اطبع هذه الصفحة


غداً بكَ أجمل ..

نور الجندلي

 
لأنّكَ يا صغيري معي ، بكلِّ ما يحمله قلبكَ البريء هذا من عطاء ، وبكلِّ ما تهبه لي آفاق عقلكَ من نجاحات .. أثقُ بأنَّ غداً حين يأتي .. سيكونُ أجمل !
قُلتَ لي يوماً بأنّني لا أثقُ بك ..
أتتبّعُ أخبارك ، وأسألُ بفضولٍ عن كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياتكَ .
تعال إليَّ ، وحدّق قليلاً في عينيّ .. ستجدُ بحراً من حنانٍ ، ومرجاً أخضرَ في قلبي .. زرعتهُ خصيصاً لكَ ، فاركض بحرّية متى تشاء ، واكسر كلّ حواجزٍ بنيت بيننا .

يَوم ولادتك ، ورغم آلامي التي أعيتني .. كنتُ أنظر في وجهكَ الصغير الرّقيق ، فتبتسمُ لي الدنيا فرحاً ..
أتعلمُ أنني رأيتُ في وجهكَ صورة أسامة بن زيدٍ قائداً ، وسمعتُ مع صوتكَ تكبير جيش طارق بن زيادٍ فاتحاً ، واهتزّ قلبي فرحاً وخيالي يقودني إليكَ شاباً وسيمَ الملامح ، رائع البسمة ، كما أراكَ الآن أمامي أروع فتى في الدنيا.
لحظتها عقدتُ النّيّة أن أكونَ لكَ عوناً ، كي تكبر وتحقّق حلمي .. وأغلى أمنياتي ..

لقّنتكَ الشّهادة ، واسمَ الله تعالى عندما بدا لي لسانك قادراً على نطقها ..
وكم فرحتُ حين أطلقتها متلعثماً ، وحاولتَ مراراً حتّى نجحت !
لكم عانقتكَ لحظتها ، وعانقت سرور الدنيا في نجاحك .

سرتُ معكَ في طريقكَ خطواتٍ كثيرةٍ .. لا أنكرُ أننا أخطأنا معاً .. لكنّنا تعلمنا أن نتجاوز الخطأ بنجاح جديد ، وتعلّمنا أن نصنع حكمةً من كلّ فشل .. فنجحنا سويّاً .
أمسكتُ بيدكَ أمرّنها على حملِ القلمِ ، فحمّلتها حياةً في قلم ، علّمتكَ أن تكتبَ فيه الضّوء ، وعلمتكَ قبلاً أن تصنعهُ في قلبك ..

وبنيتُ في داخلكَ حُبَّ الأمّة ، والوفاء لها ، ولهذا الدّين ، فرأيتُ منكَ ما سرَّ قلبي ..
أتذكرُ ؟ قلتَ لي ذاتَ يومٍ ونحنُ خارجان من المسجدِ بعد أن وضعت بيدك قطعة نقود في صندوق التبرعات .. كنت سعيداً عندما قلت لي : " أنا الآن مجاهدٌ بمالي ، فقد تصدّقتُ ، وكم أتمنّى لو قهرتُ اليهودَ فجاهدتُ بروحي " !
لمْ تلحظ دموعي حينها كم تساقطت فرحاً بكَ ، وأنتَ تنمو في الاتجاه الصّحيح ، تماماً نحو الشّمس .
عرفتُ أنّ غرستي لم تذبل ، ولن يموت لها أثر ، ففي الله علّمتكَ وله .. أخبرني الآن كيفَ لا أثقُ بك ؟

منحتُكَ قلبي ، فامنحني أنتَ الثّقةُ كي نستعينَ على خير ، ونجتازَ كلّ العقبات ..
صارحني بمشكلاتكَ ، دعنا نبحثُ معاً لها عن حلّ .
لن ينتهِ العالمُ إن أخطأتَ ، لكنّه سينتهي فيهِ الخير إن تعمّدنا الخطأ وقمنا بتكراره .

يا ولدي .. غداً ستكبرُ وتغدو أباً ، وسيغدو لكَ طفلٌ تحبُّه وتخشى عليهِ مخاطر الزّمان ، وفتنة الضّياعِ ، وصحبة السّوءِ من الأشرار .
غداً سيقودكَ عقلك لأن تراقبه ، وسيأخذك قلبكَ لأن تحاسبه ، وستحملُ همومه حملاً ثقيلاً بحجم الجبال ، ولن يهنأ لك بالٌ حتى تطمئنَّ عليه .
ستشعرُ وقتها بشعوري ، وسيجتاحكَ ألمٌ إن أخفقت تربية أو بناءً ، ستعلمُ حينها كم أحببتكَ ، وكم عقدتُ الآمال عليكَ مسلماً عظيماً ، تنطوي الأرضُ تحتَ أقدامِ همّته ، وتغيبُ الشّموسُ أمام ضياءِ روحه ، وتنبعثُ في الفضاءِ ألفُ نجمةٍ تحيّة لقلبهِ .
فكن لي كما تتمنى أن يكون ولدكَ لك ، واسأل الله الإخلاصَ ، واجعل قلبك عامرٌ به دائماً .. والله يحفظكَ ويرعاكَ ..

أّمُّكَ ..
 

نُورٌ ومِسك
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط