اطبع هذه الصفحة


الديني والسياسي في هرمجدون

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
بدا لي وفي هذا الوقت بالذات أن إلقاء الضوء على ما أنا بصدده من الأهمية بمكان، إذ إن كثيرا من المسلمين يعتقدون أن الدعم الأمريكي للدولة الصهيونية نابع من تأييد سياسي، جرياً وراء مصالح مادية تجمعهم ليس إلا، وهم في ذلك قد جانبوا الصواب..
إن غالبية مواطني الولايات المتحدة الأمريكية من اتباع (الكنيسة الإنجيلية) ذات الجذور البروتستانتية، وتعاليم هذه الكنيسة تؤكد أن خلف التأييد اليمين المسيحي المتشدد للدولة الصهيونية دوافع دينية عميقة الجذور، استغلتها الدولة الصهيونية، بشكل مكن لوجودها في وجدان المسيحيين المتدينين التابعين لتلك الكنيسة.
لقد ضمنت هذه الدولة الغاصبة اعتراف (الكنيسة الإنجيلية) بوجودها الصهيوني، كما ضمنت تأييدها لهذا التوجه الصهيوني، فهذه الكنيسة تؤمن بحرفية وقدسية كتاب اليهود (العهد القديم)، الذي ينص على وجوب قيام دولة إسرائيل قبل نهاية العالم.
وعليه لم يكن مستغرباً للمتابع أن لا يجد أي مقاومة أو رفض للسياسة الصهيونية، من قبل التابعين لهذه الكنيسة، التي مع تعدد فروعها تعتقد في مجملها اعتقادا جازماً أن مساندة اليهود في احتلالهم لأرض فلسطين مطلب مقدس.

أما كيف ذاك؟ فإليكم نظرية (هرمجدون) المقدسة، أو ما يطلق عليها (المعركة الأخيرة) التي تعلن قرب نهاية العالم،وذلك بنشوب حرب عالمية ذات طابع ذري، تقع بين إسرائيل -المحتلة - وأعدائها الرابضين لها، وهم - كما يروي بعضهم - روسيا، وأضاف آخرون دول أخرى، وهي إيران، العرب والمسلمين والأفارقة، وخلال هذه الحرب سيقضى على ملايين من الإسرائيليين، أما المتبقي من اليهود فسيتم - حسب زعمهم- رفعهم ليتم توحدهم والمسيحيين مع المسيح كما تؤكد هذه النظرية أنه سيتم القضاء على جيوش الغزاة بواسطة قنبلة ذرية.. ليعود بعدها المسيح - كما يدعون - إلى الأرض بجيش من القدسيين لمعاقبة غير المؤمنين، وتحطيم قوى الشيطان المعادية له، في معركة الخير والشر، المسماة بـ(هرمجدون) نسبة إلى سهل (المجدل) في فلسطين..لتنتهي هذه الكارثة كما يزعمون بعصر الألف عام السعيدة.
وأتباع (الكنيسة الإنجيلية) يؤمنون أن تفاصيل هذه النظرية واردة في (التوراة) كتاب اليهود المقدس،، انظر لسفر الرؤيا، الإصحاح 20: 1-6، الأساس التوراتي لهذه النظرية، أنظر كذلك حزقيال الإصحاحيين 38و39، ويؤمنون أيضاً أن واجبهم الديني يحتم عليهم المساهمة الفعالة في التعجيل لظهور المسيح.. وهو ما يتطلب منهم ابتداء المساندة الفعلية للاحتلال الصهيوني.. بل ويجعلون ذلك نوعاً من العبادة.
إن انتشار هذه النظرية في أمريكا بدأت مع النصف الأول من القرن التاسع عشر، مع قيام (جون نلسون داربي) القسيس في كنيسة إنجلترا، بعدة زيارات إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي إحدى زياراته لأمريكا التقى بـ(سايروس انجيرزون سكوفليد) الأمريكي الجنسية، وعلى يد هذا الأخير بدأت نظرية (هرمجدون) في الانتشار في معظم الولايات المتحدة الأمريكية..
وقد قاما بوضع (النبوءة) كمعتقد أساسي للمسيحية كما فهماها، وفي أواخر القرن التاسع عشر عقد (سوكفيلد)عدة مؤتمرات،حول النبوءات الواردة في الكتاب المقدس، مع تركيزه على ما تعلمه من (داربي) من اعتقاده بوجود مخططين، الأول منهما مخطط الله على الأرض من أجل إسرائيل، والثاني مخطط الله في السماء من أجل خلاص المسيحيين، مع سعيه الحثيث لإدخال ملاحظاته تلك في مرجع إنجيلي معتمد.
ويؤمن المسيحيون المخلصون (للكنسية الانجيلية) بـ(هرمجدون، لأنها بمثابة إعلان خلاصهم على يد المسيح، الذي بزعمهم كما ذكرت آنفاً، سوف يرفعهم إلى السحاب وينقذهم من المعاناة التي تلحق بأعدائه وأعدائهم في نهاية العالم.
تكمن الخطورة القصوى لهذه الكنيسة الصهيونية ليس في تنمي نفوذها في الغرب فقط، بل وفي تزايد نفوذها يوماً بعد يوم في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الراغب في الاطلاع على نشاطها في الشرق، النظر لتقرير مجلس كنائس الشرق الأوسط، والمعنون بـ (الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، عن دار الوحدة،لبنان، 1988م) ففي هذا التقرير الكثير مما ينبغي علينا الوقوف عليه.. لعل الرأي العام العربي يدرك خطورة أهداف هذه الكنيسة الإنجيلية..ويسعى لإيقاف نشاطها الصهيوني.

وإليكم نموذجاً لنشاط هذه الكنيسة في الشرق الأوسط ففي عام 1980م، تم إعلان تأسيس منظمة أطلق عليها (سفارة المسيحية الدولية) وذلك في القدس الغربية، وبحضور ألف رجل من رجال الدين المسيحي يمثلون 23 دولة، حضر هذه المناسبة وباركها بطبيعة الحال عدد كبير من المسؤولين في دولة صهيون..
لقد أعلن مؤسس هذه السفارة ومديرها هولندي الجنسية، (جان فان هوفين) الهدف من تأسيس هذه السفارة بقوله: (إننا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وإن القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى باهتمام الله، وأن الله قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد).
ويلاحظ أن لهذه السفارة عدة قنصليات منتشرة في (37) دولة، في أوروبا الغربية وأستراليا وكندا وإفريقيا، كما يوجد لها (20) فرعا في الولايات المتحدة فقط.
هذه المنظمة حلقة واحد من سلسلة طويلة لمنظمات مسيحية صهيونية عالمية، تهدف إلى تعبئة الرأي العام، وممارسة الضغط على الحكومات الموالية والمعادية لوجود إسرائيل، والاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لها.
لقد آن الأوان أن ندرك أن سعي الكثيرين من الشعب الأمريكي لنصرة دولة صهيون الغاصبة، نابع من إيمانهم.. لعلنا بذلك نقف على الداء.. فنتمكن بعده من وصف الدواء..
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط