اطبع هذه الصفحة


خواطر في قضية عقد " خلود" و" نضال" المدني

د. نهى قاطرجي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


يعيش لبنان في هذه الأيام هزات عنيفة على صعد عدة، فإضافة إلى قانون الانتخابات وتداعايته الطائفية، مع اقتراح البعض لمشاريع قوانين تكرس الطائفية في البلد. هزت في المقابل الرأي عام قضية ما عرف بعقد الزواج المدني بين خلود سكرية ونضال درويش الذي سجل عند أحد كتاب العدل في لبنان في سابقة هي الأولى من نوعها، ذلك أنه لا يوجد في لبنان قانون ينظم هذا الزواج أو يعترف به ...
لقد كان من نتائج هذا الزواج انقسام الناس في قضية ما يسمى بزواج خلود ونضال المدني ، بين مؤيد لهذا الزواج وداعم له بشدة ، وعلى رأس هؤلاء رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي اعتبر أن هذا الزواج هو خطوة في سبيل إلغاء الطائفية في لبنان، وبين رافض له وعلى رأسه مفتي الجمهورية والعلماء الذين حكموا بالردة على فاعله لما فيه من إنكار لما هو " معلوم من الدين بالضرورة" .

إن الخواطر التي أحببت تسجيلها حول هذا العقد اللاديني تنقسم إلى ثلاثة خواطر:


الخاطرة الأولى
تتعلق بزوجين تحديا الناس والدين والتقاليد بزواجهما، وسجلا سابقة خطيرة لم يسبق لأحد أن قام بها في لبنان ، مع أن القانون 60 ل ر الذي ينص على السماح بالزواج المدني لمن ليس لديه طائفة نص موجود منذ قبل الاستقلال .

إن هذا القانون دفع بخلود المسلمة السنية إلى مجاراة زوجها الشيعي نضال في شطب الطائفة عن هويتهما حتى يتسنى لهما تسجيل زواجهما مدنياً .. إن ما استوقفني في قضية خلود ونضال ما يلي:

1- كون العروس كانت محجبة في السابق ، ونزعت الحجاب بعد زواجها مما يعني بأنها قد تربّت تربية دينية ، وهذا الأمر كان حرياً بها أن يردعها ولو قليلاً عن الجراءة على الدين، وهي وإن كتبت كتاباً خارجياً عند أحد المشايخ من أجل المباركة، كما قالت، إلا أنها برفضها الاحتكام لأحكام الدين تلغي مفعول هذه المباركة الشكلية... إن ما فعلته خلود يعطي نموذجاً سيئاً عن المرأة المحجبة ،التي تحارب على كل الجبهات. كما يعطي لأعداء الإسلام الفرصة للهجوم على هذا الحجاب والاستهزاء بالمرأة التي ترتديه والإثبات بأنه عند أول فرصة ستتخلى المرأة عنه .

إن حجاب خلود ليس النموذج الوحيد الذي كان له دور في قضية الزواج المدني، فظهور إحدى الممثلات بحجابها على شاشات التلفاز تدعو فيه إلى اقرار قانون الزواج المدني بحجة أنه حقها وخيارها، يستخدم من قبل الأعداء للإثبات بأن الحجاب ليس سوى قطعة قماش لا أثر له على نفسية المرأة، وأن من ترتديه لا تخالف شرع الله بعدم الالتزام بأوامره ونواهيه في موضوع الزواج.

نقطة مهمة في موضوع زواج خلود ونضال الديني قبل المدني أنهما وإن فعلا ذلك حتى يحصلا على مباركة الله ، كما يدعيان ، إلا أن من يتزوج بعدهما لن يفعل ذلك، وسيشهد لبنان العديد من الزيجات المخالفة للشرع كما في الحالة الثانية التي أعلن عنها مباشرة بعد خلود ونضال وهي حالة زواح شذا خليل المسلمة وشريكها المسيحي طوني داغر ... والمعلوم بأن في مثل هذه الحالة سيتحمل كل من خلود ونضال وزر كل زواج يتم من بعدهما مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً ، فعُمِل بها بعده ، كُتِبَ له مثلُ أجرِ مَن عمل بها . ولا ينقصُ من أجورِهم شيءٌ . ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً ، فعُمِل بها بعدَه ، كُتب عليه مثلُ وِزرِ من عمل بها ، ولا ينقصُ من أوزارِهم شيءٌ " (رواه مسلم ) .

الخاطرة الثانية
تتعلق بانقسام الناس في موضوع هذا الزواج بين مؤيد ومعارض ، وهذا الأمر طبيعي، ولكن الجديد، والذي تفاجأت به، وجود كثير من المسلمين ممن يقوم بالفرائض الإسلامية من صلاة وصوم وزكاة وما إلى ذلك من شعائر ، بتأييد هذا النوع من الزواج والدفاع عنه، وهذا الأمر يمكن تلمسه على صفحات التواصل الاجتماعي الرافضة لفتوى المفتي والمعتبرة بأن هذا الفعل يقع في إطار الحرية الشخصية التي لا تتناقض مع الدين ...

ومن نماذج هذه الحوارات السؤال الذي طرحته على صفحتي في الفايسبوك لكل مسلم اختار ان يتزوج مدنيا : "إلى من تلجأ إذا أصابتك مصيبة ما وعلمت بأنه لا نجاة لك من هذه المصيبة إلا بالدعاء. وهل تأتيك الجرأة أن ترفع يديك داعياً الله عز وجل وقد سبق لك أن عصيته مختارا؟
وكنت باختياري لهذا السؤال على يقين بأن من يرتكب هذا الفعل لن يجروء على رفع يديه داعياً الله عز وجل، طالباً نصرته وهو الذي رفض شرعه واستبدله بقانون مدني من صنع البشر، فكيف يتيقن من اجابة الله عز وجل له تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعُوا اللهَ وأنتم مُوقِنُون بالإجابةِ واعلَموا أنَّ اللهَ لا يَستَجيبُ دُعاءً مِن قلبٍ غافِلٍ لاهٍ " ، رواه الترمذي... فمن أين يأتي اليقين في مثل هذه الحالة ؟؟؟..

ان مما فاجأني من الردود على ما كتبت رفض البعض الربط بين الزواج المدني وبين الالتجاء إلى الله بالدعاء، فالمسلم يستطيع أن يتزوج مدني وأن يكون قريباً إلى الله عز وجل في الوقت نفسه. كما أن البعض الآخر اعتبر بأن الزواج بهذه الطريقة لا يعد كبيرة من الكبائر بل هو معصية لا تخرج صاحبها عن الدين، مع أن الله عز وجل قال : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) ( الأحزاب ، 36) .

إن من الحجج التي يحتج بها أنصار هذا الرأي أن أركان الإسلام واضحة يلخصها عبد الله بن عمر بقوله: " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله و إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان " ولا يوجد بين هذه الأركان أمور تتعلق بالزواج أو الطلاق أو الإرث أو ما إلى ذلك من أمور تخضع لاجتهادات الفقهاء. مع أن الإسلام لا يقتصر على أركان الإسلام فقط بل يتضمن أيضاً أركان الإيمان الستة: وهي الإيمان بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وباليوم الآخر ، والقدر خيره وشره من الله تعالى، لذلك لا يصح فصل هذين الركنين عن بعضهما البعض. والمعلوم بأن الإيمان بالقرآن الكريم يستوجب الإيمان بكل ما جاء فيه بما في ذلك الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، وذلك حتى لا يكون المسلمون مثل اليهود الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا بالبعض الآخر، فجاء النهي من الله عز وجل عن فعلتهم بقوله : ( أفتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ( سورة البقرة ، 85)

الخاطرة الثالثة
تتعلق بتقليد الآخرين في مفاهيمهم وقيمهم البعيدة كليا عن الشرع الإسلامي وعلى رأس هذه المفاهيم مفهوم الحق ومفهوم الحرية الذي يطبل به العلمانيون في كل مناسبة . والمعلوم أن الإسلام هو أفضل من حفظ الحقوق لأبنائه وراعى النزعة الفردية في الفطرة الإنسانية، فلم يتجاهلها ولم يهملها، بل عزَّزها وأعلى من قيمتها، ولكن ليس على حساب الجماعة المسلمة، بل جعل توازنًا فريدًا بين كلا النزعتين ، وجعل حرية الفرد تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين .

وكذلك شرط الإسلام أن تكون الحقوق والحريات موافقة لشرع الله عز وجل وأوامره، فلا يجوز " أن نفعل المعصية ونقول حرية شخصية قال تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )(الانعام 162-163) ومعنى الآية أن تكون كل حياة الانسان وكل حركاته وسكناته وعباداته ومعاملاته وحتى مماته كلها لله " .

إن ما ورد يستوجب من كل غيور على الإسلام أن يبذل قصارى جهده في سبيل الوقوف ضد هذا المشروع الإلحادي الذي إن طبق سيصبح مع الوقت ملزماً، وسيتحول الإسلام بذلك – لا قدر الله- إلى مجرد عبادات شكلية فارغة عن المضمون، وتصبح الأحكام الشرعية مجرد مواد تاريخية تدرس في بطون الكتب، ويتحقق بذلك ما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة" مجمع الزوائد .

 

د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط