اطبع هذه الصفحة


الشيــوعية

مرفت عبدالجبار


بسـم الله لرحمن الرحيم
 

المقدمة:
الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على أشْرف الأنبياء والمرسَلين، نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.

لقد ميَّز الله - تعالى - أمَّتَنا بشرَف عظيم، منذ بزوغ نورِه فيها، وقد انبثق هذا الفضْل والشَّرف للعالَم أجمع، واستقامتْ به أحوالُ المسلمين، في كلِّ عصْر من العصور، ألاَ وهو "الدِّين"، ذلك المَعِين الفيَّاض، الذي نهلتْ منه الأمَّة فتميَّزت، وارتقتْ في جميع الميادين؛ لأنَّ دِينها وعِلمها مبنيٌّ على أُسس وقواعدَ راسخة، منطلقها القرآن الكريم والسُّنة المطهَّرة، فسادتْ بأخلاقها وتعاليمها الربَّانية، وامتدتْ هذه السيادة لكلِّ ما يصدُر عنها بعدَ ذلك، وتعدَّى خيرها للأُمم الأخرى، فارتقتْ وتطوَّرتْ كأوربا لَمَّا احتكَّتْ بالمسلمين، فاستناروا بهم، وخرَجوا من مجاهيلِ الظلام، واستِعْباد الكنيسة إلى نورِ العِلم، الذي لم يكن منضبطًا بالعقيدة، فوكلتْ إليه، وزاغتْ وانحرفتْ، وظهرتْ فيهم ألوانُ المذاهب المنحرِفة، ومِن ضِمنها الشيوعية.

ولَمَّا قصَّرتِ الأمة في الازدياد مِن دروب رُقيِّها على جميع الأصعدة، تداعَى مجدُها، وتكالبتِ الأمم المنتفعة مِن خيرها عليها بالجحود والنكران، والكيد والمعاداة، ومِن صُور تلك المعاداة: غزوُهم لأمَّتنا بمذاهبهم وأفكارهم المنحرِفة، التي لم تلقَ قَبولاً لدَى البعض، إلا لَمَّا ابتعدوا عن مصدر عِزَّتهم - كتاب ربِّهم، وسُنَّة نبيهم محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتلقَّف أهواءَ وشُبه هذه المذاهبِ المنحرِفة مَن ضلَّ منهم، حتى أصبحوا دُعاةً لها، وأبواقًا مستأجرة لأهلها في مجتمعاتنا، لكنَّنا نَحْمَد الله تعالى أنَّه ما دام مصدر عِزَّتنا موْجُودًا ومحفوظًا، فأُمَّتنا - وإن أصابها ما أصابها - بخير، واللهَ وحْده نسألُ أن يحفظها مِن كيْد الأعداء.
في هذا البحْث سأعرِض - مستعينة بالله تعالى - لمْحة عن أسبابِ ظهور الشيوعية، من باب العِلم بالشيء، ولا سيَّما أنَّ البعض منها أصبح له صوتٌ نشاز في مجتمعاتنا المسلِمة - والله المستعان - وبالتالي فإنَّ العلم بنشأة أفكارهم وجذورهم المنحرِفة يخلق نوعًا من الحَذر لدَى القارئ المسلِم، وزيادة يقينه ببطلانها، وأنَّها لم تأتِ بكثيرٍ جديد مُفيدٍ للبشريَّة أكثرَ من البُعد التام عن مصادر الدِّين، ولَعْنِه والتبرُّؤ منه، كذلك إعداد العُدَّة لمحاربتها ودَحْضها، وعدم الانْخداع بها، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60].

ويقول أبو فراس:

عَرَفْتُ الشَّرَّ لاَ لِلشَّرْ
رِ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ
وَمَنْ لاَ يَعْرِفُ الشَّرَّ
مِنَ الْخَيْرِ يَقَعْ فِيهِ
فاللهَ وحْده نسأل أن يحفظَ أمَّتنا، ويُديم عليها إيمانَها وعقيدتها من كلِّ دخيل، ويأخذ بأيدينا للمعالي التي تُعيد لنا مجْدَنا وسيادتنا، ويوفِّق المخلِصين العاملين على تصفيةِ كلِّ ما يُكدِّر صفوَها من الشوائب الدخيلة.

المبحث الأول: ما هي الشيوعية؟
أولاً: تعريفها:

الشيوعية الحديثة (الماركسية) حرَكةٌ فِكرية واقتصاديَّة يهوديَّة، إباحيَّة، وضعَها كارل ماركس، تقوم على الإلْحاد، وإلْغاء الملكية الفرديَّة، وإلْغاء التوارث، وإشراك الناس كلِّهم في الإنتاج على حدٍّ سواء[1]، وقد تغيَّر وضْع الماركسية، فلم تعُدْ مذهبًا - فقط - يُعتقد فيه مِن قِبل البعض، ويُدْعى إليه من طرَفهم، وإنَّما أصبحت "دولة" تسير بمبادِئ مستقاة منها، وبهدف توخِّي نتائجَ رصدتها أو رصدها أقطابُها - بتعبير أدق[2].

"ويُستفاد مِن تعريف الشيوعية: لولا تبنِّي المُعسْكَر الشيوعي لهذا الفِكر في البداية، وإدخاله في سياسة الأمَّة، وأن يحكم الشَّعْب، وقيام الحُكومة خلفَه ومساندتها إيَّاه، لم يكن للشيوعية شأنٌ، بل سيكون شأنها شأنَ أيِّ شيء آخر.

على سبيل المثال: لو درسْنا وضْع التيَّار السلفي، ورسوخ قدَمِه في المجتمع، فيكون لولا مناصرةُ الحُكَّام له ودعْمهم إيَّاه، وخاصَّة في عهد الملك عبدالعزيز، لَمَا تمتَّع بهذه القوَّة، وبهذا النَّشاط، وهذا يدلُّنا على ضرورة مناصَرة الفِكر بالمال، والسياسة، مثل: الإسلام بدأ فِكرًا، ثم تطبيقًا على أكْتاف الرِّجال الصفوة، ثم بعدَ ذلك كان من ضِمن الهدف الذي كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُريدُه، وهو إقامة الدولة المسلِمة؛ لأنَّ إقامةَ الدولة المسلِمة التي ترْعى تطبيق هذا الدِّين.

فلولا مساندةُ الحُكومة أو مساندة الدولة سياسيًّا لهذا الفِكْر، لِمَا كُتِب له الانتشارُ أو الاستمرار، ولأُلْغِيت الحدود مثلاً، والدولة لا تُناصِر هذا المبدأ، فإذًا ترعى هذه الأمور كالحدود والحِسْبة وتطبيقها في النِّظام الإسلامي، الاقتصاد والمعاملات.

فلو لَم تكنِ الدولةُ مُساندةً لهذا الفِكر، أو لهذه النظرية، وبرِعايتها تؤصِّل لوُجُود هذه التيارات، لَم يُكتَب للماركسية النجاحُ لولا مساندة هذه الحكومات، وإدْخال الشيوعية كتطبيقٍ ثالث في سياسة هذا الشَّعْب"[3].

ثانيًا: التأسيس:

مؤسِّس الشيوعية الحديثة هو كارل ماركس، يهودي ألْماني، ويَذكُر الباحثون في شخصيته: أنَّه رجل فاشِل مُعقَّد، يحمل كلَّ خصائص اليهود: مِن الحقد، والكراهية لجميع البشر، إضافةً إلى أنَّه كسول فقير معوز؛ لذلك استغلَّ اليهود أوضاعَه النفسية والمادية الصعْبة، وطبلوا له، حتى أشبعوه بالعظَمة وسدادِ الرأي، وكل ذلك جعَل (ماركس) يُنادي بالنظرية الشيوعية[4].

وقد سلَك الماركسيون في ترجمةِ زعيمهم بعدَ وفاته مسلكين متناقضين: عدَلوا عن أحدهما إلى الآخَرِ بعد شيوع ذِكْره، واستفاضة أخباره، ونشْر الكثير من الوثائق المطوية عن حياته وعلاقاته بأسرته وصحْبه وزملائه، ممَّا يحتاج إلى تفسير أو توفيق بيْنه وبيْن المنزلة الرفيعة - بل المقدَّسة - التي أرادوا أن يرفعوه إليها.

سَلَكوا في بداءة الأمر مسلكَ التقديس، ثم عدَلوا عنه إلى الاعترافِ بالنقائص والأخطاء، مع الاحتراس والمراوغة، ولم يَلْبثوا أن توسَّعوا في الاعتراف بما لا بدَّ منه مع تطاول الزمن، وتداول الأخبار عنِ الخفايا والأسرار، وكان اعتذارُهم الذي يدورون حولَه كلَّما صُدِم الناس بخفيَّة جديدة من خفاياه: أنَّ شخصَ الرجل شيء، ومذهبه شيء آخر! وأنَّ أعمال الرجل الاجتماعية بمَعْزل عن حياته الفرديَّة، تطبيقًا لرأي "كارل ماركِس" نفسه حيث يقول: إنَّ "الشخصية الفرديَّة"، ناقلة لا أثَرَ لها في مجتمع، ما لم يكن لها تمهيد، أو مساندة مِن الظروف الاجتماعية.

ومِن سِيرته: أنَّه انحدر من أبوين ذوي أصْل يهودي، تحوَّلاَ عن اليهودية إلى النصرانية لأسبابٍ معيشيَّة، ولم تكن لماركس نشأةٌ طبيعية، لا جسدية ولا فِكرية، وليس في سيرته ما ينمُّ عن فِطرةٍ سوية تُهيِّئ الناشئة للخير والفلاح في حياته الخاصَّة والعامَّة، حتى الحصيلة العلمية، كان يُهمل دروسَه، وينقطع عن معْهد الدراسة أسابيعَ متواصِلة، ويبدل مناهِجَه الدراسية ولا ينشط لها كذلك، ولَم يكن في مصطلحاتِه الكتابية شيءٌ ينمُّ على احترام الآخَرين، كلفظة رِعاع على علماء الاقتصاد الذين يُعنون بالظواهر، ولا ينفذون إلى بواطنِ الحَرَكات الاجتماعية وغيرهم.

وقد أقام كارل ماركس مذهبَه على المادية الاقتصادية، وكان قِوامُ هذا المذهب أنَّ الدِّيانات والعقائد جميعًا إنما هي انعكاسُ للضرورات الاقتصادية في المجتمع، كما تتمثَّل في عباداته.

كما أنَّ السِّرَّ في قيام الشيوعيَّة وظهورها هو الخِداعُ الغريب الماكِر، الذي تتراءَى فيه للفقراء والمحرومين والطَّبقات المظلومَة في مظْهر المنقِذ المختار لنشْر الغِنى والسعادة بيْن الناس، وما تؤمِن به الشيوعية مِن صِراع الطبقات، وكذلك عملُها في بيئة مهيَّأةٍ لما تبثُّه من أفكار، وكانت المرتعَ الخصب لها، ومثلها الظروف الدوليَّة، التي تُحيط بالعالَم عقب الحرْب الكبرى، وطغيان زعماء الشيوعيَّة طُغيانًا لَم يُعرف له نظير، ممَّا ظَهر في المجازِر البشريَّة القاسية، وعدد الضحايا الهائِل في روسيا، وسجون الاعْتقال، والتشريد والنَّفْي إلى مجاهِل سيبيريا، والبطْش بخصومها في الرأي، والتنكيل بمعارِضيها في الفكر، والقضاء على الطبقات المعارِضة لها في بلادها... إلخ ممَّا سنأتي على ذِكْره - بحول الله.

كلُّها وسائِل لا يُؤمِن بها دِين، ولا يقبلها ضمير، ولا يوافق عليها عقْل، وما أضلَّ عقولَ الجماهير الجاهِلة، التي تفهم أنَّ الشيوعية تدعو لنفسها بنفسها؛ لأنَّها حلم الساعة!

متَّخِذة من بعض الشِّعارات العارية عن الصِّحَّة سبيلاً لخِداع مشاعر الشعوب، كالإخاء والحريَّة والمساواة، فعن أيِّ حريَّة وإخاء ومساواة يتكلَّمون، وقدْ شهِد العالَمُ مجازرَ تِلوَ المجازر بنفس السيناريو، تُطَبَّق على المسلمين في واقعنا المعاصر؟!

تَجْرِي دِمَاءُ الْأَبْرِيَاءِ عَلَى الثَّرَى نَهْرًا وَعَالَمُنَا الْمُخَدَّرُ يَشْهَدُ

ثالثًا: التاريخ والنشأة:

الشيوعيَّة الماركسية الحديثة أعْلنها ماركس بمعونة زميله (إنجلز) سنة 1848م ثورةً شيوعية ضدَّ الرأسمالية الغربية، وضدَّ الكَنيسة المتحكِّمة في رقاب العباد، ولكنَّها كانت ثورةً طاغية عاتيةً أيضًا.

وبقيتِ الشيوعية دعوةً نظرية، حتى قامتِ الثورة الشيوعية الشهيرة في روسيا سَنَة 1917م، بقيادة لينين (اليهودي)، وبتمويل وتنظيم العلمانيَّة.

وهي الآن تَجْثُم على رقْعة كبيرة مِن المعمورة، تشمل أقْصى شرْق وشمال آسيا، وما دونها مِن أراضي البلاد الإسلامية، وشمال شرق أوربا، إضافةً إلى مناطق نفوذها التي تتَّسع بالحديد والنار يومًا بعدَ يوم! خاصَّة في إفريقيا وجنوب شرْق آسيا وأمريكا الجنوبية وغيرها.

كما أنَّ الشيوعيَّة مبدأٌ وفِكرة مُوغِلة في القِدم، فقد ظهرتْ في التاريخ أكثرَ من مرة، ففي عام 487م ظهَر في بلاد فارس رجلٌ اسمه (مزدك)، ودعَا إلى الشيوعية واشتراك الناسِ في الأموال والنِّساء، وتُسمَّى حركته بالمزدكية، وقد تَمَّتِ الثورة عليه حين عظمُتْ فتنته، وانساق معه الأوباشُ حتى قُتِل، ومنهم عليُّ بن الفضْل الذي صوَّر مذهبهم بقوله:
تَوَلَّى نَبِيُّ بَنِي هَاشِمٍ  --- وَهَذَا نَبِيُّ بَنِي يَعْرُبِ
لِكُلِّ نَبِيٍّ مَضَى شِرْعَةٌ  --- وَهَذِي شَرِيعَةُ هَذَا النَّبِي
فَقَدْ حَطَّ عَنَّا فُرُوضَ الصَّلاَةِ  --- وَفَرْضَ الصِّيَامِ فَلَمْ نَتْعَبِ
إِذَا النَّاسُ صَلَّوْا فَلاَ تَنْهَضِي  --- وَإِنْ صَوَّمُوا فَكُلِي وَاشْرَبِي

كمَا دعا إلى الشيوعية (حمدان قرمط)، الذي تُنسَب إليه حركةُ القرامطة المشهورة، التي ظهرَتْ سنة 288هـ، وما بعدَها في البحرين واليمن والعراق[5].

رابعًا: أبرز الشخصيات:

كما سَلَف، وضعتِ الشيوعية أُسسَها الفكرية النظرية على يدِ أبيهم الرُّوحي كارل ماركس اليهودي الألْماني 1818 - 1883م، وهو حفيد الحاخام اليهودي مردخاي ماركس، وهو شخْص قصيرُ النظر، متقلِّب المزاج، حاقِد على المجتمع، مادي النَّزْعة، مِن مؤلَّفاته:
"البيان الشيوعي"، الذي صَدر سنة 1848م.
"رأس المال"، ظهر سنة 1867م.

• ساعدَه في التنظير للمذهَب فردريك إنجلز 1820 - 1895م، وهو صديق "كارل ماركس" الحميم، كما أنَّه ظلَّ ينفق على ماركس وعائلته حتى مات، ومِن مؤلفاته:
أصْل الأُسرة، الثنائية في الطبيعة، الاشتراكية الخرافية والاشتراكية العلميَّة.

• لينين 1870م - 1924م: اسمُه الحقيقي: فلاديمير أليتش بوليانوف، وهو قائِد الثورة البلشفية الدامية في روسيا 1917م، ودكتاتورها المرهوب، يهودي الأصْل، وهو الذي وضَع الشيوعية موضعَ التنفيذ، وله كُتُب كثيرة، وخُطَب ونشرات، أهمها ما جُمِع فيما يُسَمَّى مجموعة المؤلَّفات الكبرى.

• ستالين: واسمه الحقيقي جوزيف فاديونوفتش زوجا شفلي 1879 - 1954م، وهو سكرتير الحِزْب الشيوعي ورئيسه بعدَ لينين، اشتهر بالقَسْوة والجَبروت والطُّغيان والدكتاتورية، وشدَّة الإصرار على رأْيه، يعتمد في تصفيةِ خُصومه على القتْل والنفي، كما أثبتتْ تصرُّفاته أنَّه مستعدٌّ للتضحية بالشَّعْب كلِّه في سبيل شخْصه، وقد ناقشتْه زوجتُه مرة فقتَلَها!

• تروتسكي: وُلِد سنة 1879م، واغتيل سنة 1940م بتدبيرٍ مِن ستالين، وهو يهوديٌّ، واسمه الحقيقي: بروشتاين، له مكانةٌ هامَّة في الحِزْب، وقد تولَّى الشؤون الخارجية بعدَ الثورة، ثم أسندتْ إليه شؤون الحِزب، ثم فُصِل من الحِزب بتهمة العمل ضدَّ مصلحة الحِزْب ليخلوَ الجو لستالين الذي دبَّر اغتياله للخَلاَص منه نهائيًّا[6].

خامسًا: الانتشار ومواقع النفوذ:

تنتشر الشيوعية في أماكنَ كثيرة من العالَم، فعلى مستوى الأفراد لا يكاد صقْع من أصقاع العالَم يخلو مِن معتنِقين لها، إذ تنتشِر عبر الوسائل والقنوات المختلِفة.

أمَّا على مستوى الحكومات، والأحزاب والتنظيمات، فتنتشر في أماكنَ عديدة، فالشيوعية حَكَمت عدَّة دول، منها:
1- الاتحاد السوفيتي.
2- الصين.
3- تشيكوسلوفاكيا.
4- المجر.
5- بلغاريا.
6- بولندا.
7- ألمانيا الشرقية.
8- رومانيا.
9- يوغسلافيا.
10- ألبانيا.
11- كوبا.

ومعلومٌ أنَّ دخول الشيوعيَّة لتلك الدول كان بقوَّة الحديد والنار، والتسلط الاستعماري؛ ولذلك فإنَّ جُلَّ شعوب تلك الدول أصبحتْ تتململ مِن قبضة الشيوعية بعدَ أن استبانتْ لها الحقيقة الواضِحة، فلم تكنِ الشيوعية هي الفردوسَ المنتظر!

وبالتالي فقد بدأتِ الثورات تظهر هنا وهناك، كما حدَث في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كما أنَّك لا تكاد تجد دولتَين شيوعيتين في وِئام تام!

أمَّا على مستوى الأحزاب والتنظيمات، فقد دخلتِ الشيوعية في أماكنَ شتَّى، ومنها بعضُ دول العالَم الإسلامي؛ حيث استفاد الشيوعيُّون من جهْل بعض الحكَّام، وحرْصهم على تدعيم كراسيهم، ولو على حساب الدِّين.

فالشيوعية اكتسحتْ أفغانستان، وشرَّدت شعبها المسلم، كما أنَّها تحكم بعضَ الدول الإسلامية بواسطة عملائها، كما أنَّها أسَّست أحزابًا لها في مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، وسوريا، والجزائر، واليمن، وغيرها، ومواقف تلك الأحزاب العربية مِن قضايا العرَب والمسلمين لا تخفَى، فهي تعجُّ بالخيانة، ويُصدِّق ذلك ويشْهد له الحقائقُ الدامغة لدَى الباحثين والمتابعين[7].

سادسًا: المبادئ والأفكار التي تقوم عليها الشيوعية:

لا يزال اليهودُ في مُؤتمراتهم ونَشَراتهم ومحافِلهم وبروتوكولاتهم يعتزُّون مغتبطين بتأسيسِ الشيوعية، وقيامها وانتشارها؛ لأنَّها مرحلةٌ مِن مراحل وصولهم إلى مآرِبهم على أكتاف الأُمم والشعوب، وهم الآن سيعودون جادِّين لإسقاطها، حيث انتهتْ مآربهم منها[8].

وقامتِ الشيوعية الماركسيَّة من أول أمرها لمناهضة الأديان والأخلاق، والثقافات والمعاملات، وإقامة دولة شيوعيَّة عالميَّة تحت زعامة أقطاب الشيوعيَّة، ومِن ورائهم الأطماع اليهوديَّة في إقامة الدولة اليهودية الكُبرى التي يرتقِبها اليهود بفارِغ الصبر، ممثلَّة في إعادة بناء هيكل سليمان، وتتويج ملِكهم الذي يحلمون بأنَّه سيحكُم جميع البشَر مِن اليهود، ومِن سائر الجوييم[9].

وما الشيوعيَّة إلا حلْقة مِن جملة الحلقات التي يحيكها اليهودُ؛ للوصول إلى ما خطَّطه حكماؤهم من تدمير العالَم دينيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا... إلخ، ولقد أسهمتِ الشيوعية في كلِّ تلك المؤامرات، وكان لها حظُّ الأسد في تحطيم الجوييم في تصفيات جسديَّة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وفي إشاعة الفواحِش، وسائرِ المفاسد والشرور، حيث فاقوا فيها الشيطانَ، وأراحوه من مهمَّة تحقيق كل تلك الرزايا، التي حلَّتْ بسائر الأمم في دِينهم وفي دُنياهم على أيدي الملاحِدة.

وأبرز المبادئ التي تقوم عليها الشيوعية:
أولاً: الماديَّة:
(المادية) نِسبة، وهي الموجود الذي يُدرَك بإحدى الحواس، مما يخضع لتجرِبة الإنسان وملاحظاته، وقد ادَّعتِ المادية أنَّها منسوبةٌ إلى الواقِع الذي لا يُنكَر ولا يُكذَّب، ولقد أصبحتْ عبادة المادة هي الأساسَ المشترك لجميع الملاحِدة، على اختلاف مذاهبهم، وهي تعادل في تصرُّفاتها عندَ الملاحِدة تصرُّفاتِ خالق الكون عندَ المؤمنين.

ثانيًا: الجدلية "الديالكيتك":
لقد أصبحتِ المادة عند الشيوعيِّين هي كل شيء، وليس وراءَها شيء، وأنَّها تتطور صعودًا وَفقَ قانون "الجدلية الديالكيتك"، والتاريخ نفسه يسيرُ حسْبَ هذا القانون حتمًا - بزعمهم - وتكون هذه المادة وَفقَ ما تقترن به، فتُسمَّى المادية الجدلية في الكون، إذا كانتْ تتعلَّق بتغيرات الكون وأحْداثه، وإذا كانت تتعلَّق بسلوك الناس سموها المادية الجدليَّة في التاريخ، فالجدَليَّة: في المذهب الماركسي تُعتَبر بمثابة رُكْن من أركانه، وأنَّها هي قانون حركة الوجود كله.

ثالثًا: "التطور":
وهي في ظاهِرها كلمةٌ جميلة تُوحي بالتجديد والنشاط، والحيوية المطلوبة، إلا أنَّه ينبغي أن ندركَ أنَّ كثيرًا من أصحاب الأفكار الهدَّامة قد استغلُّوها استغلالاً فاحشًا، وبنوا عليها آراءَهم التي يهدفون مِن ورائها إلى تغيير المفاهِيم السليمة، والمعتقدات المستقيمة، والحياة الاقتصادية، تغييرًا جذريًّا يتفق مع ما بَنَوْه لقلْب الحياة الاجتماعية.

رابعًا: أنَّ السلطة في الدولة الشيوعية يجب أن تكونَ في أيدي العمَّال، ويُسميهم الشيوعيون (البروليتاريا)[10]، وهذا المبدأ يُقصَد به إثارةُ حقْد الفقراء والعمَّال ضدَّ أصحاب الأموال والسلطات، وتحريض أصحاب النَّزعات والشهوات البهيميَّة على الفَوْضى وإشاعة الفاحِشة[11].

وتعرض لنا ملحوظتان مِن خلال ما سبق: ترديد ذِكْر اليهود في أغلبِ نشأة هذه التيارات، وهذا يكشف عن جانبَيْن:
أ- أنَّ اليهود قد امتطَوْا هذه المطايا مِن التيارات والمذاهب الفِكريَّة المعاصرة؛ لأنهم علِموا أنها تخرب المجتمعات، وتضعف الدِّيانات، فاتَّخذوها عاملاً من عوامل التخريب للآخَر والمجتمعات.
ب- يَكْشِف عن مدى الالْتواء في الشخصية اليهودية، وعدم استمرارها على مبدأ ثابت، ومدَى تلوُّنها، ومدى مخادعتها للآخَر، واستخدام اليهود لهذه التيَّارات مطيةً؛ لأنهم علموا أنها تُلبِّي هدفهم الأساسي في تخريب المجتمعات، ومحاولة السيطرة عليها"[12].

كما أنَّ لهم أفكارًا ومعتقداتٍ كثيرةً تباعًا، مِن أبرزها:
• "إنكار وجود الله تعالى، وكل الغيبيَّات، والقول بأنَّ المادة هي أساسُ كل شيء، وشعارهم: نؤمن بثلاثة: ماركس ولينين وستالين، ونكْفُر بثلاثة: الله، الدين، الملكيَّة الخاصَّة، ولا يعتقدون بأنَّ هناك آخرة.
• يحاربون الأديان ويَعتبرونها وسيلةً لتخدير الشعوب، وخادمًا للرأسمالية والإمبريالية والاستغلال، مستثنِين من ذلك اليهوديَّة؛ لأنَّ اليهود شعبٌ مظلوم، يحتاج إلى دِينه؛ ليستعيدَ حقوقه المغتصَبة! وفي رأيي لأنَّها أمُّ ومنشأ فِكرتهم الخرِبة.
• يحاربون الملكية الفردية، ويقولون بشيوعية الأموال، وإلْغاء الوراثة.
• إنَّ كل تغيير في العالَم في نظرهم إنَّما هو نتيجة حتميَّة لتغيُّر وسائل الإنتاج، وإنَّ الفكر والحضارة والثقافة، هي وليدةُ التطور الاقتصادي.
• يحكمون الشعوبَ بالحديد والنار، ولا مجال لإعمال الفِكر، والغاية عندَهم تبرِّر الوسيلة"[13].

سابعًا: أسباب قيام الشيوعية:

لقد قامتِ الشيوعية الحديثة، ونشَرت مذهبها الإلحادي، فامتدَّ رواقه إلى كثيرٍ من بلدان العالَم، وذلك يعود لأسباب عديدة: منها ما يتعلَّق بالمجتمع الذي نشأتْ فيه، ومنها ما يتعلَّق بشخصية مؤسِّسيها ومنفِّذيها، ومنها أسباب خارجةٌ عن ذلك.

وفيما يلي تفصيلٌ لتلك الأسباب التي أدَّتْ إلى قيام الشيوعية:
1- الطغيان الكَنسي: الذي حارَب العِلم والعقل، ومكَّن للجهل والخُرافة، وأعان الحكَّام الظلمة، وفرَض على الناس الضرائب والعشور، وما إلى ذلك، ممَّا قامتْ به الكنيسة الأوروبية، فكان أنْ قامت الشيوعية كردَّة فعْل لذلك الطغيان.

2- مظالم النظام الرأسمالي: حيث طغَى الرأسماليون، وأفسدوا واستبدوا، فقام الشيوعيون - بزعمهم - بمحاولة الإصلاح.

3- غياب المنهج الصحيح عن أوروبا: فلمَّا قصَّر المسلمون في أداء رسالتهم، في تبليغ الدعوة وقوامة البشرية، غاب الإسلام عن ساحَةِ أوروبا، فمكَّن ذلك لنشأة الشيوعية، وغيرها من الاتِّجاهات والنظريَّات والمبادئ.

4- الخواء الرُّوحي: إذَّ إنَّ الكنيسة لا تقدِّم منهجًا يزكي النفس، ويجلب السعادة والطمأنينة للأفراد والمجتمعات، ممَّا جعَل النفوسَ تهفو إلى ما يُنقِذها مما هي فيه من القَلق والاضطراب والحَيْرة.

5- الاستعمار وما خلَفَه من دمار: فلذلك أثرُه الواضح في انحطاط الشعوبِ المُسْتَعْمَرة، وذلك عن طريق الكَبْت، وقفْل باب الحريَّة، مما أفسح المجال لنشْر الشيوعية.

6- المكر اليهودي: فاليهود يتآمَرون على العالَم، ويُخطِّطون لإفساده؛ تمهيدًا للسيطرة عليه، وممَّا يقومون به في ذلك السبيل: استغلالُ المذاهب الهدَّامة والتمكين لها.

7- الجهْل بدِين الإسلام: فهذا مِن أكبر أسباب الإلْحاد، وإلا فمَن عرَف ما جاء به الإسلام - ولو معرفة يسيرة - استحال أن يقَع منه الإلحاد؛ فإنَّ الدين بطبيعته وما اشتمل عليه مِن البراهين، يضطر صاحبُه إلى الاعتراف بوَحْدانية الله تعالى، وبطلان ما ناقَض ذلك، فلا تجد مُلحدًا إلاَ وهو مُعرِض، أو مكابر، أو معاند.

8- الهالة الإعلاميَّة والدعاية القويَّة: فمما ساعَدَ على قيام الشيوعيَّة ما قام به أربابُها من دعاية وهالة؛ لتحسين ضلالتهم، وترويج مذهبِهم، فإذا سمع الجاهلُ عن ذلك هالَه الأمر، واغترَّ بالشيوعية، وظنَّ صدقها مع أنَّ كل عاقلٍ منصف يعلم بطلانَها وزيفَها.

فالشيوعيون زعموا أنَّ ما جاؤوا به هو الرُّقي والتقدُّم والتجديد، وما أشبه ذلك مِن العبارات الفَضْفاضة.

ولولا أنَّ باطلهم زُخْرِفَ ورُوِّجَ له من قِبل الدعايات المضلَّلة، والدول المنحرِفة، لم يقبله، ولم يُصْغِ إليه أحد؛ لأنَّ حُججهم أوهنُ مِن حبل القمر، ومن بيْت العنكبوت.

9- الانقلاب الصناعي: فما يقوم به الشيوعيُّون من بحْث علمي جادٍّ، مستند على أدلَّة مغرية، صار سببًا لاغترار كثيرٍ من الخلق بهم؛ حيث ظنُّوا - بجهلهم - أنَّ الترقي الدنيوي دليلٌ على أنَّ أهله على حقٍّ وصواب في كلِّ شيء.

فإذا رأى الجاهلُ حالَ المسلمين وما هم عليه من الضعْف والهوان، ورأى حال الكفَّار وما هم عليه من القوَّة والتفنُّن في الصناعة، ورأى أُمم الأرْض تُذعِن وتسلِّم لهم، صار ذلك فتنةً له، فظنَّ أنَّ الكفار على حقّ، وأنَّ المسلمين على ضلال.

ولقد جهل هؤلاء، بل لقدْ ضلُّوا ضلالاً مبينًا بذلك الزعم؛ لأنَّه لا تلازمَ بيْن التقدم الصناعي وصحَّة المعتقد والمبدأ، فقد يكون الإنسانُ من أمهرِ الناس في أمور الطبيعة وهو أجهلُ مِن حمار - أجلَّكم الله - في الدِّين والأخلاق! والأمور النافِعة في العاجِل والآجل؛ فمسألةُ التقدُّم المادي مسألة همَّة ودأب وجد ليس إلاَّ.

ولهذا لمَّا خلَت بحوثهم ومخترعاتهم من رُوح الدِّين وحِكمته، صارتْ نكبة عليهم، وعلى البشرية جمعاء؛ بسبب ما ترتَّب عليها من الحروب التي لم يشهد لها نظير، ولقد عجَز ساستها ونُظَّارها أن يُنظِّموا للبشر حياةً مستقرَّة، عادلة طيبة.

10- ملذَّات الحياة ومباهج الحضارة: فلقد فتَح العالَم المادي أبوابًا عظيمة من أبواب الرفاهية والتَّرف؛ فالمراكب الفخْمة الفارهة؛ من سيَّارات وقطارات، وبواخر وطائرات، وكذلك الملابس والمطاعِم، ووسائل التسلية والترفيه، كل ذلك مكَّن للغفلة، وجعلَها تستحكِم على النفوس، ولا تشعرُ بالعاقبة، مما فتَح المجال لترويج أيِّ مبدأ.

11- شذوذ مؤسِّسيها وانحرافهم: فهذا "كارل ماركس" مؤسِّس الشيوعية كان حَبرًا يهوديًّا، وكان مخْفِقًا في شؤونه الخاصَّة، وكان ذا طبيعة ميَّالة للهدْم والفساد، كما كان على مستوى عالٍ من الفساد الخُلقي والسلوكي، أضِف إلى ذلك موتُ ابنتيه منتحرتَيْن، كل هذه العوامل وغيرها تحرَّكت في نفْس هذا المجرم، فأخرجتْ أُكَلها النَّكِد، وقلْ مثل ذلك في شأن بقية زُعماء الشيوعية ومنفِّذيها كـ"لينين، وستالين"، وغيرهما.

وبالجملة فأقلُّ ما يُقال عن الشيوعية: إنَّها عقوبةٌ إلهية للبشرية بسبب تمادِيها في الغَواية والضلال[14].

ثامنًا: أهداف قيام الشيوعية:

مرَّ بنا أنَّ اليهودية العالمية هي التي صنعتِ الشيوعية الماركسية، وأنها جعلتْها وسيلةً لتحقيق أهدافها للسيطرة على العالَم، وتسخير الموادِّ والمنتجات لخِدمة أغراضها الدنيئة، وأهوائها المنحطَّة، ومنها:
1- بثُّ الأحقاد والفُرْقة والعداوة بيْن المجتمع العالَمي، عن طريق التآمُر والصِّراع بين الطبقات.
2- معارَضة الدِّين، والملكية الفردية، وحرية الرأي.
3- نشْر الإلحاد، والفساد والإباحية.
4- القضاء على الأديان الموجودة عدَا اليهودية، وهذا يؤكِّد على أنَّ أصل الأمر يهودي، فلن يشهدَ "كارل" أو مَن أتى من بعده على يَهوديتهم، فمِن غير الممكن أن يكون هدفُهم القضاءَ على الأديان عمومًا، لكن هو يقضي على الدِّين، حتى ينتصر لليهودية[15].
5- القضاءُ على الحياة الأُسرية، وجعْل الولاء مقصورًا على السلطة الحاكمة، مع تخويل السُّلطة الحاكِمة بألاَّ تحكم وفقَ قوانين ثابتة، وإنَّما تتغيَّر القوانين حسبَ مصالح الحاكم الخاصَّة، وأهوائه الذاتية المتقلِّبة من وقت لآخرَ.
6- وبالجملة فأهدافُ الشيوعيَّة تتَّفق كثيرًا مع أهداف اليهوديَّة العالميَّة، ومع معتقداتها وأخلاقها[16].

تاسعًا: أساليب الشيوعية:

أ- الإعلام:
لا مجالَ في النِّظام الشيوعي لاستقلالِ الإعلام أو مجرَّد النظرة غير المتحيزة؛ لأنَّ الحِزْب الشيوعي يتحكَّم في مصادر الإعلام، وموارده المالية، وأخباره ومعلوماته، ويوجِّهها الوجهةَ التي تخدم الحزبَ وفلسفة الشيوعية المادية، فالشيوعيُّون يهاجمون الأديان عامَّة مِن خلالِ إعلامهم، ويعتبرونها مسكراتٍ للفقراء، حتى يهبُّوا إلى الدِّفاع عن مصالحهم الدنيويَّة، راضين بحياة الذلِّ والخُضُوع؛ طمعًا في جزاء الآخرة وثوابها، وهي لا وجودَ لها، إلا أنَّ مهاجمة الشيوعيَّة والمسيحيَّة شيء، ومهاجمتها للإسلام شيءٌ آخَر[17].

ويشمل الإعلام:
1- الدعاية: وترجع الدعاية الشيوعيَّة لزمنِ دعاة الشيوعية الأوائل، فمنذ بدأ "ماركس" في الكتابة، وهو يتَّبع سياسة دعائية ورِثها الشيوعيُّونَ عنه من بعده، وقاموا بتنميتها وتطويرها، وتتسم الدعايةُ بالتَّكْرار الذي لا يكلّ، وبالهجوم على خصومِ الشيوعية الذي لا يَنْتهي، وهم على استعدادٍ لاستخدام أية وسيلة لتحقير النُّظم غير الشيوعية[18].
2- توزيع ملايين: الكتيِّبات والنشرات مجانًا في كافَّة أنحاء العالَم داعيةً إلى مذهبها.
3- أسَّست الشيوعية أحزابًا: لها في كل الدول العربية والإسلامية تقريبًا، فنجد لها أحزابًا في مصر وسورية، ولبنان وفلسطين، والأردن وتونس، وغيرها.
4- الترويج لحلم: تحقيق الحكومة العالميَّة التي يحلمون بها، ويسعَوْن لتحقيق الأمميَّة من خلالها، وهذا من تصوُّرهم لعالمية الشيوعيَّة، وإبراز ذلك على أنه قضية مسلَّمة.

المبحث الثاني: الشيوعية والإسلام:
أولاً: دخول الشيوعية لبلاد المسلمين:

اليهود هم الذين أدْخلوا الشيوعية في الدول العربية والعالَم الإسلامي، فقد جاء "جوزيف برجر" اليهودي البولوني إلى لبنان سنة 1920م، عن طريق حيفا، وأخَذَ يدعو لوَحْدة الطبقة العاملة، والإخاء الإنساني، ومقاومة الاستعمار، وأسَّس حزبًا شيوعيًّا مرتبطًا بالحزب الشيوعي في فلسطين، ثم جاء بعدَه يهودي آخرُ من أصل ليتواني اسمه "إلياهو تيبر"، وكان قد تدرَّب على العمل في بلجيكا، حيث اعتنَق الشيوعية، وجاء يدعو لها في سوريا مِن قِبل "الكومنترن".

وفي هذه الأثناء عمِل أرتين مادونيان، وهيكازون بوياجيان، زعيمًا لحرَكة سبارناكوس الأرمينية اليسارية على تأسيسِ الحِزْب الشيوعي في سوريا في أوساط الأرْمن الأكراد.

ثم جاءَ مِن أوديسا في روسيا اليهودي: نخمان ليتفسكَى، ومعه زوجتُه؛ لاختيار الشباب العربي الذي يصلُح لتلقِّي التعاليم الماركسية في معهد الشيوعيِّين الشرقيِّين في موسكو، وكان في مقدِّمة المختارين الموفدين خالد بكداش سنة 1930، وكان في الخامسة والعشرين من عُمره.

وظهرتِ الأهداف الخبيثة من نشْر اليهود للشيوعية في بلاد المسلمين، عندما أُعْلن في سنة 1929م عن ارتباط الحِزْب الشيوعي اللبناني مع الحِزْب الشيوعي السوري، مع الحِزْب الشيوعي اليهودي في تل أبيب، تحتَ قيادة الحزب الشيوعي الفَرَنْسي في باريس، ومن المعروف أنَّ موسكو تستخدم الأحزابَ الشيوعية الأخرى للتدخُّل حتى تبدوَ بعيدةً عن الأحداث، مع أنها هي التي توجِّهها وتنميها، فقد كانتْ بلغاريا مثلاً[19]: تُشرِف على الأحزاب الشيوعية في "الشرق"، وتقوم برعايتها، كما تولَّت كوريا الشمالية بعضَ هذه المسؤولية بالنِّيابة عن موسكو.

وقد مهَّد للفكر الاشتراكي في مصر شبلي شميل اللبناني، وفرح أنطوان، الذي كان يدعو إلى دِين الإنسانية؛ ليحلَّ محلَّ الدين التقليدي، ويقصد به الإسلام، كما أخَذ سلامة موسى يبشِّر بالاشتراكية بعدَ زيارته لفرنسا، حيث مركزُ التوجيه الشيوعي للشرق في باريس، وقال هناك: "لقد عشقتُ صحيفة الأومانتية - وهي صحيفة الحِزْب الشيوعي الفرنسي - وإنَّ الاشتراكية طريقٌ جديد في رؤية الأشياء.

والمعروف أنَّ سلامة موسى كان يُطالِب بإباحة الخمور، ويهاجم اللغة العربية الفصحى؛ لُغةَ القرآن الكريم.

وقد أسَّس الحزبَ الشيوعي المصري اليهوديُّ روزنتال سنة 1922، وهو بائع مجوهرات، وساعدته في ذلك ابنتُه شارلوت، وخلَفَه في العمل الخواجة فاسيليف تحت سِتار تجارة القطن، ثم اليهودي هنري كوريل، الذي كان يُلقَّب بالملوينير الأحمر؛ لكثرة ما يُنفِق بلا حساب من مساعداتِ موسكو، ومِن مشاهير اليهود الشيوعيِّين أيضًا في مصر إيللي شواتز، ويوسف درويش، وريمون دويك، وأوديت وزوجها سلامون سدني.

وقد استوقَفني: كيف تخترق المجتمعاتِ الإسلاميةَ هذه الأفكارُ، حتى بأصحاب المهن التي تُعدُّ حقيرة، أو بعيدة كلَّ البعد على أن يتصوَّر مِن صانعيها خطورة؟!

يقول الدكتور عبدالبصير الحقرة: "وصاحب الفكر الشيوعي عندما يُريد أن يدخل مجتمعَ غيرِ الشيوعيين، يريد أن يُروِّج لفكره، فنقطة "امتهان المِهنة"، ستكون فرصةً لبثِّ الفكر؛ أولاً: لأنَّها تعطيه فرصةً للاتصال بالناس، ثانيًا: تعطيه فرصة وستارًا للتخفِّي - إذا لزِم الأمر - من الجهات الرِّقابية، مثل التيارات المعادية، أو تيارات أخرى"[20].

أمَّا في العِراق، فقدْ وفَد الخياط الروسي بيتروف من الأمميَّة السوفيتية سنة 1929، وأقام في مدينة الناصرية، وقد أطلق الشيوعيُّون على بتروف اسمَ "بطرس أبو ناصر"، وقد انتسب يوسف سلْمان إلى الحزب الشيوعي العراقي، وكان عميلاً للصِّهْيونيَّة في نفس الوقت، وأشهر قيادات الحِزب العراقي ناجي شميل، وكوهين وناجي شاؤول، وشالوم ميير، ويوسف ساسون، وناظِم يعقوب يونا، وداود دانيبل، وهارون زلحة، وكلهم يهود.

وقد أسَّس الحزبَ الشيوعي في سوريا الأرمني أرتين مادونيان، وما لبث أن انتزعَ منه الزعامةَ خالدٌ بكداش"[21].

ثانيًا: عداء الشيوعية للإسلام:

للشيوعية موقفٌ خاصٌّ من الإسلام يمثِّله قول مولوتوف: "لن تنتشرَ الشيوعية في الشَّرْق إلا إذا أبعدْنا أهله عن تلك الحِجارة التي يعبدونها في الحِجاز وفلسطين[22]!!

فالشيوعية قد تصبِر على النصرانية، ولا تُطيق الصبر على الإسلام إلا رَيْثما تتحفَّز له، وتغلُّ أيدي أتباعه عن المقاومة؛ لأن المسيحية دينُ العدد الأكبر مِن الروسيين، والشعوب الأوربية التي تدخل في حوزة الدولة الروسيَّة، ولأنَّ النصرانية من الجهة الأخرى تدعُ شؤون الدولة للدولة، ولا تتعرَّض للنظم الاجتماعية، أو لإقامة المجتمع على أساس جديد، وقد نشأتِ النصرانية كما هو معلومٌ في بلاد تخضع للسلطة "الرومانسية" في الشؤون الدنيوية، ولسلطة "الهيكل الإسرائيلي" في الشؤون الدينية، فاجتنتْ نقض الناموس، وأوصتْ بإعطاء ما لقيصر لله والعَكس!

ولأنَّ الإسلام أخطرُ الأديان على الشيوعية، كانتْ حرب الشيوعيِّين عليه شعواءَ، وأقسى وأعنف ما تكون، فأذاقوا المسلمين الهوان، وأصابوهم بمظالِمَ تقْشعِر منها الأبدان، فجرَّدوهم من أملاكهم وما لديهم مِن ثروات، وشرَعوا يهدِمون المساجدَ والمعاهد الدينية، وحوَّلوا والمساجد إلى أندية ومقاهٍ ودور لهْوٍ، وإصطبلات وحظائر للماشية[23].

وفي وجهة نظري أنَّ هناك سببًا آخرَ للموقف المحتد تجاه الإسلام، وهو: كون الشيوعية يهوديَّة الفِكرة لهدْم الأديان، فاليهود قد وجَدُوا نفوذهم على النصارى، ابتداءً بتحريف دِينهم على يدِ شاؤول اليهودي "بولس"، وانتهاءً إلى تبرئة بابا النصارى لليهود مِن الخطيئة المزعومة مؤخَّرًا، فهم يجدُون في النصرانية وغيرها متنفسَهم للتحريف والتبديل، وهذا ما لم يستطيعوه مع الدِّين الإسلامي، خاصَّة في أصوله وأحكامه، حتى وإنْ شابَ المسلمين ضعْفٌ، إلا أنَّ الأصول لا تزال ثابتة، بحفظ الله تعالى لكِتابه وسُنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يجدوا طريقَهم إلا من خلال الشُّبه التي يرمونها، ويتلقَّفها مَن غُسِلت أدمغتهم مِن أبناء الإسلام أو العرب، الذين يتحدَّثون بلُغتنا، أو أولئك الذين يتبنَّونَهم من المندسِّين، وهي مع ذلك مرفوضةٌ عند السواد الأعظم مِن المسلمين - بحمد الله.

يقول د. عبدالبصير الحقرة: "وكان مِن ضِمن الأسس التي جعلَتْ هذه التيارات عمومًا - وليس الشيوعية وحدَها - تحارب الإسلام: ما يتمتَّع به الإسلامُ من أمرين:
أولاً: القُوى الذاتية التي يحملها الإسلام مِن صِدق الأصول والمرتكزات، والسمو التشريعي وواقعيته، فالجانبان أعطيَا الإسلام قوةَ النشر والدخول، والسيطرة على القارئ، أو القريب منه؛ لِمَا يحمله من قوَّة الحق الذاتي، وسمو التشريع الإسلامي ذاته، فعندما نقرأ عن انتشار المدِّ الإسلامي في العالَم كله، سنجد أنَّ نسبةً كبيرة دخلَتِ الإسلام على يدِ نِسبة كبيرة من التجَّار الذين فعَلوا الإسلامَ كتطبيق عملي، وكخُلق ذاتي لهم.

فلمَّا وجَد الناس حُسْن التعامل، وسموَّ التشريع، وموضوعية الدين وواقعيته، دخلوا الإسلام، فهذا الجانب يؤرِّق أصحابَ المذاهب الفكرية المعاصرة، قديمًا وحديثًا، وليس الموجود الآن فقط!

ثانيًا: عالمية الدِّين الإسلامي، إحدى الفرائض الموجودة في الإسلام؛ قال - تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28].

فهذه المضامين في الأصول: هي التي تدفع أهلَ الإسلام دفعًا نحوَ ضرورة الانتشار للدِّين، والعمل على نشْره، وأية ديانة أخرى هي ديانةٌ متقوقِعة، وما اكتسبت المسيحية أصولَ الانتشار إلا مِن خلال تحريف "بولس" لأصول المسيحيَّة، وإلا فالمسيح في النصوص الموجودة عندهم: ذُكِر عنه أنَّه قال: "ما جئتُ إلا لخِراف بني إسرائيل الضالَّة"، ويقصد بذلك: أنَّه جاء لليهود برِسالة مخصوصة لقوم مخصوصين، لكن الذي حوَّل وطوَّر المسيحية فأخرجها مِن هذه الخصوصية لبني إسرائيل وألْبسها رداءَ العالمية، هو "بولس"، عندما ادَّعى أنَّ عيسى - عليه السلام - أمَرَه أن ينشر تعاليمَ الإنجيل في الشعوب الأخرى، فكان موضوع النشر وغيره.

فالإسلام هو الدِّين الوحيد الذي يَحمِل في أصوله قوةً ذاتية، وفرضية النشر والتبليغ، فهو الوحيدُ الذي يُوجِب على أتباعه ضرورةَ الوصول للآخَر، وإبلاغه الإسلام.

فهاتان النقطتان أقْصى ما يؤرِّق أعداء الإسلام؛ ولذلك ما يزال هو العدوَّ الأول لأصحاب التيَّارات، والعدو الأول للمسيحية، والعدو الأول لليهودية؛ لِمَا يملك من هذين العاملين: قوته الذاتية، والعالمية التي فرَضها على أتباعه بضرورة تبليغه ونشره"[24].

ومِن جهودهم: أنَّهم جمعوا نُسَخَ القرآن والأحاديث النبويَّة، وأحرقوها في الميادين العامَّة، وبطَشوا بكلِّ مَن يتوقَّعون منه المقاومة، ونكلوا بالشبَّان الأقوياء، ونشروا الخوف والفَزَع بيْن العاملين والفلاَّحين، فأقفرتِ الديار، وأجدبت المزارع، وعمَّت المجاعة، واشتدَّت قسوة الجوع على الناس، حتى أكلت الأمُّ ولدَها، وهي تبكي عليه، ثم نظروا شزرًا إلى المحسنين الذين هبُّوا لإنقاذ المنكوبين، فاتَّهموهم بالوقوفِ من السلطة موقفَ التحدِّي الذي يأخذ بأيدي ضحاياها، فقتلوهم لأنَّهم يُطعمون الجياعَ، ويعطفون على الآدمية التي يمسخُها الجوع مسخَ الضواري والسِّباع[25].

وهكذا أباد الشيوعيُّون المسلمين، واستولوا على أملاكِهم وثرواتهم، وهدموا مساجدهم، واستباحوا حُرْمتهم، وأغلقوا معاهِدَ العلم الإسلامية، وقتَلوا رجال الدين، وحرقوا المصاحف الشريفة في الميادينِ العامَّة، ومنعوا المسلمين من التمتُّع بالنُّظمِ الإسلامية، حتى في دائرة الأحوالِ الشخصية بإلْغاء المحاكم الشرعية.

وحارَب النظامُ الشيوعي الصينيُّ الدينَ الإسلامي، ولقَّن أبناء المسلمين تربيةً إلحادية، وجمَع الكتب الدينية وأتْلفَها، ويَعتبر المسلمين خارجين على القانون، ويُغلِق المدارس الإسلامية والمساجد، ويحثُّ على إقامة الولائم ظهرًا في رمضان، ويُعلِن أنَّ الدين أفيون الشعوب، وأنَّ العادات والتقاليد الدِّينية تُفسِد الأنظمةَ الاقتصادية، فهُم يجبرون النِّساء على العمل في المصانع، وعلى خلْع الحجاب والالْتزام بالسفور.

ويتلخَّص عداؤها للإسلام مِن خلال استقرائي في النِّقاط التالية[26]:
1- أنَّ الشيوعية تَعتِبر الإسلام عدوَّها الأول؛ لأنها تجد فيه النظامَ الكامل من ناحية اجتماعية وسياسية، واقتصادية وعامة، والذي يمكن أن يقفَ أتباعُه ضدَّها وهم على أرْض من الصخر، فيفنِّدون بآرائهم آراءَها، وبنظامهم نظامَها الاجتماعي والسياسي، والفكري والاقتصادي، جملةً وتفصيلاً، ففي الوقت الذي خنَع فيه أتباعُ الديانات الأخرى، فإنَّ المسلمين لا تزال فيهم بقيةٌ باقية من عنصر الإيمان يُحرِّكهم للثورة، ويدفعهم للانقضاضِ على الشيوعية؛ لذلك فهي تحْذَر المسلمين أيَّما حذرَ، مشوبًا بكراهية شديدة، تحملهم على التنكيلِ بالمسلمين متى ما أُتيح لهم ذلك، وقد فَعلُوا.

2- ضمَّ الشيوعيُّون البلادَ الإسلامية التي تُقارِبهم قسْرًا، واحتوتِ السلطة والسكَّان، واعتبرتْهم وأرضَهم جزءًا مِن أرْضها، وحالتْ دون اتِّصالهم بالعالَم الإسلامي خاصَّة، وبالخارجي عامَّة، وبالطبع ما تمكَّنوا من ذلك إلا لقُرْب هذه البلاد منهم، وإلا لو كانت بعيدةً ما تجرَّؤوا ولا استطاعوا، ومع كلِّ تلك القوَّة التي مارَسوها على المسلمين الذين يجاورونهم إلا أنَّ المسلمين ضرَبوا أروعَ الأمثلة بالمقاومة؛ وما ذاك إلا للعقيدة التي لا تُقهَر تحت أيِّ ظرْف كان صاحبها.

3- نتيجةً لكراهيتها الشديدة للإسلام وأهله فهِي تضرِب بعُنف، وهي على استعدادٍ للقضاء على كلِّ مَن تُثار حوله الشكوك بأقلِّ الشبهات، ولو أدَّى ذلك إلى قتْل شعب كامِل من الشعوب التي تتألَّف منها الإمبراطوريةُ الرُّوسية، ولنسألِ التاريخ القريب عن جُرْأتها على المسلمين.

4- تُقلِّل مِن نسبة المسلمين، وذلك مِن خلال تهجير المسلمين الذين تكْره وجودَهم في منطقة لأقلِّ الأسباب، وتبعدهم إلى مجاهيلِ سيبيريا، وتنقل الروسَ إلى أرْضهم، فيقلُّ بذلك نسبة المسلمين، في المنطقة وتفقرهم، وتدَّعي أنَّ المنطقة روسيَّة بعد أن تنقل إليها الرُّوس الجُدد، "وهذه السياسة وجدْناها بعد سقوط الاتِّحاد السوفيتي، ووجدْنا مدَى المعاناة الشديدة، والذي لم يكنِ السواد الأعظم من البلدان الإسلامية على عِلْم بما يحدُث لهم، فكان من ضِمن الأساليب: إحْكام السيطرة والتعذيب، والتنكيل بالمسلمين، والتغطية الإعلاميَّة والتكتُّم عن هذه الدول، فنحن لَم نكن نعرفُ أساسًا أنَّ هناك دولاً بهذا العدد، وبهذا الكم من المسلمين في دول مثل: كوسوفو وألبانيا، فهذه الدول كانت تحتَ وطأة الاتحاد السوفيتي قبل أن ينقسم، وكانتْ من الوسائل التي اتَّخذتها بحقِّهم هو تعميةُ الإعلام العالمي عمَّا يحدُث داخل الدولة الشيوعيَّة، والتكتُّم على هذه الأعمال الإجراميَّة، لما يحدُث لإخوانٍ لنا في الإسلام.

فهذا يكشِف عنْ مدى شدَّة كراهيتهم للإسلام، وقد رأيْنا المآسي التي آسى منها إخوانُنا في الإسلام رجالاً ونساءً في عقد التسعينيَّات، واستمرَّ أكثر من ثمانِ أو عشر سنوات مِنْ شدَّة المعاناة، وللأسف الشديد لَم نرَ فاعليَّةَ الحكومات الإسلاميَّة؛ نتيجةَ عوامل كثيرة كان منها انشغالهم بالقوميَّات والوطنيات وغيره"[27].

5- تقوم بدرْس المساجد والمؤسَّسات الإسلامية، وتُخفِي معالمها تنكيلاً، وإذا ما بقِيَ شيءٌ منها حولَّتْه لحانة خمر أو مرْقص، أو حظيرة للاستهزاء بالدِّين، وجرْح مشاعر المسلمين.

6- تلغي ماضي المسلمين، وتبدِّل أسماءَهم، وتبني لهم تاريخًا جديدًا بعدَ دمْجِهم قسرًا في حُكمها.

7- تمنع صِلةَ المسلمين في المناطق التي تسيطر عليها مع العالَم الإسلامي عامَّة، ومع العرب خاصَّة.

وهنا ذكْر لبعض البلدان التي كانتْ تحت التنكيل والسيطرة الشيوعية، بمناسبة الحديث عن المكْر الشيوعي ضدَّ المسلمين:
1- تركستان الشرقية الصينية:
تركستان منطقةٌ واسعة في وسط آسيا، تجعل منها الجبالُ التي في وسطها منطقتين، إن لم يكنْ لعامل الأرض عظيمُ قيمته، ويسكنها شعبٌ واحد، وإن لم يكن لرابط الجنس كبيرُ أثر، عُرِفت بهذا الاسم نسبةً إلى القبائل التركية التي تنتقل في أرْجائها.

وصل إليها المسلمون منذ فتوحاتهم الأولى فدانت لهم، وأقاموا فيها حكم الله، حتى إذا غلبت عليهم الدنيا ضعف أمرُهم، فغلبتهم التفرقة، وهزمتْهم الجيوش، ثم تقاسمتْها الدول، فأخَذ الروس قِسمَها الغربي، حتى عُرِف باسم (تركستان الروسية)، وسيطرتِ الصين على جزئها الشرقي، حتى عُرِف باسم (تركستان الصينية)، رغمَ أنَّ المنطقة بكامِلها تُشَكِّل جزءًا من الأمَّة الإسلامية، وتتألَّف تركستان الشرقية من خمس مناطق.
2- تركستان الغربيَّة:
منطقة واقعةٌ تحت السيطرة الروسية، في أواسط آسيا، وبيْن المرتفعات، وفي هذه المناطق الصحراويَّة عاشتْ قبائل فَرَضت عليها طبيعةُ المكان الارتحال وأجبرها الكلاء على الانتقال، يعود معظمها إلى أصْل تركي، هذا الأصل أعْطَى المنطقة الاسم، وحصل في هذه المنطقة فيما بعدُ تطوُّر على جميع النواحي رغمَ صحراويتها: تطور زراعي، وتعليمي، واستثماري صناعي، كلها عواملُ جعلت من روسيا تتهافتُ على احتلالها.

وغيرها مِن البلدان الإسلامية الكثيرة؛ كسيبريا، وقفقاسا، وأذربيجان، وداغستان.

إضافةً إلى المسلمين في البلْقان، وما ذاقوه مِن ويلاتٍ نقلتْها شاشاتُ التلفاز عيانًا جهارًا، دون أن يحرِّك العالم بأكمله ساكنًا، ومن تلكم البِقاع: ألبانيا، ويوغسلافيا.

ثالثًا: أسباب انتشار الشيوعيَّة في العالم الإسلامي:

لقد دخلتِ الشيوعية الماركسيَّة كثيرًا من بلاد المسلمين، وما كان ذلك ليتمَّ لها؛ لأنَّ مسوغات انتشارها في أوربا وروسيا كثيرة؛ وأبرزها غيابُ المنهج الصحيح وهو الإسلام.

أمَّا بلاد المسلمين، فإنَّها تنعم بالدِّين الحق، فما حاجتها - إذًا - للشيوعيَّة؟!
وكيف تسمح لمثْل هذه المذاهب الباطِلة أنْ تنخر في جسم الأمَّة، وقد أغْناها الله - عزَّ وجلَّ - بوحيِ السماء عن نتَنِ أفكار أهل الأرض؟!

والجواب عن ذلك: أنَّ الشيوعيَّة دخلتْ بلاد الإسلام لأسباب عديدة، منها:
1- انحراف كثيرٍ من المسلمين، وجهْلِهم بعقيدتهم.
2- الهزيمة النفسيَّة الداخلية، التي أفقدتِ العزَّة، ومَكَّنتِ الشيوعية وغيرها مِن الدُّخول.
3- التأخُّر المادي والعسكري، الذي مكَّن الشيوعيِّين من التفوُّق علينا، والذي يصنع الهَيْبة في نفوس المتجرِّدين من هذه القوَّة.
4- الاستعمار وما خلَّفه مِن دمار، وامتصاص المستعمرين لخيرات المسلمين.
5- حال المسلمين المتردِّية المتمثِّلة في التفرُّق والشَّتَات، واختلافِ الكلمة، ومعلومٌ أنَّ قوَّتهم في اتِّحادهم.
6- جعْل واقع المسلمين في العصور المتأخِّرة هو الصورة التي تمثِّل الإسلام، فيروج الشيوعيُّون وأذنابهم من المنتسبين للإسلام أنَّ دين الإسلام دينُ تخلُّف، وانحطاط، وتأخُّر عن مُوَاكبةِ الأحْداث.
7- انتشار الخُرافات والبِدَع؛ حيث شاعتْ في بلاد الإسلام بِدعٌ وضلالات، تروِّج لها المذاهبُ الباطلة، والطُّرق الصوفية التي تقوم على الدَّجَل، وعبادة القبور، والمبالَغة في قصص الكرامات.
كل ذلك اغتنمه الشيوعيُّون، وسدَّدوا مِنْ خلاله سهامَهم نحوَ الدين؛ ليروِّجوا أن الدِّين خرافةٌ ودجَل.
8- سقوط الخِلافة الإسلاميَّة: فلقد كانتْ تجمع المسلمين، وتُرهِب أعداءَ الله، مع ما كانتْ عليه في أواخِر عهدها من انتشار البِدَع، ونخرها في جسَد الخِلافة.
9- التقْصير في الدعوة إلى الله تعالى: ذلك أنَّ كثيرًا من المنتسبين إلى علوم الشريعة، فقد فرَّطوا في جانبِ الغَيْرة على الحق؛ خشيةَ أن يُوصَفوا بالتشدُّد أو الانغلاق، أو رغبةً بأن يُوصفوا بالانفتاح وسَعة الأفق.
10- ترْك الجهاد في سبيل الله تعالى؛ حيث ركَن أكثرُ المسلمين إلى ملذَّات الحياة الدنيا، فدبَّت إلى الجفون غفوة، فلم تكدِ الأُمَّة تستفِق منها إلا ويدٌ أجنبية تقبض على زِمامها، وتُديرها كما تَشاء.
11- تركيز الغَرْب على إفساد التعليم والإعلام والمرأة، فشوَّه الإعلامُ صورةَ الإسلام وعلمائه.
12- الابتِعاث وما فيه مِن مفاسد؛ حيث يبتعث إلى بلادِ الكُفْر مَنْ هو خالي الوفاض - في الغالب - فلا علمَ لديه، ولا ورَع يزمُّه، ولا تقوى تردَعُه، ولا عزَّة تمنعه، فيعيش في تلك البلاد فترةً من الزمان، فيتأثَّر بما فيها مِن انحلال، وفساد، وكفر، وربَّما رجَع بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقدَ شهادة أن لا إله إلا الله، فيُصبح بذلك مِعْولَ هدْم لأمَّته، وربَّما تولَّى زِمام التأثير في المجالات المهمَّة؛ فيفرغ فيها كثبةً مِن سمومه، وفساده.
13- خيانات العُملاء والمنافِقين؛ فلهؤلاء دوْرٌ كبير في نشْر الشيوعية، والتمكين لها.
14- سوء التربية؛ وذلك بأنْ ينشأ الشخصُ في بيْتٍ خالٍ من آداب الإسلام ومبادِئ هدايته، فلا يرَى فيه مَن يقوم على أمْر تربيته، وغيرها[28].

رابعًا: أعمال الشيوعيِّين ضدَّ المسلمين:

لقد أدْرَك الشيوعيُّون أنَّ للإسلام أثرًا عجيبًا في نفوس أهْله؛ وأنَّه من الصعوبة بمكان أن يتخلَّوْا عنه، أو أن يَرْضَوْا به بدلاً، كما أدْركوا أنَّ قوة الإسلام كامنة فيه، وفي مناسبته للفِطَر القويمة، والعقول السليمة.

تقول إحدى الوثائق الصادرة من جهات رسمية في الاتحاد السوفيتي: برغم مرورِ خمسين سنة تقريبًا على الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وبرغمِ الضَّرَبات العنيفة التي وجَّهتْها أضخم قوة اشتراكية في العالَم إلى الإسلام، فإنَّ الرِّفاق الذين يراقبون حركةَ الدِّين في الاتحاد السوفيتي صرَّحوا - كما تذكر مجلَّة (العلم والدين) الروسية في عددها الصادر في أوَّل كانون الثاني من سنة 1961م - بما نصُّه:
إنَّنا نواجه في الاتِّحاد السوفييتي تَحدِّياتٍ داخليَّة في المناطِق الإسلامية، وكأنَّ مبادئ لينين لَم تتشرَّبْها دِماءُ المسلمين.

ولهذا جاء في الوثيقة المذكورة بيانٌ للبنود التي يجِب على الشيوعيِّين محاربةُ الإسلام من خلالها، أختارُ بعضًا منها:
1- مهادنة الإسلام؛ لتتمَّ الغلبةُ عليه، والمهادنة لأَجَل؛ حتى نضمنَ السيطرة، ونجتذبَ الشعوب العربية للاشتراكية.
2- تشْويه سُمعة رِجال الدِّين، والحكَّام المتدينين، واتِّهامهم بالعمالة للاستعمار والصِّهْيونيَّة.
3- تعميم دِراسة الاشتراكية في جميع المعاهِد، والكليات، والمدارس في جميع المراحِل، ومزاحمة الإسلام ومحاصرته؛ حتى لا يصبح قوَّة تهدِّد الاشتراكية.
4- الحيلولة دون قيام حرَكات دينيَّة في البلاد، مهما كان شأنُها ضعيفًا، والعمل الدائم بيقظة لمحوِ أيِّ انبعاث دِيني، والضَّرْب بعُنف لا رحمة فيه لكلِّ مَن يدعو إلى الدين، ولو أدَّى إلى الموت!
5- ومع هذا لا يغيب عنَّا أنَّ للدِّين دورَه الخطير في بناء المجتمعات؛ ولذا وجَب أن نحاصرَه من كلِّ الجهات، وفي كلِّ مكان، وإلْصاق التُّهم به، وتنفير الناس منه بالأسلوب الذي لا ينمُّ عن معاداة الإسلام.
6- تشجيع الكُتَّاب الملحدين، وإعطاؤهم الحريَّةَ كلها في مواجهة الدِّين، والشعور الدِّيني، والضمير الدِّيني، والعبقرية الدِّينية، والتركيز في الأذهان على أنَّ الإسلام انتهى عصرُه.
7- قطْع الروابط الدِّينية بيْن الشعوب قطعًا تامًّا، وإحلال الرابطة الاشتراكية محلَّ الرابطة الإسلامية، التي هي أكبرُ خطرٍ على اشتراكيتنا العلميَّة.
8- إنَّ فصم روابطِ الدِّين ومحو الدِّين لا يتمَّان بهدْم المساجد والكنائس؛ لأنَّ الدين يكمن في الضمير، والمعابِد مظهرٌ من مظاهر الدين الخارجية، والمطلوب هو هدْم الضمير الدِّيني.
9- مُزاحَمة الوعي الدِّيني بالوعي العِلمي، وطرْد الوعي الدِّيني بالوعي العِلمي.
10- خِداع الجماهير بأنْ نزعم لهم أنَّ المسيح اشتراكي، وإمام الاشتراكية؛ فهو فقير، ومِن أسرة فقيرة، وأتباعه فُقراء كادحون، ودعَا إلى محاربة الأغنياء، وهذا يُمَكِّننا من استخدام المسيح نفسِه؛ لتثبيت الاشتراكية لدَى المسيحيِّين.

ونقول عن محمَّد: إنَّه إمام الاشتراكيِّين؛ فهو فقير، وتَبِعَه فُقراء، وحارَب الأغنياء المحتكِرين، والإقطاعيِّين، والمرابين، والرأسماليين وثارَ عليهم[29].

هذا فضلاً عن المخطَّطات العَملية التي قام بها الشيوعيُّون إبَّان فترة حُكْمهم بأعمال وحشية، ومذابحَ رهيبة لَم يشهد لها التاريخُ مثيلاً في أحقابه المتطاولة، وسيتضِح شيء من ذلك مِن خلال ما يلي:
أولاً: نَكبات المسلمين ومذابحهم على أيدي الشيوعيِّين:
1- الإبادة الجماعية:
أ - أعمالُهم في التُّركستان: فقد قتَل الشيوعيون في التركستان وحْدها سنة 1934م مائةَ ألف مسلِم: من أعضاء الحكومة المحليَّة، والعلماء، والمثقفين، والتجار، والمزارعين.

وقد هرَب من التركستان منذ سنة 1919م حتى اليوم مليونان ونصف مليون من المسلمين.

ومِن سنة 1932م إلى 1934م مات ثلاثة ملايين تركستاني جُوعًا؛ نتيجةَ استيلاء الرُّوس على محاصيلِ البلاد، وتقديمها إلى الصينيِّين الذين أدْخلوهم إلى تُركستان.

2- هدْم المساجد، وتحويلها إلى دُور للهو، واستخدامها في غايات أخرى، وإقْفال المدارس الدِّينية:
أ - بلَغ مجموع المساجد التي هُدِّمت أو حُوِّلت إلى غايات أخرى في التُّركستان وحْدها 6682 جامعًا ومسجدًا، منها أعظمُ المساجد الأثرية، مثل: (منارة مسجد كالان) في مدينة بخارى، و(كته جامع) في مدينة قوقان، و(جامع ابن قُتَيبة) و(جامع الأمير فضْل بن يحيى) و(جامع خوجه أحرار) في مدينة طشقند.

ومجموع عددِ المدارس والكتاتيب التي أقْفلوها في التركستان يبلغ 7052 مدرسة، منها: (ديوان بيكي مدرسة) في مدينة بُخارى، و(بكلريك مدرسة)، و(بران حان مدرسة) في مدينة طشقند، وغيرِها مِن المدارس التاريخيَّة التي كانتْ منهلاً من مناهلِ العلم والعرفان.

ب - وفي (القرم) طمسوا معالِمَ الإسلام بما فيها الجوامع الأثريَّة في مدينة (باغجة سراي) عاصِمة (القرم) الجميلة؛ مثل: (جامع حان)، وجامع (طوزيازرا)، وجامع (أصماقويو) وغيرها.

ج - وهدموا في مدينة (زغرب) في يوغسلافيا جامعًا عظيمًا شُيِّد رَمزًا لوحدة عنصري الشَّعْب الكرواتي.

وأغْلقوا في مدينة (سراييفوا) الأكاديميةَ الإسلامية العليا للشريعة الإسلامية، وجميعَ المدارس الدِّينية، باستثناء واحدة فقط، أبقَوْها للدِّعاية!

3- قتْل علماء الدِّين أو نفْيهم، أو الحُكم عليهم بالأشغال الشاقَّة، أو منْعهم من الحقوق السياسية، بل والحقوق الإنسانيَّة، وإيجاد أيَّة عقَبة أخرى تَحُول بينهم وبيْن مزاولتهم لِمهْنتهم.

وممَّن قُتِل من العلماء في تركستان الشيخ برهان البخاري قاضي القُضاة، والشيخ خان مرْوان خان مفتي بُخارَى، والشيخ عبدالمطلب واملا، والشيخ محسوب متولي، والشيخ عبدالأحد وادخان، والشيخ ملا يعقوب، والشيخ ملا عبدالكريم، وغيرهم كثيرون.

4- قتْل الزُّعماء السياسيِّين أو نفيهم: ومِن أمثال ذلك أنَّ الشيوعيِّين قتلوا في التركستان الشرقية سنة 1934م الحاجَّ خوجه نياز رئيس الجمهورية، ومولانا ثابتًا رئيس مجلس الوزراء، وشريف حاج قائد مقاطعة (ألتاء)، وعثمان أوراز قائد مقاطَعة (كاشفر)، ويونس بك وزير الدولة، والحاج أبو الحسن وزير التِّجارة، وطاهر بك رئيس مجلس النوَّاب، وعبدالله داملا وزير الأشغال، وغيرهم كثير ممَّن لا يتَّسع المقام لذِكْرهم.

وكلَّما أحسَّ الشيوعيُّون ببوادر أيَّة حرَكة قوميَّة أو إسلامية بيْن التركستانيِّين قاموا بحملة التصْفية، وهي حملةٌ يراد بها القضاء على كلِّ مَن تُحدِّثه نفسه بما قد يخالِف تعاليم آلهة الشيوعيِّين: (ماركس)، و(لينين)، و(ستالين).

5- منْع المسلمين مِن التمتُّع بالنُّظم الإسلامية في دائرة الأحوال الشخصيَّة؛ فقد أُلغيتِ المحاكمُ الشرعيَّة في جميع أنحاء الاتِّحاد السوفيتي ويوغسلافيا.

ثانيًا: نماذج من صُور التعذيب للمسلمين:
ومِن جرائمِ الشيوعيِّين التي أنزلوها بالمسلمين صورُ التعذيب، وأفانينه العجيبة، فمِن ذلك ما حلَّ بمسلِمي تركستان الشرقية، عندما رفَضُوا إلحاديةَ ماركس، التي منها:
1- دقُّ مساميرَ طويلة في رأس المُعذَّب، حتى تصل إلى مُخِّه.
2- صبُّ البترول على المُعذَّب، ثم إشْعال النار فيه حتى يحترِق.
3- جعْل المسجون المعذَّب هدفًا لرَصاص الجنود الذين يتدرَّبون على تسديد الأهداف.
4- حبْس المعتقَلِين في سجون لا تدخل إليها الشمس، ولا ينفذ منها هواء، وتجويعهم حتى الموت.
5- وضْع خوذات معدنيَّة على رأس المعذَّب، وإمرار تيَّار كهربائي فيها؛ لاقْتلاع العيون.
6- ربْط رأس المعذَّب في طرْف آلة ميكانيكية، وربْط باقي الجسم في آلة أخرى، ثم تحريك كلٍّ مِن الآلتين في تباعُد وتقارب شدًّا وضغطًا على المُعذَّب، حتى يعترفَ على نفسه وغيره، أو يموت.
7- كيُّ كلِّ عضوٍ من الجِسْم بقطعة من الحديد المحْمِي إلى درجة الاحمرار[30].

وغيرها مِن الأساليب التي يَشيب مِن هولها رأس قارئها، فكيف بمَن عاينها وعاشها - ولا حولَ ولا قوة إلا بالله؟!

خامسًا: خطر الشيوعية على الإسلام:

وبالرغم مِن وضوحِ انتماء الشيوعية لليهود، وافتخارهم وتباهيهم بها، إلاَّ أنَّ العالَم - وخاصَّة المسلمين - لا يزالون في غفْلة عن هذا الخطر المحدِق بهم، وكأنهم لا يسمعون ولا يُبصرون، ولا يعلمون شيئًا مما يحدُث، وما أحداث أفغانستان عنا ببعيد[31].

وتكْمن خطورةُ الشيوعية على المسلمين من جميع النواحي، إلا أنَّ الأخلاق والثقافة الإسلامية أهمُّها على الإطلاق؛ لأنَّ الضعف الحقيقي - في رأيي - في الأمَّة لا يتأتَّى إلا مِن خلالها.

أولاً: أثر الشيوعية على الأخلاق:

لا ريبَ أنَّ عقيدة الإنسان ترسم له طريقَه، وتحدِّد له معالِم سلوكه ومعاملاته، فالناس توجِّههم عقائدهم وأفكارهم، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خَلَل في الاعتقاد.

ولهذا فلا غروَ أن تفسدَ أخلاق الشيوعيِّين؛ لأنَّ الأصل لديها منْهار، وإذا انهار الأصْل تداعتِ الأركان والفروع.

بل إنَّ عقائدهم أحطُّ العقائد، فلا تسَلْ - إذًا - عن فساد أخلاقهم، وما يتبع ذلك مِن انحطاط سلوكهم، فالشيوعيُّون على أتمِّ الاستعداد لعمل أيِّ شيء منافٍ للأخلاق، من غشٍّ وكذب وخِداع، في سبيل تحقيق مكاسبهم، والوصول إلى غاياتهم؛ فهم يأخذون بالمبدأ الميكافيلي: "الغاية تسوِّغ الوسيلة".

يقول إنجلز: إذا لم يكن المناضِل الشيوعي قادرًا على أن يغيِّر أخلاقه وسلوكه وَفقًا للظروف مهما تطلَّب منه ذلك من كذِب، وتضليل، وخداع - فإنَّه لن يكون مناضلاً ثوريًّا حقيقيًّا.

ولهذا؛ فالشيوعيون لا يُحجمون عن أيِّ عمل مهما كانتْ بشاعته في سبيل غايتهم، وهي أن يُصبح العالَم شيوعيًّا تحت سيطرتهم، مُتَخَلِّقًا بأخلاقهم، مؤمنًا بها، يقول "لينين" في رسالة بعَث بها إلى الأديب الروسي مكسيم جوركي: إنَّ هلاك ثلاثة أرباع العالَم ليس بشيء، إنما الشيء المهمُّ هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا.

ولقد طبَّقوا هذه القاعدة في روسيا أيامَ الثورة، وكذلك في الصين، حيث أبيدت ملايين مِن البشر، كما أنَّ اكتساحهم للجمهوريات الإسلامية كبُخارى وغيرها، واكتساحهم لأفغانستان، ينضوي تحتَ هذه القاعدة.

وممَّا تؤمن به الشيوعية من أخلاق، العُنفُ والسعيُ في إثارة الحِقد والضغينة في نفوس العمَّال[32].

ولذلك ما لبِثوا أن ينشروا سمومَهم في المجتمع الإسلامي، على جميعِ المستويات الاجتماعية، وخطَّطوا ودبَّروا لكلِّ فرد ما يناسبه:
فقد استغلُّوا الشباب باللهو والإغراق في الملذَّات، والدعوة للرذائل بكافَّة السُّبل التي يستطيعون، خاصَّة الإعلامية منها.

وقد خطَّطوا للمرأة، واستطاعوا أن يجعلوا مِن البعض منهنَّ أُلعوبةً في أيديهم، رائدات للشيوعية في العالَم الإسلامي، داعيات إليها بطُرق مباشرة أو غير مباشرة، وتشربها الكثير من الغافلات والمغترَّات بتلك الدعوات باسمِ الحرية، فانسقْنَ خلفها، وضاعتْ هُويَّة المرأة المسلمة.

والحال ينطبِق على ناشئة الأمَّة، وما يبثونه من عقائدَ منحرِفة فيما يشاهدون.

2- الثقافة الإسلامية:
حينما نتكلَّم عن خطر الشيوعية على الهُويَّة والثقافة الإسلامية، فإنَّ هذا لا يَعني أنَّها هي العدوُّ الوحيد للإسلام والمسلمين، بل غالِب الملل إنْ لم تكن كلها، لها موقِف واحد من الإسلام، وإني لأعجَبُ كيف اجتمعتِ الأحقاد من الملَل والمذاهب المتعدِّدة على الإسلام خاصَّة حِقدًا لا يوازيه حقد!

إذًا فالشيوعيَّة بحِقدها على الأدْيان والأخلاق تَسْعى جادَّةً لسحْق المسلمين والقضاء على دِينهم؛ لأنَّ هذا من أهدافها الأساسية كما مرَّ معنا، وها هي الآن تزحف على البلاد الإسلامية يومًا بعدَ يوم، كما هي الحال في أفغانستان، واليمن الجنوبي والصومال، وغيرها، هذا بالإضافةِ إلى مُحاولة الشيوعيِّين إثارة الفتَن والشُّبهات، وتأسيس الأحزاب والاتجاهات الثوريَّة الموالية للشيوعية تحتَ شعارات اليسارية والاشتراكية، والبعثية والتقدمية والتحرير... إلخ، مِن الشعارات والألْقاب التي فرَّقتِ المسلمين ومزَّقت وحدتهم، ولا تزال إلى أن ينتبهَ المسلمون مِن غفلتهم، ويعودوا إلى ربِّهم، ويستمسكوا بدِينهم الذي فيه وحدتُهم، وعِصمة أمرهم.

ومِن مظاهر هذا التأثير على الثقافة الإسلامية:

1- أنَّ شباب المغْرب العربي، قد انجذب بسبب قرْبه من أوربا للتحلُّل الأوربي مِن الأخلاق وتقاليده المستمدَّة من الدِّين[33].
2- كما يخْضع العالَم الإسلامي تحتَ ألوان مختلفة مِن أنظمة الحُكم، وجميعها يقِف من الإسلام موقفًا واحدًا، وهي توجه بأيدٍ خفيَّة متحالِفة، ومِن ضمنها الشيوعيَّة.

سادسًا: من آثار الشيوعية على العالم الإسلامي:

1- أشْغلتِ العالَم الإسلامي فترة طويلة من الزمن لوهْمهم مقاومة الاستعمار الغربي، وفي حقيقتها تتبع بثِّ الصِّراع بين شعوب العالَم الإسلامي وحكوماتهم.
2- كان الصِّراع بيْن المسلمين والشيوعيِّين شديدًا؛ لأنَّ المسلمين يرفضون فكرة الإلْحاد والسخرية من الدِّين، فانشغل العالَم الإسلامي بهذا الصِّراع عن التنمية الاقتصادية والعِلمية والاجتماعية، وغفَل عن الكيان الإسرائيلي الذي كان يبني دولتَه بالدَّعْم الغربي.
3- ذُيوعها في مجتمعات المغْرِب العربي لدَى الأجيال الناشئة؛ وما ذاك إلا لهزالة الاتِّجاه الممثِّل لجذور الأمَّة الإسلامية.
4- صار الإسلام على يدِ الشيوعيِّين وأتباعهم اشتراكيًّا في الجزائر، واشتراكيًّا دستوريًّا في تونس، وملكيًّا دستوريًّا في المغرب.

سابعًا: كيفية مواجهة الشيوعية:
1- العمل كجَماعةٍ إسلامية متكامِلة، متوازنة الفِكْر تُعنَى بالتوحيد، وتَعْرف المخطَّطات العالمية ضدَّها، وتُربِّي أبناءها على التوحيد والعبادة، وتهتمُّ بالنوافل.
2- تبدأ الجماعة الإسلامية بالجِهاد، فتكون كالصَّاعق الذي يُفجِّر طاقاتِ الأمَّة، والجهاد يشمل: جهاد الفِكر، جهاد المقاومة في الدول المتضرِّرة، جهاد إعداد السِّلاح، وتقوية الأمَّة ماديًّا وعسكريًّا.
3- التربية الصحيحة، المؤصَّلة بالعقيدة السليمة؛ حتى يصحَّ البنيان في أنفس الأجيال المسلِمة، وتصمد أمامَ الأخطار التي تحدق بها.
4- اعتماد التدريس لموادَّ تتعلق بالمذاهب الفِكرية منذ مرحلة مبكِّرة، ولو بشكل ميسَّر، ولتكن المتوسطة مثلاً؛ حتى تتعلَّمَها الأجيال الصاعِدة منذ وقت مبكِّر.
5- توعية المبتعَثِين توعيةً تامَّة، وتأهيلهم فكريًّا لِمَا قد يصطدمون به في تلك المجتمعات مِن أفكار منحرِفة.
6- حوار مثقَّفينا مع رُموزهم الضالَّة "مفكريهم" حوارًا علنيًّا، هدفُه فضْحُ أفكارهم، وإلْجامهم بالأدلة الدامغة.
7- تفعيل الدَّوْر الإعلامي، في تسليط الضَّوْء على المذاهب المنحرِفة، وحتى وإن بدَا بعضها خاملَ النشاط، فالقوم يُخطِّطون ويجتمعون، ولا يعلنون دون كلَل ولا ملَل، ولا ندرك نتائجَ تخطيطهم إلا مع تقادُم الوقت، والدليل ما فيه دُولنا الإسلامية اليوم، وما كانت عليه.

ثامنًا: مِن شُبه الشيوعية العامة:
وهذه الشُّبه تتعلَّق بأصْل المذهب، والتي جعلت أساسًا يقوم عليه، لكنَّهم اجتهدوا في بثِّها للعالَم كمُسلَّمات ينبغي الأخْذُ بها، وهي كثيرة، مِن أبرزها:
1- إنكار وجود الله - تعالى وتقدَّس -:
يقول الشاعر:

وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ

فوجوده - سبحانه وتعالى - يتمثَّل بوضوح في كلِّ هذا الوجود من أصْغر مخلوق إلى أكْبره، بل الإنسان نفسه مِن أكْبر الأدلَّة على وجود الله الحكيم الخبير، وإلا فأي موجود يستطيع أن يزعمَ أنه هو الذي أوجد نفسَه، وعلى الصورة التي أرادها أو قدَّر لنفسه رِزقَها وأجَلَها، ومصيرها بعدَ ذلك.

لقد أقدمتْ فِئة شاذَّة استهواهم الشيطان، وماتتْ قلوبهم وإن كانوا أحياء يُرزقون، فذهبوا يعترِضون على وجود الله - تعالى - وهم الملاحِدة، وقد مهَّد لهم الطريقَ علماءُ الكلام الذين وصَفوا ربَّهم بأنه ليس فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا داخل العالَم ولا خارجَه، ولا يحسُّ ولا يشمُّ ولا يُشار إليه... إلخ، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ولقد كثرُتِ الردود على الملاحِدة، وعلى علماء الكلام الباطِل في هذه القضية الخطيرة، بما لا يكاد يحتاج إلى زِيادة.

ويعرِض سؤال: هل البشر في حاجةٍ إلى أدلَّة لإثبات وجود الله تعالى؟
لا يُمكن أن نجدَ إنسانًا سليمَ العقل والفطرة يعتقد أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يخفَى على عباده، فالعقل والكَوْن كله، وجميع المخلوقات مِن ناس وجماد، وساكِن ومتحرِّك، كلها تدلُّ على وجود الله - سبحانه وتعالى - وتشْهَد بقُدرته وحِكمته، ولطفه وعظمته، وجميع ذرَّات هذا الكون؛ ولهذا فلسْنا في حاجة إلى الإتيان بحشود الأدلَّة على وجوده، فهو أمْر فطري، وفي كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يَشْفي ويَكْفي لِمَن عنده أدْنى شك في وجود المولَى - عزَّ وجلَّ - ومِن العجيب أن يستدلَّ الملاحدة على إنْكار وجود الله تعالى بأدلَّة، هي أقوى الأدلَّة على وجوده وخلْقه لهذا الكون وتدبيره له.

ولعلَّ الذين تجرَّؤوا ونفَوْا وجود الله - عزَّ وجلَّ - إنما حملَهم على هذا ما وجدوه مِن أوصاف الإله - سبحانه - في التوراة والأناجيل، مِن أنه شاخَ وكبر وينسى، ويأكل ويشرب، ويمشي ويجلس، ويحزن ويندم، ويهمُّ بالشيء ثم لا يفعله، تعالى الملك، ولا عجب إذا تجرَّأ كتاب مقدَّس - بزعمهم - عن عدم التورُّعِ في تنزيه ربِّ الكتاب، كيف بعقول مَن يتلقَّفه من الضالِّين؟!

2- أن المجتمع قام على الشيوعية في بدايته:
وهذا ما هو إلا افتراض وظنون، لا يملكون على صحَّتها أي دليل صحيح، بل كل شيء يُكذِّبهم؛ قال - تعالى -: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾ [الكهف: 5].

فقد تصوَّروا في أخْيلتهم أنَّ البشر البدائيِّين: أقاموا فيما بينهم شراكةً في كلِّ شيء! قبل أن يتطوَّروا ويعرِفوا المِلْكية الفرديَّة، رادِّين بهذا كلَّ ما جاءت بذِكْره الشرائع، وخصوصًا الإسلام، وما شهِد به التاريخ، وما تواتر نقلُه في كلِّ الأجيال، وما شهِد به الواقع على مرِّ السنين، مِن أنَّ الله تعالى هو الذي رتَّب حياة الإنسان، وطريقة تعامله منذ أنْ أهبطه الله إلى الأرْض، وإلى أن يرثَ الله تعالى الأرض ومَن عليها، وأنَّ ما مِن أمَّة إلا خلا فيها نذير، وأنَّ الإنسان هو الإنسان مِن بدايته إلى نهايته لم يتغيَّرْ لا في هيئته، ولا في طبيعته، ولا في حبِّه للمِلْكية الفردية منذ وجوده على الأرْض، وما تصوَّره الملاحِدة من انعدام المِلْكية الفردية، وذوبان الشخْص في القبيلة إنَّما كان يصدُق على بعض عهود الجاهلية من التعصُّب الشديد للقبيلة، لكن في غير المِلْكية الفردية، مع أنَّ تصوُّر عدم ميْل كل شخص إلى المِلْكية الفردية افتراضيٌّ بعيدُ الوقوع ومحال.

نعم، وُجِد بيْن أفراد القبيلة الواحِدة تعاونٌ قوي، وتعاضُدٌ وشراكة، في السراء والضراء، وتلاحُم بيْن كل أفراد القبيلة إلى حدِّ أنَّ الفرْد لا يُتصوَّر وجوده وكيانه وانتماؤه، وما يأخذه وما يتركه، إلا مِن خلال قبيلته، يفعل كلَّ ما تفعله قبيلته، ويترك كل ما تتركه، دون أن يكونَ له أي رأي في مخالَفة عُرْف القبيلة، ولكن هذه الحال لا تصلح أن تكونَ دليلاً للملاحِدة على شيوعية البشَر على الطريقة التي قرَّرها (ماركس) وأتباعه.

3- اعتقاد أنَّ البشر كانوا بمنزلة البهائم في بدايتهم:
وهذا هو الظُّلم والكذِب على البشريَّة بعيْنه، وردٌّ صريح لكلِّ ما يثبت في الأديان السماوية مِن تكريم الله تعالى للبشَر، ورفْعهم عن منزلة الحيوانات البهيميَّة، التي تصورها الملاحدة في تفسيرهم لنشأة البشَر، وقيام أمورِهم على الناحية الاقتصادية والقَبليَّة، وإنَّ وَصفَ البشرية كلها بتلك الوصمة الشنيعة؛ لأجْل ما وجدوه هؤلاء عند تِلْك القبائل الهمجيَّة، ألا يُعتبر تطاولاً على تاريخ البشَر؟!

هذا إنْ صحَّ أنهم وجدوا بَشَرًا بتلك الحال!! مع أنَّ كذِبهم وافتراءَهم وارد، ذلك أنَّ ما مِن إنسان يرْضى بالفَوْضَى، فقد أخْبر الله - عزَّ وجلَّ - عن فِطرة الإنسان، وعن الغَيْرة الموجودة فيه منذ أنْ وُجِد أبناء آدَم على هذه الأرض، وقتل أحدُ ابني آدم أخاه.

4- زعَم الملاحدة أنَّ الناس في الشيوعية الأولى كانوا يعيشون عيشةً متساوية لا فرْق بينهم:
وهو افتراض ينقُصه الدليل، فمِن أين لهم أنَّهم ما كانوا يشعرون بالفوارقِ فيما بينهم؟! وأقل ما فيها فوارق في الذَّكاء، فوارق في إتْقان العمل، فوارق في القوَّة الجسديَّة والنفسية، وفوارق في الشجاعة، وفوارق في المال، إلى آخر الفوارق التي لا يجهلها أيُّ إنسان سليم العقْل.

وحتَّى الملاحدة لا يجهلونها لولاَ أنَّهم يريدون تحبيبَ الشيوعية إلى الناس، وخصوصًا الناسَ الذين يشعرون بانتقاص المجتمع لحقوقهم، أو أنهم مغلوبون على أمرِهم، ويتمنَّون أيَّ فرصة لإثبات وُجُودِهم الذي يحلُمون به.

فانتهز الملاحدةُ وجودَ هذه الفوارق الحتمية بيْن الناس للمناداة بالقضاء عليها، وأنَّى لهم أن يُطبِّقوا ذلك فعلاً، وهو مخالِف لما أراده الله تعالى في سُنَّته؟! ذلك أنَّ الله تعالى هو الذي أراد للناس أن يكونوا بهذه الحال، منهم الذكي ومنهم البليد، ومنهم الغني ومنهم الفقير، إلى آخِر الصفات المعلومة بالضرورة من أحوال البشر، فكيف يقْضُون على ما أراد الله بقاءَه؟!

والحاصل أنَّه لا دليلَ لهم على كلِّ ما زعموه مِن تلك المساواة المكذوبة، وكذلك زعْمهم أنَّ الناس كانوا يعيشون حياةً ملائكية في منتهى السعادة، إنْ هو إلا خيال فارِغ تُكذِّبه طبيعة البشر منذ وجودهم إلى اليوم، إضافةً إلى أنَّه لا دليل لهم إلا محْض أخيلتهم المنكوسة، وإلا فأيُّ زمن خلا عن الحرْب والتنافس بيْن القبائل على أمور كثيرة، أقلها المرْعى والحِمى والغنائم، وما إلى ذلك من الأمور التي لا بدَّ من وقوعها ضرورةً في كل أجيال البشر[34]؟!

تاسعًا: موقف الإسلام من الشيوعية:
موقِف الإسلام من الشيوعيَّة موقفٌ واضح وصريح، وهو الرفْض التام لكلِّ الأسس الفكرية التي انبثقتْ عنها الشيوعية، مثل: إنكار وجود الله تعالى، وتفسير تاريخ البشريَّة من خلال مفهوم الصِّراع الطبقي، ومحاربة الأديان، ومحاربة المِلْكية الفردية، والمناداة بأزلية المادة، وأنَّ العوامل الاقتصادية هي المحرِّك الأوَّل للأفراد والجماعات، كما أنَّ العقيدة الإسلامية تحتِّمُ مواساة المسلمين، وعدم مظاهرة أعداء الدِّين عليهم، ولا يَخْفى مِن خلال ما سبَق تسليط الضوْء عليه في هذا البحْث المتواضع، أنَّ الشيوعية نكَّلت بالمسلمين شرَّ تنكيل، وأبادتْ بعضهم وقُراهم عن بكْرتهم، في منظرٍ يُثير الحَجر قبلَ البشر، وغيرها مِن المآسي التي أظهرتْها لنا وسائلُ الإعلام.

وواضحٌ وصريحٌ أنَّ الشيوعية حاقدةٌ على الإسلام، وكلِّ ما يمتُّ له بصلة، فمن المستغرب - بل والمستنكر - لكلِّ مَن له أدْني بصيرة، أن يكون موقف الإسلام منها غير الرفْض التام، لا سيَّما وأنها جاحدةٌ بالله تعالى وشريعته، وقد قال - تعالى -: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22].

ويلخِّص هذا الرفْضَ التام للشيوعيَّة موقفُ الأمَّة من الشيوعيَّة في فتوى أصْدرها كبارُ علماء الأمَّة الإسلامية من خلال المجْمع الفقهي بتاريخ: 17/8/1398هـ،
ونصُّها كما يلي:
بعد أن تبيَّن لنا أنَّ الشيوعية مذهب كُفري باطل، بل يُعدُّ أحطَّ المذاهب الكفرية على مدار التاريخ، نأتي إلى حُكم الانتماء إلى ذلك المذهب مِن خلال فتوى المجمع الفقهي الإسلامي، فلقد عُرِض موضوع الشيوعيَّة على مجلس المجْمع في دورته الأولى المنعقدة في 10- 17/8/1398هـ، وبعد أنِ استعرض المجلس ذلك الموضوع، أصْدر فيه قرارًا بيَّن فيه حُكم الشيوعية والانتماء إليها، وهذا نصُّه:
الحمد لله، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وبعد:
فإنَّ مجلس المجمع الفِقهي درس فيما درسَه من أمور خطيرة (موضوع الشيوعيَّة والاشتراكية)، وما يتعرَّض له العالَم الإسلامي من مشكلات الغَزو الفِكري على صعيد كيان الدول، وعلى صعيدِ نشأة الأفراد وعقائدهم، وما تتعرَّض له تلك الدول والشعوب معًا، مِن أخطار تترتَّب على عدم التنبُّه إلى مخاطرِ هذا الغزو الخطير.

ولقدْ رأى المجمع الفقهي أنَّ كثيرًا من الدول في العالَم الإسلامي تُعاني فراغًا فكريًّا، وعقائديًّا، خاصَّة أنَّ هذه الأفكار والعقائد المستوردة قد أُعِدَّتْ بطريقة نفذت إلى المجتمعات الإسلامية، وأحْدثت فيها خللاً في العقائد، وانحلالاً في التفكير والسُّلوك، وتحطيمًا للقِيَم الإنسانية، وزعْزعة لكلِّ مقوِّمات الخير في المجتمع.

وإنه ليبدو واضحًا جليًّا أنَّ الدول الكبرى على اختلاف نُظُمها واتجاهها قد حاولتْ جاهدةً تمزيقَ شمل كل دولة تنتسب للإسلام؛ عداوةً له، وخوفًا من امتدادِه، ويقظةِ أهله.

لذا ركَّزت جميعُ الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمَّين: هما العقائد والأخلاق؛ ففي ميْدان العقائد شجَّعت كلَّ مَن يعتنق المبدأ الشيوعي المعبِّر عنه مبدئيًّا عند كثيرين بالاشتراكية، فجنَّدَتْ له الإذاعات والصحف، والدعايات البرَّاقة والكتَّاب المأجورين، وسمَّتْه حينًا بالحريَّة، وحينًا بالتقدميَّة، وحينًا بالديمقراطيَّة، وغير ذلك من الألفاظ.

وسَمَّتْ كلَّ ما يضاد ذلك من إصلاحات ومحافظة على القِيَم والمُثل السامية، والتعاليم الإسلامية: رجعيةً، وتأخُّرًا وانتهازية، ونحو ذلك.

وفي ميْدان الأخْلاق دعتْ إلى الإباحية، واختلاط الجِنسين، وسمَّت ذلك - أيضًا - تقدُّمًا وحريَّة، فهي تعرِف تمام المعرفة أنَّها متى قضَتْ على الدين والأخلاق، فقد تمكَّنت من السيطرة الفِكرية والمادية والسياسية.

وإذا ما تمَّ ذلك لها تمكَّنت مِن السيطرة التامَّة على جميعِ مقوِّمات الخير والإصلاح، وصرَّفتْها كما تشاء، فانبثق ذلك الصِّراعُ الفكري، والعقائدي والسياسي، وقامتْ بتقوية الجانبِ الموالي لها، وأمدَّتْه بالمال والسلاح، والدِّعاية؛ حتى يتمركزَ في مجتمعه، ويسيطرَ على الحُكْم، ثم لا تسأل عما يحدُث بعد ذلك من تقتيلٍ وتشريد، وكبْت للحريات، وسجْن لكلِّ ذي دِين، أو خُلُق كريم.

ولهذا لمَّا كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولاً إسلاميَّة لم تتحصَّن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تُجاهَه، وكان على المجْمع الفقهي في حدود اختصاصه العِلمي والدِّيني أن ينبَّه إلى المخاطِر، والتي تترتَّب على هذا الغزو الفكري، والعقائدي والسياسي الخطير الذي يتمُّ بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية، وغيرها، فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقِد في مكة المكرَّمة، يُقرِّر ما يلي:
يرى مجلس المجمع لفت نظر دول وشعوب العالم الإسلامي إلى أنه من المسلَّم به يقينًا أنَّ الشيوعية منافيةٌ للإسلام، وأنَّ اعتناقها كفْر بالدِّين الذي ارْتضاه الله لعباده، وهي هدْم للمُثل الإنسانية، والقِيَم الأخلاقية، وانحلال للمجتمعات البشريَّة.

والشريعة المحمديَّة هي خاتمةُ الأديان السماوية، وقد أُنزِلت من لدن حكيم حميد؛ لإخراجِ الناس من الظُّلمات إلى النور، وهي نظامٌ كامِل للدولة سياسيًّا واجتماعيًّا، وثقافيًّا واقتصاديًّا، وستظلُّ هي المعوَّلَ عليها - بإذن الله - للتخلُّص من جميع الشرور التي مزَّقتِ المسلمين، وفتَّت وحدتهم، وفرَّقت شملهم، لا سيَّما في المجتمعات التي عرَفت الإسلام، ثم جعلته وراءَها ظهريًّا.

لهذا وغيره كان الإسلامُ بالذات هو محلَّ هجوم عنيف مِن الغزو الشيوعي الاشتراكي الخطير؛ بقصْد القضاء على مبادئه ومُثله، ودُوله.

لذا فإنَّ المجلس يُوصِي الدول والشعوب الإسلامية أن تتنبَّه إلى وجوب مكافحةِ هذا الخطر الداهِم بالوسائل المختلفة، ومنها الأمور الآتية:
1- إعادة النظر بأقْصَى السُّرعة في جميع برامِج ومناهج التعليم المطبَّقة حاليًّا فيها بعد أن ثبت أنه قد تسرَّب إلى بعض هذه البرامج والمناهج أفكارٌ إلحاديَّة وشيوعيَّة، مسمومة مدسوسة، تُحارِب الدول الإسلامية في عُقْر دارها، وعلى يدِ نفرٍ من أبنائها من معلِّمين، ومؤلِّفين، وغيرهم.

2- إعادة النظر بأقْصى السرعة في جميع الأجهزةِ في الدول الإسلامية، وبخاصَّة في دوائرِ الإعلام والاقتصاد، والتجارة الداخلية والخارجية، وأجْهزة الإدارات المحليَّة؛ من أجْل تنقيتها وتقويمها، ووضْع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة، التي تعمل على حفْظ كيان الدول والشعوب، وإنقاذ المجتمعات من الحِقْد، والبغضاء وتنشر بينهم رُوح الأُُخوَّة والتعاون، والصفاء.

3- الإهابة بالدول والشُّعوب الإسلامية أن تعملَ على إعداد مدارسَ متخصِّصة، وتكوين دُعاة أمناء؛ من أجْل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو بشتَّى صُوره، ومقابلته بدِراسات عميقة ميسَّرة لكلِّ راغب في الاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطِرِه من جهة، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه مِن جهة أخرى. ومِن ثمَّ فإنَّ هذه المدارس، وأولئك الدعاة كلَّما تكاثروا في أيِّ بلد إسلامي يُرْجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرِفة الغريبة.

وبذلك يقوم صفٌّ عِلمي عملي منظَّم واقعي؛ من أجْل التحصُّن ضدَّ جميع التيَّارات التي تستهدف هذه البقية مِن مقومات الإسلام في نفوس الناس، كما يَهيب المجلس بعلماء المسلِمين في كلِّ مَكان، وبالمنظَّمات والهيئات الإسلامية في العالَم أنْ يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلْحادية الخطيرة التي تستهدِف دينَهم وعقائدهم، وشريعتهم، وتريد القضاءَ عليهم، وعلى أوطانهم، وأن يُوضِّحوا للناس حقيقةَ الاشتراكية والشيوعية، وأنها حرْب على الإسلام، والله يقول الحقَّ وهو يَهدي السبيل، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الرئيس/ عبدالله بن محمد بن حُمَيد.
نائب الرئيس/ محمد بن على الحركان.
الأعضاء:
1- عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
2- محمد محمود الصواف.
3- صالح بن عثيمين.
4- محمد بن عبدالله بن سبيل.
5- محمد رشيد قباني.
6- مصطفى الزرقا.
7- محمد رشيدي.
8- عبدالقدوس الهاشمي الندوي.
9- أبو بكر جومي.

المبحث الثالث: الشيوعية العالَمية بين الحلم والواقع الموبوء:

أولاً: انتشار الشيوعية العالمي:
توقَّع "ماركس" أنْ تختبر نظرياته في كلٍّ من ألمانيا وبريطانيا أو في بعض الدول المتقدِّمة صناعيًّا، لكنَّ ذلك حدَث في روسيا المتخلِّفة نسبيًّا حيث نجح الشيوعيُّون لأول مرَّة في إقامة حكومة شيوعيَّة، وطوال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين نشط الشيوعيُّون المحليُّون في العديد من البلدان، لكنَّهم لقوا هزائمَ قاسية في كلٍّ من الصين وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.

وفي عام 1919م ساعَد الشيوعيُّون الروس في إنشاء الكومنتيرن (الدولية الشيوعية)، ووحَّد الكومنتيرن جميعَ الأحزاب الشيوعية في العالَم في تنظيمٍ ثوريٍّ منظَّم، وأصبح أداةً في يدِ القادة السوفييت، ولمَّا باءت محاولات هذا التنظيم في تشجيع الثورات في البلدان الأخرى بالفشَل، تم إلْغاء هذا التنظيم عام 1943م.

وقد أتاحَتِ الحرب العالمية الثانية فُرصًا للشيوعيِّين في كسْب العديد من الدول، ففي عامي 1939 و1940م ضمَّ الاتحاد السوفييتي (سابقًا) كلاًّ من لاتفيا ولتوانيا وإِستونيا، بالإضافة إلى أجزاء مِن بولندا وفنلندا ورومانيا.

ومع نهاية الحرْب العالمية الثانية، ساعَد الجنود السوفييت في تحرير العديدِ من الدول من السيطرتَيْن الألمانية واليابانية، ومِن هنا أصبحت بلدان: بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية والمجر، وبولندا ورومانيا، وكوريا الشمالية، ديمقراطياتٍ شعبية مرتبِطة بأحلاف ومعاهَدات عسكريَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة مع الاتحاد السوفييتي.

وقد حارب الشيوعيُّون والوطنيُّون في الصين اليابانيِّين الذين غزوا بلدَهم في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، وبعد الحرْب العالمية الثانية نشبَتْ في الصين حربٌ أهلية بين الشيوعيِّين والوطنيِّين، وقد كان للشيوعيِّين بقيادة ماوتسي تونج اليدُ العليا في هذه الحرْب، وفي عام 1949م سيطر الشيوعيُّون في الصِّين على كافَّة الأراضي الصِّينيَّة الرئيسيَّة.

في عام 1947م أُنشِئتْ تسعة أحزاب شيوعية أوروبية الكومينفورم (دائرة الإعلام الشيوعي)، وقد سيْطر السوفييت على الكومينفورم، وحاولوا استخدامَه من أجْل ضمان استمرار الأحزاب الأخرى في اتِّباع سياستهم، طُردتْ يوغوسلافيا من الكومينفورم عام 1948م، بعدَما رفض جوزيف بروز تيتو أن يكون تابعًا لسياسات الاتحاد السوفييتي، وبعدها فقَدَ (الكومينفورم) فاعليتَه، وتم حلُّه عام 1956م.

وفي أواخر الأربعينيات من القَرْن العشرين وعَدَتِ الولايات المتحدة الأمريكيَّة حلفاءَها بمساعدة الحكومات غير الشيوعيَّة التي كانت على وشكِ السقوط تحت سيطرة الشيوعيِّين، ومِن هنا نشأ صِراع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكيَّة، وعُرِف هذا الصِّراع بالحرْب الباردة.

في أواخر ثمانينيات القرْن العشرين، شهدت معظم البلدان الشيوعية فتراتٍ طويلةً من الركود الاقتصادي، فقد ثبَت فشلُ السياسات الاقتصادية في تحسين الكفاءة الاقتصادية، وفي تطوير تقنيات جديدة، وقد حاولتِ العديد من الدول أن تواجِهَ هذه المشكلات بمحاولة إجراء إصلاحات اقتصادية كالاتحاد السوفييتي، والصِّين، وفي أوروبا الشرقية.

ثانيًا: مُصادمة الشيوعيَّة للعالم:

1- مِن الجانب الاعتقادي والدِّيني:
النظريَّة الشيوعيَّة صدَرتْ عن شخص حاقِد على البشرية، وجاءتْ لتحقيق أغراض اليهود في تحطيمِ الأُمم والشعوب؛ لذلك عملت في جوانبها الاعتقادية والفِكرية والاقتصادية على مصادَمةِ الدِّين الإلهي الحق، ومصادمة الفِطرة السليمة التي فَطَر اللهُ الناسَ عليها، ومصادمة كلِّ ما يعترض طريقَها، وعلى هذا فإنَّها لا يمكن أن تبقى طويلاً؛ لأنها لا تملِك مقومات البقاء في جميع أصولها، فقد قامتِ الشيوعية على إنكار وجود الله - سبحانه، وإنكار الغيْب (ومنه: البعْث والجنة والنار)، وهي بهذا المعتقد الإلْحادي تُصادِم الفطرة السليمة؛ فطرة الإيمان بالله، والركون إليه، والإيمان بالجزاء والحِساب، والثواب والعقاب، التي تطمئِنُّ لها النفس الإنسانية؛ وذلك أنَّ النفْس البشرية لا تَسْعَد ولا تنشرح إلا بالهُدى والإيمان، وبالعكس فإنَّها إذا لم توفَّق للهِداية، وتهْتدي للإسلام، فإنَّها تشقَى.

وهذا الحال لَم يكن تجاهَ الدِّين الحق وحسب، بل تعدَّاه للأديان العالميَّة الأُخْرى، فتَعتبر الشيوعية الدِّين أمرًا واجبَ الإلْغاء من اعتبارات عِدَّة:
أحد هذه الاعتبارات أنَّه خُرافة، ونحن الآن في عصْر العلم، فقد كان الباعِث الأول على الدِّين هو جهل الإنسان بالطبيعة مِن حوله، وعجْزه عن السَّيطرة عليها، فتخيَّل وجود قُوى خفيَّة تُسيطِر على هذا الكون، وتَجري الأحداث فيه، وراح يسترضي هذه القوى؛ ليدفعَ أذاها عنه، فتقرب إليها بالشعائر التعبدية، وتقديم القرابين.

الاعتبار الثاني: أنه كان ناشئًا مِن طبيعة الوضْع المادي والاقتصادي في العهْد الزراعي؛ حيث كان جزءًا مِن عملية الإنتاج خارجًا عن سيطرة الإنسان، فتخيَّل وجود قوَّة غيبيَّة، نسب إليها الهَيْمنة على ذلك الجزء الخارج عن سيطرته، وراح يتعبَّدها؛ لاجتلاب رضاها، وصَرْف أذاها، وغضَبها عنه، وسمَّاها الله!

والآن تغيَّر الوضْع المادي والاقتصادي، وأصبحتْ عملية الإنتاج كلها منظورةً، وكلها تحت سيطرة العامِل الذي يقوم بالإنتاج، فلم تعُد هناك حاجةٌ لافتراض تلك القوَّة الغيبيَّة التي أصبحتِ الآن غير ذات موضوع.

الاعتبار الثالث: أنَّ الدِّين يخالف المعتقَد الشيوعي القائم - في نظرهم - على أُسُس علميَّة، وهو أنَّ المادة هي الأصْل، وهى سابقة في الوجود على الفِكر؛ إذ يقوم الدِّين على أساس أنَّ المادة مخلوقة، وبالتالي فليستْ هي الأصْل، وليستْ سابقةً على الفِكر، ومن ثَمَّ وجَب إلْغاء الدِّين؛ لأنَّه يصادم التصوُّر الشيوعي، الذي يَنْبغي أن يبْقَى وحْدَه، ويلغي كلَّ ما سواه.

الاعتبار الرابع: أنَّ "الدِّين أفيون الشَّعْب"، فقد كان المستغلُّون منَ الإقطاعيِّين والرأسماليِّين يستخدمونه لتخْدير الجماهير؛ لكي ترْضَى بالظُّلم الواقع عليها، ولا تتمرَّد عليه، مقابل الحصول على نعيم الجنَّة في الآخرة، وبصِفة خاصَّة، فقد كان الدِّين يُستخدم ضدَّ الشيوعيَّة بالذات.

فحين يقوم الشيوعيُّون بالدعوة إلى الشيوعيَّة يُستخدم الدين لوقْف هذه الدعوة ومحاربتها، فالآن بعدَ قيام المجتمَع الشيوعي الذي ليس فيه مستغلُّون، ينبغي إلْغاء ذلك المخدِّر الذي كانوا يستخدمونه؛ إذ لَم تعُدْ هناك حاجَةٌ لاستخدام المخدِّر، ومن جهة أخرى فقَدْ وجَب القضاء على ذلك العدوِّ اللدود الذي يُستخدم ضدَّ "العقيدة" الجديدة، ومحوه من الوجود[35].

ومعلومٌ أيضًا أنَّ الدول الشيوعيَّة ترْعى الإلْحاد العِلمي، وأنَّها تحرِّم تلقين الدِّين من قِبل أية جهة، ولو كانتِ الأُسرة أو كان الوالدان هما الجِهة التي تقوم بهذا التلقين، وقد أُعْلِن مرارًا في الاتِّحاد السوفيتي أنَّ الصِّغار يَنبغي أن يشبُّوا في حالة حِياد، ثم يقرِّروا موقفهم بأنفسهم بعدَ ذلك.

ولمَّا كانتِ الأُسرة هي المعلِّم الأول والأهمَّ للدِّين، فقد عمل على تفتيت الأُسر، بحيث ينفصل الأبناء في سِنٍّ مبكِّرة عن آبائهم؛ كيلا يُتاحَ للآباء تلْقينُ الروح الدِّينية لصِغارهم[36].

ومنَ الجانب الفكري:

قامتِ الشيوعيَّة على المادية الجدَليَّة التي لا يَعقِلها الفِكْر السليم، وذلك أنَّها تذهب إلى أنَّ المادة هي التي تمدُّ الفِكر الإنساني وتحرِّكه، وهي أصْل كل شيء في الكون، وسبب كلِّ حدَث وتفكير، وسلوك وعاطفة، وأنَّ الدنيا مجرَّد صِراع على المادة، وهذا يُصادِم الفطرة الإنسانية السليمة التي جُبِلت على حبِّ الخير، واستمداد الفِكْر من الوحي الإلهي، فالفطرة البشرية لا تستقيمُ إلا على التوازن بيْن الرُّوح والمادة، وبيْن الدِّين والدنيا، لكن الفِكرة الشيوعيَّة تقوم على إنْكار الرُّوح والدِّين؛ لذلك حارب الشيوعيُّون الأديان - عمومًا - ولَم ترَ أَحَدًا بعيْن الاعتبار، مما يخالِف أفكارها من المذاهب الأخرى، كما مرَّ معنا في سيرة مؤسسها.

ومن الجانب الاقتِصادي:

تقوم الشيوعيَّة على إلْغاء المِلْكيَّة الفرديَّة، وتُنكِر الفوارق الفِطرية بيْن الناس، وتساويهم في التمليك وتتجاهَل تفاوت البشَر في القُدرات والمواهِب، ومن هنا تتصادَم بعُنف مع فِطرة الله، التي فطَر الناس عليها، حيث جَعَل فيهم القويَّ المكتسِب النشيط، والضعيفَ القاعد الخامل، وما بينهما درجاتٌ متفاوتة؛ لذلك فالشيوعية تعمل على تشجيعِ الخامل على خموله، وتحطيم المكتسب النشيط، وقتْل طموحه، ومثل ذلك الجوانب الأُخرى: الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة والسياسيَّة، وغيرها، فهي تقوم على هدْم الكِيان الأُسري، وعلى نشْر الرذيلة والانحراف، وعلى العُنْف والكَبْت والإرْهاب.

ثالثًا: آثار الشيوعية على العالَم ومعتنقيها:

لقد قامتِ الشيوعية على أُسس ومبادِئ آمَن بها الشيوعيُّون، وحاولوا تطبيقَها على مجتمعاتهم، ودعوة الآخرين إلى تطبيقها، زاعمين بأنَّ تلك الأُسس والمبادِئ، ستخلِّص الشعوبَ من وطأة الرأسمالية، وتوصلها إلى الفِرْدوس المنتظَر، وتقْضِي على جميع المشكلات، وتنأى عن الطبقيَّة والفرْديَّة.

فماذا تمَّ بعدَ قيام الشيوعيَّة؟ وما الذي حدَث من جرَّاء تطبيقها؟ وما الآثار التي ترتَّبتْ على اعتناقها؟ وماذا كانتِ النتيجة؟
الجواب سيتضح - إنْ شاء الله - مِن خلال الحديث عن الشيوعيَّة بعدَ التطبيق، وعنِ الآثار المترتَّبة على الإلْحاد، ثم عن سقوط الشيوعيَّة.

أولاً: الشيوعيَّة بعد التطبيق:

لقدْ زَعمتِ الشيوعية بأنَّها ستحقِّق العدل، وتنشره بيْن الناس؛ حيث ستلغي الفوارق بيْن الطبقات، وستجعل الناس يعيشون في مستوًى اقتصاديٍّ واحد، وسيأخذ كلُّّ واحد منهم قدرَ حاجته من المال.

وإذا تساوى الناس في مستواهم الاقتصادي والمالي، فسيكون الطريقُ أمامَهم مفتوحًا للمساواة في جميع المجالات، سواء كانتْ ثقافيَّةً أو اجتماعيَّة أو سياسيَّة.

هذه هي الدعْوى، ولكن أين البيِّنة؟

إنَّ الحقائق تُكذِّب تلك الدعاوى، والواقع يقول بخلاف ذلك؛ فلقد حصَل بعد تطبيقِ الشيوعية ما يلي:
1- وقوع الشيوعيِّين في الطبقية: لقد ادَّعى الشيوعيُّون أنَّ إلْغاء الفوارق بيْن الطبقات أمرٌ لا بدَّ منه، وأنَّ السبيل إلى ذلك هو الصِّراع الدموي؛ فكلُّ امتياز، أو طبقية - بزعمهم - إنما هو أثرٌ من آثار الأنانية، وتحكيم المصلَحة الذاتية.

وإذا كان النِّظامُ الشيوعي يدَّعي تلك الدعوى، فإنَّ واقعه يُكذِّبها؛ فما تلك الدعاوى سوى شِعارات برَّاقة، ووعود معْسولة كاذِبة، يخدعون بها السُّذَّج دونما الْتزام بها، وإليكم بعض الأمثلة:

أ - تفاوت الأُجور: فمعدَّل الأجْر المتوسِّط للعامل في الاتحاد السوفيتي عام 1935م حوالي 1800 روبل سنويًّا، في الوقت الذي بلَغ فيه راتب الأمِين العام للجنة الغزْل والحرير الصناعي مبلغ 45 ألف روبل سنويًّا.
ثم إنَّ أجرة الفلاَّح الروسي 300 روبل شهريًّا، ويقتطع منها 150 روبلاً لتقوية الصناعات، في الوقت الذي يتقاضَى فيه أهلُ الطبقة المثقَّفة - كما يزعمون - من الممثِّلين والفنانين، والأدباء والراقصات أجورًا عالية تصل إلى 20 ألف روبل شهريًّا!

ب - تفاوت مستويات التعليم: فأبناء الطبقة المثقَّفة يتمتَّعون بالتعليم الجامعي المجَّاني وغَيْر المجاني، أما أبناء الفلاَّحين، فلا يستطيعون ذلك.

ج - إقرار الحوافِز: فهؤلاء الذين يرفعون شِعارَ المساواة والعدْل، ورفْض الطبقية أقرُّوا الحوافِزَ والجوائز؛ فلقدْ أذاعت وكالة الأنباء السوفيتية - تاس - أنَّ جائزة ستالين للموسيقى وقدْرُها مائة ألف روبل - قد منحت سنة 1947م لجوزيف كلينا؛ مِن أجل أنه لَحَّنَ أغنيةً عن ستالين.

وأنَّ جائزة ستالين للتصوير - وقدْرُها مائة ألف روبل - قد مُنحت لأراكلي طويزر؛ من أجْل تصويره ستالين يخطُب في احتفال الذِّكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبر.

بالإضافة إلى جوائز أخرى سُلِّمت لموسيقيين، ورسَّامين، ونحَّاتين؛ من أجْل أعمال قاموا بها لشخْص ستالين.

ولَمَّا رَأَوْا أنَّ العمال لا يُمكن أن يعملوا بجِدٍّ وإخلاص طالَما أنَّ جهدهم يتمتَّع به غيرهم، لجؤوا إلى الحوافز، واضطروا إلى الاعتراف بها لتشجيعِ المنتجِين من فلاحين ورعاة، وعمَّال مصانع؛ فأخذتِ الدولة تُمَلِّكهم شيئًا من إنتاجهم؛ فأين المساواة؟ وأين محاربةُ المِلْكية الفردية؟!

د - سحْق العمَّال تحت نِظام السخرة في المصانع: والسخرة هي العمَل المجَّاني، حيث يقوم العمَّال بالعمل دون أن يكونَ لأحدٍ من نصيب، إلا حد الكفاف لا الكفاية.

فالعامل الفَرْد في ظلِّ هذا النظام يُجبَر على أن يُحشَر هو وكل أفراد أسرته في غُرْفة واحدة، هي غرْفة جلوسهم، ونوْمهم ومطبخهم.

ثم هي غرْفة في مجمع سكَّاني ضخْم غير متجانس، ويشترك سكَّان الشقة في ضروريات واحِدة دون خصوصية.

ومنضدة تستعمل في النهار للطبْخ، وربَّما كانت الأسرة والثلاثة يعيشون في غرْفة واحدة، يفصِل بينهم حبْلٌ من حبال الغسيل تُثبَّت به قطعة من القماش.

ثم إنَّ الطعام الذي توزِّعه المزارع الجماعية لا يكاد يسدُّ الرمق.

أضِف إلى ذلك غلاءُ الأسعار الفاحِش، فثمن الكيلو غرام الواحِد من الزبدة في السُّوق الحرَّة يوازي الأجْر الشهري للعامِل العادي، وثمن زَوْج الأحذية يوازي أجْر شهرين، وإذا مرِض أحدٌ من عامَّة الناس لم يُهتمَّ بعلاجه.

ه - إغراق الطبقة الحاكِمة في التَّرَف والنعيم: ففي الوقت الذي يُسحَق فيه عامَّة الناس، وإذا مرِض واحد من أعضاء الحزب بُودِر في علاجه بأرْقى أنواع العلاج.

2- تسلُّط الحزب الحاكِم واستبداده:

فبالرغم من أنَّ الاتحاد السوفيتي يتكوَّن من 15 ولاية رئيسة، فُرِض عليها الاتحاد فرْضًا، وفي كلٍّ منها مجلس وزراء، إلاَّ أنَّ سلطاتها تنحصر في الأمور العادية.

أمَّا الحَل والعَقْد، والبتُّ في الأمور، فيملكه الحِزب في موسكو، ولا يُناقشه أحد في ذلك.

3- البطْش والإرهاب:

حيث اتَّسمتْ سياسة الشيوعيَّة بعدَ التطبيق بالبطْش والإرْهاب، والتدمير والتعذيب، والتنكيل الذي لَم يسبق له - على مدى التاريخ - مثيل، ولقد مرَّ بنا قبل قليلٍ نماذج من ذلك.

4- انقسام المعسكَر الشيوعي على نفسِه:

حيث توالتِ الخلافات بيْن الدول الشيوعيَّة، بل داخل الدولة الواحِدة وبيْن أعضاء الحِزْب الواحد؛ فلا يكاد يجمعُهم سوى خوفِ كلِّ طرف من الطرف الآخر، فهناك خلافاتُ لينين مع ستالين، والتي كان لينين بسببها ينوي إقْصاء ستالين مِن مكانته، وهناك الخِلافات بين ستالين وتروتسكي، والتي أدَّتْ بستالين إلى تدبير اغتيال تروتسكي!

وكلَّما وصل رئيس إلى سُدَّة الحُكم ندَّد بسلفه، وأقذع في شتْمه وسبِّه، ومن ذلك ما حصَل في المؤتمر الخمسين للحِزْب الشيوعي، عندما وقَف الرئيس خروتشوف يندِّد بستالين، ويقول عنه: إنَّه ديكتاتور سفَّاح، مجرِم سافل دنيء، وإنه غلطة لا ينبغي أن تتكرَّر، وإنه ارتكب مِن الجرائم البشعة ما تقْشَعِرُّ له الأبدان.

وفي مؤتمر الحِزب الشيوعي، الذي عُقِد في موسكو في 28/6/1988م دعَا جورباتشوف إلى إصلاحات جذريَّة في الشؤون السياسية والاقتصادية للاتحاد السوفيتي، كما انتقد سياسةَ ستالين وبريجنيف، التي حجَرَتْ على الفِكر في الاتحاد السوفيتي - وصدَق الله إذ يقول: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: 38].

5- التجسُّس والرقابة الصارِمة:

فالتحرُّكات في المجتمع الشيوعي مُراقبة، والاتصالات الهاتفية مسجَّلة، والزيارات - وخاصَّة من الغرباء - مراقبة تمامًا، ولقد روى ذلك كثيرٌ من الزائرين لروسيا بعدَ أن لاحظوا مَن يراقبهم، ويرصد تحركاتهم.

ولذلك يتحاشَى الرُّوس الحديث عن السياسة، وكثيرًا ما يردِّدون عبارات جاهِزة مكرَّرة في مدْح سياسة بلادهم بمناسبة أو بغَيْر مناسبة؛ فقد يكون جزاء المقصِّر أو المتجاوز النفيَ إلى سيبيريا؛ حيث البَرْدُ القارس، والأعمال الشاقة.

وقد قال أحد الكُتَّاب: إنَّ نصف سكَّان موسكو جواسيس على النصف الآخر، فقال له صاحبه: ولكن النِّصف الآخر جواسيس أيضًا على النِّصف الأول، وتلك فكاهةٌ ليستْ ببعيدة عن واقع المجتمعات الشيوعيَّة.

ويدلُّ على ذلك ما حصَل في ألمانيا الشرقيَّة عندما سقطتِ الشيوعيَّة؛ حيث ذهب بعضُ الناس لأقسام الشرطة والمباحث؛ ليتسلَّمَ ما كُتِب عنه مِن تقارير؛ ففوجئ كثيرٌ منهم بأنَّ الذي تجسَّس عليه أمُّه، أو زوجته، أو أخوه، أو أقربُ الناس إليه!

6- السِّريَّة والغموض:

فمُعظَم الأمور هناك أسرارٌ غامِضة؛ فلا دليلَ للهاتف، ولا مخطَّط للمدينة، ولا كُتُب عن مشاهيرِ الناس.

أما أعضاء الحكومة فحياتُهم وأماكن سكناهم، واجتماعاتهم وتحرُّكاتهم، فسِرٌّ مغلق، لا يُعلن عنه، ولا يُتحدَّث فيه، بل مِن الصعب أن تقابل روسيًّا عاديًّا على انفراد!

وممَّا اعتاده الناسُ هناك اختفاءُ بعض الناس في ظروف غامِضة، سواء كانوا مسؤولين أم مِن عامَّة الناس، ثم إنه لا يجرؤ أحدٌ على السؤال عنهم أو الاستفسار! يقول آرثر كستلر عن مجتمع الحِزب الشيوعي: "كان عالَمًا يسكنه أناسٌ يُعرفون بأسمائهم الأولى فقط، أمَّا أسماء أُسَرهم، أو عناوين سكناهم فلم يكنْ لها وجود، كان الجوُّ متناقضًا؛ فهو خليط من الزَّمالة الأُخوية، والارْتياب المتبادل، ويمكن أن نقول: إنَّ الشعار هنا هو: أَحْبِب رفيقك، ولكن لا تثِق فيه أُنملةً لصالحك؛ لأنَّه يشي بك ولصالِحه؛ إذ مِن الخير له ألا تعرِّضه للإغراء والوشاية.

7- غياب شُموس الحرية عن الحياة الفِكرية:

فجميع الصُّحف ودُور النشْر خاضعةٌ تمامًا لرقابة الدولة، ومُهمتها كيْل المديح الأجوفِ المُمل لقادة الحزب، مع تسويغ أعمالهم وحماقاتهم.

وأبرز مثال على ذلك: دائرة المعارف الرُّوسية، التي مُلِئتْ بالتشويهات وقلْب الحقائق؛ إرضاءً لهوى المتسلِّط.

وبالجملة، فإنَّ البلادَ التي ساد فيها النِّظام الشيوعي قد تحوَّلت إلى سجْن كبير، لا مكانَ فيه لحريَّة الرأي، ولا يستطيع الفَرْد أن يُفصِح عمَّا يدور في خَلَده تجاهَ النظام؛ فهو يعيش في رعْب دائم، وقلقٍ مستمرّ.

8- إهدار كرامة المرأة:

فالمرأة في النِّظام الشيوعي أداةٌ من أدوات الإنتاج.

9- تخبُّط نظام الأسرة:

فمِن أهداف نظام الشيوعية القضاءُ على نظام الأُسْرة؛ فالكيان الأسري الذي يربط أفرادَ الأسرة بروابطَ لها قوتها وقدسيتها، يتعارض في نظر الماركسية مع الرابطة المقدَّسة الكبرى الأم، التي هي الدولة.

ثانيًا: الآثار المترتِّبة على الإلحاد:

لقدِ اعتنقتِ الشيوعية الإلْحاد، وقام عليه أكبرُ الدول في الشَّرْق وهي روسيا، حيث حملتْ في بنودها رفْضَ الغيب، والنظر إلى الحياة كلها مِن منظور مادي بحْت.

ولقدْ أصبح الإلْحاد ظاهرةً عالمية؛ فالعالَم الغربي في أوروبا وأمريكا - وإن كان وارثًا في الظاهِر للعقيدة النصرانية - إلا أنَّه ترَك هذه العقيدة تقريبًا، وأصبح إيمانُ الناس هناك بالحياة الدُّنيا، وأصبحتِ الكنيسة مجرَّدَ تراث تافِه، وأصبح الإلْحاد هو الدينَ الرسمي المنصوص عليه في دساتير البلدان الأوروبية والأمريكيَّة، ويُعبَّر عن ذلك بالعلمانية تارَة، وباللاَّدِينيَّة تارةً أخرى.

والإلْحاد له آثارُه السيئة، وثمراته المنتِنة، سواء على مستوى الأفْراد أو الجماعات؛ فالأُمم الكافِرة تعيش حياة صعْبة معقَّدة لا يجدون حلاًّ لأكثرِ مشكلاتهم؛ نظرًا لغياب المنهج الصحيح، وهو دِين الإسلام، فهم يُعاقَبون في هذه الدنيا بأشدِّ أنواع العقوبات، وإن ماتوا على كُفرهم وإلْحادهم، فالخلود في النار بانتظارهم، ولقد مرَّ بنا في الصفحات الماضية ذِكْرٌ لما تُعانيه تلك الأُمم بسبب كُفْرها وإلْحادها، وبُعْدها عن الله، وفيما يلي إجمال للآثار المترتِّبة على الإلْحاد، زيادة على ما مضى:
1- القلق والاضطراب: فالملاحِدة مَحْرومون من طمأنينة القلْب، وسكون النفْس، قال الله - تعالى -: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124].

كيف لا يُصيب الملاحدةَ القلقُ، والهمُّ والغمُّ، وفي داخل كلِّ إنسان أسئِلة محيِّرة: مَن خلَق الإنسان؟ ومَن خَلَق الحياة؟ وما نهايتها؟ وما بدايتها؟ وما سرُّ هذه الرُّوح التي لو خرجَتْ لأصبح الإنسان جمادًا؟!

من يجيب عن تلك التساؤلات؟ الشيوعيَّة؟! أنَّى لها؟!
ثم إنَّ هذه الأسئلة قد تهْدَأ في بعض الأحيان بسبب مشاغِل الحياة، إلا أنَّها ما تلْبَث أن تعود، ملحَّة على صاحبها، وما نراه اليوم مِن كثرة الانتحار، وإدْمان المخدِّرات ما هو إلا هروبٌ مِن ذلك الواقِع المؤلِم.

2- الأثرة والأنانية: فلا رَحْمةَ ولا شفَقة، ولا برَّ بالوالدين، ولا صِلةَ للأرحام، ولا إحسانَ إلى الجيران وسائر الناس؛ فكلُّ فرْد معنِيٌّ بنفسه فحسْبُ، فالإلحاد لا يعير هذه الروابط أدْنى اهتمام.

3- حب الجريمة: فالملحِد يجد في نفسه حبًّا للجريمة، وإرادة الانتقام، ورغْبة في التشفِّي من كل موجود.

4- الانطلاق في الإباحية: فالملحِد لا يُحافظ على عِرْض أحد، ولا يُؤتَمن على مال، أو حُرْمة، إلا أن يعجز عن الوصولِ إلى شيءٍ من ذلك.

5- الإجرام السياسي: وهذا مِن أعظم آثار الإلْحاد؛ ذلك أنَّ الأخلاق المادية الإلحادية ملأتْ قلوبَ أصحابها بالقسوة والجبروت، ممَّا دفَعَهم إلى تطبيق ذلك عمليًّا؛ ولذلك ترَى الدول الكبرى، كيف تفعل بالدول المستعمرة مِن الإهانة والقتْل، والإذلال والتشريد[37].

رابعًا: مكافحة الشيوعية في العالم:

يقول الشيخ أحمد صلاح جموجوم في تقديمه لكِتاب المؤلف طارق حجي "الشيوعيَّة والأديان" - بتصرف -: "منذ أنِ اشتركتُ في المؤتمرات الدولية لمكافحة الشيوعية في عام 1971، والحقائق تتكشَّف عامًا بعد عام، وفترةً بعد أخرى، بأنَّ العالم الحرَّ لا يمارس تلك المكافحة بجدية كافية، ونتخِّذ القرارات والتوصيات في كلِّ سَنَة دون أن يكون لها تأثيرٌ واقعي، أو تحرُّك عملي.

والعالَم اليوم مقسَّم إلى ثلاث كُتل: العالم الغربي الديمقراطي، والكتلة الشيوعيَّة الحمراء، ودول العالَم الثالث المتخلِّف، أما العالم الغربي الديمقراطي فهو يمارس لعبةَ مكافحة الشيوعية بكثيرٍ من الاستخفاف، وعدم المبالاة، إذا لم تتعرَّض مصالحه الحيوية إلى مرحلةِ الخطر، ويهبُّ كثيرًا من الأحيان للتعاون مع الكُتلة الشيوعية إذا تحقَّقت له مصالِحُ مادية، وهو واقع من حيثُ يَدرِي أو من حيث لا يُريد أن يدرِي فريسةً لدسائسَ كثيفة، من التعميات الإعلامية المحبوكة الأطراف لتحقيقِ أغراضها الخبيثة، وأهدافها الهدَّامة.

ومن أمثلة ذلك: نقْل أسرار القُنْبلة الذرية التي تطوَّعَتْ بها أسرة روزنييرج الصِّهْيونيَّة إلى روسيا السوفيتية في الخمسينات مِن هذا القرن، والتعايش السِّلمي الذي وطَّد دعائم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هِنري كيسنجر الصهيوني في السبعينيَّات بيْن أمريكا والصِّين الشيوعيَّة، وإمداد الشَّركات الأمريكية التي تقَع تحت السيطرة الصِّهْيونيَّة بالتقنية الغربية للاتحاد السوفيتي.

إلى آخِرِ كلامه، الذي خلص منه إلى أنَّ دول العالم الثالِث - ومنها الإسلامية بطَبيعة الحال - أعجزُ مِن صدِّ المخططات اليهودية، ومنها الشيوعية؛ لصدِّها عن مجتمعاتها، برغم ما هي عليه من الضَّعْف اليوم!

خامسًا: انهيار الشيوعية:

في سؤال طرحتْه عليَّ إحدى الزميلات عن موضوعِ بحثي، فأخبرتُها: "الشيوعية"، قالت: لقد عفَا عليها الزمن واندسَّت، فوافقتُها الرأي فورًا؛ لأن هذا الكلام ظاهريًّا صحيح، لكنَّها لم تختفِ بشكل كامل، وأتساءل: إنْ كان لهذا الاختفاء مِن خطورة قادمة، ربما هو احتمالٌ وارد، لكن ليس بثَوْبها البالي القديم، ولا بفِكْرها الذي تعرى لأفرادها قَبلَ غيرهم! أما بحثي عن انهيارها، فكان:
بالفِعْل تراجعتِ الشيوعية بوصفها نظامًا للحُكم في جميع أرْجاء العالم، بل إنها فقدَت مناصريها في الدول الشيوعية.

بحلول عام 1992م، لم تعُدِ الشيوعية تحوز سلطةً إلا في الصين وكوبا، ولاوس وكوريا الشمالية وفيتنام، وبادرتْ حكومتَا الصين وفيتنام بإجراء إصلاحات اقتصادية.

ورغم وجود أحزاب شيوعيَّة صغيرة في فرنسا واليونان، والبرتغال والمملكة المتحدة، إلا أنَّ ممثليها في الهيئات التشريعية قليلونَ جدًّا، أو منعدِمون تمامًا، وفي إيطاليا، انشقَّ الحزب الشيوعي على نفسِه، وأَسْقَط الحزبان الوليدان السياساتِ الماركسيةَ من أدبياتهما، أما الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق، فقد صنَّفت نفسَها بوصفها أحزابًا اشتراكيَّة، وتخلَّت عن المبادئ الشيوعيَّة.

فقدِ انهارت الشيوعية في معاقلها بعدَ قرابة سبعين عامًا، من قيام الحُكم الشيوعي وبعدَ أربعين عامًا من تطبيق أفكارها في أوربا الشرقية، وأعلن كبار المسؤولين في الاتحاد السوفيتي قبل تفكُّكِه أنَّ الكثير من المبادئ الماركسية لم تعُدْ صالحةً للبقاء، وليس بمقدورها أن تواجِهَ مشاكل ومتطلبات العصر، الأمر الذي تسبَّب في تخلُّفِ البلدان التي تُطبِّق هذا النظام عن مثيلاتها الرأسمالية، حتى الذين حوَّروا في النظام بعضَ الشيء؛ ليتَماشى مع الحضارة المادية العالمية لم يُفلحوا، وانقسموا على أنفسهم.

ومِن تلك الدول المنقسِمة: الصِّين وتبعتْها اليابان، ويرَى هذان الطرفان انحرافَ الروس عن الفِكرة الشيوعية، كما جاء بها سَدَنتُها ماركس ولينين، وكان على رأس الجانب الآخر روسيا، وبجانبها دول أوربا الشرقية، التي رأتْ عدم مرونة الصِّين في معرفة حقيقةِ الشيوعية التي لا تحصل عليها إلا أثناء التطبيق، والجمود على حَرْفية النصوص، ومفهوم النظريات أمرٌ عقيم، لا يأتي بخير، وقد أدَّى هذا الخلافُ إلى صدام على الحدود، هذا إضافةً إلى يوغسلافيا، ذات النِّظام الشيوعي الخاص، فهي تمسك بيدها الواحدة الشيوعيَّة باسم النظام، وتقبض بيدها الثانية على الاتِّجاه الغربي باسم السياسة.

وإن كانتِ الاتِّفاقات بدأتْ تظهر في الآونة الأخيرة بيْن قادة النظامَين المتباينَين ظاهرًا بمختلف أجنحةِ النظام الشيوعي وأطرافه.

• اقتنع الجميعُ بأنها نظريةٌ فاسِدة، يستحيل تطبيقها؛ حيث تحمل في ذاتها بذورَ فنائها، وقد ظَهَر لمَن مارسوها عدمُ واقعيتها، وعدم إمكانية تطبيقها، ومِن أكبر ناقدي الماركسية من الماركسيِّين أنفسهم، الفيلسوف الأمريكي أريخ مزوم، في كتابه "المجتمع المسلم"، ومن غيرِ الماركسيِّين كارل بوبر، صاحب كتاب "المجتمع المفتوح"، وغيرهما، ويجيء جورباتشوف بكتابه "البيروسريكا"، أو إعادة البِناء؛ ليفضحَ عيوب تطبيق الشيوعية في الاتحاد السوفيتي.

وتبيَّن بعد انهيارها أنَّها لم تفلحْ في القضاء على القوميَّات المتنافِرة، بل زادتها اشتعالاً، ولم تسمح بقدْرٍ ولو ضئيل من الحرية، بل عمدَتْ دائمًا إلى سياسة الظلم والقمع، والنفي والقتْل، وحوَّلت أتباعَها إلى قطيع من البشر، وهكذا باءتْ جميع نبوءات كارل ماركس بالفشَل، وأصْبح مصيرُ النظرية الفناء[38].

كما أنَّ الواقِع الحي المعاصِر يؤكِّد أنَّ بضعة ملايين مِن الأشخاص، قد فرُّوا من شرق ألمانيا الاشتراكي إلى غرْبها الرأس مالي، وأنَّه لم يهربْ واحد فقط مِن غرب ألمانيا إلى شرقها، وإذا كانتِ الشيوعية صادقةً فيما تقول: لماذا نسمع باستمرارٍ عن هروب أفراد مِن بلادهم ذات النعيم المقيم على حدِّ تعبيرهم، إلى البلاد غير الاشتراكية ذات الجحيم الذي لا يُطاق؟!

وإذا كانتْ بلادهم كما وصفوها، لماذا يضربون الأسوار حولَ شعوبهم؟! ولماذا يمنعونهم من السَّفر للخارج؟! ولماذا لا يدعونهم يذهبون في رحلات سياحيَّة للبلدان التي وُصِفت بالجحيم؛ كي يروا الجحيم بأمِّ أعينهم؟! وماذا عن حرْمان مواطنيهم الذي يجعلهم يتتبَّعون السيَّاح الأجانب؛ من أجْل بقية الطعام أو لفافة دخان يعطونهم إيَّاها؟! ولماذا يذهب وفدٌ رياضي؛ لتمثيل بلادهم في منافسات خارجيَّة فيهرب واحدٌ أو اثنان أو ثلاثة لبلدان الجحيم!![39]

وقد تأكَّد بوضوح الآن بعْدَ التطبيق للشيوعية لهذه الفترة الطويلة: أنَّ من عيوب الماركسية أنَّها تمنع المِلْكية الفردية وتحاربها، وتُلغي الإرثَ الشرعي، وهذا مخالِف للفِطرة وطبائع الأشياء، ولا تُعطي الحريَّة للفرْد في العمل وناتج العمل، ولا تُقيم العدالةَ الاجتماعية بيْن أفراد المجتمع، وأنَّ الشيوعي يعمل لتحقيقِ مصلحته ولو هدَم مصالِح الآخرين، وينحصر خوفُه في حدود رقابة السُّلطة وسوْط القانون، وأنَّ الماركسية تهدِم أساس المجتمع، وهو الأسرة، فتقضي بذلك على العلاقات الاجتماعيَّة.

• اقتنع الجميعُ بأنها نظرية فاسِدة يستحيلُ تطبيقُها؛ حيث تحمِل في ذاتها بذور فنائِها، انتهى الأمر بتفكُّك الاتحاد السوفيتي ذاته، وأصبح اسمُه مجرَّد أثرٍ في تاريخ المذاهب الهدَّامة.

فالحمد لله الذي مَنَّ علينا بنظام إسلامي متكامِل، يُدرَّس لكلِّ جيل، ويُصلِح كلَّ بقعة، غير قابل للتجزئة، وما أخذتْ به الدول إلا وتُحقِّق لها النفع العظيم؛ لأنَّه دِين محكَم، أنزله الخبير العليم بخَلْقه، الذين لن تدركَ عقولُهم القاصرة أسرارَ هذا النظام المتقَن، وستتيه عقولُهم في لُجَج الأهواء والمذاهب، التي لن يتفقوا عليها بطبيعة الحال، ولو افترضْنا صحَّتها في وقت، فسرعان ما سينكشف بُطلانُها مع الزمن، وصدَق الله تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: 104 - 105].

والخلاصة:

"عندما نرصُد موضوعَ انهيار الشيوعية، فهو قد انهار فعلاً في التطبيق العمليِّ، خاصة في الجوانب الاقتصادية، وسقَط القُطب الثاني من أقطاب العالَم، وبقيتِ الرأسمالية بزعامة أمريكا، وعند إفلاس الشيوعية اقتصاديًّا، أفلس رواجُها حتى على الصعيد الفِكري، في بؤر انتشارها على الصَّعيد العالمي، لكن عندما نرصُد التواجدَ أو المدَّ الشيوعي الآن على أنَّه ما هو إلا فِكر أو تراث موجود، فتجد أنَّ هناك بعضَ الأصوات التي تُنادي هنا وهناك، وهذه المناداة ووجود هذه الأصوات، مثل النَّبْتة التي تنتظر عواملَ الإنبات؛ لتظهرَ على الساحة مرَّة أخرى، فأصبحتْ كتُراث أو كالتاريخ، خاصَّة بعْد فشلها اقتصاديًّا، وذهاب رَوْنقها فكريًّا، ومصادمتها للشعوب، وفساد الإنسان دينيًّا وأخلاقيًّا واجتماعيًّا، فما تبقَّى منها من بقايا ما هي إلا كالنَّبْتة التي تنتظر فرصةً للإنبات مرَّة أخرى"[40].

الخاتمة:

كانت هذه - بتوفيق الله تعالى وإيجاز - لَمْحةً عن المذهب الشيوعي، وما يتعلَّق به، وموقفه مِن الإسلام، اجتهدتُ في بيانها بما يسَّر الله تعالى مِن قراءة واطِّلاع، وأنا أعلم أنَّ الجهد البشري يظلُّ على اسمه، مهما حاول المرءُ إتقانه، وجَلَّ مَن لا يُقصِّر، والحمد لله تعالى أولاً وآخِرًا على ما يسَّر، والتقصير من النفْس.

وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

---------------------------------------
المراجع:
• أصول الإعلام الإسلامي؛ د. إبراهيم إمام.
• الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة؛ تأليف/ ناصر القفاري، ناصر العقل.
• الموسوعة الميسَّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصر؛ إشراف د. مانع الجُهني.
• مذاهب فكرية معاصرة؛ أ/ محمد قطب.
• الشيوعية والأديان؛ تأليف/ طارق حجي.
• الإسلام يرفض الشيوعية؛ د/ محمَّد عبدالمنعم خفاجي.
• المسلمون تحت السيطرة الشيوعية؛ أ/محمود شاكر.
• الشيوعية والإنسانية؛ الأستاذ الأديب/ عباس محمود العقاد.
• مذكِّرة للدكتور محمد السرحاني بعنوان/ مذاهب فكرية معاصرة.
• مواقع (الإنترنت) عامة، وموقع الدُّرر السَّنية خاصَّة.

---------------------------------------
[1] د.ناصر القفاري، وناصر العقل، الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، ص: 90 دار الصميعي للنشر والتوزيع.
[2] طارق حجي الشيوعية والأديان، ص: 29.
[3] د. عبدالبصير الحقرة، تعليق لمحاضرة عن الشيوعية.
[4] انظر الشيوعية والأديان، طارق حجي، ص: 90.
[5] انظر الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة للناصرين؛ القفاري والعقل، ص: 91.
[6] الموسوعة الميسَّرة للأديان والمذاهب/ الشيوعية، ص: 919.
[7] رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد، ص: 386 بتصرف.
[8] الموجز في الأديان للناصرَيْن؛ القفاري والعقل، ص: 92 بتصرف.
[9] كلمة عبرية تعني: "الشعب"، (وقد انتقلتْ إلى العربية بمعنى "غوغاء" و"دهماء")، وقد كانت الكلمة تنطبق في بادئ الأمر على اليهود وغير اليهود، ولكنَّها بعد ذلك استُخدمت للإشارة إلى الأمم غير اليهودية دون سواها، ومِن هنا كان المُصطلَح العربي "الأغيار"، وقد اكتسبتِ الكلمة إيحاءاتٍ بالذم والقدْح، وأصبح معناها "الغريب" أو "الآخر"، والأغيار درجات، أدْناها العكوم؛ أي: عبدة الأوثان والأصنام.
[10] طبقة من طبقات الشيوعية؛ لأنَّ الشيوعية قسمتِ الشعب إلى طائفتين: عُليا "البرجوازية"، ودُنيا "البروليتاريا"، وهي طائفة العمَّال والطائفة الدنيا، وكان هناك صراع بين هاتين الطبقتين، فالشيوعية كانتْ تنادي بهذه الطائفة، وجعْل أدوات الإنتاج في يدِها، وأن تكون هي الطبقة المسَيطرة، وهذه شعارات جوفاء قالوها، لكن في حقيقة الأمر: ظلَّت السلطة وظلَّ الدخل القومي للإنتاج في أيدي الأغنياء، أصحاب السُّلطة العليا "الطبقة البرجوازية"، وكانت هذه الطبقة سوطَ عذاب على الطبقة الدنيا: "البروليتاريا"؛ أي: "العمال"، وهو أمرٌ يخالف الفطرة الإنسانية، وهذا كان سببًا هامًّا من أسباب سقوط الشيوعية؛ لأنَّه افتراض مثالي؛ لأنَّه أضعَفَ انتماءَ العامل لعمله، وأضعف حبَّه على الإنتاج، وتزايد الطاقة العملية عنده؛ لافتقاد الحافِز المباشر من الأجْر والمقابل، افتراض مثالية حاجيات الإنسان في تساويها، غير موجودة فِطرةً وطبيعة، فالإسلام عندما جاء بمستوى العدالة والمساواة، ساوى بيننا في اعتبار النَّظرة باعتبار: ((كلُّنا لآدم، وآدم من تراب))، ساوى بيننا في قَبول العمل؛ ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، فهذا يعمل ويأخُذ، وذاك يعمل ويأخُذ، وهذا ينطبق على الجزاء الأُخروي في العقوبات وغيرها، فالعطاء في الإسلام متساوٍ، فهذا أخطأ إذًا يعاقب، فقيرًا كان أو غنيًّا، لكن الإسلام كذلك اعترف بالفروق الفردية بيْن الناس، وعلى ذلك لا يتقاضَى هذا مثل ذاك، فلا بدَّ أن يتمايزوا حسب جهدهم ونشاطهم، فهم بمثالياتهم بالمساواة، أسقطوا الشيوعية من حيث أرادوا بناءَها؛ لأنها كانت تخالف الفطرة، فضلاً عن مخالفتها لفِطرة الإنسان في التديُّن، وهذا ما كان سببًا في انتكاسة الشيوعية؛ د.عبدالبصير الحقرة، المرجع السابق.
[11] انظر المذاهب الفكرية المعاصرة؛ لغالب عواجي، 2/1081.
[12] د. عبدالبصير الحقرة، المصدر السابق.
[13] الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب، ص: 91 بتصرُّف.
[14] رسائل في الأديان والفِرق والمذاهب لمحمد الحمد، ص: 383 بتصرف.
[15] د.الحقرة، المصدر السابق.
[16] رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد، ص: 400، بتصرف.
[17] إبراهيم إمام، أصول الإعلام الإسلامي، ص: 18 بتصرف.
[18] انظر طارق حجي، الشيوعية والأديان ص: 90.
[19] هذا الموقِف يُذكِّرني بحركات إيران، وتدخُّلها غير المباشر في زعزعة أمْن الدول السُّنية، عبرَ حركاتها الصغيرة "الحوثيون" أنموذجًا.
[20] د. الحقرة، المصدر السابق.
[21] إبراهيم إمام، أصول الإعلام الإسلامي ص: 145 - 146، بتصرف.
[22] الإسلام يرفض الشيوعية؛ د.محمد عبدالمنعم خفاجي ص: 23، بتصرف.
[23] إبراهيم إمام، أصول الإعلام الإسلامي ص: 18.
[24] المصدر السابق.
[25] عباس محمود العقاد، أفيون الشعوب، ص: 74 بتصرف.
[26] انظر: المسلمون تحت السيطرة الشيوعية، محمود شاكر، بتصرف.
[27] د. الحقرة المصدر السابق.
[28] انظر رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد، ص: 423.
[29] رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد، ص: 408 بتصرف.
[30] انظر رسائل في الأديان والفِرق والمذاهب لمحمد الحمد (ص: 413).
[31] المرجع السابق، الموجز في الأديان؛ للناصرين القفاري والعقل، ص: 92 بتصرف.
[32] رسائل في الأديان والفرَق والمذاهب؛ لمحمد الحمد - ص 397 بتصرف.
[33] انظر: طارق حجي الشيوعية والأديان (ص: 104).
[34] انظر المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/1072.
[35] أ.محمد قطب، مذاهب فكرية معاصرة، بتصرف.
[36] طارق حجي، الشيوعية والأديان، ص: 31.
[37] انظر: رسائل في الأديان والفرق والمذاهب؛ لمحمد الحمد، ص: 431.
[38] مذكرة دراسية في المذاهب للدكتور محمد السرحاني، بتصرف، المسلمون تحت السيطرة الشيوعية محمود شاكر، بتصرف.
[39] انظر: الشيوعية والأديان، طارق حجي ص: 86.
[40] د.الحقرة، المصدر السابق.


البحث منشور بموقع لألوكة بتاريخ / تاريخ الإضافة: 21/7/2010 ميلادي - 9/8/1431 هجري *


 

مرفت عبدالجبار
  • فكر وقضايا معاصرة
  • جهاد وهموم أمة
  • دعويات
  • أسرة ومجتمع
  • موقف وقصة
  • عامة
  • لقاءات
  • مع الحسبة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط