اطبع هذه الصفحة


تحفظ لا بد لنا منه

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
هذا التحفظ الملازم للمفاوض السعودي أياً كان تخصصه هو العرف السائد في كل المحافل الدولية التي تتوقف المملكة العربية السعودية على أرضها، وبالتالي فالحديث عنه يكاد يكون من باب تعريف المعرف...

لا تخلو - ولله الحمد - الاتفاقيات الدولية التي تضم المملكة العربية السعودية من إضافتها لنص يوضح من خلاله تحفظها على ما يمكن أن تحمله البنود أو التطبيقات من التعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية، وبالتالي فأي تطبيقات سعودية أو غير سعودية تدار على أرض الوطن، تدخل تحت هذا التعارض تكون غير ملزمة بل وملغاة.

هذا التحفظ الملازم للمفاوض السعودي أياً كان تخصصه هو العرف السائد في كل المحافل الدولية التي تتوقف المملكة العربية السعودية على أرضها، وبالتالي فالحديث عنه يكاد يكون من باب تعريف المعرف، والمعرف - كما نعلم - لا يعرف..
وفي هذا المقام يجدر بنا كمواطنين ومواطنات معنيين بالوضع الداخلي والخارجي للبلاد، تذكير القائمات على منتدى " المرأة وأهداف الألفية " والتابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي سيبدأ نشاطه كما أعلن اليوم، بهذا الشرط الملزم.
إذ يظهر من خلال متابعة أهداف هذا المنتدى، والدور الذي يتطلع له والتحديات التي أطلق عليها "التحديات الألفية" بل ومن خلال المحاور الرئيسية للورش الخمس المقرر تدارسها، والأهداف المحددة لكل منها مسبقا، الإغفال التام لهذا التحفظ الملزم، إذا لن يجد المتابع أي إشارة إليه لا من بعيد ولا من قريب.. وكأنه يتدارس ويتعامل مع شأن لا يمت بصلة بالمملكة العربية السعودية.
إن الدعوة لتمكين المرأة السعودية وأهمية دورها القيادي والتنموي في شتى القطاعات الوطنية -ودون استثناء - ستعالج من خلال ورش بالمفهوم الغربي الواسع لهذا التمكين ولتلك القيادة، وهو ما لا يتفق - بجملته - مع أولوياتنا كأمة توحدت أطرافها حول كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، أمة ارتضت لها دستورا ارتضاه الله لها..
كما أن التقليل من أهمية البنية البيولوجية في تحديد دورها في مجالات لا يتفق مع مفهومنا وتفسيرنا للحياة، بل لا يتفق مع مفهوم علماء غربيين نالوا من المحافل العلمية التقدير والإجلال.

أذكر هنا صاحب كتاب:"الإنسان ذلك المجهول"البروفيسور الدكتور "الكسس كاريل" المتخصص في علم وظائف الأعضاء، والذي حصل على جائزة نوبل، إذ قال: (إن الاختلاف بين الذكر والأنثى لا يرجع للأعضاء التناسلية ووجود الرحم.بل للأنسجة وتلقيح الجسم بمواد كيميائية محددة يفرزها المبيض، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها ونوعها، والأمر نفسه يتحقق بالنسبة لبقية أعضائها، وكذا لجهازها العصبي) بل أضاف:(يجب أن يعيد المجتمع الغربي تنشئة الإنسان، هذا الإنسان الذي أضعفته الحياة العصرية ومقاييسها الموضوعية، فيكون الفرد فيه إما ذكرا أو أنثى، فلا يتقمص مطلقا صفات الجنس الآخر العقلية، وميوله، وطموحه الذاتي) وحتى لا يصدر من أحدنا اتهام لهذا العالم بالتمييز أو العنصرية ضد المرأة، لابد من الإشارة إلى أنه أعلن أن للمرأة دورا أعظم من دور الرجل في تحقيق التقدم إذ نجده يوصي النساء بقوله : (عليكن أن تعملن على تنمية قدراتكن بحسب طبيعتكن، دون محاولة تقليد الرجال، فإن دوركن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال).

وبالتالي فمفهوم "الجندر" على اختلاف التفسيرات وتشعبها، والذي تنادي به الأمم المتحدة ببرامجها التنموية، لا يتفق مع ما ذهب إليه هذا العالم الغربي، بل لا يتفق مع الدين الإسلامي، الذي حدد لكل من الرجال والنساء حقوقا وواجبات، قد تختلف من جوانب عدة إلا أن اختلافها هذا اختلاف تكامل لا تعارض، هي في مجملها كالسالب والموجب عنصرا تجاذب لا تنافر، نسعى لتثبيته كوطن سعودي.
وبما أننا نسمع بين الحين والآخر الدعوة لاحترام التخصص، وهو ما يدفعني لمطالبة القائمات على هذا المنتدى باحترام تخصص كل من الذكر والأنثى، فكما للرجل واجب يتناسب وطبيعته، للنساء واجب يتناسب وطبيعتهن،وكما أن الرجل عاجز عن القيام بالحمل والرضاعة الطبيعية فالمرأة عاجزة هي بدورها عن القيام بمهام الرجل الطبيعية.

الحقيقة أني لا أقبل أن تكون المرأة المسلمة بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة داخلة ضمن نطاق المرأة الغربية التي تحدثت عنها"أجاثا كريستي" بقولها:(إن المرأة الغربية مغفلة.. لأن مركز المرأة في مجتمعنا الغربي يزداد سواء يوما بعد يوم، نحن النساء نتصرف تصرفا أحمق، لأننا بذلنا جهدا كبيرا خلال السنوات الماضية للحصول على حق العمل والمساواة مع الرجل، والرجال ليسوا بأغبياء شجعونا على ذلك..)
واقع المرأة الغربية الحالي يؤكد معاناتها الاجتماعية والمادية، فمهما كانت مؤهلاتها، وتميزها، إلا أنها لم تتمكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، من إقناع المقننين في بلادها من اعتماد مبدأ مساواتها بأجور الرجال.
إذ ينال الرجل في تلك المجتمعات أجرا أعظم من أجرها، ولو كانت مؤهلاتهما واحدة و إنتاجهما متساوياً، والسبب الكامن خلف هذا التمييز لا يفسر إلا بأنها أنثى.. طبيعتها الإنسانية تفرض هذه التفرقة.

والحقيقة لا أعرف كيف كنت سأتعامل لو ابتليت بالحياة داخل حدود ذلك الفكر الغربي الذي يعلن خلاف ما يبطن، ففي حين يعلن إيمانه بحق مساواة المرأة بالرجل من حيث الواجبات، يرفض التوقف ولو للحظات عند تقنين مساواتها معه بالحقوق المادية، بل لم تر الساحة الغربية إلى اليوم رئيسا لدولة يعلن رفضه لهذا الضيم الذي لازم المرأة الغربية طويلا.

قد تكون نية القائمات على منتدى"المرأة وأهداف الألفية" سليمة إلا أن منهاج التنفيذ يحوم حوله الشبهات، فالسرية التي غلفت المنتدى، ورفض القائمات عليه الإعلان عن الكيفية التي اعتمدنها في اختيارهن للمتحدثات الرسميات والمشاركات فيه، ورفضهن الإعلان عن برنامج المنتدى عبر وسائل الإعلام، وتبرير رفضهن الإعلان عن أسماء المتحدثات والمشاركات بأن ذلك قد لا يكون مقبولا اجتماعيا، بل إن إحدى المنسقات الشابات حاولت إقناعي بسطوة هذا المبرر بقولها:(هل تقبلين أن يكتب اسمك على صفحات الجرائد؟) ويبدو أن جوابي لم يكن مرضيا بالشكل الذي تطمح إليه، فأعادت الاستفسار بقولها : (هل تقبلين أن يكتب اسمك كاملا على صفحات الجرائد؟!)..

ومن هنا أتساءل كيف تأتى لهذا المنتدى الخروج عن قاعدته تلك والإعلان عن اسم صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز.. الراعية لهذا المنتدى، والإصرار على السكوت بل والتكتم عن ذكر غيرها من المتحدثات والمشاركات..؟! بل وحرص تلك المنسقة على الاستفسار عن كيفية معرفة العامة بأسمائهن، وهي أسماء رعى المنتدى السرية في التعامل معها؟

أعتقد أن منتدى كهذا يتطرق لحياتنا كنساء سعوديات، من الواجب الإعلان عنه وعن نتائجه، خاصة أن اللجنة المنظمة للمنتدى ستعمل في نهايته لرفع تقرير عام لكافة النقاشات التي دارت، سواء العامة منها أو داخل غرف الورش الخاصة، لمكتب ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي..والمعين بطبيعة الحال من قبلها.
وغني عن البيان أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يسعى لفرض الفلسفة الغربية على نشاطاته ضارباً عرض الحائط بتحفظ المملكة العربية السعودية على أي قرارات تتعارض مع الشريعة الإسلامية.. كمطالبتها على سبيل المثال بالتماثل المطلق بين الرجال والنساء، وتعهدها بإلغاء كل التشريعات والقوانين المحلية التي تخالف هذا التوجه..ولو كانت إلهية المصدر.

وأخيرا علينا أن نوجه بطاقة للقائمات على هذا المنتدى نذكرهن من خلالها أننا لا نقبل أن نعيش بحلول اجتماعية غربية تحمل تناقضا مع إيماننا، من الواجب تذكيرهن وهن المؤمنات بالديمقراطية وبرأي الأغلبية أن هذا التحفظ لا بد لنا منه، وهو ثابت على الصعيد الرسمي والعام على حد سواء.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط