اطبع هذه الصفحة


((خائف من المجهول !))

نبيلة الوليدي


بسم الله الرحمن الرحيم


ربى أحدهم طائرا جميلا في قفص مصنوع من الحديد , وكلما مرت الأيام اشتد تعلقه بالطائر ,واشتد تعود الطائر على قفصه الحديدي ,الذي بدأ الصدأ يأكل أعمدته...
في يوم ما شعر الرجل بالشفقة على الطائر الحبيس وآلمته وحدته ووحشته في هذا القفص فقرر إطلاقه , فتح له في الصباح الباكر باب القفص وودعه بنظرة حزينة ومضى لعمله لكنه فوجيئ عندما عاد في المساء فوجد الطائر نائم في قفصه !!
في الصباح تناوله بيده وأطلقه في الفضاء ,فدار الطائر حول المكان بضع دورات في الهواء ثم عاد إلى قفصه !
وعندما حاول صاحبه إطلاقه مجددا نقره الطائر بمنقاره وانزوى في أبعد زاوية من القفص وما إن ابتعد الرجل قليلا عن القفص حتى اقترب الطائر وأوصد باب القفص من الداخل ,وعاش في محبسه دهرا إلى أن هرم ومات هنالك!!!

لقد خشي المجهول خارج قفصه وآثر البقاء فيما اعتاد عليه ..

هل سمعت المقولة الرائعة :
((الناس من خشية الفقر في فقر ومن خشية الذل في ذل !))

والآن أجبني:
إذا أمكنك أن تحيا بطريقة أفضل وبمستوى أرقى فما الذي يجعلك تقبل بالأقل وربما بالأسؤ؟؟!
لابد أنك شعرت بغصة عندما مرأحدهم بسيارته الفارهة يشق الأرض المبتلة من أثر المطر ويمطرك بتلك القذارة والطين وأنت سائر على قدميك تقطع المسافات الطويلة للعودة إلى منزلك بعد يوم عمل شاق ,وقد نفد آخر فلس من راتبك ولا تستطيع حتى ركوب المواصلات العامة,  وربما لو مر بك صديق وقتها ورآك وأسف لحالك لربما قلت له: هذا وأمثاله محرومون من متعة المشي في الأجواء الممطرة!!
وعندما تصيح في وجهك زوجتك مطالبة بزيادة مصروف البيت , أو بكسوة جديدة للأولاد الذين  بليت ملا بسهم والتي لم تتغير منذ أكثر من عام ,وعندما تئن بالشكوى من أثاث المنزل المهلهل الذي عفى عليه الزمان , وعندما يملأ الأولاد البيت الضيق بالصخب فلا تجد ركنا هادئا تخلد فيه للراحة...عندها يرتفع صوت في أعماقك بالأماني التي لا تفعل شيئا لتحقيقها , وإن لامك لائم تلبست بمسوح الزهاد وادعيت الزهد وقلبك منه خالي ,فإنما الزهد فيما يملأ الأيدي والجيوب لا فيما هو عند علام الغيوب .
كم مرة تمنيت أن تصفع مديرك الديكتاتوري البليد الذي جعله الدهر رئيسا رأسا , ولو أنصفك لكان ذيلا في مؤخرة حمار , ولكنت أنت سيدا له ,ولكنك مضطر لتملقه وبلع إهاناته التي لا تنقطع وتمضية الساعات في إفهامه ماسيدعي بعد برهة أنه يفهمه من قبل مولدك!!
وتفعل ذلك دوماوتعتبره كياسة منك ودبلوماسية وذكاء اجتماعي!!
كل حياتك لاتعجبك.أصدقاؤك الثقلاء لايطاقون لكنك لاتنفك عن مجالستهم واحتمال ثرثرتهم المملة ونكاتهم السمجة كل يوم!
وزوجتك التي تستقبلك كل يوم بالمطبخ المتنقل والشعر المنكوش واسطوانة الشكاوى التي تعمل بالطاقة النووية فلا تتوقف بليل أونهار وأنت تحتمل كل ذلك بصمت!!

أنت تعيس لدرجة الإدمان ,كم أنت مثير للشفقة.لكن حتى متى ستبقى خائفا من التغيير؟؟

لاتنكر أنك خائف , ولا تخجل من كونك خائف.فذلك شعور طبيعي وهو وسيلة من وسائل النفس للدفاع عن أمنها وسلا متها.إلا أن المعيب والمخجل حقا هو أن يتحول هذا الخوف إلى قيد يطوق عنقك .فتختار أن تستعبد وقد خلقك الله حرا ,وأن تسيء الظن به وكان يجدر بك أن تحسنه.
في أعماقك خوف كبير من التغيير.تخلص منه لتحيا حرا متوازنا مختارا...
كم مرة فكرت أن تبيع مجوهرات زوجتك لإقامة مشروع صغير لزيادة دخلك ,وهي مرحبة بالفكرة لكنك حتى هذه الساعة لم تحدد ماهو هذا المشروع ولم تضع أي خيارات.
كم مرة فكرت بأخذ قرض حسن لتوسيع منزلك الضيق وأخذت تدرس الفكرة وها قد كبر الأبناء وازداد الوضع سوءا وأنت لم تتخذ القرار بعد!
منذ زمن وأنت ترغب بالسفر خارج البلاد والضرب في الأرض وابتغاء فضل الله..لكن الشيب قد غزا مفرقك وأنت لم تقطع بعد جواز السفر!!
إنك ترغب وبشدة ومنذ سنوات في التخلي عن وظيفتك التي تمقتها منذ البداية ,إلا أنك خائف من المضي قدما في هذا ,رغم أنك قد انخرطت في دورات عدة لرفع مستوى مهاراتك وتنويعها وماعادت هذه الوظيفة تصلح لك.لكنك تتمنى في أعماقك أن يقوموا هم بطردك كيلا تتحمل مسؤولية قرار فصلك .كم أنت بائس!!
أقبح مافي بؤسك أنه من صنعك !!
أما سمعت هذا الحديث: إحرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز.
وحديث آخر: إن الله يلوم على العجز..
تخيل معي : ستبقى على تعاستك هذه وتموت مكبوتا محبطا بائسا...
ويوم القيامة سينكشف الغطاء فبصرك يومئذ حديد ويقال لك: هذه أسباب لو كنت أخذت بها في الحياة الدنيا لعشت فيها سعيدا منعما, لكنك عدلت عنها فاخترت حياة الجبر والإرغام والفقر والذلة.وسيلومك ربك لأنك عجزت عن مد يدك وتناول رزقا أوسع وعيشا أمتع وحياة أروع.
ولذلك سمي يوم القيامة يوم التغابن.حينها ستشعر كم كنت مغبونا في هذه الدنيا ,والمؤلم في الأمر هو أنك أنت من غبن نفسه وغمطها حقها وأورثها الهوان وأذاقها التعاسة...
أنت شجاع, وذكي ,فكر وابدأ الآن .
أعظم نعم الله علينا قدرتنا الدائمة على البدء من جديد...
ثق بنفسك .أنت قادر على صنع التغيير المنشود, وماتخيلته عن المصير البائس ليس سوى كابوسا مريعا لن ترضاه سيناريو لحياتك ولشخصيتك المتفردة..
حطم قيودك وانطلق ..
يقول أحد العارفين: أن أردت أن يخرق الله لك عوائد الكون فاخرق عوائدك....

يناير2007م



 

نبيلة الوليدي
  • مقالات دعوية
  • بحوث علمية
  • هندسة الحياة
  • سلسلة في العلاقة الزوجية
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط