اطبع هذه الصفحة


الاعلانات على طرقات لبنان

د. نهى عدنان قاطرجي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


كنت في ذات يوم من ايام هذا الصيف اتأمل من خلال نافذة السيارة بعض اللوحات الاعلانية المنتشرة على احدى الطرقات الجبلية، فراودتني فكرة اجراء احصاء حول الاعلانات المتواجدة على الطريق التي كنت اسلكها . فكان مما فاجأني بعد انتهاء الاحصاء، مضمون هذه الاعلانات المعروضة والتي تضمنت المواضيع التالية:
1- اعلانات لثياب "الجينز"، التي لا تركز فقط على جسد المرأة التي تظهر مفاتنها بشكل رخيص ومبتذل ، بل تصورها في وضعيات فيها كثير من الاثارة المباشرة وغير المباشرة .
2- اعلانات الثياب الداخلية النسائية المنتشرة على المنعطفات الخطيرة، والتي لم يكتف اصحابها باظهار عري المرأة بشكل فاضح ومقزز ، بل استخدموا في احدى هذه اعلاناتهم الأسلوب الايحائي الذي فاق باباحيته الخيال البشري .
3- الاعلانات الكثيفة للفنانات والفنانين، الذين يستغلون الموسم السياحي من اجل احياء حفلاتهم الغنائية في اماكن متعددة من لبنان، ومن هذه الحفلات ما هو مجاني او رمزي مثل تلك التي تقام في اطار المهرجانات العامة، وهذا النوع مخصص لأصحاب الدخل المحددود من ابناء البلد. ومنها ما هو مكلف جدا، مما يجعله اكثر توجها للسائحين الذي يحضر بعضهم إلى لبنان خصيصا من أجل متابعة مثل هذه النشاطات الترفيهية ...
4- اعلانات لشركات ومؤسسات تجميلية تقوم باجراء عمليات تجميل، او ترميم، للنساء والرجال على حد سواء ، (بوتوكس، تكبير، تصغير، شفط دهون، زرع شعر)، كل هذا بأسعار مدروسة ومخفضة مراعاة للأزمة العالمية، واكراما لعيون بعض الزوار العرب، الذين يشكلون النسبة الكبرى من زبائن هذه المؤسسات التجميلية. علما أن هذه العمليات قد تسبب تشوهات ونتوءات على الوجوه والأجساد يعجز الأطباء الاختصاصيين عن اصلاحها .
5- اعلانات المصارف والبنوك، التي تزايدت بعد الأزمة المالية ، من اجل بث الاطمئنان في قلوب اللبنانيين على سلامة النظام المصرفي اللبناني من جهة، ومن اجل تشجيعهم على الاقتراض من جهة أخرى . و لعل اغرب هذه الاعلانات اثنين: واحد يدّعي كذباً استعداده لاقراض الناس بفائدة صفر بالمئة، والثاني يعلن تأمينه قروض مالية للعمليات التجميلية وليس للعمليات العلاجية والاستشفائية .
6- اعلانات التبغ الممنوعة في معظم دول العالم، والمسموحة في لبنان ، هذه الاعلانات التي لا تخالف الأحكام الشرعية التي تتراوح بين الحرمة والكراهة التحريمية فقط، بل انها تخالف الاتفاقيات الدولية التي وقعها لبنان في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2005 مع منظمة الصحة العالمية، من اجل منع الترويج للدخان الذي يعد السبب المباشر او غير المباشر لحوالي 350 مرضا, وعلى رأسها الامراض السرطانية .
7- اعلانات عن مراكز الطب البديل وادوية الأعشاب التي تحاول استغلال بسطاء الناس لبيعهم منتجات غالية الثمن, لم تثبت فعاليتها ولا تخلو من آثار جانبية .

إن قراءة متأنية لهذه الاعلانات تجعلنا نستخلص النتائج التالية :

1- مخالفة هذه الاعلانات للشرائع والقوانين والأعراف، حيث لم تكتف هذه اللوحات بتجاوز كل ما هو مألوف ومسموح ، بل انها تعتدي على حق المعتقَد والتفكير للأفراد .
2- الاضرار بصورة المرأة التي يستغل جسدها في كل سلعة يراد الترويج لها، فقد أظهر تقرير صادر عن "جمعية علم النفس الأميركية" أن انتشار الصور المثيرة والمبتذلة للمرأة في الاعلانات، يضر بصورة المرأة عن ذاتها وبنموها الطبيعي وبصحتها العقلية والبدنية، مما يؤدي إلى افتقادها الثقة بما يخص جسدها بالإضافة إلى الاكتئاب واضطرابات الشهية للأكل ".
وكذلك أوضح باحثون آخرون السبب في تأثير هذه الاعلانات على صحة ونمو المرأة، فهي تروج لنمط معين من النساء هن من النجمات أوعارضات الأزياء، وتستبعد النماذج الأخرى .
3- المساهمة في تزايد حوادث السير الذي تسببه هذه اللوحات الاعلانية، حيث انها تحجب الرؤية عن السائق، وتشتت افكاره، خاصة إذا كانت تحتوي على صور عارية أو على ارقام هاتفية تحتاج إلى شيء من التركيز .
إن هذه الخطورة التي تمثله مثل هذه اللوحات هي التي دفعت بمنظمات المجتمع المدني مثل "تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية" (يازا)، وجمعية مؤسسة الأبحاث العلمية SRF، واللجنة اللبنانية للوقاية من الحوادث المدرسية LASSA، إلى دق ناقوس الخطر ، والعمل على الحد من خطر هذه اللوحات على الطرقات.
اخيراً إن المطالبة بالمحافظة على الدين والقيم والأخلاق والصحة التي دعت إليها الشرائع السماوية والقوانين المحلية ، لا يكفي فيها بعض التصرفات الفردية مثل القيام بعض الشباب الغيارى بصبغ اللوحات الاعلانية الفاضحة. ولا يكفي فيها كذلك قيام بعض الشركات الاعلانية بكتابة تحذير من وزارة الصحة اللبنانية حول اضرار التدخين في اسفل اعلان التبغ. او كتابة، تحذير بضرورة العودة إلى الطبيب قبل استخدام اي دواء اعشاب. بل المطلوب أن يكون هناك تحرك كبير على صعيد المرجعيات الدينية والشعبية والاجتماعية من اجل الضغط على الجهات المسؤولة في سبيل تنظيم وضبط وجود هذه اللوحات، بما يتوافق مع القيم والأخلاق ومراعاة الصحة العامة والمحافظة على البيئة .
وإلى ان يتم هذا الأمر ما على المواطن اللبناني والسائح الأجنبي، إلا ان يلجأ إلى الرقابة الذاتية المستبطة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال " ((إياكم والجلوس في الطرقات)) قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حقه؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).

نشر الوعي الدني والأخلاق بين الشباب
نشر الوعي العلمي ... لاظهر خطور اتدخين ؟؟؟

 

د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط