اطبع هذه الصفحة


"فتنة" الفيلم" الفتنة"

د. نهى عدنان قاطرجي

 
بسم الله الرحمن الرحيم

يشهد العالم الغربي اليوم انتشار ما يعرف بـظاهرة "الإسلام فوبيا" ،اي الخوف من الاسلام, هذا المصطلح الذي ظهر منذ ثمانينيات القرن الماضي. وازداد استخدامه كثيراً إثر هجمات 11 ايلول 2001م. كتعبير عن التحيز والتمييز ضد الإسلام والمسلمين . وهذا الخوف من الاسلام هو ما يستغله بعض السياسيين الغربيين من أجل الوصول إلى مآربهم الشخصية. وآخر هؤلاء هو النائب " الهولندي" غيرت ويلدرز " الذي حاول عبر انتاجه لفيلم أسماه " فتنة " استثارة مشاعر الغرب ضد المسلمين وكسب أصوات ابناء شعبه من أجل إعادة انتخابه في البرلمان الهولندي من جديد.
لقد كان لصدور هذا الفيلم " الفتنة"، والذي بثه موقع "لايفليك.كوم" البريطاني على الشبكة العنكبوتية أثره في صدور موجة من الاستنكارات في العالم الأجمع ، فعبرت كثير من الدول الغربية عن استنكارها لعرض الفيلم، ومن بين هذه الدول الحكومة الهولندية نفسها . وكذلك ووجه هذا الفيلم بموجة من الغضب في العالم الإسلامي طالت الأصعدة الحكومية والشعبية كافة. وفيما عبرت الحكومات عن استنكارها لعرض الفيلم ،اجتاحت موجة من الاضطرابات والتظاهرات العارمة بعض المدن الإسلامية بعد ساعات فقط من عرض الفيلم . وكذلك غصت المنتديات الإلكترونية بالمشاركين الذين اندفعوا إلى عرض أرائهم في القضية، بينما عرضت بعض المواقع نصوصاً حول عقوبة شتم الرسول.
و على الرغم من أن هذا الفليلم قد ووجه بهذه الموجة من الغضب إلا أن السياسي الهولندي المتطرف "غيرت ويلدرز" مصمم على إصدار جزء ثان من هذا الفيلم ، يلقي فيه الضوء على ما يدعي بأنه تبعات أسلمة الغرب .
إن انتاج هذا الفيلم بجزئيه يأتي في إطار حملة مستمرة على الإسلام والمسلمين كان من مظاهرها ما نشرته الصحيفة الدنماركية "يولاندس بوستن " في سبتمبر/ أيلول من العام 2005، لاثني عشر رسماً كاريكاتورياً تسخر فيها من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتصوره بأنه إرهابي. ثم توالت صحف أخرى على إعادة نشر هذه الصور حتى وصل عدد صحف الدانمرك التي نشرتها, متحدية بذلك مشاعر جميع مسلمي العالم, الى 17 صحيفة.
وبالعودة إلى النائب " غيرت ويلدرز " منتج فيلم "الفتنة" فيذكر عنه بأنه زعيم حزب الحرية، وهو يملك 9 مقاعد في البرلمان الهولندي من أصل 150 مقعداً، وهو مشهور بكرهه وعدائه للإسلام. ومن أقواله المنقولة في هذا المجال: "إن الإسلام والقرآن تهديدان بعيدا الأمد لهولندا والعالم، وأن الإسلام هو دين خطير، والقرآن يجب أن يمنع من التداول في الأسواق والمساجد والبيوت في هولندا، لأن فيه آيات تحرّض على قتل غير المسلمين، وهو كتاب فاشي ليس له مكان في المجتمعات المتحضرة... وقد شبهه بكتاب هتلر "كفاحي""..
من هنا فإن المطلع على تاريخ هذا السياسي اليميني المتطرف لا يستغرب محاولته تشويه صورة الإسلام في فيلمه، وسعيه للتضخيم من مشاهد العنف التي حدثت في بعض الدول الأجنبية متناسياً الظلم الواقع على مسلمي العالم وخاصة في فلسطين والعراق وافغانستان.ومصوراً المسلمين على أنهم هم الذين يعتدون على اراضي الغير, وينهبون ثرواتهم, وينتهكون حرماتهم ومقدساتهم.
يبدأ الفيلم في جزئه الأول بمشاهد لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ضد الولايات المتحدة الأمريكية ويربط بين هذه المشاهد وبين سور من القرآن الكريم، وكذلك يفعل كلما يريد ان ينتقل من مشهد إلى آخر. ومن المشاهد التي وردت في الفيلم ايضا مشهد الرهائن وهي تقطع أعناقها( مع أن هذا المشهد مشكوك بصحته), ومشهد تفجير القطارات في أوروبا ترافقها خطب دينية لأئمة مسلمين ضد اليهودوالنصارى, وكذلك صور لبعض من أساءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين صدرت في حقهم فتاوى بالردة والقتل. وينتهي الفيلم بعبارة تقول "أوقفوا أسلمة أوروبا" .
إن محاولة تشويه صورة الإسلام في الغرب الذي يقوم بها هذا النائب المتطرف وغيره ، لا ينبغي أن تواجه من قبل المسلمين باستخدام العنف والتهديد، بل ينبغي أن تكون ردة فعلهم محكومة بالحكمة والتعقل واستغلال هذه الحملة من اجل الدعوة إلى الله عز وجل . والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾.
وهذا بالفعل ما حدث إثر نشر الفيلم على الموقع الالكتروني, فقد شهدت المكتبات التي تعرض كتباً إسلامية في أمستردام إقبالاً غير عادي . كذلك نفذت المصاحف الإلكترونية من الأسواق بعد يومين فقط من نشر الفيلم كما ذكرت صحيفة "آني كرين بيرج" الهولندية. كما اشهر بعض الهولنديين إسلامهم إثر ورشة عمل حوارية عقدها شباب مسلمون في هولندا شاهدوا خلالها الفيلم وقاموا بمناقشته. وأخيراً قامت مؤسسة النشر السعودية "دار البينة" بإعلان بدء مشروع توزيع مجاني لكتاب باللغة الهولندية تحت شعار "نصرة القرآن الكريم من الانفعال للفعل".
يلاحظ مما سبق أن ردات الفعل التي صدرت من مسلمين هولندا ضد أعدائهم لم تكتف بشتمهم والدعاء عليهم ، بل إنها اتخذت وسائل عملية مفيدة من أجل التعريف بهذا الدين الحنيف وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه الله عز وجل : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ .

هذا من جهة مسلمي هولندا, أما بالنسبة لباقي المسلمين في أنحاء العالم فإن واجبهم نحو نصرة هذا الدين لا يقل أهمية عن واجب اخوانهم في الغرب ، وعليهم من أجل ذلك استخدام كافة الوسائل للدفاع عن هذا الدين العظيم. و من الخطوات الفعالة التي يمكن القيام بها الامور التالية :

1- مقاطعة المنتوجات الهولندية. إذ إن من شأن هذه الخطوة أن تكبد الاقتصاد الهولندي خسائر كبرى. قال رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد في هذا الشأن: "إذا تحدى 1,3 مليار مسلم في العالم وقالوا لن نشتري (بضائع هولندية) فان ذلك سيكون فعالا" .
وهذا التحذير هو ما خشيت منه الشركات والمصانع الهولندية التي هددت بملاحقة النائب الهولندي اليميني "غيرت فيلدرز" إذا أدى فيلمه المعادي للإسلام إلى مقاطعة تجارية. وقال رئيس المنظمة الهولندية لأرباب العمل "برنارد فينتيس": "لا أعرف إذا كان فيلدرز غنيًا أو يملك تأمينًا جيداً . لكن إذا تعرضنا لمقاطعة فسنرى إذا كنا نستطيع تحميله مسئولية ذلك".
ان هذه المقاطعة لا ينبغي أن تقتصر على الناحية الاقتصادية ، بل ينبغي ان تطال كل ما يرتبط بالبلد الذي تصدر الإساءة عنه. ومن الخطوات الجريئة التي تذكر في هذا المجال ما قام به المنتخب المصري لكرة القدم للشباب عندما اعتذر عن إقامة مبارتين مع منتخب الدانمارك بسبب إعادة بعض الصحف الدانماركية نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم .
2- مقاطعة الشركات التي تروج لهذه الأفلام أو الصحف والمجلات التي تعرض مثل هذه الرسوم المسيئة . ولقد قامت مصر بخطوة في هذا المجال عندما سحبت من الأسواق مجلة "دير شبيجل" الألمانية في عددها الصادر في 1/4/ 2008 لزعمها ان الاسلام دين يدعو للعنف والارهاب. ووصفت المجلة الاسلام أيضا بأنه مذهب مسيحي .... وكذلك فعلت باكستان عندما أمرت الحكومة الباكستانية مزودي خدمة الإنترنت بمنع الدخول إلى موقع "يوتيوب"، لمنع الباكستانيين من مشاهدة الفيلم، الأمر الذي أدى، عن غير قصد، إلى توقف خدمة الموقع عالمياً لفترة قصيرة .
3- الهجوم المضاد ، ويكون عبر استخدام الوسائل نفسها التي استخدمها العدو من أجل تبيان الحقائق وتعريف الرأي العام بحقيقة الخصم والأهداف المخفية وراء حملته. ومن المحاولات التي تذكر في هذا الصدد الفيلم الذي عرضته الرابطة العربية الأوروبية في هولندا على موقع "يوتيوب" الشهير والذي جاء تحت عنوان "المفتنون"، و تظهر فيه المواقف العنصرية للنائب المتطرف تجاه المسلمين والمهاجرين. كما يعرض الفيلم لعلاقة فيلدرز الوثيقة بالعدو الصهيوني، ويورد تصريحات للنائب المتشدد يقول فيها: "زرت عدة دول كتونس وتركيا وغيرها (..) لكن لم أجد شعوراً بالتضامن مثلما وجدته في إسرائيل". ويشير الفيلم إلى أن فيلدرز المتزوج من يهودية مجرية أثار شكوكاً لدى بعض أعضاء حزبه في أنه "يتلقى تعليمات من السفارة الإسرائيلية في هولندا".
ومن الأفلام المنشورة على الموقع نفسه فيلم بثه أحد الهواة صور فيه العنف الذي يمارس ضد الشعب العراقي والمجازر التي يرتكبها الجيش الأميركي ضد الشعب العراقي المسالم .
4- استعمال جميع الوسائل المشروعة من أجل التعبير عن موقف المسلمين مما حدث. ومن هذه الوسائل الاعتصامات الصامتة, التظاهرات, وضع الملصقات والاعلانات في الشوارع ووسائل الاعلام، إقامة المعارض والندوات والمحاضرات, توزيع البيانات والكتيبات, تنظيم الحوارات مع أهل الحكمة والتعقل والإنصاف من الغربيين. كل ذلك بهدف التعريف بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقيم الاسلام, ودور الإسلام والمسلمين عبر تاريخ الحضارة الانسانية, وكيفية معاملة المسلمون لشعوب الدول التي افتتحوها مقارنة بما فعله ويفعله الغرب والصهاينة من حروب ابادة, وقهر الشعوب, واستغلال خيرات البلاد والعباد منذ خمسمئة عام وحتى اليوم. ويكفي ان نذكر هنا ابادتهم لـ112 مليون مواطن من سكان أميركا الاصليين, واستعبادهم لأبناء افريقيا, والمجازر التي ارتكبوها ويرتكبونها حالياً في فلسطين والعراق وافغانستان وكافة بلاد المسلمين.
ولا بد من مطالبة أهل السياسة والاعلام والاقتصاد في الغرب باتخاذ المواقف الموضوعية والعادلة تجاه الإسلام والمسلمين ، وذلك باتباع سياسة العصا والجزرة معهم. فمصالحم الاقتصادية في البلدان الإسلامية تقدر بآلاف المليارات من الدولارات, والدماء التي تجري في شرايين حضارتهم تنبع من تحت رمال صحراء الدول الإسلامية.
ومن المهم أيضاً التوجه إلى المراجع الدينية المسيحية واليهودية من أجل مطالبتها باحترام الدين الإسلامي, واستنكار ما يثار حوله من أضاليل وأحقاد. ونذكر من هذه التصرفات المثيرة للشبهات والنعرات ما قام به " بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر حين احتفل أمام وسائل الاعلام العالمية، بمناسبة عيد الفصح وبطريقة استفزازية لمشاعرالمسلمين, باعتناق مسلم مصري للديانة المسيحية".
واخيراً,فان هذه الأعمال المعادية للاسلام والمسلمين ستستمر وتتفاقم طالما بقي المسلمون في حالة ضعف وذلة, يستجدون الغرب كل ما يحتاجون اليه: من رغيف الخبز حتى الطائرة. وتناسوا قوله تعالى لهم في كتابه الكريم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ .
 

د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط