اطبع هذه الصفحة


تسلط الأمهات !

نبيلة الوليدي


بسم الله الرحمن الرحيم


_ أمي .. أمي..
_نعم . ماوراءك , ولماذا كل هذه العجلة , حتى أنك لم تلقي علي ّ التحية ؟!!
_ أعتذر يا أمي .. لكن عليّ إخبارك بأمر هام .. أريد .. أريد أن ..
_ ماهذا ؟! كم مرة ينبغي أن أكرر : إخلعي الحذاء عند المدخل ..
_ حسنا .. نسيت .. لأني أريد أن ..
_ لا أسمع .. إذهبي واخلعي حذاءك أولا وغيري زي المدرسة واغسلي يديك لتناول الطعام , ثم بعد ذلك سنتحدث..
_لا . لن أفعل كل هذا قبل أن اسمع موافقتك ..
_ موافقتي على ماذا ؟!
_ الواقع ياأمي أني ارغب في أن .. أن ..
_ أوه . ماهذا التلكؤ ؟ قولي بسرعة قبل أن ينفد صبري .
_ سأشترك في الرحلة التي ستقوم بها المدرسة في عطلة الربيع .. ما رأيك ؟ رجاء يا أمي لا تقولي لا هذه المرة .
_ بالطبع لا .
_ لماذا ؟ .. صديقتي ّمارية وريم سوف تشتركان في الرحلة وهما في مثل سني . لماذا أنا لا أشترك ؟.!
_ هكذا .. لا وحسب .
_ لكن يا أمي ..
_ منال . لا تثيري غضبي .. قلت لك لا وكفى .. أنا مشغولة الأن بتحضير الطعام . والدك سيعود بعد برهة ..اذهبي وافعلي ما أمرتك .
_ لا ..لا ..لا.. لماذا دائما لا ؟؟! أنت قاسية ياأمي .. أنت لا تحبينني ..
هرولت منال نحو حجرتها باكية ..
عندها وقع الطبق الفخاري من يدي وعدت , مع تناثره أجزائه في المطبخ بذاكرتي عشرين عاما إلى الوراء , عندما مزقت أمي كراسة رسوماتي وتناثرت قصاصاتها من حولي , وجلست أبكي بحرقة وأتساءل بألم : لماذا فعلت هذا يا أمي ؟!
اجتمع أخوتي الصغار حولي , وقاموا بجمع أوراق الكراسة , ووضعوها بين يدي ّ.. وأنا أتساءل بحيرة والغضب يلهب جوفي : لماذا ؟ صرخت بقوة : كم أنت قاسية يا أمي .. أنت لا تحبينني .. أنا أيضا لا أحبك يا أمي ..ومزقت بقية الكراسة , وهجرت الرسم ..
بعدها.. عانيت طويلا لأني لم أفهم لماذا فعلت ذلك ؟
لم يكن لديها الوقت الكافي لتشرح لي .. لو أنها حاولت إفهامي لكفتني مؤنة الشعور بالاضطهاد , ولجنبتني الألام التي تجرعتها لزمن وأنا أظنها تكرهني , ولا تحبني مثلما تحب إخوتي الصغار .. لو أنها بينت لي ولو ببضع كلمات انزعاجها من انكفائي على تلك الرسومات , وانطوائي عليها وانعزالي بها عن بقية أقراني ..لكانت خففت عني ولو شيئا يسيرا من ثقل الحيرة والألم .
عندما عرفت وجهة نظرها بعد ذلك بسنين , خفّ لومي لها رغم أن أسلوبها كان خاطئا , لكني أدركت أنها لم تفعله لأنها تكرهني وترغب في تعذيبي وإيلامي , وإنما لخوفها عليّ من سلوك العزلة والانطواء الذي انتابني في تلك المرحلة من عمري , لكني للأسف لم أعرف ذلك إلا بعدما كبرت .
أمي كانت امرأة أمية. انتهجت معي أساليب غير تربوية عن جهل منها , لكن هل حقا أني اليوم أفعل الشيء ذات مع ابنتي ؟!
طفلتي الحبيبة : أعذريني . لا أدري كيف نسيت أني كنت يوما طفلة , وأني عانيت من أساليب غير تربوية , سببت لي شرخا عميقا في نفسي ..
نسيت أن من حقك عليّ تجنيبك تلك الألام والمعاناة التي تجرعتها من أحب الناس إلي قلبي دونما قصد منهم .
ثم إنني نسيت العهد الذي قطعته على نفسي يوم أن وقعت عيني عليك لأول وهلة : أن أكون أما متفهمة .سآتي إليك غاليتي . سأضمك بين ذراعيّ بقوة .سأحدثك طويلا..سأبين لك لماذا لا أريد لك الذهاب في هذه الرحلة مع ابنتيّ خالتك مارية وريم , وبقية أقرانك ..أنت ياصغيرتي مصابة بالحساسية , والخروج للنزهة في الربيع يؤذيك , ويثير الحساسية لديك . ربما عندما تكبرين قليلا سوف تصبحين أفضل , ستتحسن صحتك , وعندها لن أمانع من ذهابك في رحلات أخرى .. وعوضا عن هذه الرحلة سوف أطلب من أبيك اصطحابك إلى مركز الملاهي المغلق . فهو أنسب لك . أعلم أنك غاضبة , وربما لم تقتنعي بكلامي . لكن يهمني أن تعرفي شيئا في غاية الأهمية , وتتأكدي منه , واجعليه محفورا في عقلك وقلبك الصغير , هو أني لا أمنعك بغضا أو تسلطا , إنما هو خوفا عليك , وحبا لك..
هذه القصة تتكرر كل يوم في بيوت عدة..أم منال أدركت خطئها بسرعة وتداركت الأمر ..
لكم هو أمر مؤسف حين نرى الكثير من الأباء والأمهات وقد أحالوا البيوت إلى ثكنات عسكرية !
ونجدهم يمارسون التربية بأسلوب إلقاء الأوامر , وفرض التعليمات بإطلاق . وعلى الرعية المقهورة , المغلوبة على أمرها تقبّل ذلك بصمت وبلا مناقشة . فكلمة " لماذا ؟" قلة أدب وتطاول ! مما يشعر الأبناء بالظلم والضطهاد . وإذا كبروا قليلا مارسوا مع الأهل أسلوب التمرد العناد .. ولو أنا سألنا الأب أو الأم لماذا هذا التعسف ؟ نواجه بإحدى إجابتين : إما أنهم مشغولون ولا وقت لديهم لشرح تبريرات كل أمر وقرار يتخذونه تجاه الأبناء . أو ظن غالب لديهم أن الأبناء الصغار لن يفهموا . فهل حقا أن الأبناء لن يفهموا ؟
إن الصغار غاية في الذكاء , وحواسهم منفتحة على العالم بصفاء , ويتمتعون بذهن متوقد , وطاقة استيعابية لا قطة . خاصة الأسوياء منهم .وإنما العلة في الأهل فاقدي القدرة على التوصيل بموصلات الحب , والاحترام والتفهم التي لم يعاملوا بها عندما كانوا صغارا . لكن هل يصح إسقاط هنات الأباء على الأبناء ؟! ثم أين هؤلاء مما فعله " صلى الله عليه وسلم "وقد أردف خلفه ابن عباس وهو لا يزال صبي في سن التمييز , وعلمه حديثا يتضمن وصايا عظيمة , وقواعد كلية من أهم مهمات الدين قائلا : ياغلام إني أعلمك كلمات : إحفظ الله يحفطك ...الحديث" هذا أسلوب المربي العظيم والمعلم الأول فهلا اقتدينا .


 

نبيلة الوليدي
  • مقالات دعوية
  • بحوث علمية
  • هندسة الحياة
  • سلسلة في العلاقة الزوجية
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط