنه سيكون صراعاً كلياً؛ لأننا أصبحنا (كما سبق)، لا أقول جيرانًا في قريةٍ واحدة، بل في منزل واحد أو سفينة واحدة.
" دولنا وتطبيق الإسلام "
وبخصوص مساهمة الدول العربية في العدوان المتكرر بعلم أو دون علم كالقرارات التي تسيء للمسلمين كمنع الحجاب في بعض الدول أجاب قائلاً: كل مخالفة شرعية من الحكومات والشعوب تسهم في ذلك؛ فإن محاسن الإسلام لا تظهر إلا من خلال تطبيقه التطبيق الصحيح، لا من خلال التطبيق الجزئي لبعض أحكامه دون بعض.

" المتشددون من اليهود والنصارى خلف الهجمات "


وسألنا الشيخ إن كان للكنائس دور في إشعال فتيل المعارك بين المسلمين والغرب عبر الرسومات أو غيرها، فأجاب قائلاً:
كثير من المرجعيات الدينية النصرانية واليهودية كانت قد أدانت رسمياً إساءةَ الرسوم في الأزمة الأولى، ولكن مما لا شك فيه أن للمتشددين من النصارى واليهود دورًا في التأكيد على الصورة النمطية المسيئة للإسلام والمسلمين، وما تصريحات بابا الفاتيكان المشينة عن الإسلام منا ببعيد. كما أن للمتطرفين من المسلمين دورًا في ذلك، وسبقت الإشارة إلى عدد من مسببات هذه الفتنة.

نشر بملحق الرسالة الجمعة 22/2/ 1429 هـ

 

مرفت عبدالجبار
  • فكر وقضايا معاصرة
  • جهاد وهموم أمة
  • دعويات
  • أسرة ومجتمع
  • موقف وقصة
  • عامة
  • لقاءات
  • مع الحسبة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط