اطبع هذه الصفحة


هل ما زال حياً ..أم انزوى في عالم النسيان؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
لا أدري إن كان(مركز الدراسات السعودية في واشنطن)ما زال حيا يرزق، مجاهدا ثابتا واثق الخطى، أم إنه وبسبب جفاف موارده وجفوة أهله انزوى في عالم النسيان..؟

لا أدري إلى متى سنصمت على تلك المهازل التي تحاول النيل منا كوطن يؤمن بدين الله،ولا يرضى بغيره بدلا، لا أدري إن كان هذا الصمت مرده الثقة أم اللا مبالاة،أم الاستخفاف،أم هذا وذاك ؟ ولكنى أعلم أن ما يحاك ضد المملكة العربية السعودية نابع من حقد دفين،وأن تلك المحاولات قد لا تتوقف ولكنها بكل تأكيد - بحول الله وقوته - لن تحقق النجاح الذي تتطلع إليه.

ومن هنا كان طبيعيا أن تنتهي الجلسة التي عقدتها لجنة القضاء في الكونجرس لمناقشة المزاعم المتعلقة بدعم المملكة للإرهاب والهادفة لاعتماد (قانون محاسبة السعودية) بالفشل .

لقد رفض تمرير القانون رجال مخلصون لوطنهم ولمصالحه، وللقيم التي يعتقد أنها تمثل بلادهم ،من هؤلاء نذكر السيد أنتوني كوردسمان رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية والذي كان له دور فاعل في إفشال تلك المطالبات،فقد نفى أثناء إدلائه بشهادته الاتهامات التي وجهت للمملكة وختم شهادته برفضه أي تشريع متعلق بمحاسبة المملكة العربية السعودية .

هذا القانون كان محل استهجان عدد من المؤسسات المعتبرة للبحث العلمي الأمريكي ،فقد أصدرت مؤسسة أبحاث سياسة الشرق الأوسط بيانا جاء فيه: (إن تمرير هذا القانون ضد السعودية يعني خسارة أمريكا لوظائف تعد بالآلاف ،إذ إن المملكة تقدم لأمريكا 124 ألف وظيفة، وسيصل عددها إلى 177 ألف وظيفة من الوظائف ذات المرتبات المرتفعة بحلول عام 2020م )!

هذه المحاولة الفاشلة لتمرير هذا القانون لم تكن وليدة اللحظة فقد ظهرت على الساحة الأمريكية منذ سنوات،هذا ما أشار إليه مدير قسم الأبحاث في مؤسسة أبحاث سياسة الشرق الأوسط جرانت سميث بقوله: (ليس هناك سبب لإعادة إحياء محاولات تمرير القانون سوى أن المحافظين الجدد يريدون أن تكون السعودية دائما على النار لا في إناء الطهو ولا على جانب النار ولكن في قلب النار،يريدون ألا تلتقط العلاقات السعودية الأمريكية أنفاسها) كما عمد لبيان محركي هذا التوجه بقوله :( إنها جماعات المصالح والضغط مثل مجلة الويكلي ستاندر،ومنظمة إيباك) وكلتا الجهتين مجلة الويكلي ستاندر أو منظمة إيباك يعرف عنهما الولاء للكيان الصهيوني .

إن الإصرار مجددا على تمرير هذا القانون،وكلام السيد جرانت ،ذكرني بما تناقلته وكالات الأنباء عام 2003م، إذ كشفت مصادر دبلوماسية في حينه أن السفارة الإسرائيلية في واشنطن تتبنى حملة لترويج مشروع قانون محاسبة السعودية على غرار محاسبة سوريا،وذلك عبر حملة توقيعات في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب...مستعينة بشتى وسائل الإعلام الأمريكية،ولم تكتف السفارة الإسرائيلية في واشنطن بهذا بل عمدت لضخ حوالي ثلاثين مليون دولار لإنجاح هذه الحملة.

ومن هنا وجب التوقف عند الدور الهام الذي تلعبه مراكز الدراسات المستقلة في مجرى السياسات الأمريكية ،فكما هو ملاحظ كانت معظم الشهادات التي طلبت للإدلاء بوجهة نظرها من ممثلين لمراكز دراسات أمريكية.

وأنا هنا بدوري أتساءل عن الدور المغيب لـ( مركز الدراسات السعودية في واشنطن) في هذا الشأن،فلم أسمع ما يدل على أنه ما زال على رأس العمل..؟ ولم أتمكن من متابعة تفاعله في مواجهة هذه الحملة الصهيونية الأمريكية المحافظة ضد المملكة العربية السعودية.. أو أنه قدم نشاطا ثقافيا أو إعلاميا ناقش من خلاله معطيات ذلك المشروع وتعميماته.

ولمن لا يعلم فـ(مركز الدراسات السعودية في واشنطن) تأسس عام 2001م،على يد الدكتور عبدالله بن موسى الطاير،الأكاديمي السعودي الذي أدرك بحكم متابعته للأوساط الفكرية الأمريكية افتقاد الساحة الأمريكية لأمثاله،إذ من خلاله ستتمكن الإدارة الأمريكية من سماع صوتنا باللغة التي تفهمها.

ويؤكد الدكتور الطاير أن هذا المركز:( مؤسسة أمريكية أخذت على نفسها تقديم موضوعاتها بنكهة سعودية مستفيدة من الوسائل والعقول الأمريكية والمحبين للمملكة العربية السعودية في أمريكا..) أما عن تمويله فقد بين أنه يمول بشكل عام من قبل القطاع الخاص سواء تواجد على أرض أمريكية أو سعودية،وأنه كغيره من المراكز البحثية الأمريكية يقوم ببيع خدماته الاستشارية للجانبين السعودي والأمريكي،ويقبل المنح التي قد تصل إليه من قبل المؤسسات الأمريكية المهتمة بالبحث العلمي والنشاط الثقافي.

كما يؤكد الدكتور عبدالله تميز الإنسان السعودي وتفانيه إذ إن أغلب السعوديين العاملين معه يعملون دون مقابل من بيوتهم، مسخرين في سبيل ذلك أموالهم وعلاقاتهم الشخصية،كما يشيد بالعقل السعودي فيقول: (والواقع أنه رغم شراسة اللوبي الصهيوني في واشنطن،فإن العقل السعودي يستطيع التعامل معه) .
والمؤلم أن هذا المركز مع ما ناله من تشجيع شخصي من قبل صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن آنذاك،إلا أنه واجه في الوقت نفسه معارضة مبيتة من قبل جماعات الضغط والمصالح داخل دوائر صناعة القرار السعودي فيما يخص العلاقات مع أمريكا .. ولم تكن هذه آخر معاناته فقد شُنت عليه حرب شرسة إما تجاهلا أو تخوينا أو تآمرا أو الفصل التعسفي لأحد مؤسسيه من قبل مؤسسة سعودية، على اعتبار أن ما يقوم به يتعارض مع عمل تلك المؤسسة.

إن هذا المركز هو واحد من العديد من المراكز المتخصصة في العاصمة واشنطن، ولكنه فريد من نوعه من حيث الاهتمام بالشأن السعودي..وجميل أن نشارك كمواطنين ومواطنات طموح القائمين عليه والهادف لجذب المخطط الأمريكي والتشريعي أو التنفيذي لطلب المعلومة،كلما توقف عند الشأن السعودي.
إن أهمية دعم هذا المركز هو لأهدافه، ولأن الطبيعة السياسية والتشريعية الأمريكية تعتمد في المقام الأول على الدراسات والأبحاث التي تطرح من قبل مراكز دراسات أمريكية مستقلة .. فهذه هي اللغة التي يفهمها ويتعامل بها المجتمع المدني الأمريكي.

إن الواقع يدفعني لعتاب الخيرين في هذه البلاد الذين يُحجمون عن دعم أمثال هذه المراكز العلمية على أهميتها،وبالرغم من إدراكهم أنها قائمة على تبرعات القطاع الخاص،في حين نجدهم يبادرون لدعم مشاريع خيرية داخل نطاق الضمان الاجتماعي، أو التابعة للمؤسسات الصحية،ولن أكون مبالغة لو قررت ندرة الدعم الموجه من القطاع الخاص لمؤسسات أو مراكز أبحاث متخصصة.

ولا أدري إن كان( مركز الدراسات السعودية في واشنطن)ما زال حيا يرزق، مجاهدا ثابتا واثق الخطى، أم إنه وبسبب جفاف موارده وجفوة أهله انزوى في عالم النسيان..؟

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط