اطبع هذه الصفحة


المرأة الأفغانية والبرقه

د. نهى قاطرجي

 
يركز الإعلام ، بكافة انتماءاته ، على تصوير انتصارات أميركا وحلفائها في أفغانستان على أنه انتصار للحقوق واستعادة للحريات كحرية سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام السينمائية وبيع صور النساء في الأسواق وغير ذلك من التصرفات التي حرم منها هذا الشعب طوال فترة حكم طالبان له .
أما أهم انتصار حققته أميركا وحلفائها فهو استعادة المرأة الأفغانية لحريتها التي سلبت منها خلال حكم حركة طالبان لأفغانستان حيث فرضت على المرأة ارتداء البرقه وحرمتها من حقوقها المدنية ، وقامت بتنفيذ حدود الله تعالى فيها .

نحن هنا لسنا في محاولة للدفاع عن أفعال طالبان فأنصار هذه الحركة سيحاسبون يوم القيامة إذا أخطأوا وظلموا وسفكوا قطرة دم بدون حق ، ولكن حديثنا هنا سيتناول نقطتين هامتين :
الأولى : نقطة عامة تتعلق باستمرار الغرب وأتباعه بتنفيذ الخطط المرسومة في محاربة الإسلام ومظاهره والتي يشكل حجاب المرأة أحد رموزه الأساسية ، وتصوير هذا الحجاب على أنه رمز للرجعية والتخلف ، وهم بتركيزهم على برقه المرأة الأفغانية لا يحاربون حركة طالبان فقط بل يحاربون كل من يدعو إلى إلتزام المرأة بحجابها الشرعي عبر تصويرهم له على أنه عدو للمرأة وتقدمها.
إن شعار الحقوق والحريات التي يرفعه هؤلاء في حربهم ضد الإسلام هو ستار يختبئون وراءه يرفعونه إذا وافق مصالحهم ويدمرونه إذا خالفها ، من هنا فالمرأة إذا أحبت أن تظهر عارية في الشارع فلا مانع من ذلك ولا يحق لأحد أن يعترضها أما إذا اختارت بحرية أن تتحجب وتلتزم بزي معين فهذا يعد ظلماً وتجنياً على الحريات .
إن مثل هؤلاء الأشخاص الذين يدَّعون حماية الحريات ( وقد كذبت هذه المقولة ) لا يصدقون أن هناك طرف آخر لا يؤمن بما يؤمنون ولا يريد ما يريدون ؟ ولا يصدقون أن الحجاب لا بل النقاب يمكن أن يكون خياراً شخصياً نابعاً عن إيمان بالله ورغبة في طاعته ، وهو يشكل عند كثيرات أمان وراحة لم يجدونه في حالة السفور والتكشف ، إحدى المنقبات حديثاً سئلت يوماً عن شعورها بعد أن تنقبت ؟ فقالت : إن شعوري بحريتي قد ازداد بعد ارتدائي النقاب، فلقد كانت كل تعابير وجهي ، سخطي ، فرحي ، حزني يراها الآخرون ولا استطيع أن أخفيها ، أما الآن فأنا أرى كل الناس من وراء حجابي ولا أحد يراني .
إن اختيار المرأة الحجاب بطواعية أمر يعجز عن فهمه الأعداء والأحباب على حد سواء ، فإذا كانت المرأة فيما سبق قد عانت من ظلم الرجل وتجهيله لها ، فإن هذا الأمر لا ينطبق على بعض مجتمعاتنا الإسلامية اليوم التي منحت المرأة حرية واسعة جعلتها تصل إلى أعلى المراتب العلمية والعملية والتي مكنتها من اقتحام مجالات عمل كانت دوماً محتكرة من قبل الرجل .
إلا ان كل هذا النجاح لم يمنع كثيرات من النساء المسلمات من الالتزام بالحجاب الذي بلغ إيمان النائبة " مروة قاوقجي " به حداً جعلها تتحدى به أكبر دولة علمانية ، وتدخل مستترة به إلى صرح البرلمان التركي وتعلن أمام الجميع تمسكها واعتزازها بهذا الحجاب الذي كان من نتيجة رفضها التخلي عنه أن جازفت بفقدانها هويتها الوطنية .

ثانياً : نقطة خاصة تتعلق بظلم حركة طالبان للمرأة الأفغانية إن كان عن طريق إلزامها المرأة بوضع البرقه أو عن طريق سوء معاملتها لها ، كل هذا استناداً إلى تقارير شاذة صورها بعض الحساد ونقلوها إلى وسائل إعلامهم كدليل حسي على امتهان المرأة وهضم حقوقها ، فهنا امرأة لم تعالج في المستشفى حتى لا يكشف عليها الرجل ، وهناك امرأة صدمتها سيارة فلم يؤبه بها حتى ماتت ، وهنا امرأة تتسول وأخرى تضرب من قبل زوجها ، إلى غير ذلك من المشاهد التي تصور وتضخم وكأن الذي ينقل الصورة يعيش مناخاً أفضل وأكثر انفتاحاً واحتراماً للمرأة .
هل هذا يا سادة صحيح ؟ ألا يوجد أجواء البؤس والفقر والتشرد إلا في أحياء افغانستان وفي ظل دولة طالبان ، لماذا لا يدخل هؤلاء إلى أحياء بيروت الفقيرة ، وينقلوا المأساة الحقيقية ، مأساة الفقر والجوع الذي يعيشها الألوف من العائلات وليس النساء فقط ؟ لماذا لا ينظر إلى الإحصاءات التي تتم في الدول الغربية والتي يتم فيها ضرب المرأة وظلمها وقتلها من أشخاص متعلمين مثقفين ؟ لماذا لا يدخل هؤلاء إلى مجتمعاتهم ويلحظوا وجود بعض الصرخات في أوساط النساء أنفسهن اللواتي تطالبن بعودة المرأة إلى البيت وتأمين حياة كريمة لها وتجنيبها ذل المهانة والسؤال ؟ لماذا ولماذا ؟ ثم لماذا لا تحصر المشكلة إلا في قطعة القماش التي لم تفرضها طالبان ولم تفرضها أي جهة إسلامية متشددة إنما فرضها الله عز وجل الذي لا تملك المرأة إن كانت مؤمنة إلا أن تستجيب لها ؟

إن مشكلة النساء الأفغانيات بل والشعب الأفغاني ككل لم يكن يوماً في فرض البرقه والدليل على ذلك أن كثيرات من الأفغانيات لم يقمن بنزعه إلى الآن، وهن لا يعتقدن أن المشكلة تنحصر فيه ، بل إن المعاناة الحقيقية قديمة جداً وهي تتكون من عوامل متداخلة قد يصعب التفريق بينها في بعض الأحيان ، ومن هذه العوامل التي يمكن ملاحظتها ما يلي :
1- تاريخ أفغانستان التي عرفت في الشرق بشدة محافظتها وتمسكها بالقديم والتقاليد الأفغانية القديمة ، حتى أن علماء الأفغان " خلعوا الملك أمان الله خان ، وحرم عرش آبائه قبل 32 عاماً لأنه سمح لعقيلته أن تخرج سافرة " .
2- الجهل والأمية اللذان إليهما يعود السبب في التقهقر والظلم اللذين عانيا منهما المرأة والرجل على حد سواء ، لهذا عندما نتحدث عن جهل المرأة وأميتها لا نستطيع فصل ذلك عن وضع الرجل المشابه الذي حرمته الحروب المتتالية من الحصول ليس فقط على العلم الضروري الذي يؤهله القيام بمسؤولياته نحو أسرته، بل وحتى على العلم الشرعي الذي يؤهله القيام بواجباته الدينية على شكلها الصحيح .
هذا وقد نقل الشيخ عبد الله عزام في كتبه صوراً عن واقع المسلمين الأفغان في أثناء جهادهم ضد السوفيات ، ودعا العلماء والدعاة والمسلمين مراراً إلى التوجه لأفغانستان ليس للجهاد مع المجاهدين ، بل من أجل مساعدة إخوانهم وتعليمهم وتثقيفهم الثقافة الشرعية التي لا يعلمون منها إلا الجزء اليسير والذي قد لا يتعدى الفطرة الحماسية من اجل الجهاد والدفاع عن الإسلام .
3- عامل الفقر الذي لا يطال المرأة فقط كما يحاول الغرب ،عبر نقله لصورة المرأة المتسولة أو السارقة أو البغي ، الإيحاء به ، بل يطال المجتمع ككل الذي عانى عبر العصور ولا زال من سياسة الإفقار والتجويع التي مارسها الغير عليه من أجل ضمان سكوته والسيطرة عليه .
4- الظروف والملابسات التي رافقت نشوء حركة طالبان التي حكمت بعد فترة طويلة من الحروب والدمار والفقر ، والتي عانت منذ بدء استيلائها على الحكم وحتى نهايتها القصيرة نسبياً من ظلم الآخرين ومحاربتهم لها عبر المقاطعة ورفض الحكم والعقوبات والعداوات وما إلى ذلك من شدائد طالتها من العالم كافة، كل هذا لم يتح لها أن تعمل على الإصلاح ليس فقط لأوضاع المرأة بل ولأوضاع الرجل أيضاً .

وفي الختام نقول ، إذا كانت أميركا وحلفائها تعتبر أن حربها التي كلفتها الملايين والمليارات من الدولارات قد حققت أهدافها إذا نجحت بنزع البرقه عن وجه المرأة ، فنحن نقول لها كما يقول المثل " يا فرحة ما تمت " ، وإن غداً لناظره لقريب .

 

د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط